الأستاذة رشان اوشي ..
سأسرد لك سردا تاريخيا بمناسبة سنجة و الجزيرة :
هذه المشاهد التي في الجزيرة و الخرطوم و دارفور ليست ( جديدة ) ، بل هي نفس المشاهد التي تتكرر في افلام ( شاشة ) التاريخ ، ثم تحذف ، ثم تعود مرة اخري ، كل قرن او نصف قرن ..
هولاء الأوباش ( الحميدتيون ) حاليا ، كانوا قد تركوا صياصيهم وأحراشهم وصحاريهم وجمالهم و ابقارهم وهجموا علي حواضر دارفور ، فأذاقوها السم الزعاف ، تقتيلا و وإغتصابا وسلبا ونهبا وقطعا للطرق .

.
وفي منتصف القرن التاسع عشر ، نحو العام 1860م ، فقام إليهم الزبير ود رحمة باشا في سبعينات ذلك القرن ، فشتت شملمهم وقطع رؤوس زعمائهم ، فعادوا الي صياصيهم واحراشهم وصحاريهم ، يرعون جمالهم و ابقارهم و يعيشون مع هذه الانعام كما تعيش الانعام ..
ثم عادوا مرة أخرى مساندين للإمام المهدي كانصار له .. حتي إذا توفي الإمام المهدي في العام 1885م تحولوا الي ( تورشينيين ) فقتلوا العباد تقتيلا واغتصبوا النساء ونهبوا الاموال .. وأحالوا حياة العباد الي جحيم لا يطاق .
حتي اضطر الخلق إلى الاحتفال بالغزو الأجنبي المصري الانجليزي للبلاد بقيادة كتشنر في العام 1898م ، فعاد الاوباش الي صياصيهم و احراشهم وصحاريهم مرة اخري وعاشوا مع جمالهم و ابقارهم كما تعيش الانعام ..
وقد حاول بعض من من فر منهم من كتشنر ان يمارس حياة ( التورشينيين ) في دارفور ، فبدأ بقطع الطريق و التقتيل والاغتصاب فتصدي لهم سلطان دارفور في ذلك الوقت علي دينار في معارك ضارية لم يذكرها المؤروخون و ذلك في الفترة من 1904م – 1908م ، فشتت شملهم ومنعهم من مجرد التجوال في مدن دارفور ( الفاشر والجنينة وكتم وزالنجي ) وذلك بموجب مراسيم سلطانية ما زالت موجودة ، فعادوا إلى صياصيهم واحراشهم و صحاريهم، وعاشوا مع جمالهم و ابقارهم كما تعيش الانعام ..
ثم إختفوا من جادة التاريخ لما يقارب النصف قرن ، لا يكاد الانسان يسمع لهم صوتا او يجد لهم ركزا ، إلا من بعض نظار و عمد وشراتي يعيشون علي هامش التاريخ ، لا يصلون إلى حواضر البلاد إلا في مناسبات متقطعة ..
ثم في منصف اربعينات القرن العشرين بدأ الانجليز في التفكير في من سيخلفهم في البلاد في بنهاية الحرب العالمية الثانية في العام 1945م ، وقرروا ان الفوضى وعودة الأوباش من صياصيهم واحراشهم وصحاريهم سيجعل البلاد في حالة تخلف تضمن لهم إنسياب خيراتها من القطن والمحاصيل الي بريطانيا دون حاجة لتواجد بريطانيا عسكريا في السودان ..
ثم أتت الطامة الكبري في العام 1954م ، عندما قررت الاحزاب الاستقلالية حديثة التجربة ، و المخترقة بواسطة استخبارات الانجليز ، ان تستعين بالاوباش في تثبيت اركان الحكم ما بعد ذهاب الانجليز، فأتت ( بالتورشينيين ) في ثوب جديد .
فأتت ( بالمادبوين ) و ( البابو نمريبن ) ، و غيرهم من التورشينيين يلبسون ( الفرجيات ) و ( العباءات ) يضعون الطرابيش علي رؤوسهم ، يمارسون السياسة بملابس انيقة و نظيفة ، ولكن دواخلهم لم تتغير ، بل ظلت هي ذات النفوس ( الحميدتية و التورشينية ) ، ولكن بملابس متحضرة .. وبالتالي فسدت السياسة في البلاد ، وصارت الاحزاب تمارس ديمقراطية Westminister بعقلية ( التورشينيين الجدد ) ، فإختلط الحابل بالنابل ، وتاه السودانيون بين هذا و ذاك ..
