عربي21:
2025-12-13@06:21:36 GMT

الإنسان في القرآن (23): الإسلام.. تسليمٌ وسلامٌ

تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT

الإسلام في القرآن أوسع دلالةً من حصرِه في شريعة الرسولِ محمدٍ صلى الله عليه وسلَّم ووصفِ أمَّةٍ واحدةٍ به دون غيرها من الأمم، فالإسلام هو الدِّين الحقُّ الذي يقبله الله من الناسِ من كلِّ الأممِ وفي كلِّ العصورِ، وهو يتعلَّق بحالةِ القلب وليس بتفاصيلِ الشريعة.

وحين ادَّعى اليهود والنصارى احتكار الجنَّةِ، بيَّن اللهُ تعالى أنَّ دخول الجنة لا يتعلق بالانتسابِ إلى هويَّةٍ قوميَّةٍ إنَّما يتعلق بحالةِ النفسِ والقلبِ، فإسلام الوجهِ مع الإحسان هو ما يدخل الناس الجنة:

"وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة: 111-112).



يدعو القرآن أهل الكتاب إلى الإسلام، ليس بمعنى ترك شريعتهم، إنما بمعنى الاستسلام والتوجه إلى الله، مع بقاء الهوية الثقافية المميِّزة لهم:

"فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (آل عمران: 20).

يتبيَّن في هذه الآيات أن الإسلام فعلٌ وحالةٌ وليس اسم علم.. الإسلام في اللغة العربية مزيج من الاستسلام والسلام، وأيُّ ترجمةٍ لهذه الكلمة إلى لغاتٍ أخرى ينبغي أن تراعي الطبيعة التركيبيَّة للكلمة لا أن تقتطعَ دلالةً أحاديةً لها تنال من روحها.

الإسلام يتمثل في الاستسلام لإرادة الله والتحرر من حالة التنازع والشقاق الداخليِّ، وهو ما ينتج السلام والتناغم. لكنَّ الاستسلام الذي تشتق منه كلمة الإسلام ليس نقيض الحرية، وليس نقيض العقل والتفكر والتساؤل، بل هو نقيض التشتت والحيرة
ومن هذا المدخل اللغوي نستطيع أن نقارب جوهر الإسلام، فالإسلام يتمثل في الاستسلام لإرادة الله والتحرر من حالة التنازع والشقاق الداخليِّ، وهو ما ينتج السلام والتناغم.

لكنَّ الاستسلام الذي تشتق منه كلمة الإسلام ليس نقيض الحرية، وليس نقيض العقل والتفكر والتساؤل، بل هو نقيض التشتت والحيرة.

بعد أن يستنفد العقلُ حيلته ويبذل الإنسان أقصى جهدٍ مستطاعٍ، تظلُّ هناك مساحةٌ في حياته لا يملؤها إلا القبول والرضى، لذلك يأتي التسليم حين تنتهي حدود العقل لينقذ الإنسان من السخطِ والعجزِ والحيرة.

الإسلام هو الحالة التي يخرج المرء بها من تيارات الحياة المتعاكسة وصراعات النفس الممزقة فيقرر السكون والتناغم مع حركة الوجود.

والسلام هو الغاية الأخيرة التي يبغيها البشر، قد يخوض الإنسان رحلة بحث معرفي وفلسفي شاقةً ويضنيه الشك والسؤال، لكنه وهو في هذه الحال يتطلع إلى شاطئ السلام ويشتاق أن تبلغ نفسه السكون.

السؤال والجدل لا يمثل غاية الإنسان إنَّما يمثِّل الطريق، أما غاية الإنسان التي يتطلع إلى بلوغها فهي السكون والسلام.

الإسلام قانونٌ وجوديٌّ ينظم حركة المخلوقات جميعها، فالنجم والطير والشجر والجبال كلُّها خاضعة لله تعالى لا تحيد عن مسارها ولا تعاند قانون الحياة:

"أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ" (آل عمران: 83).

