لجريدة عمان:
2025-10-13@09:33:53 GMT

من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته

تاريخ النشر: 5th, December 2024 GMT

عندما يتصف المولى عز وجل بصفة من صفات الأفعال وتكون بصيغة المبالغة، فإنه يدل على حبه لهذه الصفة، وما أحرى العباد أن يتصفوا بصفات الأفعال لله عز وجل بما يتناسب مع أوامره تقربا إليه لينالوا رضاه، فلو أتينا إلى اسم من الأسماء الحسنى وهو "الستير" وهو يدل على صفة فعله للمولى سبحانه وتعالى، فإننا نجدها وردت في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل حييٌّ ستير يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر".

وبما أن الستر يعني الغطاء والإخفاء، فإن هنالك سترا ماديا محسوسا، وهو أن يستر الإنسان ما أمره الله بستره من جسده، وأما الستر المعنوي فإنه يتعلق بستر أسرار الناس وعدم تتبع عوراتهم وعدم فضحهم، فقد ورد في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: "من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة"، ولو تأملنا هذا المفهوم بعمق لوجدنا أنه مفهوم عظيم يدل على مكارم الأخلاق ويدعو إلى النبل في التعامل مع العباد.

فالله عز وجل خلق الإنسان وجعله مسيرا في بعض الأعمال، في حين جعله مخيرا في أعمال أخرى، ولكن أرسل له رسلا ليخبروه عما يحبه ربنا ويرضاه من أعمال العباد، وأمره بأوامر تعبدية، ونهاه عن فعل الأخطاء، ولكن كرم الله البالغ، فجعل باب التوبة مفتوحا لمن أخطأ، فهو خلقهم وهو أعلم بهم، وأعلم بصفاتهم، وجعل في تركيبة خلقهم، من الشهوات والملذات، التي قد تجعل الإنسان يخطئ ويعود إلى ربه ويصلح أعماله، ويستغفر ويتوب.

فلذلك أمرنا الله بالستر على أنفسنا، وألا نخبر الناس ونشيع بينهم ما أجرمنا في حق أنفسنا وفي حق الله فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه". وما أكثرهم في هذا الزمن التي كثرت فيه الفتن، وأصبح الوصول إلى المعصية متاحا وممكنا، والعجب كل العجب ممن يقع في هذه القاذورات من العاصي وكبائر الذنوب، ويأتي أمام الناس ليتحدث عما اقترفه من كبائر بكل وقاحة وصفاقة وكأن ما فعله يفتخر به، وما هذا إلا من فساد الفطرة، وسواد القلب الذي غلب عليه "الران" جراء ما طغى في احتقاب كبائر الذنوب.

فالله لا يحب أن تشيع الفاحشة في المجتمع، ولا يرضى أن يصبح أمر الفواحش عاديا في المجتمع المسلم، ولذلك أمر الناس بالستر، فالله عز وجل يتوعد الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في المجتمع بالعذاب الأليم فهو يقول عز من قائل: "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ". فالله عز وجل لم يكتف بادخار العذاب الأليم لهم في الآخرة، بل وعجل لهم العقوبة في الدنيا قبل الآخرة.

كما أمرنا الله عز وجل أن نصلح من ذواتنا ونقوم بتزكيتها وتربيتها، وأن نشتغل بإصلاح أنفسنا، وحذرنا من تتبع عورات الآخرين، ومحاولة معرفة أسرارهم، والتعدي على خصوصياتهم، وتتبع أخطائهم، وفضحهم بها وإشهارها بين أفراد المجتمع، ووصمهم بالأوصاف المنكرة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: "من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته". فمن منا لا يوجد عنده أخطاء يحاول إصلاحها، ولولا ستر الله على الناس لاستحى الناس أن يخرجوا من بيوتهم، وكما يقول الشاعر:

لسانك لا تذكر به عورة امرئٍ

فكلك عوراتٌ وللناسِ ألسنُ

وقد ستر الله أخطاء العباد علما منه أن بعضهم سيعود إليه، ويفتح معه صفحة ناصعة البياض، إلا أنه لو علم الناس منه أخطاءه لعايروه بها ولألصقوا عليه الصفات والألقاب المرتبطة بالأفعال القبيحة، وأصبح مسبة في ألسنهم، وسيذكرونه بتلك الصفات حتى لو تاب واهتدى وأصلح، فالستر يشجع المخطئين على التوبة والرجوع إلى الله، وأن تكون علاقاتهم المجتمعية معينة على الطاعة وفعل الأعمال الصالحة.

كما أن للستر دور مهم في حفظ القيم الأخلاقية والإنسانية، وألا تتلوث قلوب أفراد المجتمع على بعضهم البعض، ولكي تسود الصفات والأعمال الخيرة بين الناس، وأن تموت أعمال المنكر والباطل بالسكوت عنها، وعدم تداولها كأدات للتندر، ووسيلة للغيبة والنميمة في المجتمع المسلم.

