لجوء الأجانب في مصر: قراءة قانونية في ميزان الالتزام الدولي والتنظيم الداخلي
تاريخ النشر: 5th, December 2024 GMT
تُعد قضية اللاجئين من أخطر القضايا التي يعرفها المجتمع الدولي المعاصر، وباتت أزمة حقيقية تؤرق العالم في ظل حدة الصراعات والحروب الإقليمية، وتعتبر مصر من الدول الرائدة التي لعبت دورًا تاريخيًا في استضافة اللاجئين الفارين من الاضطهاد والصراعات وتوفير الملاذ الآمن لهم، ومع تزايد أعداد اللاجئين والنازحين نحو الحدود المصرية في الفترة الأخيرة، قامت مصر بوضع إطار قانوني ينظم وجود اللاجئين وطالبي اللجوء على أراضيها، وهو ما يُعرف ب" قانون لجوء الأجانب".
ويجدر بنا ـ بداءة ـ قبل أن نخوض في غمار المسائل المتعلقة بالاطار القانوني والتنظيمي لحقوق اللاجئين والتزاماتهم التي تناولها مشروع قانون لجوء الأجانب، أن ندرك مدى التفرقة بين مفهوم اللاجئ وبين المفاهيم الأخرى ( الهجرة غير الشرعية ـ الإقامة ـ التجنس ـ التوطن) لما تمثله من أهمية عملية في هذا الشأن.
فاللاجئ: كما عرفته المادة الأولى من اتفاقية جنيف 1951 هو " كل شخص يخشى بسبب جدي أن يعذب بالنظر إلى جنسه أو عقيدته أو انتمائه إلى تنظيم اجتماعي معين أو بسبب آرائه السياسية ويوجد خارج الدولة التي ينتمي إليها بجنسيته ولا يستطيع ولا يريد بالنظر إلى هذه الخشية أن يطالب بحماية دولته"
وقد نصت المادة (91) من الدستور المصري الصادر في عام 2014 على أن " للدولة المصرية أن تمنح حق اللجوء السياسي لكل أجنبي اضطهد بسبب الدفاع عن مصالح الشعوب أو حقوق الانسان أو السلام أو العدالة، وتسليم اللاجئين السياسيين محظور وذلك كله وفقًا للقانون"
وغالبًا ما تعود أسباب الاضطهاد إلى بواعث سياسية أو دينية أو عرقية ناتجة عن الاختلاف في المعتقدات السياسية والاجتماعية والدينية، كما تعود إلى اختلاف الجنس أو النوع، ويسعى اللاجئون عادة إلى الهروب من دولتهم الأصلية إلى إقليم دولة أخرى يطمئنون إلى التنظيم السياسي القائم فيها ويثقون في قدرته على حمايتهم، ويسمى طلبهم في الإقامة على إقليم هذه الدولة بحق اللجوء، وللدولة المطلوب اللجوء إليها الحق المطلق في قبول أو رفض طلب اللجوء وفقًا لما تقضي به مصالحها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وإنطلاقًا مما سبق يختلف المفهوم الدقيق للجوء عن المفاهيم الآتية:
الهجرة غير الشرعية: وهي دخول المُهاجرين طواعية منهم إلى البلاد بدون تأشيرات أو أذونات دخول مسبقة أو لاحقة وقد يلجأ المُهاجرون غير الشرعيين إلى أساليب عديدة للوصول إلى تلك البلدان مثل التعاقد مع شركة التهريب، والتسلل من خلال الحدود والزواج المؤقت أو الزواج الشكلي الذي يهدف إلى الحصول على الإقامة، والبعض الآخر يستخدم الوثائق والجوازات المزورة.
ويكمن وجه التفرقة بين اللاجئين والمُهاجرين، فاللاجئين يغادرون أوطانهم قهرًا وإجبارًا بسبب خطر حقيقي يهدد حياتهم أو حقوقهم بينما يغادر المهاجرون طواعية لتحقيق أهداف شخصية أو اقتصادية.