ما دام من في السماوات والأرض أسلموا لله، فإنَّ دعوة الإنسان إلى الإسلام هي دعوةٌ له إلى التناغم مع إيقاعِ الكون.

إنَّ كلَّ ما نراه من انضباطٍ دقيقٍ في حركةِ الوجودِ من الذرّة إلى المجرّة هو تجلٍّ لقانون الإسلام. يتحدث القرآن عن تسبيح المخلوقات لله:

- "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (النور: 41).

- "ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (فصلت: 11).

تشير آياتٌ كثيرةٌ في القرآنِ إلى تسبيح وسجود وطاعة كلِّ أرجاء الكون في السماوات والأرض إلى الله!

من تجليات معنى التسبيح أنَّ كلَّ المخلوقات في حالة تناغم مع حركة الكونِ وتوافقٍ مع القانونِ الذي يضبطها، وأنَّ الكون يسير وفق إيقاعٍ متجانسٍ طائعاً لإرادة مكوِّنه.

والإنسان هو الكائن الوحيد الذي يملك القدرة على العصيان ومعاندة قانون وجوده، لذلك لا نجد اضطراباً أو تناقضاً وإخلالاً بالتوازن في حركة النجوم والكواكب أو في أعماق البحار أو الغابات البعيدة عن يد الإنسان، بينما يظهر الفساد في الأماكن التي وصل الإنسان إليها بما كسبت أيدي الناس.

الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يعصي ويخرج عن القانون ويعاند فطرة الله، لذلك حين ذكر الله سجود الخلائق له كان بعض الناس هم الاستثناء من هذا القانون الشامل:

"أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ" (الحجّ: 18).

السجود هو مظهر الإسلام وتجلِّي حالة القلب بالخضوع لإرادة الله، والإسلام يعني أن يكون الإنسان منسجماً مع حركة الوجود، فكما أن النهر لا يكف عن جريانه وكما أن الزهرة لا تتأخر عن تفتح براعمها، فإن المسلم هو الذي يتصل بروح الطبيعة ويثق بالحكمة الناظمة لها ويجذبه الجمال المتجلي في كل ثناياها، فلا يعاند ولا يقاوم إنما يستسلم لحكمة الوجودِ تقوده حيث تشاء، فيورثه هذا الاستسلام طمأنينةً ورضىً، ويحرره من الشقاق والاختلاف!

نقتربُ هنا من معنى "الاختلاف" الذي يذكره القرآن، فالاختلاف الذي يعنيه القرآن هو اختلافٌ داخل النفس الواحدةِ، وهو نقيض الوحدةِ والاجتماع، فالنفس في حالة انسجامها تكون مجتمعةً، فإذا اختلفت كان التشتُّت والتناقضُ والشقاق، ثم يؤسس الاختلاف داخل النفس الواحدةِ إلى اختلاف الجماعة الخارجيَّة وتنازعها وتقاتلها..

الاختلاف الذي يعنيه القرآن هو اختلافٌ داخل النفس الواحدةِ، وهو نقيض الوحدةِ والاجتماع، فالنفس في حالة انسجامها تكون مجتمعةً، فإذا اختلفت كان التشتُّت والتناقضُ والشقاق، ثم يؤسس الاختلاف داخل النفس الواحدةِ إلى اختلاف الجماعة الخارجيَّة وتنازعها وتقاتلها
يعيننا في فهم معاني القرآن ملاحظة مقابلاتِها، والإسلام في القرآنِ يقابله التولِّي:

".. فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20: آل عمران).

والتولِّي هو الإعراض والإدبار بدافعِ الاستكبارِ، فمقتضى معرفة الحقِّ أن يستسلم المرء لمقتضاه، ونقيض ذلك أن يُعرض ويُدْبر ويستكبر، فإذا كان الإسلام هو الفعلُ التلقائيُّ الذي تقتضيه معرفة الحقِّ، فإنَّ التولِّي هو فعلٌ قصديٌّ يقتضي بذل طاقةٍ عنفيَّةٍ لأنَّه تنكُّرٌ للحالةِ الطبيعية التلقائيَّة.