ثم أتى النميري و معه الشيوعيون في العام 1969م ، وقام بحل الادارات الاهلية ، و بالتالي خبا لهيب ( التورشينيين الجدد ) ، وعادوا الي صياصيهم واحراشهم صحاريهم ، ولكن تركوا هذه المرة بعض ابناءهم في حواضر البلاد وقد بنوا العمارات الفاخرة و ارتدوا البدل ( فل سوت ) ، ولكن لم تحدث مظاهر التحضر فيهم الأثر المطلوب، فصاروا مثل أسلافهم يرتدون الفل سوت بعقلية ( التورشينيين ) ..
علي أية حال .. خبا لهيب التورشينيين سنوات عديدة ، ثم عادوا لفترة قصيرة إبان الديمقراطية الثالثة ، في الفترة من 1986م – 1989م، ثم حدث انقلاب الإنقاذ في العام 1989م ..
في الفترة الأولى للإنقاذ كان ( التورشينيون ) بعيدين عن دائرة الأحداث بسبب أن أنقلاب الإنقاذ كان انقلابا ( عقائديا ) لا يأبه كثيرا للإدارات الأهلية التي يتسلل عبرها التورشينيون الجدد ، ولكن ضعفت الانقاذ في النصف الثاني من عمر انقلاب البالغ ثلاثين عاما ، فبدأ تسلل التوشينيين الي دائرة الضو بطريقين ..
الطريق الاول : عن طريق أبناء الحركة الاسلامية من التورشينيين ، الذين طغت عليهم النزعة القبلية علي النزعة الدينية ..
أما الطريق الثاني : عن طريق استعانة انقلاب الإنقاذ ( ببدو ) التورشينيين في نحو العام 2003 في مواجهة حركات أفارقة دارفور الذين تسلحوا بعد أن ضاق الزمان بهم ، وسامهم ( اعراب ) دارفور سوء العذاب ، فنهبوا اموالهم و اغتصبوا نساءهم و قتلوا رجالهم ..
وكان تسليح البشير ( لأعراب ) دارفور بداية الجحيم الذي يعيشه أهل السودان الآن ، فالاعراب قد جبلوا علي التآمر ، و قد عاد اليهم التسليح النظامي الذي افتقدوه منذ الضربات التي وجهها لهم كتشنر و علي دينار ( كما ذكرنا ) .
ومن ثم بدأ مشروعهم ( عابر الاقطار ) فاستعانوا باهلهم من النيجر وافريقيا الوسطي و تشاد و غيرهم من بلاد غرب افريقيا في مشروع كبير هذه المرة ، مشروع يتخطي السلب والنهب و والتقتيل حرق القري ، إلى أهداف شيطانية تطمع في الاستيلاء على السودان كله ..
ثم سنحت الفرصة للانقضاض علي البلاد بسبب الضعف الذي عم البلاد في اعقاب ثورة ديسمبر 2018م ، فاستعان التورشينيون بالصهاينة و اذرعهم في المنطقة العربية والافريقية ، وتم الاستعداد لقيام المشروع الكبير الذي يضم ( عرب الشتات ومن خلفهم يهود العرب و يهود الصهيونية ) ، وتسنح قادة المشروع الكبير الفرصة ، و اغروا من اغروا ، و غرروا بما غرروا من قوى ثورة ديسمبر ..
( الديسمبريون ) بعضهم مغرر به ليس له خبرة سياسية ، و بعضهم اغراه المال وظن أن المسألة بسيطة ، وبعضهم نجا بنفسه ، ولكنهم كلهم وجدوا انفسهم في خضم شئ اكبر منه فصاروا كالسكارى لا يلوون على شئ ولا يعلمون شيئا ..
وشاءت ارادة الله ، عز وجل ، ان يبدأ فشل المشروع الكبير منذ اليوم الأول ، ولم يكن قادة المشروع قد اعدوا الخطة B تحوطا ..
ومن ثم اختلط الحابل بالنابل ، وصار الأمر مجرد تخريب و قتل و ثهب ..
يواصل قادة المشروع الكبير مد ( التورشينيين ) بالمال و السلاح حتي يجدوا مخرجا يحفظ ماء وجههم و ينجيهم من ورطتهم، ثم يتركون التورشينيين يواحهون مصيرهم المحتوم ..
* هذه هي قصة ( التورشينيين ) مع الشعب و السياسة السودانية يا أستاذة روشان عبر التاريخ ، فترى ماذا يعد التورشينيون للمستقبل ؟
وبماذا سيقاوموهم السودانيون ؟
هذه أسئلة تحتاج إلى اجتهاداتكم و تقديراتكم ، بعد أن روينا لكم ما حدث عبر التاريخ *
*تحياتي استاذة روشان*
الدكتور عاطف سعد الله

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: المشروع الکبیر فی العام

إقرأ أيضاً:

حرب السودان تخرج عن السيطرة

يبدو السودان اليوم كأنه يقف عند مفترق طرق خطير بعد التطورات التى شهدتها مدينة الفاشر هذا الأسبوع، فاستيلاء ميليشيا الدعم السريع على عاصمة شمال دارفور لم يكن مجرد انتصار ميدانى، بل تحول إلى مؤشر صادم على دخول البلاد مرحلة جديدة، تعيد إلى الأذهان السيناريو الليبى الذى تجمد سياسياً وعسكرياً طوال خمسة أعوام، وهكذا يجد السودان نفسه منقسماً فعلياً إلى كيانين، شرق يحتفظ بالمدن التاريخية الكبرى تحت سيطرة الجيش، وغرب واسع يضم دارفور وكردفان ويقع بالكامل تحت قبضة ميليشيا باتت تتحكم فى معظم إنتاج الذهب وما تبقى من النفط.
سقوط الفاشر المدينة التى كان يقطنها نحو مليون ونصف المليون إنسان، جاء بعد حصار تجاوز الـ500 يوم، وبسقوطها انتهى وجود الدولة السودانية عملياً فى دارفور، المدينة تعرضت خلال تلك الفترة لعزلة خانقة، منظمات الإغاثة منعت من دخول مخيمات النازحين مثل نيفاشا وزمزم تركت لمصيرها وشهدت الأحياء عمليات قتل وإعدامات ميدانية ودفناً جماعياً، كما طالت الاعتداءات المستشفيات وبيوت العبادة فى مشاهد وثقتها مجموعات تابعة للميليشيا نفسها.
هذه الانتهاكات لم تكن مجرد فوضى حرب بل عكست طبيعة مشروع عسكرى يتوسع بثبات ويستند إلى دعم إقليمى واضح، فسيطرة الميليشيا على غرب السودان لا تقتصر على الجغرافيا بل تمتد إلى ثروات حيوية من معادن وبترول، وتشمل إقليما يلتقى مع حدود جنوب السودان وإفريقيا الوسطى وليبيا وتشاد، وهى مناطق تجرى فيها صراعات نفوذ معقدة، وتشير المعطيات إلى أن تشاد باتت منصة لاستقبال الدعم العسكرى الخارجى، بينما وفرت إحدى الدول الإقليمية أسلحة متقدمة ومقاتلين أجانب لتعزيز قدرات هذه الميليشيا وجاء إعلان قائد الدعم السريع فى أبريل الماضى عن تشكيل حكومة موازية بعد مشاورات استضافتها كينيا ليضيف بعداً سياسياً صريحاً لما يجرى، فالحديث لم يعد عن ميليشيا تتحرك داخل حدود الدولة بل عن كيان يسعى لبناء سلطة موازية تمتلك السلاح والموارد والعلاقات الإقليمية، فى ظروف تعجز فيها الدولة المركزية عن استعادة زمام المبادرة.
وفى ظل هذا المشهد تبدو فرص الحسم العسكرى ضئيلة، وهو ما يدفع البلاد نحو حالة شبيهة بالوضع الليبى، واقع منقسم، وحدود رخوة وهدوء مضطرب يستند إلى موازين قوى وليس إلى حل سياسى، غير أن ما يزيد الصورة تعقيداً هو الطموح الأثيوبى فى استغلال هشاشة السودان بحثاً عن منفذ له على البحر الأحمر، وهو ما قد يجر أطرافاً إقليمية إضافية إلى الصراع، ويحول الوضع السودانى من حرب داخلية إلى مواجهة تتجاوز حدود الدولة. 
خلاصة المشهد أن السودان يعيش لحظة إعادة هيكلة، ليس فى الخريطة فحسب بل فى توازنات القوى وعلاقات الإقليم، وبينما تتقدم الميليشيات وتتراجع الدولة يبقى المواطن السودانى هو الطرف الأكثر خسارة، يدفع ثمن حرب تدار فوق أرضه ومن حوله بينما يغيب أفق الحل وتتعاظم المخاطر يوماً بعد يوم.

اللهم احفظ مصر والسودان وليبيا

مقالات مشابهة

  • «الديربي 14» بين الوحدة والجزيرة يجدد «المنافسة التاريخية»
  • في أنغولا.. متحف العبودية يشهد على أعظم فظائع التاريخ
  • نائب وزير الدفاع البريطاني يعترف بسعي لندن إلى "عسكرة" الرأي العام في البلاد
  • حرب السودان تخرج عن السيطرة
  • اتهامات لـالدعم السريع باحتجاز 19 ألف شخص في سجون دارفور
  • أجمل رسائل التهنئة والمعايدة بمناسبة رأس السنة الميلادية 2026
  • الفضة تسجل سعرا تاريخيا
  • إطلاق مبادرة كشف الأسنان على ذوي الهمم بمركزي زفتي والمحلة
  • القومي للمرأة يواصل متابعة مشاركة المرأة في الدوائر الملغاة بأحكام قضائية
  • بمناسبة عيدها القومي الـ16.. الأقصر تكرم أبنائها المتميزين وتنظم احتفالية فنية كبرى