التجنس: وهي تُمنح بقرار من وزير الداخلية طبقًا لنص المادة (4) من قانون الجنسية رقم 154 لسنة 2004 "لكل أجنبي جعل إقامته العادية في مصر مدة عشر سنوات متتالية على الأقل سابقة على تقديم التجنس متى كان بالغًا سن الرشد وأن يكون ملمًا باللغة العربية، وأن يكون سليم العقل غير مصاب بعاهة تجعلة عالة على المجتمع وأن يكون حسن السير والسلوك محمود السمعة لم يسبق الحكم عليه عقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف ما لم يكن رد إليه اعتباره".
التوطن: استخدم المشرع تعبير الاقامة العادية قي التعريف بالموطن عندما نص في المادة 40 من القانون المدني المصري على أن الموطن هو " المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة، فالتوطن يقوم على عنصرين أساسيين أحدهما مادي ويعني الإقامة في الإقليم، وثانيهما معنوي ومعناه توافر نية الاستقرار، والعلة من أن تكون مدة العشر سنوات سابقة على تقديم طلب التجنس هي التأكد من تحقق اندماج الأجنبي طالب التجنس في الجماعة المصرية بعاداته وتقاليده.
الأقامة العادية: ويصدق هذا الوصف على الأشخاص الطبيعيين الذين يدخلون إلى القطر المصري بغرض السياحة أو الدراسة أو العمل أو الاستشفاء مع ضرورة أن يكون حاملا لجواز سفر صحيح ساري المفعول ومؤشر عليه بالدخول من السلطات المصرية المختصة كما هو منصوص عليه في أحكام القانون رقم 89 لسنة 1960 في شأن دخول وإقامة الأجانب بأراضي الجمهورية. ومن أجل تخفيف عبء اللجوء الواقع على كاهل الدولة المصرية كان لا بد من التدخل التشريعي وتحديد من هو اللاجي على وجه التحديد.
تتمثل أهم ملامح مشروع قانون لجوء الأجانب الجديد:
في إنشاء "لجنة دائمة لشئون اللاجئين" تكون لها الشخصية الاعتبارية وتتبع رئيس مجلس الوزراء وتكون هي الجهة المعنية بشئون اللاجئين بدلًا من الاعتماد على المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويقدم طلب اللجوء للجنة المختصة من طالب اللجوء أو من يمثله قانونًا، وتفصل اللجنة في الطلب خلال ستة أشهر لمن دخل إلى البلاد بطريق مشروع، وخلال سنة بحد أقصى لمن دخل البلاد بغير الطريق المشروع، ويلتزم كل من دخل البلاد بطريق غير مشروع وتتوافر فيه الشروط الموضوعية لطالب اللجوء أن يتقدم طواعية بطلبه إلى اللجنة الدائمة لشئون اللاجئين في موعد أقصاه 45 يوم من تاريخ دخوله، على أن يعاقب المخالف بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنية ولا تزيد على مائة ألف جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين.
أهم حقوق اللاجئ وفقًا لمشروع القانون الجديد:
الحق في الحصول على وثيقة سفر تصدرها وزارة الداخلية بعد موافقة اللجنة المختصة، الحق في العمل والحصول على الأجر المناسب لقاء عمله، الحق في الحصول على رعاية صحية مناسبة، الحق في الاشتراك في عضوية الجمعيات الأهلية أو مجالس إدارتها، الحق في العمل لحسابه وتأسيس الشركات، حظر تحميله أي ضرائب أو رسوم أو أي أعباء مالية أخرى، الحرية في الاعتقاد الديني، حظر تسليمه إلى الدولة التي يحمل جنسيتها، خضوعه في مسائل الأحوال الشخصية بما في ذلك الزواج وآثاره والميراث والوقف لقانون موطنه أو إقامته إذا لم يكن له موطن.
التزامات اللاجئ:
الالتزام باحترام الدستور والقوانين واللوائح المعمول بها داخل القطر المصري، مراعاه قيم المجتمع المصرى واحترام تقاليده، حظر القيام بأي نشاط من شأنه المساس بالأمن القومي أو النظام العام أو يتعارض مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي أو جامعة الدول العربية أو أي منظمة تكون مصر طرفًا فيها، حظر مباشرة أي عمل سياسي أو حزبي.
