كيف سينعكس وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل على الحرب في غزة؟
تاريخ النشر: 24th, June 2025 GMT
غزة- يأخذ اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل حيزا واسعا من اهتمامات ونقاشات المواطنين في قطاع غزة، الذين يواجهون الموت، قتلا وتجويعا، في سياق حرب إبادة إسرائيلية مستعرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأوقف الاتفاق حربا استمرت لـ12 يوما بدأتها تل أبيب في 13 من الشهر الجاري بهجوم مباغت على طهران، وردَّت الأخيرة بموجات من القصف الصاروخي على مدن إسرائيلية، في حين لم تتراجع الجرائم الإسرائيلية في غزة، التي حصدت خلال هذه الفترة أرواح مئات الشهداء، وأوقعت آلاف الجرحى.
واستطلعت "الجزيرة نت" آراء محللين سياسيين وخبراء في الشأن الإسرائيلي، ومواقف الشارع الغزي، ورصدت ما تداولته صفحات النشطاء على منصات التواصل الاجتماعي إزاء مآلات الحرب الإسرائيلية على غزة في ضوء اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل.
التهدئة ممكنةويعتقد الكاتب والمحلل السياسي الدكتور إياد القرا، أن "اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل قد يشكل نقطة تحول في الحرب على غزة، ويمنح رئيس الوزراء الإٍسرائيلي بنيامين نتنياهو (المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية) فرصة لإعادة ترتيب أولويات حكومته".
ويقول للجزيرة نت، إن نتنياهو وبعد الضربة التي وجهها لإيران، يشعر بأنه حقق "إنجازا كبيرًا" يمكنه استثماره سياسيا على المستويين الداخلي والخارجي، لا سيما مع وجود دعم أميركي ضمني.
ويضيف "هذا الظرف قد يدفعه للتوجه نحو اتفاق في غزة، سواء كان جزئيا أو شاملا، خاصة في ظل قناعة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأن الخيارات العسكرية في القطاع قد استنفدت دون تحقيق أهداف حاسمة، كاستعادة الأسرى أو إنهاء المقاومة".
كما أن إسرائيل تواجه ضغوطا دولية متصاعدة، واتهامات بارتكابها جرائم حرب، حيث الأنظار تعود الآن مجددا إلى غزة بعد انتهاء فترة التوتر مع إيران، ويردف القرا "الولايات المتحدة أيضا بدأت ترى في استمرار الحرب خطرا على مصالحها في المنطقة وصورتها الأخلاقية، مما يُعزِّز فرص الدفع نحو التهدئة".
إعلانورغم أن "احتمال التصعيد" -حسب القرا- لا يزال قائما في غزة، غير أنه أقل ترجيحا في هذه المرحلة، ويقول: إن "استمرار الحرب مكلف لإسرائيل على المستويين السياسي والعسكري، بينما لا توجد مؤشرات على قدرة الجيش على تحقيق نتائج جديدة ميدانيا".
كما أن خيار الاتفاق في غزة يبدو أقرب، خصوصا إذا تضمن ترتيبات تتعلق بالأسرى وتخفيف الحصار، مما يتيح لإسرائيل الخروج من الحرب بمكاسب سياسية دون انهيار الائتلاف الحاكم، ويرجح القرا أن "المرحلة المقبلة تبدو مرشحة لتسوية مرحلية أكثر من كونها تصعيدا شاملا".
وبتقديره، فإن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قدَّمت مرونة كاملة بالمطلوب منها، لكن لم يكن هناك قرار إسرائيلي أميركي بوقف الحرب في غزة حتى الآن.
لكن الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي عاهد فروانة، يخالف بعض ما ذهب إليه القرا، ويرجح أن "المرحلة القريبة القادمة ستشهد استفرادا إسرائيليا بغزة قبل التوصل لأي اتفاق تهدئة يحتاج تحقيقه لتوفر عدة عوامل".
