معركة الأمة والأقصى.. أم معركة غزة والضاحية؟
تاريخ النشر: 25th, November 2024 GMT
التعريف هو مبدأ العلم وأساسه وهو بالطبع ذو صلة بالمعرفة، والمعرفة في حقيقتها هي العلم ذاته، وكما يُعرف الإنسان باسمه وسيرته وخصائصه التي يتميز بها، كذلك يعرف أي شيء في الدنيا، ليس فقط لتطبيق قول الجرجاني (ت: 1416م) رحمه الله من أن التعريف هو: ذكر شيء تستلزم معرفته معرفة شيء آخر، ولكن أيضا لأنه من خلاله يستطيع الإنسان بوضوح ودقة تكوين صورة، يستطيع أن يتصور بها موضوع ما، حتى لو لم يكن لديه اتصال مباشر بهذا الموضوع.
لذلك سيتوجب علينا جميعا أن نُعرّف هذه المعركة التي تدور الآن في الشام وفلسطين، وأحد طرفيها أبناء أمتنا (كما كان تعريف حالنا مما يقرب من 100 سنة مضت!) والطرف الآخر هو الغرب الأوروبي وأمريكا.
تنقل لنا الصورة أبناءنا وأخوتنا وهم يستعدون ويقاتلون، ولا يخلو مقطع مما نراه من القرآن وآياته، سواء كانوا في لبنان أو في غزة.
هم يقاتلون إذن تحت "راية القرآن"، ولن أتحدث هنا عن العمق الفكري والنفسي الذي بدأوا منه وبه، وقامت عليه مقاومتهم، وقوامهم كمقاتلين، يقاتلون من أجل قضية إنسانية وعادلة، بغض النظر عن موقفك من منطلقاتهم الفكرية، التي ابتعثت فيهم هذه الهمة وهذا العزم من أجل تلك القضية العادلة.
* * *
هذا ما نراه ويراه العالم كله، وهم رغم المسخ والتشويه والتشويش الذي مارسته ولا تزال أجهزة الغرب على فكرة الإصلاح الإسلامي (فكريا وحركيا) على مدى نصف قرن مضى، إلا أن كل محاولتهم لإلحاق المشهد الحالي للمعركة بهذه الصورة المشوهة (داعش وأخواتها) قد فشلت، إلى حد أنهم باتوا يكررونها في سأم وسخف، وأصبحت صورة نتنياهو وهو يتحدث عن الحضارة والبربرية من أكثر صور الطرافة والتندر، خاصة بعد صدور مذكرة اعتقال بحقه من المحكمة الجنائية الدولية الأسبوع الماضي..
تنقل لنا الصورة أيضا من الغرب "مشاهد عجيبة"، لم نرها من قبل في تاريخ الصراع الحالي، والذي تدور دوائره من بعد الحرب العالمية الثانية (1945م)، وهو الصراع الذي يتمركز حول نقطة محددة وواضحة وأصبحت معروفة ومفهومة تماما لتلاميذ السياسة والتاريخ في أي مدرسة أو جامعة، وهي ضرورة أن يكون للغرب الاستعماري قاعدة متقدمة (دولة إسرائيل) لرعاية مصالحه (الفكرية والاستراتيجية) في هذه البقعة من جغرافيا العالم..
* * *
هذه المشاهد العجيبة والتي نتابعها على مدار العام الماضي هي مظاهرات الشوارع والميادين التي تندد وترفض تلك الحرب الخبيثة في الشرق الأوسط على لبنان وغزة، والتي هي بشكل أو بآخر طرف فيها، دعك من الجامعات، فهي في النهاية طليعة معرفية وعلمية.
والشيء بالشيء يذكر، فالذي يرى الاحتجاجات في جامعة كولومبيا ومخيم التضامن (50 خيمة) الذي أقامه الطلاب في 17 نيسان/ أبريل الماضي، مطالبين الجامعة بسحب علاقاتها مع إسرائيل.. سيفهم ما هذا الذي يحدث في العالم الآن، حين يعرف أنه في نفس الجامعة سنة 2000م قامت مظاهرة مؤيدة لإسرائيل، وضد أحد أهم أساتذتها، إن لم يكن أهمهم جميعا (د. إدوارد سعيد/ ت: 2003م) بعد زيارته لجنوب لبنان (3 تموز/ يوليو 2000م) وإلقائه حجرا عند "بوابة فاطمة" من خلف السور الفاصل بين إسرائيل وحدود جنوب لبنان بمناسبة الاحتفال بالنصر وانسحاب إسرائيل. (وتلك القصة أخذت أبعادها في الصحافة العالمية وقتها بطبيعة الحال).
وخرج رئيس الجامعة وقتها (د. جورج إيريك) وقال للمتظاهرين إنه لم يكن في برنامجه الاجتماع بهم لأمر سخيف كالذي حاولوا التعبير عنه، لكنه أراد أن يذكرهم بأن الامتيازات التي يتمتعون بها بعد تخرجهم من جامعة كولومبيا، تعود في أصلها إلى وجود ما ادعوا تسميته زورا وبهتانا بـ"أستاذ الإرهاب" (إدوارد سعيد أستاذ جامعة كولومبيا وأمثاله).. كما حكى لنا أ. محمد شاهين في تقديمه للكتاب الرائع الذي أصدره تلميذ إدوارد سعيد النجيب، د. تيموثى برنان، "إدوارد سعيد.. أماكن الفكر"، عالم المعرفة العدد 492.