لا يقبل طلب اللجوء إذا توافرت في طالب اللجوء أسباب جدية لارتكابه جريمة ضد الإنسانية أو السلام أو جريمة حرب أو إذا ارتكب أي أعمال مخالفة لأهداف ومبادئ الأمم المتحدة أو إذا كان مدرجًا على قوائم الكيانات الإرهابية داخل جمهورية مصر العربية أو إذا ارتكب أي أفعال من شأنها المساس بالأمن القومي أو النظام العام.
في حال رفض طلب اللجوء تطلب اللجنة من الوزارة المختصة إبعاد طالب اللجوء خارج البلاد ويعلن طالب اللجوء بالقرار
وهذا ليس إلا تطبيقًا لنص المادة (2) من إتفاقية جنيف 1951 " يترتب على كل لاجئ إزاء البلد الذي يوجد فيه واجبات تعرض عليه، خصوصًا أن ينصاع لقوانينه وأنظمته وأن يتقيد بالتدابير المتخذة فيه المحافظة على النظام العام"
وأخيرًا وليس آخرًا ونظرًا لأن العالم يقر بأن للدولة التي تستقبل أعداد كبيرة من اللاجئين الحق في الحصول على المساعدات المالية لكي تواجه الأعباء المالية الباهظة لهؤلاء اللاجئين وذلك من جهتين هما الأمم المتحدة ممثلة بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئي لذا يقترح الباحث أن يتضمن القانون الجديد نصًا يتيح لها الحق أن تعرف حجم ما ستحصل عليه من مساعدات وبالتنسيق مع الجهات المعنية، فإما أن تخول ذاتها حيث تعطى التسهيلات المادية لتتولى هي خلفية احتياجات اللاجئين أو إما من خلال المنظمات ذاتها باعتمادها آليه التنسيق في هذا الشأن.
وذلك تأسيسًا على ما تضمنته ديباجة اتفاقية 1951 عندما عالجت حقوق الدولة المضيفة المالية حيث نصت على أن " وإذ يضعون في اعتبارهم إن منح حق اللجوء قد يلقي أعباء باهظة على عاتق بعض البلدان وأنه من غير الممكن إيجاد حل مرضي لهذه المشكلة التي أقرت الأمم المتحدة بأبعادها وطبيعتها الدوليين إلا بالتعاون الدولي، يعربون عن أملهم أن تبذل جميع الدول إقرار منها بالطابع الإجتماعي والإنساني لمشكلة اللاجئين كل ما في وسعها للجوء دون أن تصبح هذه المشكلة سببًا للتوتر بين الدول"
خلاصة ما تقدم أن الدولة المصرية بموجب قانون لجوء الأجانب تسمح للاجئين بالاندماج المحلي وتعمل على تحقيق التوازن بين ظروف اللاجئين الإنسانية وما تستدعيه من اهتمام وتعاطف من جهة، ومراعاة مصلحة الدولة المصرية في المحافظة على استقرارها سواء على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والأمني من جهة أخرى، بما يتوافق مع الاتفاقيات الدولية وعلى رأسها اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين الموقعة في جنيف بتاريخ 28 يوليو 1951.
*دكتوراه في القانون الدولي الخاص عضو الجمعية المصرية للقانون الدولي
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: مجلس الوزراء الهجرة غير الشرعية مشروع قانون لجوء الأجانب لجوء الأجانب قانون لجوء الأجانب الأمم المتحدة طالب اللجوء طلب اللجوء الحصول على الحق فی أن یکون قانون ا على أن
إقرأ أيضاً:
العراق: عن هشاشة الدولة التي لا يتحدث عنها أحد!
تتباين التقييمات المتعلقة بالاقتصاد العراقي، حسب اختلاف مصادرها سواء كانت تقارير دولية، أو تصريحات وأرقام رسمية عراقية (في حال توفرها طبعا، فثمة عداء تاريخ بين المؤسسات العراقية وحق الوصول إلى المعلومات) حتى ليبدو الأمر وكأننا نتحدث عن دولتين مختلفتين!
فلو راجعنا موقع البنك المركزي العراقي، سنجد أن آخر تقرير عن الاستقرار المالي يعود إلى عام 2023، وإلى نهاية الشهر الخامس عام 2025، ولم يصدر تقرير الاستقرار المالي لعام 2024!