وقال فروانة للجزيرة نت، إن استمرار الحرب بالنسبة لنتنياهو ضمانة له ولائتلافه اليميني، وهو يرهن غزة بحساباته الداخلية بشكل كبير، خاصة مع تطلعه لانتخابات مبكرة، ويحاول اختيار الوقت المناسب قبل الاستجابة لمبادرات وقف الحرب.
ويضيف "يعتقد نتنياهو الآن وبعد ضرب المفاعل النووي الإيراني، أن هذا يساعده في إضعاف حماس، ويجبرها للتنازل أكثر والتراجع عن مطالبها بخصوص شرط وقف الحرب والانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي".
وهذا الرهان من جانب نتنياهو- يواصل فروانة- ربما سيدفعه لزيادة الضغط على غزة، عسكريا بالقصف وعبر سياسة الحصار والتجويع، للوصول إلى أفضل اتفاق مع حماس يخدم مصالحه.
ويرى فروانة، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو الوحيد في العالم القادر على إلزام نتنياهو بوقف الحرب على غزة، ويقول: "نتنياهو يدرك ذلك ولا يريد هذا الضغط في الوقت الحالي".
وإذا كان نتنياهو استجاب للضغط الأميركي على الجبهة الإيرانية، وأوقف إطلاق النار، فهذا نابع -يقول فروانة- من "قوة تأثير الصواريخ الإيرانية على الداخل الإسرائيلي، وخشية نتنياهو من حرب استنزاف طويلة تبدد الإنجازات التي حققها على هذه الجبهة والجبهات الأخرى خاصة في غزة ولبنان".
وحدد فروانة عدة عوامل قد تشكل ضغطا على نتنياهو للإسراع بوقف الحرب على غزة وهي:
ضغط حقيقي من ترامب نابع من حقيقة أن استمرار الحرب يتعارض مع رغبته في تسويق نفسه كرجل سلام ينهي الحروب المشتعلة في العالم، وأنها تتعارض والمصالح الأميركية في المنطقة. أن تمارس المعارضة الإسرائيلية التي دعمت نتنياهو في حربه على إيران ضغوطا جادة ومستمرة لدفعه للاتفاق مع حماس على غرار إيران، يضمن الهدوء ويعيد الأسرى الإسرائيليين. حماس مطالبة بالعمل على إنقاذ ما يمكن، ووضع حد للأوضاع الكارثية، عبر التجاوب مع أي مبادرة حتى لو لم تلب مطالبها. الرهان على الضغوط الدولية والإقليمية للبناء على وقف إطلاق النار المؤقت ليتحول إلى تهدئة دائمة. إعلانويعتقد فروانة أنه إذا توفرت هذه الأرضية سريعا فإن "الأمور مواتية لوقف المحرقة في غزة".
من جانبهم، أبدى غزيون مشاعر مختلطة إزاء الاتفاق الإيراني الإسرائيلي، بين أمل في توقف مماثل للحرب على غزة، وخشية من استفراد إسرائيل بهم ومواصلة ارتكابها جرائم القتل والتجويع.
وقال الصحفي سامي أبو سالم على صفحته في "فيسبوك": "غزة ليست أقوى من إيران، إيران دولة كبيرة وقوية ولديها موارد وجيش وترسانة عسكرية، لكن في المواجهة الحالية طيرانها العسكري لم يستطع الإقلاع، وفي حسابات موازين القوى أدركت أنها كلما طالت المواجهة أكثر ستخسر أكثر، فهي لا تواجه إسرائيل فقط، بل أميركا وغيرها، لذا آثرت القبول بإنهاء الحرب لوقف النزيف وحماية مقدراتها وعلمائها".
وبكلمات قليلة قالت أم ماجد الهندي للجزيرة نت: "ربنا يهدي البال، وبعد إيران توقف الحرب علينا في غزة، والله يكفي، اتعبنا (تعبنا) ولم يعد لدينا صبر على الفقد والجوع".
ويتوقع الدكتور حسن القطراوي "اتفاقا قريبا، لا يتعدى الشهر"، ويقول للجزيرة نت إنه "سيكون مدخلا لاتفاق طويل الأمد ليس فيه حماس كحكومة أو سلطة، والاتفاق على مسألة تسليم سلاحها، ربما بمصطلح آخر مثل تعليقه أو وضعه، بمعنى عدم استخدامه".