الحياة تقوم على قانون التلقائية؛ توقف عن الحرص على الأشياء تأتيك صاغرةً؛ هذه الحكمة الشائعة بين الناس لم تأت من فراغ إنما تختزن في باطنها تجارب غنيةً من الحياة، حين نحرص على الظفر بشيء يفلت من أيدينا، وحين نتركه ونعيش حياتنا ببساطة يأتينا دون عناء، كلنا لاحظ هذا في حياته، هذا هو قانون الإسلام، ثق بالتدبير الكونيِّ الشامل، وتوقف عن الجزع واللهاث في الحياة واترك للمدبر الأعلى أن يدبر أمورك.

ويتصل بمعنى الإسلام معنى الرضى، فالإنسان إذا سلَّم أمره سكنت صراعات نفسِه ورضي بتدبير الأقدار.

تذكر سورة مريم في قصتي يحيى وعيسى عليهما السلام مثالين للشخصيَّة الإنسانية: شخصية الجبار الشقيِّ العصيِّ، وشخصية البَرِّ الرضيِّ.

تتحدث السورة عن يحيى عليه السلام:

 - "وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِياً" (مريم: 6).

- "وَبَراً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِياً، وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً (مريم: 14-15).

وتتحدث عن عيسى عليه السلام:

"وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِياً، وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَياً" (مريم: 32-33).

الجبار العصيُّ الشقيُّ الذي يضادُّ شخصيَّتي يحيى وعيسى عليهما السلامُ هو الذي يعيش حالة تمرد وعصيانٍ وتنافرٍ وشقاقٍ داخليٍّ، فيكون ساخطاً شقيَّاً في حياته.

ونرى في صفات يحيى وعيسى الربط بين البرِّ بالوالدين وبين حالة الرضى والسلام، لأنَّ الوالدين هما مرآة الوجود وفيهما تتجلى صفات الرحمة والجلال الإلهيِّ، فإن كان الولد متصلاً بهذه الصورة بعلاقة الرضى والانسجام والتوافقِ كان ذلك مؤسِّساً لحالة توافقه مع الوجودِ الكليِّ، وإن كان جباراً معهما كان ذلك مؤسساً لحالة العصيان والتمرد والشقاء مع الوجودِ الكليِّ. وهذا مما يخبره الناس بكثرةٍ وتواترٍ وتكرارٍ تنتفي معه الحاجة إلى التمثيل عليه، في الفرق بين شخصيَّتي الجبار والبارِّ والسمات النفسيَّة لكلٍّ منهما، فالأول يعيش حالة صراع وشقاقٍ والثاني يعيش حالة انسجامٍ وسلامٍ.

الاستسلام هو مرحلةٌ فوق الوعي تتمثل في صمت الضوضاء والشتات الداخليِّ وبلوغ حالة السكون التي تأخذ صاحبها إلى العمق حيث جوهر كيانه: "وله ما سكن في الليل والنهار".

هذه الحالة يسميها المعلم الألمانيُّ الكنديُّ إيكارت تول "الوعي المستسلم". يقول في محاضرة بعنوان "أعمق حقائق الوجود الإنساني":

"حالة الوعي المستسلم هي حقيقة كل الأديان، إنه حيزٌ من الحضور الواعي يتجاوز الأفكار، استسلم لأي شكل تتخذه هذه اللحظة لأن الكون بأسره قد جلب لك هذا، لكن هناك "أنا" ضئيل بداخل الرأس لديه جدال في هذا ويقوي ذاته عبر هذا الجدال وهذا هو سبب المعاناة الإنسانية، حين تستسلم لما هو كائن، هذا هو الاستسلام للربِّ، سيتوارى هذا البناء الأنويُّ الذي يعيش على المقاومة والرفض، ويكون هناك عمقٌ لكيانك فجأةً وسلامٌ في داخلك".