كما لم يصدر حتى اللحظة التقرير الخاص بالفصل الأول من عام 2025 الخاص بـ«الإنذار المبكر للقطاع المصرفي». لكن مراجعة التقرير الخاص بالفصل الرابع عام 2024 تكشف انخفاض صافي الاحتياطي الأجنبي بنسبة (10.2٪) حيث بلغ 103.8 ترليون دينار عراقي بعد أن كان 145.6 تريليون دينار عراقي نهاية الفصل الرابع عام 2023، ولم يقدم البنك تفسيرا لأسباب هذا الانخفاض، بل اكتفى بالقول إن «النسبة بقيت إيجابية ومؤثرة لأنها أعلى من النسبة المعيارية المحددة بنسبة 100٪»!
يشير التقرير أيضا إلى أن الدين الداخلي حقق نموا في الفصل الرابع من العام 2024 بنسبة 17.0٪ مقارنة بذات الفصل من العام 2023، ليسجل 83.1 ترليون دينار عراقي (حوالي 63 مليار دولار) بعد أن كان 70.6 ترليون دينار (53.48 مليار دولار) في الفصل الرابع من العام 2023. وأن نسبة هذا الدين بلغت 53.92٪ من إجمالي الدين العام، فيما انخفض معدل الدين الخارجي في هذا الفصل بنسبة 2.9٪ مقارنة بذات الفصل من العام 2023، وشكل الدين الخارجي 46.08٪ من إجمالي الدين في هذا الفصل (مقارنة الدين الخارجي هذه بالأرقام التي أطلقها الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية والذي تحدث عن انخفاض الدين الخارجي الى 9 مليارات دولار فقط تبيّن الاستخدام السياسي لهذه الأرقام)!
أما بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، فيشير التقرير إلى أنه قد سجل ارتفاعا في الفصل الرابع من العام 2024 ليبلغ 95.6 ترليون دينار عراقي بالأسعار الجارية، مسجلا نموا بنسبة 7.5٪ مقارنة بذات الفصل من عام 2023، إذ كان يبلغ 88.9 ترليون دينار. ويقدم التقرير سببا وحيدا لهذا النمو وهو «نتيجة ارتفاع الإنفاق الحكومي بنسبة تجاوزت 30٪ خلال ذات الفترة»! ولكن التقرير لا يقدم لنا أي معلومة أو تفسير لأسباب هذا الارتفاع غير المفهوم للإنفاق الحكومي، وإذا ما كان مرتبطا بتحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام، أم مرتبط بسياسات ارتجالية ذات أهداف سياسية بحتة، فارتفاع الإنفاق الحكومي قد يكون في أحيان كثيرة دليل على الفشل وليس النجاح، خاصة إذا أدى الى عجز أو ارتفاع الدين العام وزيادة معدلات الفساد!
أما فيما يتعلق بالتضخم، فتقرير العام 2023 «الإنذار المبكر للقطاع المصرفي» ينبهنا إلى الانخفاض في نسب التضخم إلى آلية حساب تلك النسبة، إضافة إلى تغيير سنة الأساس من احتساب الرقم القياسي للأسعار من 2012 إلى 2022، وبالتالي نحن أمام أرقام خادعة تماما فيما يتعلق بحساب نسب التضخم وذلك لارتفاع نسبة التضخم في العام 2022 قياسا إلى العام 2012.
واعتمادا على ذلك فقد سجل معدل التضخم في الفصل الرابع من عام 2024 (2.8٪) بعد أن كان 3.5٪ في الفصل الثالث من ذات العام، لينتهي إلى أن هذا يدل على «وجود استقرار في المستوى العام للأسعار»، من دون أن يقارن ذلك مع معدل التضخم في الفصل الرابع من العام 2023 وفقا لمنهجية التقرير! ولكن الترسيمة المصاحبة تقول شيئا مختلفا تماما، فقد سجل الفصل الأول من العام 2024 تضخما بنسبة 0.8٪، ليرتفع هذا المعدل في الفصل الثاني إلى 3.3٪، ثم ليرتفع إلى 3.5٪ في الفصل الثالث، وبالتالي فإن الانخفاض الذي سجله الفصل الرابع الذي عده التقرير دليلا على «الاستقرار في المستوى العام للأسعار» تنقضه تماما هذه الأرقام، وتكشف عن معدل تضخم وصل في الفصل الرابع إلى 3.5 أضعاف معدل التضخم في الفصل الأول، وهو دليل على عدم استقرار المستوى العام للأسعار!