أما محمد العطار وهو موظف متقاعد نازح من بلدة بيت لاهيا، فقال للجزيرة نت، "عندما تكون بدون أوراق قوة متكافئة، فالعقل يحتم عليك أن تتعاطى بالممكن المتاح، وتستغل الفرصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في غزة المنكوبة".
في المقابل، كتب آخرون على حساباتهم مما يدعم المقاومة في غزة ويعزز صمود أهلها، وقال أحمد الديري: "نحن في غزة نفخر بأن نكون هكذا، لا يشرفنا أن نكون في عالم ظالم يدعي الإنسانية وهو يضربها في عمقها".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات اتفاق وقف إطلاق النار بین إیران وإسرائیل استمرار الحرب للجزیرة نت وقف الحرب على غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
هل إيران وتركيا في خطر بسبب تحالف أذربيجان وإسرائيل؟
في أقصى جنوب دولة الاحتلال الإسرائيلي، وبالقرب من مدينة إيلات المتاخمة للحدود مع مصر والأردن، تقع قاعدة عوفدا الجوية، القاعدة الوحيدة المُصرَّح لها بالتعامل مع صادرات وواردات المواد العسكرية الخطرة والمتفجرات في إسرائيل.
منذ عام 2016 بدأ يتردّد ضيف جديد على القاعدة، سرعان ما أصبح حضوره دائما، بواقع 92 رحلة حتى عام 2023. إنها طائرات إليوشين 76 السوفياتية القديمة، المُخصّصة لحمل المعدات الثقيلة، والتي تطير الآن باسم شركة "طيران طريق الحرير" (SilkWay) الأذربيجانية، المملوكة للوزير السابق زاؤور أخوندوف.
الهدف الذي لا يخفى على أحد لهذه الرحلات هو نقل السلاح الإسرائيلي إلى أذربيجان؛ من الطائرات المسيرة الإسرائيلية "هرمز" و"هيرون"، التي لعبت دورًا محوريًّا في حرب أذربيجان مع أرمينيا من أجل السيطرة على إقليم ناغورني قره باغ عام 2020، وحتى صواريخ الدفاع الجوي "باراك" والصواريخ البالستية "لورا"، وغيرها الكثير من منتجات الصناعات العسكرية في إسرائيل، التي باتت تُزوّد باكو بأكثر من 70% من احتياجاتها العسكرية، وتحتل منزلة تنافس بها منزلة تركيا، الحليف الرئيسي حتى الآن للدولة الأكبر في القوقاز منذ استقلالها عن الاتحاد السوفياتي عام 1991.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2للأيام الحاسمة مع إسرائيل تركيا تشيد قبتها الفولاذية الصاعقةlist 2 of 2إسرائيل تبدأ محاصرة تركيا عبر هذه الخطةend of listفي المقابل، تُزوّد أذربيجان الغنية بالنفط والغاز دولة الاحتلال الإسرائيلي بحوالي نصف احتياجاتها النفطية منذ منتصف التسعينيات، وهي قضية لفتت الأنظار خلال الأشهر الأخيرة، حيث طالبت الناشطة البيئية المعروفة غريتا ثونبرغ الشركات النفطية الأذربيجانية بوقف دعمها للاقتصاد الإسرائيلي واعتبرتها مشارِكة في الإبادة.
كما شهدت شركة "سوكار" النفطية المملوكة للدولة في أذربيجان مظاهرات أمام مقرها في إسطنبول صيف عام 2024 تنديدًا باستمرار تدفّق النفط الأذربيجاني تحت رعايتها إلى إسرائيل.
