كوشنر وإيفانكا ترامب يتبرعان بمليون دولار لليهود في الخليج
تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT
د. عبدالله باحجاج
يبدو العنوان أعلاه مُثيرًا، لكنه خبرٌ صحيحٌ، وكل مُطَّلع على مُستجدات التحولات الكبرى كتطبيع بعض دول الخليج مع الكيان الصهيوني عام 2021، أو تداعياتها مثل مقتل الحاخام الصهيوني زافي كوغان في دولة خليجية قبل أيام، سيقفُ على محاولات إقامة مُجتمعات يهودية في دول مجلس التعاون الخليجي، في بعضها لا يزال الهدف حلمًا، لكن لا نرى هناك ضمانات قوية تحُول دون تحقيق الحلم اليهودي فيها، إذا ما نجحت في غيرها، والتَّبرع بالمليون دولار قد كشفه جاريد كوشنر ونسبه لنفسه ولزوجته إيفانيكا ابنة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، بمعنى أنَّه لا مجال للتشكيك فيه، والذي ينبغي التوقف عنده هنا 3 قضايا مُهمة، تصب في المخاوف الوجودية في الخليج، نرصدها فيما يلي:
ما الغاية من هذا التبرع؟ ومخاطر السماح للجاليات في الخليج بتلقي تبرعات مالية ودعم سياسي من قوى خارجية (دول- منظمات- نخب)؟ وإنعكاسات ذلك على مجتمعاتها، في ظل حقبة الانفتاح التي يقودها البعض براديكالية مُتعصِّبة ضد الهوية بقيمها ومبادئها المُتجذِّرة في الخليج، وكذلك التشديد المالي على المجتمعات ووجود جيل كامل إمَّا باحث عن عمل أو يتقاضى رواتب مُتدنية ومحدودة.
وحتى نضع تلك الهواجس في صُلب التطورات، وبالذات التبرع بالمليون دولار، فإن كوشنر قد أرجع الغاية منه إلى دعم المجتمع اليهودي الذي يتأسس الآن في دولة خليجية، وتعهَّد بتقديم هذا الدعم المالي لمنظمة يُطلق عليها اسم "حباد" وهي حركة يهودية متشددة، وافتتحت فرعًا لها في المنطقة، وأوضحت هذه المنظمة أنَّ الخاحام المقتول كان مع آخرين مبعوثين لها لتأسيس و"توسيع الحياة اليهودية في المنطقة"- والقول هنا للحركة- كما أوضحت أنَّ دور فرعها إقامة أول مركز تعليمي يهودي في الخليج العربي، وجعل طعام "الكوشر" (الطعام المُباح تناوله وفق التعليمات اليهودية) متاحًا على نحو واسع في المنطقة. ومن جهته، أرجع كوشنر مقتل الخاحام إلى أنه يهدف إلى "وقف مد الجسور التاريخية بين اليهود والمسلمين"، على حد قوله.
لن يكون تبرع كوشنر وإيفانيكا دون علم وموافقة الرئيس ترامب؛ بل بالتنسيق معه وربما من أفكاره ودعمه، فكيف إذا ما استلم السلطة قريبًا؟ ومن المؤكد أن تأسيس المجتمعات اليهودية والمسيحية في المنطقة، وتمكينها من أدوات التأثير سيكون الشغل الشاغل لترامب وإدارته الجديدة، ويكفي أن نعلم حجم الأموال اليهودية والمسيحية في نجاحه في الانتخابات الرئاسية، ونعلم على وجه الخصوص الدور الفكري والسياسي والمالي للتيار المسيحي، وبالذات البروتستاني في فوزه على الرئيس جون بايدن، وفي تأطير فترته الرئاسية؛ فهو وراء مشروع "أمريكا 2025"، وقد تناولناه في مقال سابق، لذلك؛ فالوجود اليهودي والمسيحي في الخليج يُراد له الاستدامة لدواعي قلب التوازنات الديموغرافية والثيولوجية/ الدينية فيها.
واستدلالاتنا على الديمومة كثيرة، مثل: إقامة فرع لمنظمة "حباد" اليهودية المتشددة، وكذلك تأسيس رابطة للمجتمعات اليهودية في الخليج في عام 2021، ويُخطَّط لها أن يكون لها فروع في كل عاصمة خليجية، وأن يكون لها أعضاء من الدول الست؛ لذلك فإنَّ الخطة الأمريكية في حقبة ترامب ستنصب على إقامة مجتمعات يهودية وتعزيز المسيحية في منطقة الخليج لدواعٍ فضفاضة، من بينها التعايُش السلمي بين المسلمين واليهود، وكأنَّ هناك يهودًا من أصل خليجي في الدول الست يستوجب حماية حقوقهم الوطنية!! وهنا مُغالطة؛ فالمصادر التي بحثنا فيها لم تذكر وجود يهود من أصول خليجية سوى في دولة واحدة، وصولوا إليها من إيران والعراق في أواخر القرن التاسع عشر.
