سياسي: تنافس دولي يحول منطقة البحر الأحمر لساحة صراع بين فرنسا وألمانيا
تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT
قال أحمد عبدالله إسماعيل، الباحث والخبير في الشأن الدولي والإفريقي: إن منطقة البحر الأحمر ذات الأهمية الاستراتيجية البالغة تحولت في السنوات الأخيرة إلى ساحة للتنافس الدولي، حيث تتشابك المصالح الإقليمية والدولية في محاولة لفرض السيطرة على هذا المعبر الحيوي، ويعكس هذا التنافس اندفاع العديد من القوى الكبرى، بما في ذلك فرنسا وألمانيا، لتعزيز نفوذها في القارة الأفريقية.
وأضاف أنه نتيجة لهذا التنافس المحتدم، تعيش دول المنطقة أزمات عميقة وصراعات مستمرة، أبرزها ما تشهده السودان والصومال من اضطرابات لا تزال تلقي بظلالها على شعوبها وأوطانها، إذ أن هذه الصراعات، التي يراها البعض عنوان للصراع الدولي في المنطقة، تأتي في سياق محاولات قوى كبرى لإعادة تشكيل خريطة النفوذ في البحر الأحمر والقرن الإفريقي.
وأشار إلى أن القارة الإفريقية باتت تشهد تنافسا متزايدا بين قوى دولية وإقليمية، تشمل فرنسا، إيطاليا، ألمانيا، وبريطانيا، لتعزيز نفوذها الاستراتيجي، وفي هذا السياق، لفتت الأنظار إلى تنامي الدور التركي في المنطقة خلال العقدين الماضيين، حيث أصبح لتركيا حضور بارز في مناطق مثل الصومال والسودان.
وتابع المحلل، أن وسائل إعلام محلية ودولية كشفت في نوفمبر الماضي رصد الجيش السوداني لأسلحة خطيرة تمّ توريدها من إحدى الدول الأوروبية عبر تشاد إلى دارفور لاستخدامها في السودان، وبحسب المصادر أبرز تلك الأسلحة الطائرة المسيرة "أي أي هيرو"، وهي طائرة بدون طيار، تستخدم لأغراض الاستطلاع، طورتها شركة IAI الإسرائيلية في منتصف عام 2012، وكانت الطائرة بدون طيار الأكثر مبيعا، بالإضافة لطائرات درون من طراز Danger Propellers برقم تسلسلي J/DF24-23-01-043Aالطائرات من إنتاج شركة Woodcomp Propellers في جمهورية التشيك بوسط أوروبا مُعدّلة للأغراض العسكرية.
وأكد أن صحيفة "هآرتس" العبرية، كشفت منذ أسابيع قليلة أن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الملقب بـ"حميدتي"، حصل على أجهزة تجسس متطورة، نقلتها إلى الخرطوم طائرة مرتبطة ببرنامج التجسس "الإسرائيلي"، تجلب تكنولوجيا المراقبة من الاتحاد الأوروبي، وبحسب الصحيفة فقد تم نقل الشحنة على وجه السرعة إلى منطقة "جبل مرة" بدارفور التي تقع تحت سيطرة "الدعم السريع" بالكامل.
صراع المياه في البحر الأحمر
وقال الدكتور أحمد عبدالله إسماعيل: إن الصراع الحالي والمستقبلي يتمحور حول السيطرة على المياه، وتحديدًا منطقة البحر الأحمر، التي تعد من أهم البوابات الاقتصادية والسياسية والعسكرية في العالم، موضحا أن السيطرة على دول البحيرات تعني بشكل مباشر السيطرة على النظام العالمي، منوهًا إلى ضرورة استغلال القوى الكبرى لضعف هذه الدول لتحقيق الهيمنة الدولية.
وأشار إلى أن إسرائيل، باعتبارها "طفل الغرب"، تحظى بدعم قوى غربية ودول مثل الإمارات التي تنفذ سياسات تستهدف تمويل الإرهاب وزعزعة الاستقرار في دول مثل ليبيا وسوريا واليمن وفلسطين والسودان.
وأضاف أن المخططات تمتد لتشمل دولًا أخرى مثل مصر والجزائر وقطر وإثيوبيا، بهدف منع استقرار هذه الدول، لأن استقرارها يُعتبر تهديدًا للمصالح الغربية أمام قوى صاعدة مثل الصين وروسيا وتركيا.
