في عالم الأعمال المتسارع والمتغير، تعدّ النوايا الحسنة والمصافحة على الصفقات، رموزًا للثقة والتفاهم بين الأطراف. ومع ذلك، يظل السؤال: هل تكفي هذه لضمان الحقوق وتنفيذ الاتفاقيات؟ الإجابة، كما تثبت التجارب، هي لا قاطعة. إن غياب التوثيق يفتح المجال لسوء الفهم، والخلافات التي يمكن أن تتفاقم لتصبح نزاعات قانونية معقَّدة.

ففي ساحات القضاء، لا وزن للنوايا الطيبة، أو الوعود الشفهية، ما لم تدعمها وثائق رسمية وأدلة واضحة.

لقد شهدت شخصيًا العديد من الحالات لأصدقاء ومعارف وقعوا ضحايا للثقة المفرطة عند إبرام اتفاقيات غير موثَّقة. وانتهى الأمر بهم في إجراءات قانونية طويلة، خسروا فيها حقوقهم فقط لأنهم لم يوثقوا اتفاقياتهم، أو يضمنوا حقوقهم بإتفاقيات مكتوبة.

توّثيق الاتفاقيات، سواء كان ذلك عبر عقود مكتوبة، أو محاضر اجتماعات، أو حتّى مراسلات رسمية، ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو ضمانة أساسية، تحمي جميع الأطراف المعنية، وتجنِّب المشاكل المستقبلية. في بيئة الأعمال المعاصرة، حيث تتزايد تعقيد العلاقات والمعاملات، يصبح التوثيق أداة ضرورية لإدارة المخاطر، وبناء علاقات تجارية قوية ومستدامة. بالنسبة لأي شخص يسعى إلى النجاح والاستقرار في تعاملاته التجارية، فإن الالتزام بالتوثيق الشامل يعد ضرورة لا غنى عنها.

كنت قد كتبت في أغسطس الماضي مقالاً بعنوان “قراءة العقود قبل التوقيع عليها”، تناولت فيه حالات لأشخاص واجهوا مشكلات كبيرة لأنهم لم يراجعوا العقود بعناية قبل التوقيع. كان بالإمكان تجنُّب تلك المشكلات، لو أُخذت العقود بعين الاعتبار، وفُهمت شروطها بشكل دقيق. واليوم، أكرر المبدأ ذاته، مع إضافة خطوة أخرى: يجب تحويل الوعود الشفهية أو المصافحة على الصفقات إلى اتفاقيات مكتوبة لضمان الوضوح والعدالة.

لماذا يعتبر هذا الأمر بالغ الأهمية؟ إن الاتفاقيات الشفهية، رغم نواياها الحسنة، قد تؤدي إلى عواقب كارثية. فالالتباس، أو التفاصيل المنسية، أو حتى تغيّر الظروف، يمكن أن يحوّل الوعد الشفهي، إلى كابوس قانوني. تحويل هذه الاتفاقيات إلى وثائق مكتوبة لا يضمن فقط الوضوح، بل يوفر أيضًا الحماية لجميع الأطراف من التبعات القانونية والمالية المحتملة. حتَّى أصغر الاتفاقيات، يجب توثيقها لتجنُّب النزاعات المكلفة، والقضاء على الغموض الذي يكتنف الاتفاقيات الشفهية.

الشركات الكبرى، والعديد من رواد الأعمال الشباب، يدركون جيدًا ضرورة التوثيق. غالبًا ما يكون لديهم فرق قانونية متخصصة تقوم بمراجعة جميع الاتفاقيات بدقة، وتضع جميع السيناريوهات المحتملة لحفظ الحقوق، وتجنُّب المشكلات. ومع ذلك، غالبًا ما تكون الشركات الصغيرة، والأفراد أقل حرصًا، ممّا يجعلهم عرضة لمخاطر الترتيبات غير الرسمية.

على سبيل المثال، عند التفاوض على صفقة تجارية، من الضروري توقع جميع السيناريوهات الممكنة، بما في ذلك النزاعات، أو التأخيرات، أو تغييرات نطاق العمل. يحدد الاتفاق الموثق الأدوار والمسؤوليات والتوقعات، ممّا يضمن وضوح الرؤية بين جميع الأطراف. علاوة على ذلك، يوفر وجود عقد مكتوب مرجعًا للعودة إليه عند الحاجة، ممّا يقلِّل من احتمالية الخلافات ويوفر أساسًا قويًا لحل أي قضايا قد تطرأ.

الثقة، والنوايا الحسنة، لاَّ يمكن أن تحل محل قيمة اتفاقية موثقة كتابةً. ما هو مكتوب محفوظ، وما هو غير مكتوب، عُرضة للنزاع. إن استثمار الوقت والجهد في توثيق كل صفقة، مهما كانت صغيرة، هو استراتيجية حكيمة لضمان النجاح والاستقرار على المدى الطويل.

jebadr@

المصدر: صحيفة البلاد

إقرأ أيضاً:

عاجل.. مصر ترحب بتطور موقف الأطراف الدولية إزاء الأوضاع في غزة

أصدرت وزارة الخارجية والهجرة، قبل قليل، بيانا صحفيا، ترحب فيه، بالمواقف الدولية تجاه الاستفزازات المستمرة من جانب الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، مشيدًا بالخطوات الإيجابية التي تحدث مؤخرًا نحو سكان غزة ومعاناتهم وقتلهم الوحشي.

وجاء نص البيان كالآتي:

ترحب جمهورية مصر العربية، بالتطور الملحوظ في موقف الأطراف الدولية الفاعلة من حيث الرفض الكامل للانتهاكات الإسرائيلية المشينة في قطاع غزة، والاستخدام للقوة العسكرية الغاشمة ضد المدنيين الأبرياء العزل في القطاع، وما صاحب ذلك من تطبيق سياسة تجويع غير مسبوقة في النزاعات الدولية. 

وقد تجسد تطور المواقف الدولية في تبني خطوات إيجابية مؤخرًا، ومنها البيان الثلاثي لقادة دول فرنسا والمملكة المتحدة وكندا، بالإضافة إلى القرار الأوروبي الخاص بمراجعة مدى امتثال إسرائيل للمادة الثانية من اتفاقية المشاركة مع الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن الخطوات الجارية نحو الاعتراف المشترك لعدد من الدول بالدولة الفلسطينية.

وتعتبر جمهورية مصر العربية، أن تلك الخطوات تعكس التفافًا صائبًا ودعمًا مستحقًا من المجتمع الدولي للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والتي تم حرمانه ظلمًا منها على مدار عقود طويلة، وبما يشكل نواة لتحرك دولي أوسع مطلوب لتصحيح المسار، ووضع حد لتاريخ طويل من الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني. 

وتعرب مصر، عن دعمها لتلك الخطوات وتطلعها لاتخاذ مزيد منها لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، كما تشجع الدول الأخرى على مواكبة هذا الحراك دعمًا وتعزيزًا لمصداقية النظام الدولي القائم على القواعد وترسيخًا لعالمية مبادئ القانون الدولي الإنساني.

وتؤكد مصر، على استمرار مساعيها في مختلف المحافل ومع كافة الشركاء الإقليميين والدوليين من أجل التعامل مع الأسباب الجذرية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي المتمثلة في احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة، وبما يكفل تحقيق تطلعاته، وعلى رأسها حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على خطوط 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. 

وتشدد مصر، على أن تنفيذ حل الدولتين يعد السبيل الوحيد نحو استعادة الاستقرار والأمن وتحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط، وأن التعايش المشترك المبني على الاحترام المتبادل والحقوق المتساوية هو الطريق الأمثل لانطلاق المنطقة نحو آفاق جديدة من الازدهار والتكامل بين دولها على أسس صلبة ومتماسكة.

مصر ترحب بالمواقف الدولية تجاه أوضاع غزة

مقالات مشابهة

  • ‏الكرملين: جميع الأطراف مهتمة بإنجاز تبادل 1000 أسير عن كل جانب بين روسيا وأوكرانيا بشكل سريع
  • مصر ترحب بالتطور في موقف الأطراف الدولية إزاء الوضع في غزة
  • عاجل.. مصر ترحب بتطور موقف الأطراف الدولية إزاء الأوضاع في غزة
  • ????"قرآن يتلى آناء الليل وأطراف النهار"..سورة مريم مكتوبة كاملة بالتشكيل | كتابة وقراءة
  • الوزراء : تطبيق نظام معامل الربحية «R-Factor» في بعض الاتفاقيات البترولية
  • سلطنة عُمان توقّع عددًا من الاتفاقيات مع مجموعة البنك الإسلامي للتنمية
  • عبد العاطي ونظيره القبرصي يبحثان تفعيل الاتفاقيات ودعم الشراكة الاستراتيجية والأمن الإقليمي
  • سلطة الصورة في توثيق الإبادة
  • "يديعوت أحرونوت": كل الأطراف تعمل على التوصل إلى صفقة شاملة تعيد جميع الرهائن إلى إسرائيل
  • أذكار المساء مكتوبة.. رددها ولا تضيع عليك بركتها وثوابها