سودانايل:
2025-07-31@00:58:28 GMT

حول مدونة متحف تراث السودان الحيّ

تاريخ النشر: 29th, November 2024 GMT

إن هذه المدونة ليست مجرد منصة رقمية تتسع للتوثيق، بل هي عمل فكري جريء يستلهم جوهر التراث بوصفه كيانًا حيًا لا يقبع في أقبية الماضي، بل يتحرك في فضاءات الحاضر ويتجدد مع نبض الحياة. إنها تأمل عميق في قدرة الإنسان على صنع ذاكرة متجاوزة للحدود، ذاكرة تتحدى حتمية المكان وتنفتح على الزمن بوصفه تجربة دائمة التشكل.



فالمدونة تحمل في بنيتها فلسفة ثرية، تُعيد قراءة التراث لا كأثر ساكن، بل كحالة مستمرة من الإنتاج والتفاعل.
إن تناولها للقصص والمفاهيم باعتبارها موضوعات متحفية يُجسد رؤية فريدة، حيث يتحول التراث من مادة للاستعراض إلى حوار مفتوح بين المعرفة التقليدية والتأملات المعاصرة. هنا، يصبح التراث مرآة للإنسانية، ليس فقط في تنوعها، بل في قدرتها على إعادة صياغة ذاتها في ضوء الحاضر.

وما يضفي على هذه المدونة عمقها الفكري أنها لا تتعامل مع المجتمعات كمواضيع للدراسة، بل كمنتجين للمعرفة، كحملة لأسرار الزمان وخيوط الهوية. إنها تعيد صياغة العلاقة بين القارئ والتراث، حيث لا يعود هذا الأخير مجرد سرد للأحداث أو الممارسات، بل خطابًا حيًا يفتح نوافذ للتساؤل والنقد وإعادة النظر.

وفي ظل غياب المتحف المادي بسبب الحرب، تقف هذه المدونة كرمز لانتصار الروح الثقافية على المحن، وكدليل على أن التراث ليس حكرًا على الجدران والأسقف، بل هو طاقة تتدفق في العقول والقلوب، وفي المساحات الرقمية التي تحمل وعدًا بذاكرة إنسانية متجددة.
هكذا، تصبح المدونة أكثر من مجرد سجل؛ إنها منصة للتفكير، ومسرح للتفاعل، ومختبر تتجلى فيه عبقرية الإنسان في تحويل موروثه إلى أفق لا ينضب.

[email protected]

إبراهيم برسي  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

"المقمع".. تراث حربي يُزيَّن بالنحاس ويُشعل أيام الفرح

في قلب محافظة النماص القديمة، حيث تتجاور القصور التراثية وتتناثر الحكايات بين جدران الطين والخشب، تتجدد الحياة في ورشة صغيرة ما زالت تنبض بروح الماضي، وتحافظ على حرفة ارتبطت بتاريخ الإنسان في عسير، وهي حرفة صناعة الأسلحة التراثية، وبخاصة "المقمع" و"أبو فتيل"، اللذان كانا جزءًا لا يتجزأ من حياة الأجداد، سواء في الدفاع عن النفس أو المشاركة في المناسبات الاجتماعية.

وتبدأ صناعة "المقمع" بتحضير المواد الأساسية، وفي مقدمتها الخشب المستخدم في تشكيل جسم البندقية، وأنبوبة الحديد، والقطعة المسماة "الصفحة" المخصصة لحفظ البارود، إلى جانب "الضراب" الذي يُستخدم لدكّ البارود داخل السلاح، وبعد تشكيل الخشب بعناية، تُركب الأجزاء الحديدية، وتُجرى اختبارات دقيقة لضمان سلامة المستخدم وجودة السلاح، ثم يُنقل إلى مرحلة الزخرفة والتزيين، حيث يُلبّس بالنحاس الأصفر أو الفضة، ويُنقش عليه بزخارف فنية تضفي عليه جمالًا خاصًّا، تجعله قطعة تراثية توازي في قيمتها الأعمال الفنية.

وأوضح الحرفي فهد بن علي الشهري الذي يمارس هذه الحرفة في ورشته المتخصصة بصناعة الأدوات التراثية بأنها امتداد لإرث عائلي بدأه والده بافتتاحه محلًّا لصيانة "المقاميع" في النماص عام 1397هـ، بمعدات ومكائن حديثة في وقتها، وكان من أوائل من أدخل هذا المجال إلى المنطقة الجنوبية.

ومع تطور الأدوات واختلاف الأجيال، حرص فهد الشهري على تطوير أشكال جديدة من "المقمع" تتميز بخفة الوزن وصغر الحجم، لتناسب فئة الشباب الذين بدأوا يُقبلون على اقتنائها تعبيرًا عن الفخر بتراثهم وهويتهم.

ويكتسب السلاح التراثي خصوصية إضافية من خلال الزينة التي تُضاف إليه، إذ كانت تُستخدم قديمًا خيوط مصنوعة من شعر الحيوانات مثل "الوبر"، ثم تطور الأمر إلى استخدام النحاس والفضة والنقوش الخشبية ذات التصاميم المختلفة، وهو ما يفسر تباين أسعار هذه الأسلحة التي قد تصل إلى أكثر من 50 ألف ريال، بحسب جمال الزخرفة وكمية المعدن المستخدم.

ولا يكتمل حضور"المقمع" في الاحتفالات والأفراح إلا بارتداء"الزهاب"، وهو حزام جلدي يُرتدى على الكتف بشكل متقاطع، يُطعَّم بالفصوص المعدنية، ويحتوي على مخازن البارود التي تُستخدم في إشعال بارود السلاح خلال المناسبات.

ويُعد "المقمع" من الأسلحة القصيرة التي تعتمد على البارود الأسود المدكوك، ويتكون من عدة أجزاء أساسية منها "الأسطوانة"وهي ماسورة البندقية، و"المدك" المستخدم لضغط البارود، و"الديك" الذي يشعل الفتيل، و"العين" حيث يوضع البارود، و"الزناد" الذي يضغط عليه المستخدم لإطلاق الشرارة. وكان إشعال "المقمع" يتم عبر فتائل مأخوذة من ألياف نباتية مثل شجر "الأثب"، وتُشحن البندقية عبر إدخال كمية من البارود من فوهتها، يتبعها قطعة قماش وتُضغط بسيخ معدني حاد الرأس، ليصبح البارود جاهزًا للانفجار.

وترافق هذه الصناعة حرفة أخرى لا تقل أهمية، وهي صناعة البارود التقليدي الذي يُحضَّر من ثلاثة مكونات: الملح المستخرج من تربة خاصة، والكبريت الطبيعي، والفحم الناتج عن حرق أعواد الأشجار بطرق محددة، وتُخلط هذه المواد بنسب دقيقة وتُجفف ليُصبح البارود جاهزًا للاستخدام، سواء في الأسلحة أو حتى في تكسير الصخور وحفر الآبار قديمًا.

ويؤكد الباحث الدكتور صالح أبو عراد في كتابه "تنومة" أن هذه الصناعة كانت أساسًا في حياة المجتمع، وما يزال "المقمع" حاضرًا في المناسبات والاحتفالات الوطنية والحفلات الشعبية، ويظل رمزًا تراثيًا تتوارثه الأجيال، وقطعة أصيلة تعبّر عن هوية منطقة عسير، وتمنح المناسبات الشعبية طابعًا خاصًا يمزج بين الفن والقوة، وبين الصوت المدوي والروح المترعة بالفخر.

التراثمحافظة النماصالمقمعقد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • مناوي يطالب “الأمم المتحدة” باتخاذ هذا الإجراء…
  • أم كادت تتسبب في بتر إصبع رضيعتها بسبب نصيحة على الانترنت
  • صاحب مدونة جنسية سادية-مازوخية باسم أنثوي.. فضيحة تطيح بسفير أوروبي
  • تسجيل مبنى متحف الخزف الإسلامي في سجل التراث المعماري والعمراني العربي
  • السودان الرجل الصالح .. والله في !
  • الفساد في السودان منذ نظام الإنقاذ لم يعد مجرد ظاهرة، بل أصبح أسلوب حياة
  • وكيل الخارجية الفلسطينية: المشروع الاستيطاني الإسرائيلي فشل في الماضي وسيفشل في الحاضر والمستقبل
  • حملة «صوتك هايفرق» بسوهاج.. قومي المرأة يحشد السيدات للمشاركة بانتخابات الشيوخ 2025
  • "المقمع".. تراث حربي يُزيَّن بالنحاس ويُشعل أيام الفرح
  • هدى المفتي: أنا عمري ما جالي عريس ولا حد أتقدملي.. فيديو