يقترب هذا الاقتباس من حقيقة الإسلام دون أن يسميه باسمه، فهو يمزج في عبارةٍ واحدةٍ بين مكوني "الاستسلام والسلام"، ويتحدث عن "الأنا بداخل الرأس" الذي هو الاستكبار بلغة القرآن، ويتحدث عن الجدال الذي هو الاختلاف والشقاق بلغة القرآن!

وإيكارت تول ليس الوحيد في مقاربة معنى كلمة "الإسلام" في سياق التجربة الإنسانية، فهناك كثيرٌ من المفكرين الغربيِّين والشرقيِّين يعبرون عن ذات المعنى بطرقٍ لغويَّةٍ متعدِّدةٍ، وهناك العديد من الكتب التي تتحدث عن معاني "القبول"، "التسليم"، "الرضى" كانت في السنوات الأخيرة بين الكتب الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة، وهو ما يؤكد أن هذه المعاني الأصيلة في القرآن تلامس حاجةً إنسانيَّةً جوهريَّةً، حتى وإن اختلفت لغة التعبيرِ عنها.

يعد كتاب التاو أعظم الكتب تأثيراً في تكوين التراث الثقافيِّ للأمة الصينية، وفي هذا الكتاب يتكلم الحكيم الصينيُّ لاو تسو عن معنى "اللا فعل واللا جهد" وهو مصطلح مقارب في معناه لمعنى الاستسلام والتوكل.

يؤكد لاو تسو على معنى التلقائية الكونية، فالماء ينبثق من نبعه ويجري وفق قانونه الذاتي الخاص دونما خطة مرسومة مسبقاً، ويشق لنفسه مجرىً في الأماكن المنخفضة ليصل إلى مصبه بسهولة ويسر ومن غير جهد يبذله أو ممارسة للقسر.

يدعو الحكيم لاو تسو إلى التماثل مع العفوية الكونية ويقول في تعبير جميلٍ: "الصلابة والجمود من علامات الموت، واللين والرقة من علامات الحياة، من هنا فسلاح القوة لا ينفع والشجرة التي لا تنحني تُكسر بسهولة".

مبادئ التاو تقول لنا إن الأنبياء والحكماء عبر التاريخ يعبرون عن نفس الحقائق بكلمات مختلفة وإن هذا الحكيم الصيني يقترب كثيراً من جوهر الإسلام بالمعنى الفطري القلبي لكلمة الإسلام، فدعوته إلى التماثل مع العفوية الكونية هي بالضبط فكرة الاستسلام إلى إرادة الله وإسلام القلب له.

twitter.com/aburtema

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه القرآن الاستسلام الرضى الانسان الاسلام القرآن الاستسلام الرضى مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة صحافة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی القرآن ی حالة

إقرأ أيضاً:

عدية يس.. ما حقيقتها وهل لها أصل في السنة؟ | اعرف حكم الشرع

سورة يس من السور التي ارتبطت بوجدان المسلمين لِمَا ورد في فضلها من آثار واجتهادات، حتى لُقّبت سورة يس بـ "قلب القرآن" وكثيرون يرون أن المداومة على قراءتها سبب في البركة وتيسير الأمور وقضاء الحوائج، ولكن يتساءل كثيرون عن "عدية يس" وعن حقيقتها، وهل لها أصل صحيح؟ في السطور التالية نتعرف على قراءة عدية يس على الظالم.

هل عدية يس بدعة؟

وفي السياق، قال الدكتور رمضان عبدالرازق، عضو اللجنة العليا للدعوة بالأزهر الشريف، في لقاء تلفزيوني سابق له، إنه لا أصل في الشرع عن عدية يس، مشيرا إلى أن استخدامها للضرر بشخص آخر غير حقيقي.