وبدلا من أن تدق هذه الأرقام ناقوس الخطر حول الوضع المالي، أعلنت الحكومة العراقية في جلستها يوم 15 نيسان 2025، تخويل وزارة المالية سحب مبالغ الأمانات الضريبية التي لم يمض عليها خمس سنوات، وهي تزيد على 3 ترليونات و45 مليار دينار عراقي لتمويل وتسديد رواتب شهر نيسان والأشهر اللاحقة، ويعني هذا عمليا أنها قد أضافت إلى موازنتها المقررة مبلغا يزيد على 2.6 مليار دولار، وأنها أضافت دينا داخليا إضافيا إلى إجمالي الدين العام بمبلغ يزيد على 2.6 مليار دولار دون سند قانوني، وأنها خالفت قانون الموازنة وقانون الإدارة المالية للدولة!
على الجانب الآخر أصدر صندوق النقد الدولي يوم 15 أيار 2025 البيان الختامي لخبراء الصندوق في ختام مشاورات جرت في بغداد وعمان. وكان من بين التوصيات أن على العراق اتخاذ تدابير عاجلة للمحافظة على الاستقرار المالي.
فالتقرير يتوقع أن يتراجع الناتح المحلي الاجمالي للعراق الى نسبة 2.5٪ في العام 2014، وهو ما يتناقض مع الأرقام التي قدمها البنك المركزي! ويرجع التقرير إلى التباطؤ في الاستثمار العام، وفي قطاع الخدمات، فضلا عن زيادة الضعف في الميزان التجاري، وبالتالي لا أحد يعرف أين يذهب هذا الحجم الكبير من الإنفاق العام الذي أشار اليه البنك المركزي العراقي.
لكن تقرير صندوق النقد الدولي يتورط باعتماد الرقم الرسمي العراقي المتعلق بنسبة التضخم، دون أن ينتبه إلى مغالطة الأرقام!
والتقرير يشرح أسباب تراجع الوضع المالي وانخفاض الاحتياطي الاجنبي، فيؤشر على أن العجز المالي للعام 2014 بلغ 4.2٪ من إجمالي الناتج المحلي، مقارنة بنسبة 1.1٪ في العام 2023. وهو يعزو أسباب ارتفاع الإنفاق الحكومي إلى الارتفاع في الأجور والرواتب (بسبب سياسات التوظيف المرتبطة برشوة الجمهور) ومشتريات الطاقة، وليس إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام. ويتوقع التقرير أن يتباطأ الناتج المحلي الاجمالي عام 2025، فضلا عن انخفاض الاحتياطات الأجنبية!
أما بالنسبة لأولويات السياسات المطلوبة تبعا لصندوق النقد الدولي، فيقينا أن لا يلتفت إليها أحد في العراق؛ ولن توقف الحكومة الحالية التوسع الكبير في الإنفاق الحكومي والمالية العامة، أو تقوم بفرض ضرائب انتقائية على الاستهلاك أو زيادتها، لاسيما أننا في موسم انتخابات، بل بالعكس هو ما سيحدث!
وستبقى سياسات التوظيف قائمة لأنها أداة رئيسية لرشوة الجمهور ووسيلة لصنع الجمهور الزبائني، وبالتالي لن يتوقف ارتفاع الدين العام، تحديدا الدين الداخلي، لتمويل العجز، ولن تفكر أي حكومة في إصلاح ضريبة الدخل، أو الحد من الاعفاءات الضريبية، أو تحسين الجباية فيما يتعلق بالخدمات، أو فرض ضريبة مبيعات، أو الحد من التوظيف في القطاع العام، أما مكافحة الفساد، او الحد منه، فهو أمر مستحيل، لأن الفساد في العراق أصبح فسادا بنيويا، وبات جزءا من بنية النظام السياسي، وجزءا من بنية الدولة نفسها، والأخطر من ذلك أنه تحول إلى سلوك بطولي في المجتمع العراقي!
القدس العربي