إعلانبيد أن اهتمام إسرائيل الحديث نسبيًّا بمنطقة القوقاز، يتجاوز النفط الأذربيجاني، ويتعلَّق بالأساس بالرغبة في التواجد في موقع محوري متاخم لغريمها التقليدي منذ عام 1979: جمهورية إيران الإسلامية، الواقعة جنوب أذربيجان، إذ تُتيح باكو لتل أبيب أن تُمارس نشاطها الاستخباري بحُرية تامة لترصد إيران عن قُرب كما تشير العديد من التقارير الصحفية.
أضف إلى ذلك أن التواجد في القوقاز يُزاحِم التحالف التركي الأذربيجاني، ويتيح لإسرائيل ورقة إضافية في مواجهة تركيا، ويقلص نصيب الأخيرة من التأثير في صنع القرار داخل أذربيجان، كما يمنح باكو استقلالية أكبر عن الاعتماد التام على تركيا، ويشي بذلك التعاون الأذربيجاني-الإسرائيلي في مجال الغاز، الذي يُقرّب باكو من محور إسرائيل-قبرص-اليونان في شرق المتوسط، ويبعدها نسبيا عن نفوذ أنقرة.
لطالما بحثت دولة الاحتلال الإسرائيلي عن حلفاء لها في شمال العالم العربي من أجل تطويقه إستراتيجيًّا، وقد وجدت ضالتها أثناء الحرب الباردة في نظام محمد رضا بهلوي في إيران، ثم في حقبتيْن من التحالف القصير مع تركيا أثناء الخمسينيات والتسعينيات.
ومنذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وتوتّر العلاقات مع تركيا منذ عام 2009 (في أعقاب الحرب الإسرائيلية على غزة وقتها) بدأت إسرائيل تبحث عن حليف لها في الفضاء السوفياتي السابق، ونجحت -إلى حد ما- في تدشين علاقات جيدة مع كزاخستان، قبل أن تنفتح لها أبواب أذربيجان، الدولة الصغيرة الباحثة عن حلفاء أشداء لموازنة روسيا القوية إلى شمالها، ومواجهة إيران الصاعدة إلى جنوبها.
منذ استقلالها عن الاتحاد السوفياتي هيمنت على أذربيجان رؤية قومية منحازة إلى التحالف مع تركيا، بالنظر إلى الروابط الإثنية واللغوية بين البلدين، إذ إن اللغة الأذرية شديدة الشبه باللغة التركية وتنتمي لعائلة اللغات ذاتها.
ومع أن رئيس الجمهورية الثالث حيدر علييف صعد إلى السلطة عام 1993 بعد الإطاحة بالرئيس أبو الفضل ألتشيبِك من قبل القائد العسكري سورات حسينوف، حين عيّن البرلمان بعدها علييف رئيسًا مؤقتًا ثم أصبح فيما بعد رئيسًا رسميًا لأذربيجان، مع ذلك فإن التحالف بين باكو وأنقرة توطّد تحت حكم علييف فيما بعد، وتعمق أكثر تحت حكم ابنه الرئيس الحالي إلهام علييف، الذي تولَّى السلطة عام 2003.
كان الدافع وراء انجذاب أذربيجان نحو تركيا هو عضوية الأخيرة في حلف الناتو، وعلاقاتها الجيدة بالغرب، ونموذجها العلماني الصارم في ذلك الوقت، وهو نموذج تطلَّعت إليه باكو في ظل انعدام الثقة مع روسيا التي دعمت أرمينيا، خصم أذربيجان اللدود في الصراع طويل الأمد بين البلدين، وكذلك العلاقات المتوترة باستمرار مع إيران بسبب نموذجها الإسلامي، الذي كان ولا يزال مُلهِمًا للمسلمين الشيعة الذين يُشكّلون أغلبية سكان أذربيجان.
وازداد توتّر العلاقات مع إيران أيضًا بسبب دعوات ألتشيبِك في رئاسته القصيرة إلى تأسيس "أذربيجان الكبرى"، التي تضُم محافظة أذربيجان الموجودة في شمال إيران.
إعلانهدأت العلاقات بين باكو وطهران بعد صعود علييف الذي تعامل مع إيران ببراغماتية، وتجاهل فكرة أذربيجان الكبرى إلى حد ما، لكن ظلّت علاقات بينهما باردة، لا سيما بسبب الدعم الضمني -والعلني أحيانا- الذي تقدمه إيران لأرمينيا.
وحتى بعد استيلاء أرمينيا بالقوة على إقليم ناغورني قره باغ مطلع التسعينيات، استمرت طهران في تقديم الدعم لها لدرجة أن حدود أرمينيا مع إيران، التي يبلغ طولها 42 كلم فقط، أصبحت هي رابطها مع العالم الخارجي في ظل الحصار المفروض عليها، والتوترات المستمرة على حدودها مع جورجيا.
وكان الطريق السريع، الذي يبلغ طوله حوالي 400 كلم، ويربط يريفان المحاصَرة بالحدود الإيرانية، يُطلق عليه الأرمن بشكل غير رسمي اسم "طريق الحياة".
وأكثر من ذلك، وقعت طهران اتفاقية لتوريد الغاز الإيراني إلى أرمينيا عام 1992 كعلامة على دعمها الراسخ لجارتها الشمالية. ولا تزال إيران حتى اليوم تدعم أرمينيا إلى جانب روسيا، وكان وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين عبد اللهيان قد صرّح عام 2022 أن "أمن أرمينيا من أمن إيران" متعهدا بتعزيز التعاون الأمني بين البلدين.
المفارقة هنا أن الأسباب التي دفعت أذربيجان للتقارب مع تركيا تتشابه كثيرا مع الأسباب التي دفعتها إلى أحضان إسرائيل، باستثناء -ربما- الجذور العرقية واللغوية المشتركة، حيث بدأت باكو منذ منتصف التسعينيات تتطلَّع إلى تل أبيب كحليف ثانٍ يدعم رؤيتها القومية العلمانية في الداخل ويقوي شوكتها في مواجهة إيران.
وقتها، التقى الرئيس الأذربيجاني آنذاك حيدر علييف برئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، وطلب منه التعاون لضبط الحدود المضطربة مع إيران، ومن هُنا تطورت العلاقات بين البلدين وفقًا لصيغة النفط مقابل الأمن، حيث تُزوّد باكو إسرائيل بنسبة كبيرة من احتياجاتها النفطية، مقابل دعم أمني وعسكري مفتوح من تل أبيب للنظام في أذربيجان، بشكل أخص في مواجهته مع إيران.
باكو وطهران.. التصدع الكبيربمرور الوقت أصبح الخلاف بين أذربيجان وإيران أكبر من أن يتم احتواؤه، بعد تزايد الاتهامات لإيران بدعم المعارضين "الإسلاميين" في أذربيجان ردًا على التحالف المتزايد بين باكو وتل أبيب.
ففي عام 2019 طبقا لموقع ميدل إيست مونيتور أسّس فيلق القدس بقيادة الراحل قاسم سليماني جماعة "الحسينيون" لتجميع المقاتلين الأذربيجانيين لدعم نظام بشار الأسد في سوريا، قبل أن تُتهم ببث الدعايا المناهضة للنظام في باكو، والحث على القيام "بثورة إسلامية" في البلاد.
وقد اتهمت أذربيجان الجماعة بتدبير عدد من العمليات داخل البلاد، بما فيها محاولة اغتيال البرلماني الأذربيجاني فاضل مصطفى صاحب المواقف والتصريحات المُعادية لإيران.
وتم اتهام إيران بمحاولة إثارة الاضطرابات في أذربيجان للضغط على إدارة علييف، الذي سمح للإسرائيليين بتوسيع نشاطاتهم الاستخبارية كمكافأة على المساهمات التي قدمتها تل أبيب في انتصار أذربيجان على أرمينيا عام 2020.
وفي 27 يناير/كانون الأول 2023، وبعدما عيّنت باكو لأول مرة سفيرًا لها في إسرائيل، تعرَّضت السفارة الأذربيجانية في طهران إلى هجوم عنيف، أسفر عن مقتل أحد حراس السفارة وإصابة اثنين آخرين.
وكانت باكو قد اتّهمت طهران -بشكل غير رسمي من خلال وسائل الإعلام الموالية للدولة- بالمسؤولية المباشرة عن الهجمات، في حين اعتبره محللون توترًا غير مسبوق بين البلدين. كما أعلنت أذربيجان إغلاق سفارتها في طهران حتى إشعار آخر، واستدعت السفير الإيراني وطالبته بتقديم المتورطين إلى العدالة في أسرع وقت، وقد قضت محكمة إيرانية فيما بعد بإعدام المتهم بتنفيذ الهجوم.
غير أنه في اليوم التالي، اخترقت طائرة مسيرة المجال الجوي الإيراني، وقصفت منشأة عسكرية إيرانية، وهو هجوم يرجح أن إسرائيل ضالعة فيه طبقًا لمحللين. ثم في الأول من فبراير/شباط، صرّحت وزارة الدفاع الأذربيجانية أنها عقدت اجتماعًا مع وفد عسكري إسرائيلي لمناقشة التعاون بين البلدين، وهو ما عدّه كثيرون تعميقًا للعلاقات الأذربيجانية-الإسرائيلية بوجه إيران.
إعلانوفي 10 مارس/آذار 2023، استضاف علييف وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية في باكو، ومن ثمّ أتى الرد الإيراني في اليوم التالي، حين حلَّقت طائرة عسكرية إيرانية على طول المنطقة الحدودية، بما فيها مناطق سيطرت عليها أذربيجان حديثًا بعد انتزاعها من أرمينيا، ما دفع باكو إلى إرسال مذكرة احتجاج للسفير الإيراني.
من الطوفان إلى ممر "ترامب"بالطبع، كان كل ذلك قبل طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ونَقلَ الصراع بين إيران وإسرائيل إلى مستويات أشد، في حين لم تكن أذربيجان غائبة عنه بالكلية.
وتعقدت الأوضاع الجيوسياسية بعد صعود إدارة دونالد ترامب في الولايات المتحدة مرة أخرى، وتنصيبه رسميا مطلع العام الحالي، واهتمامه بلعب دور فيما يُعرَف بممر زانغِزور (أو ممر ترامب للسلام الدولي والرفاه "TRIPP" كما يريد ترامب تسميته)، والذي يربط تركيا ومحافظة نخجوان الأذربيجانية ببقية أراضي أذربيجان، مرورًا عبر أرمينيا وبالتحديد حدودها مع إيران.
وهي تحركات يُنظر إليها بوصفها محاولة أميركية لتطويق إيران، وجذب آسيا الوسطى بعيدًا عن النفوذ الصيني والروسي، كما يُرجح أن تستفيد منها تركيا بشكل مباشر عبر فتح طريق مباشر إلى بحر قزوين. في المقابل، ترفض إيران هذه الخطط تماما لدرجة أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي وصف الممر بأنه "خط أحمر" بالنسبة لإيران.
في غضون ذلك لم تزد العلاقات بين باكو وتل أبيب إلا رسوخًا، رغم ما يجري على أرض غزة والطوفان وتداعياته السياسية في الشرق الأوسط المتاخم لها، وتداعياته الشعبية كذلك في العالم الإسلامي، ولم تحافظ على تحالفها مع إسرائيل فحسب، بل وعمّقته.
فقد صارت باكو أهم مصدر للنفط في إسرائيل (40-60% من الاستهلاك الإسرائيلي)، غير عابئة بالمقاطعة المتزايدة لدولة الاحتلال، بما فيها حظر التجارة الرسمي الذي أعلنه البرلمان في تركيا، الحليف الأقرب لأذربيجان.
ربما يفسر ذلك الدور الذي يعتقده خبراء إيرانيون أن أذربيجان لعبته في تسهيل مرور وعودة عملاء إيرانيين الذين سرقوا قرابة نصف طن من وثائق الأرشيف النووي الإيراني في يناير/ كانون الثاني 2018، أضف لذلك التكهنات حول الدور الذي ربما لعبته أذربيجان في تسهيل اختراق إسرائيل لإيران، وتنفيذ ضرباتها في يونيو/حزيران الماضي، رغم نفي المسؤولين الأذربيجانيين المتكرر.
في مقابل ذلك، حصدت أذربيجان مؤخرا العديد من الثمار الإضافية لعلاقتها بإسرائيل. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2024، وقّعت شركة "سوكار" النفطية المملوكة للدولة في أذربيجان اتفاقًا مع إسرائيل لامتلاك حصة 10% في حقل تمار للغاز الطبيعي قبالة السواحل الإسرائيلية.
وفي مارس/آذار 2025، وقّعتسوكار أيضًا اتفاقًا مع شركة "نيوميد" الإسرائيلية وشركة "بريتيش بتروليوم" البريطانية للتنقيب عن الغاز في المنطقة الاقتصادية الواقعة قبالة شمال إسرائيل، بما يشكل حضورا واضحا في مشهد الغاز شرق البحر المتوسط عبر إسرائيل المتحالفة مع اليونان وقبرص، وهو أمر لم تُرَ آثاره بعد على العلاقات بين تركيا وأذربيجان، بالنظر إلى التوتر بين تركيا وتحالف إسرائيل واليونان.
وفي مارس/آذار نفسه، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن رغبته في تدشين تعاون ثلاثي بين باكو وتل أبيب وواشنطن، في محاولة لتدعيم التحالف بين الدولتين الصغيرتين عبر مظلة القوة الأميركية، التي تبدو مهتمة بالقوقاز وآسيا الوسطى تحت إدارة ترامب. ويبدو أن تحالف باكو-تل أبيب يحاولتقديم خدماته للولايات المتحدة في مواجهة خصوم واشنطن في إيران وربما أفغانستان.
وتجدر الإشارة إلى أن أذربيجان قدمت في السابق خدماتها للولايات المتحدة وتحالفها الدولي في أفغانستان بالفعل، عن طريق "طيران طريق الحرير" ذاتها، التي استخدمت طائراتها السوفياتية -للمفارقة- في نقل السلاح والمعدات لصالح القوات الأميركية في أفغانستان، علاوة على مشاركتها في دعم القوات الأميركية في عدد من الدول الأفريقية.
ورغم أن الولايات المتحدة مرّرت قانونًا لدعم الحريات في منتصف التسعينيات، ومنعت بموجبه أي عملية لتزويد أذربيجان بالسلاح أو المعونة الأميركية؛ فإن الإدارات المتعاقبة في واشنطن منحت باكو استثناءً من القانون باستمرار.
بين تركيا وإسرائيللا نعلم حتى الآن طبيعة الاتفاقات غير المعلنة بين باكو وتل أبيب، لكن المؤكد أن التحالف الأذربيجاني الإسرائيلي أصبح واحدة من أهم ركائز السياسة الإسرائيلية في المنطقة، التي تعاني مؤخرًا من التوترات مع محيطها بسبب الإبادة في غزة، بما يشمل مصر والأردن المرتبطتين مع دولة الاحتلال باتفاقات "سلام" رسمية، فضلا عن الخلافات العميقة مع تركيا والعداوة المتأصلة مع إيران، ومن ثمّ تُطِل أذربيجان بوصفها استثناءً في المنطقة بدعمها غير المشروط لإسرائيل.
أما تركيا، الحليف الأهم والأقرب والأقدم لباكو، فلم تُعرب عن قلقها الصريح حتى الآن من التحالف الأذربيجاني الإسرائيلي، لكن بوادر الخلاف ظهرت في تقارير تعود إلى يونيو/حزيران 2024، حين التقى الرئيسان أردوغان وعلييف في أنقرة، حيث نقلت وكالة الأناضول للأنباء أن الرئيس التركي حث نظيره الأذربيجاني على الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وهو ما اعتبره موقع "أوراسيا نت" بوادر تملمُل تركي من التحالف الأذربيجاني الإسرائيلي، ومحاولة ضغط على باكو لتخفيف دعمها المفتوح لتل أبيب.
إعلان