وبعد استلام ترامب للسلطة، لا نستبعد أن يتعزَّز الدعم المالي والسياسي للحركة وللرابطة، وقد تتعرض المنطقة لضغوط قوية بمختلف أدوات الضغط السياسية والاقتصادية، أو أن تُدفَع المنطقة إلى سَنِ تشريعات لدمجهم وحمايتهم بقوة التشريعات المحلية المُلزِمة؛ فدول مجلس التعاون الخليجي ستتعامل مع رئيس جديد لأمريكا معروف عنه أنه يفكر ويعمل دائمًا خارج المألوف؛ أي خارج المنطق التقليدي- وفق توصيف البعض- ومن خارج الأُطر التقليدية للسياسة الأمريكية، وقد اختار ترامب إدارة (حكومة) ولاؤها له وللكيان الصهيوني، وهي الأكثر ثراءً، مما يعني أن مستقبل أمريكا داخليًا وخارجيًا بين أيدي أصحاب المليارات!
ونشير كذلك إلى دور مريم أديلسون أرملة الملياردير الصهيوني شيلدون أديلسون، التي تبرعت لحملة ترامب بمليون دولار، كما فعل زوجها وتبرع بتسعين مليون دولار لحملة ترامب في الانتخابات الرئاسية 2016، والتي فاز فيها ترامب. وشهدنا في فترته كما كان منحازًا للصهاينة، فقد اعترف بالقدس عاصمة للكيان، وأقر بسيادة الكيان على هضبة الجولان السورية، ونجزم- مع غيرنا- أن ترامب قد قدم وعودًا أكبر لمريم أديلسون في فلسطين المحتلة وخارجها، والخارج سيكون منطقة الخليج؛ لأنها تستحوذ على القوة الناعمة الصلبة التي ستستهدف كما استهدف دول القوى الخشنة، وقلب عاليها سالفها. وإقامة مجتمعات يهودية في الخليج يعني إقامة أحياء يهودية كاملة المقومات، مثل كنائس ومنازل ومدارس ومراكز تجارية ومؤسسات خيرية، بخلاف حرية الاستثمار والتجارة وإقامة الشركات.
وعندما نتأمل في السماح للجالية اليهودية في الخليج بتلقي التبرعات من الخارج، وبفتح فروع في كل عاصمة خليجية، فإننا نرى التبعات من الآن مسبقًا وفوريًا، وكيف إذا ما استفادت من هذه المسارات الجاليات الأجنبية في الخليج؟ فما مستقبل السلم الاجتماعي الخليجي؟ بل مستقبل الدولة الوطنية في الخليج؟ علمًا بأن هذا المستقبل تكتنفه مجموعة أزمات داخلية بسبب الانفتاح الحُر والمُطلق للبعض على الحريات العامة، وبسبب التحولات البنيوية لدور الدولة الخليجية، خاصة على الصعيد الاجتماعي، وبسبب اللجوء إلى منظومة الضرائب. لذا لن يصمد طويلًا جيل الباحثين عن عمل، وأصحاب الرواتب الضعيفة، وجيل التغريب وفقدان الهوية، أمام قوة الوجود الأجنبي الجديد، ماليًا واقتصاديًا وسياسيًا.
ولنتصور الخليج بعد 10 سنوات فقط من الآن، خاصة وأن التغلغل اليهودي في الدول الخليجية الست لن يكون بالضرورة عن طريق التطبيع، وإنما من خلال عدة منافذ شرعية، وبمجرد أن يكون في دولة ما سيمتد تباعًا لبقية الدول، كما إن جنوح جذب الاستثمارات الأجنبية قد يكون مدخلًا كذلك، فكل الدول تسمح للأجانب بتملك العقارات في المجمعات السياحية، وأخرى تنفرد بالسماح خارجها، إذن، الخليج إلى أين؟
نضع هذا التساؤل فوق الطاولات السياسية للدول للتفكير في المآلات من خارج الأطر التقليدية لتفكيرها السياسي.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
هل يستطيع ترامب الوفاء بوعده بشأن هاتف Trump T1وخدمة الموبايل؟
رغم وعود الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بإطلاق هاتفه الذكي الخاص "Trump T1" وخدمة المحمول التابعة له "Trump Mobile"، فإن العديد من الخبراء يشككون في قدرة المشروع على النجاح أو حتى الإطلاق ضمن الجدول الزمني المعلن.
الهاتف، الذي تم الإعلان عن بيعه بسعر 499 دولارًا في سبتمبر المقبل، يأتي بمواصفات تعتبر قوية نسبيًا، مثل شاشة 6.8 بوصة، ذاكرة وصول عشوائي 12 جيجابايت، سعة تخزين 256 جيجابايت، بالإضافة إلى منفذ سماعات الرأس ودعم بطاقات microSD.
وتشير بعض المزاعم إلى أنه سيتم تجميع الجهاز في ولايات أميركية مثل ألاباما وكاليفورنيا وفلوريدا، وهي خطوة تُروَّج لها كدليل على "إعادة التصنيع إلى الداخل الأميركي".
لكن محللي صناعة التكنولوجيا ينظرون للأمر بشك عميق. فحسب تأكيداتهم، لم تعد الولايات المتحدة تمتلك سلسلة التوريد المتكاملة الضرورية لتصنيع هاتف ذكي بالكامل محليًا، بدءًا من الشاشات والرقائق وحتى أبسط المكونات مثل البلورات وأجهزة الاستشعار – وهي عناصر يتم تصنيعها غالبًا في الصين، تايوان، وكوريا الجنوبية.
ومما يثير مزيدًا من الجدل، أن تصميم ومواصفات هاتف T1 يشبهان بشكل لافت هاتفًا صينيًا منخفض التكلفة يُعرف باسم REVVL 7 Pro، ويُباع حاليًا مقابل أقل من 180 دولارًا.
هذا التشابه دفع البعض للاعتقاد بأن T1 ما هو إلا هاتف صيني معاد تسميته، أُنتج عبر شركة تصميم وتصنيع أصلية (ODM) – وهو أمر شائع في الصناعة، لكنه يناقض تمامًا ادعاءات "Trump Mobile" بشأن التصنيع الأميركي.
بل إن هذا التناقض، وفقًا للمراقبين، قد يجعل من المشروع بأكمله "مهزلة سياسية"، إذ إن تسويق منتج صيني على أنه رمز للسيادة الاقتصادية الأميركية، بينما يُباع تحت شعار مكافحة النفوذ الصيني، سيُفقده أي مصداقية أمام الجمهور.
على الجانب الآخر، يُعتقد أن خدمة Trump Mobile قد تكون أكثر قابلية للتحقيق والربح مقارنة بالهاتف نفسه.
تُقدم الخدمة بخطة شهرية تبلغ 47.45 دولارًا – وهي أعلى من العديد من المنافسين مثل Charter (30 دولارًا)، Comcast (40 دولارًا)، وBoost Mobile (25 دولارًا).
كما تقدم شركات مثل Visible by Verizon وMint Mobile خططًا تبدأ من 20 دولارًا فقط شهريًا.
ورغم ذلك، يقول المحلل روجر إنتنر إن الخدمة يمكن أن تحقق التعادل المالي بعدد مشتركين يتراوح بين 200,000 إلى 300,000 مستخدم فقط، بشرط تقليل النفقات التشغيلية مثل عدم فتح متاجر فعلية والاعتماد الكامل على البيع عبر الإنترنت.
تظل المنافسة في سوق الاتصالات شرسة، ولا تملك Trump Mobile ميزة سعرية أو تقنية واضحة.
لكن يمكنها أن تستهدف شريحة معينة من المستخدمين الموالين لترامب سياسيًا، ما قد يساعدها على تحقيق عائد محدود، رغم عدم قدرتها على منافسة العلامات التجارية الراسخة من حيث الانتشار أو القيمة المضافة.
خلاصةبينما يبدو أن مشروع Trump T1 قد يواجه عوائق واقعية تتعلق بالإنتاج والمصداقية، فإن Trump Mobile – رغم ارتفاع أسعارها – قد تنجح في تأسيس نموذج تجاري محدود ضمن جمهور معين.
ومع ذلك، فإن مستقبل المشروعين سيعتمد على مدى شفافيتهما، واستدامتهما الاقتصادية، ومصداقية تنفيذ الوعود في بيئة تكنولوجية لا ترحم الشعارات السياسية.