حضارة الغرب وصرعاتها المجنونة
تاريخ النشر: 17th, August 2023 GMT
حضارة الغرب وصرعاتها المجنونة
ما عاد لتاريخ السلوك الإنساني وحاجاته الروحية السامية، وقيم الأديان وتحذيرات الخبراء قيمة عند دعاة الرفض التام لكل الضوابط الأخلاقية.
يهمنا التوجه إلى شباب الأمة العربية لإبراز المخاطر والتحذير من كوارث اجتماعية نتيجة الظاهرة الجديدة التي فجرها ونشرها الغرب في العالم كله.
سقوط متعاظم لمكانة وأهمية القيم الروحية والأخلاقية والسلوكية في الحياة تضاف إليه صور متعاظمة متكررة للرذائل الجنسية العبثية، أصبح قضية عالمية خطيرة.
* * *
هذا السقوط المتعاظم في مكانة وأهمية وضرورة القيم الروحية والأخلاقية والسلوكية في الحياة الإنسانية، الذي تضاف إليه صور متعاظمة متكررة لكل أنواع الرذائل الجنسية، بكل أنواعها العبثية، أصبح قضية عالمية خطيرة.
وكالعادة يبدأ الأمر في بعض الدوائر الغربية، الأوروبية والأمريكية، حيث توضع اللبنات الأولى وتغطى بألف قناع من أقنعة الحق الذي يراد به باطل، وتقدم على الأخص كمواعظ في الحرية والحقوق الإنسانية، ثم تسلم إلى ماكنة الإعلام والإعلان الغربية، بالغة الكفاءة في التلاعب بالألفاظ والخبرة، وفي التلاعب بالعقول والنفوس لنشرها في أشكال لا تعد ولا تحصى من التعبيرات الفنية والأدبية والفكرية والحقوقية.
هذا ما حصل من هجمة هائلة لتغيير وتشويه حقل التربية والتعليم، وتعريفات المواطنين الشخصية، ونظم الزواج وهتافات الرياضة، ومشاهد الأفلام والمسلسلات، وشتى المناقشات الإعلامية مع الأخصائيين والمواطنين، وذلك كله بهدف قبول كل أنواع وبذاءات القيم السلوكية الأخلاقية الشاذة الجديدة.
ما عاد لتاريخ السلوك الإنساني المتعارف عليه، وحاجاته الروحية السامية، وما تقوله الديانات ومدارس علم النفس وتحذيرات الأطباء، وما عبر عنه الأدباء والفلاسفة عبر القرون، وما أوصلت إليه شبكات التواصل الاجتماعي من انحرافات مجنونة بائسة، ما عاد لكل ذلك أي قيمة عند من فجروا زوبعة الرفض التام لكل الضوابط الأخلاقية في ماهية الإنسان، وفي العلاقات الجنسية، وبالتالي لكل قيم الفضائل والسمو الروحي التي تقوم عليها كل تلك الضوابط.
لسنا معنيين بإجراء حوار مع حضارة الغرب ذات الوجهين، فالغرب لم يمنعه رفع شعار الحرية، من ممارسة تجارة شراء وبيع العبيد الافارقة، ولا شعار الأخوة الإنسانية، من ممارسة ظاهرة استعمار الأوطان والشعوب وذبح الملايين من سكانها الأصليين المسالمين، ولا شعار المساواة، من نهب واستباحة ثروات الآخرين.
وبالتالي هناك ألف شك حول صحوة ضميره، وحول فهمه السّويّ للعدالة، وحول التقليل من نهمه المادي والرغائبي المتعاظم. وتكفي الإشارة إلى أن حوالي خمسين في المئة من مواليد الكثير من بلدانه هم نتيجة علاقات جنسية عابرة، منكرة لمؤسسة الزواج، وغير المعنية بالروابط العائلية.
ما يهمنا هو التوجه إلى شباب الأمة العربية لمناقشة الأمر، وإبراز المخاطر والتحذير من قدوم الكوارث الاجتماعية، من خلال الظاهرة الجديدة التي فجرها ونشرها الغرب الأوروبي والأمريكي في العالم كله.
دعنا نذكرهم بأن اقترابهم من هذا الموضوع، باسم التمدن، أو الحرية الشخصية، أو الثورة على الأعراف، ستدخلهم في الحال في معركة طاحنة مع الجزء الديني الإسلامي والمسيحي من ثقافة الملايين من أبناء أمتهم.
وهي ثقافة تمثلها بالنسبة لهذا الموضوع الآيات المبثوثة في القرآن الكريم من مثل "ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن"، ومثل "والذين إذا فعلوا فاحشة وظلموا أنفسهم"، ومثل "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير وينهون عن المنكر"، ومثل "وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله"، ومن مثل "وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي". وهناك عشرات الأحاديث النبوية من مثل “الحياء من البر”، ومثل “وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة”.
في الديانتين يعتبر الخُلُق جزءاً أساسياً مكملاً للعقيدتين. وبالتالي يحتاج الشباب وتحتاج الشابات أن يتجنبوا الدخول، في تلك المواجهة مع شعوبكم التي يراد منها أن تبعدكم عن الاهتمام بأمور معيشتكم وكرامتكم الإنسانية، ولعبكم دوراً في انتقال مجتمعاتكم إلى عوالم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان السامية.
وفي الحقيقة فإن إدخالكم في هذه الصرعة الجنونية العابثة الجديدة، هي تتمة لكل صرعات النيوليبرالية من مثل الفردية المنفلتة والاستهلاك المادي النهم والتهليل لموت دولة الرعاية الاجتماعية وتجاهل الانخراط في مؤسسات المجتمع المدني النضالية. إن رفضكم للدخول في هذه الصرعة سيكون إعلاناً منكم بان ثقافة أمتكم هي غير ثقافة الغرب وبأن مقاومتكم لها هي تكملة لمقاومة النيوليبرالية ونظامها الرأسمالي.
*د. علي محمد فخرو سياسي بحريني، كاتب قومي عربي
المصدر | الشروقالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الغرب مقاومة القيم الأخلاقية مؤسسة الأسرة من مثل
إقرأ أيضاً:
البحر الأحمر يكشف المستور.. لماذا شيطن الغرب العمليات اليمنية المساندة لغزة؟
يمانيون | تقرير
تتجلى الازدواجية الغربية بأوضح صورها على مسارح البحار والممرات الدولية، حيث تتعامل القوى الأمريكية والأوروبية مع الهجمات البحرية وفق معايير متباينة تصاغ بما يخدم مصالحها السياسية والاقتصادية.
فمن البحر الأسود مروراً بالبحر الكاريبي وصولاً إلى البحر الأحمر، تتبدى المنهجية ذاتها: شيطنة أي فعل يضر بمصالح الغرب، وتلميع أو مباركة أي اعتداء يخدم مطامعه، حتى لو اصطدم بالقانون الدولي أو شكّل تعدياً صريحاً على سيادة الدول.
هذا المشهد العالمي المتشابك يكشف أن الغرب لا يتحرك وفق قواعد ثابتة أو مبادئ قانونية راسخة، بل وفق هوية الفاعل ومدى انسجام الفعل مع الأجندة الأمريكية والأوروبية والصهيونية.
ومن هنا تبدأ ملامح المقارنة بين ثلاث ساحات بحرية مختلفة، يجمعها خيط واحد: سياسة الغرب الانتقائية.
البحر الأسود: الهجمات الأوكرانية بين التبرير والتضليل
في الأسابيع الأخيرة، نفذت أوكرانيا ثلاثة هجمات متتالية ضد ناقلات نفط روسية، استهدفت ما يصفه الإعلام الغربي بـ”أسطول الظل” الخاص بموسكو.
ورغم أن هذه الناقلات مدنية وتعمل ضمن مسار تجاري طبيعي، إلا أن العواصم الغربية امتنعت عن إصدار أي إدانة، واكتفت بتقديم الهجمات باعتبارها “جزءاً من الضغط المشروع على الاقتصاد الروسي”.
لم تتحدث أي دولة غربية عن تهديد الملاحة، ولم يخرج أي تحذير من الركون إلى استخدام الأسلحة ضد سفن غير عسكرية.
هذه المفارقة تكشف طبيعة المعايير الغربية التي تعتبر الهجوم على سفن الخصم ضرباً من الشرعية، ما دام يخدم هدف إضعاف روسيا اقتصادياً ومالياً.
الكاريبي: حين تتحول القرصنة إلى قانون أمريكي
وعلى الطرف الآخر من العالم، وفي البحر الكاريبي تحديداً، نفذت الولايات المتحدة عملية مصادرة كاملة لناقلة نفط فنزويلية، في خطوة وصفتها كاراكاس بأنها “قرصنة دولية” واعتداء على سيادتها.
واشنطن، من جهتها، سوقت العملية بوصفها “إجراء قانونياً” يستهدف شبكات نفطية غير شرعية وفق مزاعمها.
الناقلة كانت تعمل بإشراف رسمي من فنزويلا، والدولة صاحبة السيادة لم ترتكب أي مخالفة بحرية.
لكن ذلك لم يشكل فارقاً في التصور الأمريكي. فحين تكون الدولة المستهدفة خارجة عن الفلك الغربي، يصبح السطو البحري “قانوناً”، وتغدو إجراءات المصادرة جزءاً من حرب اقتصادية بغطاء شرعي مزعوم.
هنا أيضاً تتضح قاعدة أخرى: القانون الدولي مرن بما يكفي ليطوعه الغرب كما يشاء، ويشدده فقط عندما يريد ضبط الآخرين وتهديدهم.
البحر الأحمر: من النصرة لغزة إلى اتهامات الإرهاب
وعلى الضفة العربية، في البحر الأحمر، تواجه القوات اليمنية السفن المرتبطة بالعدو الصهيوني، ضمن موقف معلن نصرة لغزة ورفضاً لجرائم الاحتلال.
ورغم وضوح بيانات العمليات التي أوضحت أكثر من مرة أن الاستهداف محصور بالسفن المرتبطة بالكيان الصهيوني فقط، ورغم إقرار شركات الشحن والتأمين الدولية بهذه الحقيقة، إلا أن الغرب اختار سردية أخرى تماماً.
سارعت واشنطن ولندن والاتحاد الأوروبي إلى شيطنة العمليات اليمنية وتقديمها كـ”إرهاب بحري” و”تهديد للتجارة العالمية”.
ثم تبع ذلك استنفار غربي شامل داخل مجلس الأمن الذي أصدر قرارات تدين اليمن وتطالبه بوقف عملياته فوراً، في حين لم يصدر أي قرار مشابه بخصوص الهجمات الأوكرانية أو القرصنة الأمريكية في الكاريبي.
المشهد لا يقف هنا؛ فقد شكّل الغرب تحالفات عسكرية ضخمة، وأنفق مليارات الدولارات في عمليات وصفها بـ”حماية حرية الملاحة”.
وهي الشعارات ذاتها التي تتلاشى حين يتعرض الروسي أو الفنزويلي لاعتداء مباشر، أو حين يهدد العدوان الصهيوني حياة الشعوب في المنطقة.
خلاصة تسلسلية: معيار الهوية لا القانون
من خلال هذه الساحات الثلاث، يبرز خيط واحد يربط مواقف الغرب:
الهجمات على ناقلات روسية: ضغط مشروع مصادرة ناقلة فنزويلية: إجراء قانوني استهداف سفن مرتبطة بالعدو الصهيوني: إرهاب وقرصنةكل ذلك يفضح أن “القانون الدولي” عند الغرب ليس سوى أداة سياسية تُستخدم ضد الخصوم وتُستبعد حين يُراد حماية الحلفاء.
وأن حماية الملاحة ليست مبدأً، بل غطاءً حين تتضرر المشاريع الأمريكية والأوروبية والصهيونية.
بذلك، لا يمكن قراءة هذه الأحداث إلا باعتبارها جزءاً من سياسة عالمية تقوم على الانتقائية، حيث تكال المعايير بميزانين، وتُفرض القرارات تبعاً لهوية الفاعل لا لمشروعية الفعل.