وأوضح الدكتور رمضان عبدالرازق، أن القرآن الكريم وسوره كلها جاءت بالخير ومن أجل مغفرة الذنوب، مشيرا إلى أن ورد في السير أن رسول الله قرأ سورة يس عند الخروج من المنزل عند الهجرة.

حكم قراءة عدية يس على شخص

وفي هذا الإطار، قال الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، إن قراءة ما يسمى "عدية ياسين"، ليس لها أساس من الصحة، ولم يرد بشأنها شيء، ولكنها جارية على ألسنة الناس بأن يقرأونها على الشخص الظالم، ولكنها لا أساس لها دينيا.

وأضاف أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، أن دعاء المظلوم مستجاب، فالله- سبحانه- يقبل دعاء المظلوم، فإذا ما ظلم الإنسان؛ له أن يدعو على ظالمه، أو أن يفوض أمره إلى الله، ويقول: "حسبنا الله ونعم الوكيل".

هل عدية يس حقيقية؟

فيما قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، إن ما تسمى "عدية يس"، لا يجب قراءتها للإضرار بالناس ولكن يجب أن تقرأ سورة يس عدة مرات بقصد جلب الشفاء للمرضى وتيسير الأمور وهداية العباد وفك كروبهم.

وأضاف على جمعة، فى فتوى له على موقع دار الإفتاء، أن الله أمر بالعفو والصفح لقوله "فاعفوا واصفحوا حتى يأتى الله بأمره"، ويجب علينا أن نملأ قلوبنا بالحب والرحمة.

ما حكم عدية يس ؟

وأشار إلى أن عدية "يس" لا تدرس في جامعة الأزهر، لافتًا إلى أنه لم يقرأها أحد من الأزهر وعلمائه أمامه قط.

وأوضح أن معنى قول "يس لما قرئت له" أى عندما يدعو الإنسان "يا رب ادخلنى الجنة، يا رب اعنى على حفظ القرآن" وما شابه ذلك، وأن من عنده حاجة من الله تعالى فليقرأ سورة يس "قلب القرآن" ثم يدعو الله تعالى.

حكم قراءة سورة يس للميت

وعن حكم قراءة سورة يس للميت، أكدت دار الإفتاء المصرية، أن الشرع حث على قراءة القرآن الكريم على جهة الإطلاق، ومن المقرر أنَّ الأمر المطلق يقتضي عموم الأمكنة والأزمنة والأشخاص والأحوال، فلا يجوز تقييد هذا الإطلاق إلا بدليل، وإلا كان ذلك ابتداعًا في الدين بتضييق ما وسَّعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

وأوضحت الإفتاء، في فتوى منشورة عبر موقعها الرسمي، أن إطلاق الأمر بقراءة القرآن يشمل أيَّ سورة منه كالفاتحة والواقعة ويس وغيرها، وقد جاءت السُّنَّة بقراءة سورة يس على وجه الخصوص على الموتى، سواء عند الاحتضار، أو بعد الدفن؛ لِمَا لها مِن فضل عظيم ورجاء المغفرة للمتوفى.

ما حكم قراءة سورة يس عند دفن الميت ؟

وكشفت دار الإفتاء عن أقوال عدد من الفقهاء حول فضل قراءة سورة يس للميت ومنهم: 

عن مَعْقِل بن يَسَار رضي الله عنه أن النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قال: «اقْرَؤُوا يس عَلَى مَوْتَاكُمْ» أخرجه الأئمة: أحمد في "مسنده"، وأبو داود وابن ماجه في "سننيهما"، والبيهقي في "شعب الإيمان".

وقال الإمام القُرْطُبِي في "التذكرة" (ص: 286-287، ط. دار المنهاج): [وهذا يحتمل أن تكون هذه القراءة عند الميت في حال موته، ويحتمل أن تكون عند قبره] اهـ.