* * *
وقد أوردتُ هذه الحادثة لا للتدليل على ما أحدثه الطوفان في الوعي العالمي بحقيقة هذا الذي يحدث في الشرق الأوسط الآن، ولا لأني أحد قراء ومحبي "أستاذ الإرهاب"، العلامة الجميل الأنيق ذي الإشراقة الوسيمة الصادقة، د. إدوارد سعيد رحمه الله.. إنما ذكرته لأن الراحل الكبير كان أحد أوائل من صرخوا صرختهم المدوية ضد اتفاق أوسلو (1993م).
هذه الحرب التي تدور رحاها الآن في الشرق الأوسط هي "حرب الأمة" وفي القلب منها القدس والقبلة الأولى، هم في الغرب يحاولون منع تكون سطر واحد من الوعي بهذا التعريف وهذا العنوان، ويأخذون العالم إلى عناوين صغيرة مثل: اليوم التالي في غزة، حكم حماس، حل الدولتين، القرار الأممي 1701، ما وراء الليطاني
ولا أنسى جملة الأستاذ هيكل (ت: 2016م) رحمه الله وهو يقول في الجامعة الأمريكية في القاهرة سنة 1994م، أنه طوال الأسبوع الماضي يتلقى مكالمات تلفونية من د. إدوارد سعيد وهو يبكي معرفة وشرحا، ومن محمود درويش (ت: 2008م) وهو يبكي شعرا ونثرا، عن هذا الذي فعله السيد ياسر عرفات (ت: 2004م)، وفعلته منظمة التحرير بقضية الأمة (فلسطين).. رحمهم الله جميعا.
* * *
جيل كيبيل (69 سنة)، الأستاذ بمعهد باريس للدراسات السياسية، وهو بالنسبة للدراسات الإسلامية ودراسات الشرق الأوسط أشهر من أن يُعرّف، قال في تعليقه على "طوفان الأقصى" فور حدوثه: عواقب 7 أكتوبر ستهز النظام الدولي كله كما تم تصميمه في أعقاب الحرب العالمية الثانية..
هذه "جملة مفتاح" كما يقولون، وهي لا تكتسب كمال معناها إلا إذا عرفنا جوهر الصراع الذي كان يدور في العالم وقتها، ويتصل أحد أهم روافده بعالم الإسلام، هذا إذا أرجعنا الأمور لجذورها وعرفنا أن الحرب العالمية الثانية قد بدأت يوم نهاية الحرب العالمية الأولى (1918م)، والتي كان أحد أهم أسباب قيامها إنهاء الرابطة الجامعة لعالم الإسلام (الخلافة) والتعامل مع العالم الإسلامي ليس كوحدة واحدة تجمعها "أمة واحدة"، ولكن كوحدات مقسمة، بينها حدود فاصلة، يتم توزيعها وفق خريطة جديدة تماما..
* * *
هذه الحرب التي تدور رحاها الآن في الشرق الأوسط هي "حرب الأمة" وفي القلب منها القدس والقبلة الأولى، هم في الغرب يحاولون منع تكون سطر واحد من الوعي بهذا التعريف وهذا العنوان، ويأخذون العالم إلى عناوين صغيرة مثل: اليوم التالي في غزة، حكم حماس، حل الدولتين، القرار الأممي 1701، ما وراء الليطاني.. الخ.
لكن تأبى الحقيقة إلا الإعلان عن نفسها، وقد أوشكت، هي فقط مسألة متى؟.. لا مسألة كيف؟
x.com/helhamamy
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه لبنان غزة الشرق الأوسط لبنان الشرق الأوسط غزة المقاومة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الشرق الأوسط الحرب العالمیة إدوارد سعید
إقرأ أيضاً:
الدبلوماسية التي تغير العالم تبدأ بالتعاطف
في عالمٍ تتزايد فيه الأزمات عددًا وحدّة، لا يمكن تحقيق السلام إلا منكامل الغريبي لماذا يجب أن تتبنى الدبلوماسية الحديثة التعاطف خلال التعاون الصادق.
فكما قال البابا ليون الرابع عشر في حديثه إلى السلك الدبلوماسي، فإن التعاون الحقيقي لا يُبنى على الإكراه، بل ينبع من الاحترام المتبادل والإصغاء الفعّال.
لقد أثبتت التجارب أن الحلول الدائمة في السياسة الخارجية لا تتحقق عبر الضغط، بل عبر قوة الشراكة. فعندما يتم التعامل مع الدول بروح من الاحترام والتعاطف، تكون أكثر استعدادًا للدخول في حوار بنّاء والسعي نحو حلول مشتركة؛ لاسيّما عند مواجهة تحديات معقّدة كالهجرة غير النظامية، التي تتطلب التعاون لا المواجهة.
إن العلاقات الدولية الإيجابية، القائمة على الثقة والمنفعة المتبادلة، تُعدّ السبيل الأنجع لتحقيق تقدم حقيقي ومستدام. فنهج التعاون القائم على الاحترام المتبادل لا يسهم فقط في تعزيز الانسجام العالمي، بل يضمن أيضًا نتائج ملموسة ومستدامة لجميع الأطراف المعنية.
وإذا أردنا إحداث تحول حقيقي، فعلينا أن نؤمن بقوة الدبلوماسية لا بسياسات الفرض. وحده هذا الطريق قادر على بناء نظام دولي أكثر عدلاً، واستقرارًا، وشمولًا.
© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
يتابع طاقم تحرير البوابة أحدث الأخبار العالمية والإقليمية على مدار الساعة بتغطية موضوعية وشاملة
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن