رغم اتفاق وقف إطلاق النار.. التوتر يسود الجنوب اللبناني
تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT
لم يجلب اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان الهدوء المنشود خصوصا بالنسبة إلى جنوب لبنان الذي لا يزال مسرحا لتوتر متصاعد، في ظل استمرار التحركات العسكرية الإسرائيلية المترافقة مع قصف مدفعي وإطلاق نار في مواقع متفرقة، ما يضعه الجيش الإسرائيلي في إطار التصدي للخروق في تطبيق الاتفاق.
أستاذ العلاقات الدولية، الدكتور خطار أبو دياب، من باريس قال لقناة "الحرة" إن آلية توقف إطلاق النار وتطبيق قرار 1701 "في صدد التأسيس" بإشراف المبعوث الأميركي آموس هوكستين".
"لكن هناك سوء فهم بشأن هذه الترتيبات"، فالجيش الإسرائيلي، بحسب أبو دياب، "حدد المواقع التي منع اللبنانيين من الوصول اليها، وربط انسحابه بعد 60 يوما في حال تم الالتزام ببنود الاتفاقية".
ويضيف أبو دياب، أن الجيش اللبناني كشف عن "خروقات إسرائيلية" وحوادث إطلاق نار استهدفت لبنانيين في جنوب البلاد رغم حصولهم على "اذونات أمنية وموافقة قوات يونيفل".
ويشير إلى أن المشكلة الأبرز، هي تبادل الاتهامات بين إسرائيل وحزب الله بشأن تورط الحزب بتحريك منصات إطلاق الصواريخ من جهة، ومن جهة أخرى، إطلاق الجيش الإسرائيلي النار على اللبنانيين العائدين إلى مناطقهم.
"سوء الفهم هذا"، حسب أبو دياب، سببه الأساس هو "الضمانات التي منحتها الولايات المتحدة لإسرائيل بتنفيذ عمليات دفاعا عن النفس"، والتي قال إن الجانب اللبناني "لا علم له بها".
وأشار خطار أبو دياب أن "عدم وجود جيش متمكن ودولة لا تملك قرار الحرب والسلم، أجبر لبنان في هذا الوضع الاستثنائي على القبول ببنود وقف إطلاق النار رغم السلبيات والامتيازات التي منحت لفرنسا والولايات المتحدة".
الباحث السياسي الإسرائيلي، إيلي نيسان من القدس قال لقناة "الحرة" إن إسرائيل "تحترم كل بنود اتفاقية وقف إطلاق النار، لكنها سترفض ما يقوم به حزب الله من تحركات".
فحزب الله، يضيف نيسان، خرق مرات عدة ما تم الاتفاق عليه منذ عام 2006، والجيش اللبناني وقوات "يونيفل" الأممية لم تكن قادرة على وضع حد لهذه الخروق.
تطبيق بنود قرار 1701 آنذاك كان يتم عبر آليات معينة بتنسيق مع الأمم المتحدة ودول غربية مثل الولايات المتحدة وفرنسا لمتابعة الخروق التي قال إن حزب الله لم يكترث لأي مطلب للحد منها.
ويقول نيسان إم "قواعد اللعبة قد تغيرت"، فاتفاقية وقف إطلاق النار لها آليات خاصة، "فرغم اعتمادها على قرار 1701، لكن الولايات المتحدة هي التي تشرف على تطبيق بنودها، وأن مهلة الستين يوما هي فرصة للجيش اللبناني ليستعيد دوره ويعزز انتشاره في جنوب لبنان وابعاد عناصر حزب الله من شمال نهر الليطاني".
وأوضح نيسان أن خرق السيادة الذي يتحدث عنه لبنان الآن، سببه حزب الله "المتورط في تحريك منصات إطلاق الصواريخ"، وأن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي للتعامل مع هذه الخروق "كما كان في الماضي" حسب تعبيره.
نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري إنشر، قال بدوره لقناة "الحرة" إن الولايات المتحدة هي جزء من هذا النزاع ولها مصلحة في وقف إطلاق النار، وهذا المبدأ تطبقه إدارة الرئيس جو بايدن، وستعتمده إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
وأوضح إنشر أن تنسيق الولايات المتحدة مع الجهات ذات العلاقة "مهم جدا ويخدم جهود إنجاح ترتيبات وقف اطلاق النار" ، مضيفا أن الولايات المتحدة ستراقب الوضع وتحدد الجهات المتورطة بارتكاب الخروق من قبل الجيش اللبناني أو إسرائيل أو حزب الله.
الولايات المتحدة في نهاية المطاف حليف لإسرائيل والعلاقة بين الطرفين هي الأقوى مقارنة بأي طرف اخر في المنطقة، ويقول الدبلوماسي الأميركي "إن إسرائيل ستسفيد دائما من هذه العلاقة، وإن الولايات المتحدة لا ترغب أن تستمر الحرب في لبنان وستضغط لتحقيق ذلك".
أما بشأن تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بإمكانية استمرار الحرب رغم اتفاقية وقف إطلاق النار، أجاب إنشر أن نتانياهو له حسابات سياسية ولا يريد أن يظهر للعالم على أنه "دمية" بيد الولايات المتحدة، لذلك سيقوم "بالكثير من الضجيج والتهويل حول استقلاليته في اتخاذ القرارات"، وفق قوله.
وتشهد عدد من القرى والمدن اللبنانية الجنوبية تحرك مقاتلي حزب الله المنهكين أمام حشد من المدنيين، منسحبين شمالاً بعد يوم من وقف إطلاق النار الذي يهدف إلى إنهاء القتال الذي استمر أكثر من عام بين إسرائيل والجماعة المسلحة المدعومة من إيران.
لكن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله بات مهددا بعد إعلان الجيش الإسرائيلي، الجمعة، أنه شنّ غارة جوية ضد هدف لحزب الله في جنوب لبنان، في ثاني هجوم من نوعه ولليوم الثاني تواليا، منذ بدء سريان وقف إطلاق النار بين الطرفين، الأربعاء.
ومنذ أن دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، بدأ المواطنون يتفقدون حجم الدمار في مناطق واسعة من لبنان تعرضت للهجمات الإسرائيلية، بدءا من الضاحية الجنوبية لبيروت مرورا بالمنطقة الحدودية جنوب البلاد وانتهاء بسهل البقاع.
وانسحاب حزب الله من المناطق الواقعة على طول الحدود الإسرائيلية، إلى جانب انسحاب القوات الإسرائيلية، على مدى الأيام الستين المقبلة يشكل محور اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة.
وتتولى قوات حفظ السلام التابعة للولايات المتحدة وفرنسا والأمم المتحدة مسؤولية مراقبة الالتزام بشروط الهدنة.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، إن إسرائيل "تحافظ على الحرية الكاملة للعمل العسكري"، مدعيا تفويضًا واسع النطاق لضرب حزب الله ردًا على التهديدات أو الجهود التي تبذلها المجموعة لإعادة التسلح حتى بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار.
وفي تعليقات للتلفزيون الإسرائيلي، الخميس، قال نتنياهو إنه أخبر قوات الدفاع الإسرائيلية، "إذا كان هناك انتهاك كبير للاتفاق، فقد أصدرت تعليماتي لجيش الدفاع الإسرائيلي للاستعداد لحرب مكثفة".
وبعد الغارات الإسرائيلية خلال اليومين الماضيين، اتهم الجيش اللبناني إسرائيل بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار من خلال خرق المجال الجوي اللبناني وضرب الأراضي اللبنانية.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: اتفاق وقف إطلاق النار بین الجیش الإسرائیلی الولایات المتحدة الجیش اللبنانی بین إسرائیل حزب الله أبو دیاب
إقرأ أيضاً:
كيف سينعكس وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل على الحرب في غزة؟
غزة- يأخذ اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل حيزا واسعا من اهتمامات ونقاشات المواطنين في قطاع غزة، الذين يواجهون الموت، قتلا وتجويعا، في سياق حرب إبادة إسرائيلية مستعرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأوقف الاتفاق حربا استمرت لـ12 يوما بدأتها تل أبيب في 13 من الشهر الجاري بهجوم مباغت على طهران، وردَّت الأخيرة بموجات من القصف الصاروخي على مدن إسرائيلية، في حين لم تتراجع الجرائم الإسرائيلية في غزة، التي حصدت خلال هذه الفترة أرواح مئات الشهداء، وأوقعت آلاف الجرحى.
واستطلعت "الجزيرة نت" آراء محللين سياسيين وخبراء في الشأن الإسرائيلي، ومواقف الشارع الغزي، ورصدت ما تداولته صفحات النشطاء على منصات التواصل الاجتماعي إزاء مآلات الحرب الإسرائيلية على غزة في ضوء اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل.
التهدئة ممكنةويعتقد الكاتب والمحلل السياسي الدكتور إياد القرا، أن "اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل قد يشكل نقطة تحول في الحرب على غزة، ويمنح رئيس الوزراء الإٍسرائيلي بنيامين نتنياهو (المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية) فرصة لإعادة ترتيب أولويات حكومته".
ويقول للجزيرة نت، إن نتنياهو وبعد الضربة التي وجهها لإيران، يشعر بأنه حقق "إنجازا كبيرًا" يمكنه استثماره سياسيا على المستويين الداخلي والخارجي، لا سيما مع وجود دعم أميركي ضمني.
ويضيف "هذا الظرف قد يدفعه للتوجه نحو اتفاق في غزة، سواء كان جزئيا أو شاملا، خاصة في ظل قناعة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأن الخيارات العسكرية في القطاع قد استنفدت دون تحقيق أهداف حاسمة، كاستعادة الأسرى أو إنهاء المقاومة".
كما أن إسرائيل تواجه ضغوطا دولية متصاعدة، واتهامات بارتكابها جرائم حرب، حيث الأنظار تعود الآن مجددا إلى غزة بعد انتهاء فترة التوتر مع إيران، ويردف القرا "الولايات المتحدة أيضا بدأت ترى في استمرار الحرب خطرا على مصالحها في المنطقة وصورتها الأخلاقية، مما يُعزِّز فرص الدفع نحو التهدئة".
إعلانورغم أن "احتمال التصعيد" -حسب القرا- لا يزال قائما في غزة، غير أنه أقل ترجيحا في هذه المرحلة، ويقول: إن "استمرار الحرب مكلف لإسرائيل على المستويين السياسي والعسكري، بينما لا توجد مؤشرات على قدرة الجيش على تحقيق نتائج جديدة ميدانيا".
كما أن خيار الاتفاق في غزة يبدو أقرب، خصوصا إذا تضمن ترتيبات تتعلق بالأسرى وتخفيف الحصار، مما يتيح لإسرائيل الخروج من الحرب بمكاسب سياسية دون انهيار الائتلاف الحاكم، ويرجح القرا أن "المرحلة المقبلة تبدو مرشحة لتسوية مرحلية أكثر من كونها تصعيدا شاملا".
وبتقديره، فإن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قدَّمت مرونة كاملة بالمطلوب منها، لكن لم يكن هناك قرار إسرائيلي أميركي بوقف الحرب في غزة حتى الآن.
لكن الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي عاهد فروانة، يخالف بعض ما ذهب إليه القرا، ويرجح أن "المرحلة القريبة القادمة ستشهد استفرادا إسرائيليا بغزة قبل التوصل لأي اتفاق تهدئة يحتاج تحقيقه لتوفر عدة عوامل".
وقال فروانة للجزيرة نت، إن استمرار الحرب بالنسبة لنتنياهو ضمانة له ولائتلافه اليميني، وهو يرهن غزة بحساباته الداخلية بشكل كبير، خاصة مع تطلعه لانتخابات مبكرة، ويحاول اختيار الوقت المناسب قبل الاستجابة لمبادرات وقف الحرب.
ويضيف "يعتقد نتنياهو الآن وبعد ضرب المفاعل النووي الإيراني، أن هذا يساعده في إضعاف حماس، ويجبرها للتنازل أكثر والتراجع عن مطالبها بخصوص شرط وقف الحرب والانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي".
وهذا الرهان من جانب نتنياهو- يواصل فروانة- ربما سيدفعه لزيادة الضغط على غزة، عسكريا بالقصف وعبر سياسة الحصار والتجويع، للوصول إلى أفضل اتفاق مع حماس يخدم مصالحه.
ويرى فروانة، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو الوحيد في العالم القادر على إلزام نتنياهو بوقف الحرب على غزة، ويقول: "نتنياهو يدرك ذلك ولا يريد هذا الضغط في الوقت الحالي".
وإذا كان نتنياهو استجاب للضغط الأميركي على الجبهة الإيرانية، وأوقف إطلاق النار، فهذا نابع -يقول فروانة- من "قوة تأثير الصواريخ الإيرانية على الداخل الإسرائيلي، وخشية نتنياهو من حرب استنزاف طويلة تبدد الإنجازات التي حققها على هذه الجبهة والجبهات الأخرى خاصة في غزة ولبنان".
وحدد فروانة عدة عوامل قد تشكل ضغطا على نتنياهو للإسراع بوقف الحرب على غزة وهي:
ضغط حقيقي من ترامب نابع من حقيقة أن استمرار الحرب يتعارض مع رغبته في تسويق نفسه كرجل سلام ينهي الحروب المشتعلة في العالم، وأنها تتعارض والمصالح الأميركية في المنطقة. أن تمارس المعارضة الإسرائيلية التي دعمت نتنياهو في حربه على إيران ضغوطا جادة ومستمرة لدفعه للاتفاق مع حماس على غرار إيران، يضمن الهدوء ويعيد الأسرى الإسرائيليين. حماس مطالبة بالعمل على إنقاذ ما يمكن، ووضع حد للأوضاع الكارثية، عبر التجاوب مع أي مبادرة حتى لو لم تلب مطالبها. الرهان على الضغوط الدولية والإقليمية للبناء على وقف إطلاق النار المؤقت ليتحول إلى تهدئة دائمة. إعلانويعتقد فروانة أنه إذا توفرت هذه الأرضية سريعا فإن "الأمور مواتية لوقف المحرقة في غزة".
من جانبهم، أبدى غزيون مشاعر مختلطة إزاء الاتفاق الإيراني الإسرائيلي، بين أمل في توقف مماثل للحرب على غزة، وخشية من استفراد إسرائيل بهم ومواصلة ارتكابها جرائم القتل والتجويع.
وقال الصحفي سامي أبو سالم على صفحته في "فيسبوك": "غزة ليست أقوى من إيران، إيران دولة كبيرة وقوية ولديها موارد وجيش وترسانة عسكرية، لكن في المواجهة الحالية طيرانها العسكري لم يستطع الإقلاع، وفي حسابات موازين القوى أدركت أنها كلما طالت المواجهة أكثر ستخسر أكثر، فهي لا تواجه إسرائيل فقط، بل أميركا وغيرها، لذا آثرت القبول بإنهاء الحرب لوقف النزيف وحماية مقدراتها وعلمائها".
وبكلمات قليلة قالت أم ماجد الهندي للجزيرة نت: "ربنا يهدي البال، وبعد إيران توقف الحرب علينا في غزة، والله يكفي، اتعبنا (تعبنا) ولم يعد لدينا صبر على الفقد والجوع".
ويتوقع الدكتور حسن القطراوي "اتفاقا قريبا، لا يتعدى الشهر"، ويقول للجزيرة نت إنه "سيكون مدخلا لاتفاق طويل الأمد ليس فيه حماس كحكومة أو سلطة، والاتفاق على مسألة تسليم سلاحها، ربما بمصطلح آخر مثل تعليقه أو وضعه، بمعنى عدم استخدامه".
أما محمد العطار وهو موظف متقاعد نازح من بلدة بيت لاهيا، فقال للجزيرة نت، "عندما تكون بدون أوراق قوة متكافئة، فالعقل يحتم عليك أن تتعاطى بالممكن المتاح، وتستغل الفرصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في غزة المنكوبة".
في المقابل، كتب آخرون على حساباتهم مما يدعم المقاومة في غزة ويعزز صمود أهلها، وقال أحمد الديري: "نحن في غزة نفخر بأن نكون هكذا، لا يشرفنا أن نكون في عالم ظالم يدعي الإنسانية وهو يضربها في عمقها".