وقال الحافظ السُّيُوطِي في "شرح الصدور" (1/ 304، ط. دار المعرفة): [وبالأوَّل قال الجمهور كما تقدم في أوَّل الكتاب، وبالثاني قال ابنُ عبد الواحد المَقْدِسِي في الجزء الذي تقدَّمَت الإشارةُ إليه، وبالتعميم في الحالَتَيْن قال المُحِبُّ الطَّبَرِي مِن متأخِّرِي أصحابنا] اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن حَجَرٍ الهَيْتَمِي في "الفتاوى الكبرى" (2/ 27، ط. المكتبة الإسلامية): [أخَذَ ابنُ الرِّفْعَة وغيرُه بظاهِر الخبر... وتَبِعَ هؤلاء الزَّرْكَشِيُّ فقال: لا يَبْعُدُ على القول باستعمال اللفظ في حقيقته ومَجَازه أنه يُنْدَبُ قراءتها في الموضِعَيْن] اهـ.

ومِن السُّنَّة أيضًا أن يَقِفَ المُشَيِّعون للجنازة عند القبر بعض الوقت بعد دفن الميت والدعاء له؛ لِما جاء في حديث عثمان رضي الله عنه قال: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إذا فَرَغَ مِن دَفنِ المَيِّتِ وَقَفَ عليه فقال: «اسْتَغفِرُوا لِأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ التَّثبِيتَ، فإِنَّه الْآنَ يُسأَلُ» أخرجه الإمامان: أبو داود في "السنن"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.

هل قراءة سورة يس بعد صلاة الفجر بدعة؟.. الإفتاء: جائزة بشرطهل قراءة سورة يس منتصف ليل الجمعة تشفع للميت؟فضل قراءة سورة يس للميت

وفي السياق، قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، في حديث سابق عن فضل قراءة سورة يس للميت، إنها تفيده ولها فضل عظيم، كما أنها تنزل الرحمات والتجليات الإلهية بالمغفرة والرضا والرحمة على الميت، ولهذا الفضل العظيم يقرأ أهل الميت على موتاهم سورة يس، وهم يرجون من الله عز وجل أن ينال الميت حظا من فضل هذه السورة. 

وأوضح الدكتور علي جمعة، خلال حديثه عن فضل قراءة سورة يس للميت، أن لبعض السور في القرآن فضلا يزيد على الفضل العام للقرآن، من أجل الترغيب في قراءتها، كما أن فضل قراءة سورة يس للميت يتضح في حث الرسول صلى الله عليه وسلم على قراءة القرآن للأشخاص بعد وفاتهم. 

وأشار الدكتور علي جمعة، إلى أنه يجب عند قراءة القرآن التأدب بآداب التلاوة، وعدم الإخلال بالحروف، بالإضافة إلى الامتثال لقوله تعالي: «وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلًا» الآية 4 من سورة المزمل.

طباعة شارك ما حكم عدية يس عدية يس يس سورة يس القرآن قراءة يس على الظالم قراءة عدية يس

مقالات مشابهة

  • حوار الوفد مع العشماوي عن وظيفة الرؤى والكرامات في الإسلام
  • هل حرم الإسلام التعصب بكل أشكاله وصوره
  • حين يسيء الناس لدينهم قبل أن يسيء إليه خصومه
  • عالم بالأزهر يوضح مفهوم الوسطية في الإسلام (فيديو)
  • إبراهيم عيسى: الدين عند الله هو الإسلام.. ودخول الجنة أمر إلهي
  • جلال كشك.. الذي مات في مناظرة على الهواء مباشرة وهو ينافح عن رسول الله
  • عدية يس.. ما حقيقتها وهل لها أصل في السنة؟ | اعرف حكم الشرع
  • قاعدة النصر الإلهي ووعي الأُمَّــة
  • ملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر يكشف ملامح شخصية عمر بن الخطاب قبل إسلامه
  • قومي حقوق الإنسان: الكرامة الإنسانية هي الأساس الذي يُبنى عليه أي نظام ديمقراطي