ساحة حرب دولية
وأوضح الدكتور إسماعيل أن ما يجري في السودان يُعد جزءًا من حرب دولية تُدار بواجهة داخلية، مشيرًا إلى أن خطة دعم ميليشيات مثل قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي تهدف إلى إضعاف الجيش السوداني.
وأكد أن إسرائيل والغرب يعتبرون تفكيك الجيش السوداني ضروريًا لتمكين خططهم للهيمنة الدولية، بهدف بسط نفوذ أكبر في البحر الأحمر بالإضافة للفوائد الاقتصادية لإسرائيل، بسبب سيطرة "حميدتي" على صناعة وتصدير الذهب في السودان.
وفيما يتعلق بالدور الفرنسي، لفت إلى أن فرنسا تواجه تراجعا في إدارة شؤون القرن الإفريقي، وتسعى الآن إلى تحسين صورتها عبر تقديم اعترافات بالجرائم السابقة أو إعفاء الديون، وهي خطوات يرى أنها غير صادقة.
واوضح باريس التي تسعى لإيجاد موطئ قدم لها على البحر الأحمر واستعادة نفوذها في أفريقيا من بوابة السودان، حيث يمثل حميدتي الرجل المناسب لتحقيق أهدافها العسكرية في السودان، وعبدالله حمدوك في السياسة، لذلك فإن باريس تدعم تحالف غير معلن بين حمدوك و"حميدتي"، وتزود "الدعم السريع" بالسلاح عن طريق قواعدها العسكرية الموجودة في تشاد، وتدعم حميدتي سياسياً، كما تقف ضد الجيش السوداني، وتستخدم نفوذها الدبلوماسي لمنع توجيه أي اتهام رسمي لحميدتي.
وأكد أن وجود موسى فكي، على رأس الاتحاد الإفريقي قد يعزز تنفيذ المخططات الغربية، داعيا الدول الإفريقية إلى التحرك لإنقاذ الوضع عبر إعادة هيكلة الاتحاد الإفريقي وترتيب السياسات الخارجية لدول البحيرات.
دور تركيا
وبشأن الدور التركي، أشار "إسماعيل" إلى أن تركيا تحاول استغلال الصراعات الدائرة لصالحها، لكنها تظل جزءًا من أدوات حلف شمال الأطلسي، ولا تستطيع تجاوز المخططات الإسرائيلية والغربية، ودعا القادة الأفارقة وأعضاء دول البحيرات إلى إدراك أهمية وعيهم في مواجهة التدخلات الخارجية وضمان استقلال قراراتهم.
واختتم بتأكيد ضرورة تحرك الدول الإفريقية بشكل عاجل لإنقاذ الوضع ومنع القوى الخارجية من استغلال الأزمات لتحقيق الهيمنة الدولية.
وما يثير التساؤلات، وفقًا لتقارير إعلامية حديثة، هو تحركات إسرائيلية وصفت بـ"المشبوهة" في منطقة البحر الأحمر، والتي يُعتقد أنها تجري بدعم ورعاية فرنسية، كما تشير تقارير أخرى إلى وجود تنسيق بين ألمانيا وتركيا حول تحركاتهما في القرن الإفريقي، وبالأخص في الصومال والسودان، مما يضيف بعدًا جديدًا للتنافس الدولي في المنطقة.
ويرى أن هذه التحركات تعكس محاولات لإعادة رسم خريطة النفوذ في البحر الأحمر والقرن الإفريقي، في وقت تتصاعد فيه أهمية هذه المنطقة كأحد المفاصل الرئيسية في الصراعات الدولية.
واستطرد أنه في خضم التنافس المحموم بين القوى الدولية على النفوذ في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي، تظهر المنطقة كأرض معركة استراتيجية تُديرها المصالح المتشابكة بين الدول الكبرى والإقليمية، ويبرز من هذا المشهد أدوار متعددة تتراوح بين الدعم العسكري والاقتصادي وتوظيف النفوذ السياسي، مع اعتماد أساليب تشمل تقديم المساعدات وشطب الديون أو توظيف التكنولوجيا والتدخل في العمليات السياسية.
واكد أنه بينما تسعى بعض القوى لتعزيز حضورها العسكري والتجاري عبر إنشاء القواعد وتوسيع التحالفات، يظل سكان المنطقة هم الضحية الأكبر، يدفعون ثمن هذا الصراع على حساب استقرارهم ومواردهم ومستقبلهم، ويتضح أن الصراع في منطقة البحر الأحمر ودول البحيرات الإفريقية يُمثل بوابة للسيطرة الدولية، حيث تتنافس القوى الكبرى، لتحقيق الهيمنة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وأن هذا التنافس يستغل ضعف دول المنطقة وانقساماتها، مما يهدد استقرارها ويُعمق أزماتها، وتظهر أهمية تحرك الدول الإفريقية بشكل موحد لإعادة ترتيب سياساتها الخارجية وتعزيز استقلالها، وسط هذه التطورات، لمنع تحول المنطقة إلى ساحة مفتوحة للصراعات الدولية التي يدفع ثمنها شعوبها.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: منطقة البحر الأحمر فرنسا وألمانيا فرنسا ألمانيا منطقة البحر الأحمر فی البحر الأحمر الجیش السودانی الدعم السریع السیطرة على فی السودان إلى أن
إقرأ أيضاً:
بكين تتحدى الهيمنة الأمريكية.. الصين تدعو لتعاون دولي في «الذكاء الاصطناعي»
دعا رئيس الوزراء الصيني، لي تشيانغ، خلال افتتاح المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي في شنغهاي، إلى إنشاء منظمة دولية تهدف إلى تنسيق الجهود العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، مؤكدًا أن هذه الخطوة ضرورية لضمان تطوير آمن ومنصف للتكنولوجيا التي باتت اليوم محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي.
وأكد لي تشيانغ على أن حوكمة الذكاء الاصطناعي لا تزال مجزأة على المستوى العالمي، حيث تعاني الدول من تفاوت كبير في المفاهيم والقواعد التنظيمية، ما يهدد بأن تتحول هذه التكنولوجيا المتقدمة إلى أداة حصرية بيد عدد محدود من الدول والشركات الكبرى، مما يزيد من الهوة الرقمية ويعزز الاحتكار.
وشدد رئيس الوزراء الصيني على ضرورة وضع إطار تنظيمي موحد يحظى بإجماع دولي، يمكن من خلاله معالجة التحديات المشتركة مثل نقص رقائق الذكاء الاصطناعي، والقيود المفروضة على تبادل الخبرات والمعرفة، مشيرًا إلى استعداد الصين لتقاسم خبراتها ومنتجاتها مع باقي الدول، وخاصة دول الجنوب العالمي، في خطوة تهدف إلى تعزيز التكافؤ والفرص المتساوية في هذا القطاع الحيوي.
وتأتي هذه الدعوة في ظل تصاعد المنافسة التكنولوجية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، حيث فرضت واشنطن قيودًا على تصدير رقائق وتقنيات متقدمة إلى الصين، في محاولة للحد من تقدم بكين في مجال الذكاء الاصطناعي، هذه القيود أثارت تساؤلات حول مستقبل التعاون الدولي في مجال التكنولوجيا وأهمية إيجاد آليات لضمان الاستخدام المسؤول والمشترك للذكاء الاصطناعي.
كما أن هذه المبادرة الصينية تأتي في وقت يشهد فيه العالم تحولات سريعة في مجالات التقنية والاقتصاد الرقمي، مع تزايد اعتماد الحكومات والشركات على الذكاء الاصطناعي لتعزيز الإنتاجية وتطوير الخدمات وتحسين حياة الأفراد، مما يجعل الحاجة إلى تعاون دولي منظم أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
تزامنًا مع هذه الدعوة، تشهد الساحة الدولية جدلاً واسعًا حول الأخلاقيات، حماية الخصوصية، والمخاطر الأمنية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، ما يبرز أهمية وجود تنظيم عالمي يوازن بين الابتكار وحماية الحقوق.
في سياق متصل، فرضت تركيا مؤخرًا قيودًا على روبوت الذكاء الاصطناعي “غروك” بعد إساءات منسوبة إليه تجاه الرئيس رجب طيب أردوغان، في مؤشر على أن التحديات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي ليست فقط تقنية أو اقتصادية، بل تتعدى إلى القضايا السياسية والثقافية والاجتماعية.
ويبقى الذكاء الاصطناعي أحد المحركات الأساسية للتنافس العالمي في المستقبل، والدعوة الصينية هذه تسلط الضوء على الحاجة الملحة لتعاون دولي يضمن أن يستفيد الجميع من هذه التكنولوجيا الحديثة بشكل عادل وآمن، بعيدًا عن التفرقة والاحتكار.