وعلى الوالدين مهمة كبيرة في تعليم أبنائهم منذ نعومة أظفارهم قيمة الستر، كسلوك الأبناء مع بعضهم، فينصح الإخوة ألا يشو ببعضهم البعض، وألا يتتبعوا أخطاء بعضهم ليأتوا فيخبروا بها أبويهم، ويرشدوهم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الكرام ألا يخبروه بأخطاء بعضهم البعض، فقال صلى الله عليه وسلم: "ألا لا يبلغَنَّ أحدٌ مِنكم عن أحدٍ من أصحابي شيئًا ، فإنِّي أحبُّ أن أخرجَ إليهم وأنا سليمُ الصدرِ". كما أمرنا الله في كتابه العزيز ألا نتجسس ولا نتحسس ولا نغتاب بعضنا البعض، فقال تبارك وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ".

ومما يلاحظ اليوم أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أحد أكبر المستنقعات لكشف خصوصيات الناس، وتتبع فضائحهم، فأصبح الكثير من أصحاب المعاصي يجاهرون بمعاصيهم، ويذيعونها علنا، وأصبح الناس يتلقفونها وينشرونها في مجموعاتهم الإلكترونية، ولو راجع الإنسان نفسه، هل يرضى الله لعباده، أن يتتبع الناس حرمات البيوت حتى وإن أظهرها أصحابها، لوجد أنه في مزلق خفي ربما يرتب عليه إثما عظيما بتداول فضائح الناس، وهو داخل في الوعيد الشديد لهذا الأمر، وسوف يلقى الله وعليه آثام فعله وآثام من قام بتحويل كل صورة أو مقطع أرسله في تلك المجموعات الإلكترونية، فعلى المسلم أن يكون حذرا في تعامله الافتراضي مع هذه الوسائل، كما يجب عليه أن يكون حذرا في الواقع الاجتماعي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم الله عز وجل فی المجتمع من تتبع

إقرأ أيضاً:

الفرق بين العهد والوعد في حديث سيد الاستغفار

قال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في غاية الدقة في اختيار الألفاظ المتقاربة في المعنى، مبينًا أن هذا من دلائل فصاحته وبلاغته المعجزة، وضرب مثالًا على ذلك بحديث سيد الاستغفار الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت...».

وأوضح رئيس جامعة الأزهر، في تصريح له، أن الوقوف عند كلمتي العهد والوعد في هذا الحديث يكشف عن دقة استعمال الألفاظ النبوية، مشيرًا إلى أن هناك فرقًا لطيفًا بين الكلمتين، فـ«العهد» يُقصد به ما قطعه الإنسان على نفسه في الماضي، أما «الوعد» فهو ما ألزمه الإنسان نفسه به في المستقبل.

وتابع: أن العهد يقتضي الوفاء لأنه أمر مضى، بينما الوعد يقتضي الإنجاز لأنه متعلق بما سيأتي، ولذلك جمع النبي صلى الله عليه وسلم بينهما في قوله «وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت»، أي أنه ملتزم بما عاهد الله عليه فيما مضى، وبما وعده به في المستقبل انتظارًا لرحمته وفضله.

وأكد رئيس جامعة الأزهر أن هذا الجمع النبوي البليغ يجسد كمال الأدب مع الله، ودقة البيان في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى، لافتًا إلى أن تأمل مثل هذه الفروق اللفظية الدقيقة يكشف عمق البلاغة النبوية وجمال التعبير في السنة المطهرة.

حكم تمني العيش البسيط من أجل محبة الله ورسوله.. عالم أزهريما حكم إخراج الزكاة في عمل تسقيف للبيوت؟.. الإفتاء تجيبما حكم من يتتبع عورات الناس؟.. الإفتاء تجيبما حكم من يصلي على جنابة ناسيا أو متعمدا؟.. اعرف رأي الشرع

الفرق بين الإيمان والإسلام 

قال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، إن من مظاهر إعجاز اللغة العربية في القرآن الكريم والسنة النبوية استعمال الألفاظ في مواضعها الدقيقة، موضحًا أن من يراعي هذه الفروق اللفظية هو البليغ الذي يضع كل كلمة في موضعها الصحيح، وهو ما سماه الإمام الخطابي بـ"عمود البلاغة".

وأوضح رئيس الجامعة، في تصريح له، أن من الكلمات التي قد يظن الناس ترادفها، كلمتي الإسلام والإيمان، مشيرًا إلى أن بينهما فرقًا دقيقًا لا يدركه إلا المتأمل في النصوص الشرعية.

واستشهد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء على الميت: "اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان"، مبينًا أن استعمال لفظ "الإسلام" في حال الحياة يشير إلى معنى الاستسلام والانقياد لله مع وفرة النشاط والقوة، بينما ورد لفظ "الإيمان" في حال الوفاة لأنه تصديق قلبي يناسب من انتهى أجله واستعد للقاء الله.

وأكد الدكتور سلامة داود، أن هذا الترتيب الدقيق في الألفاظ يعكس عمق البيان النبوي وثراء اللغة العربية، وأنه لا يجوز استعمال كلمة مكان الأخرى إلا في الموضع الذي تقتضيه البلاغة والدقة في التعبير، كما أنه يبرز كمال اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، ويؤكد ضرورة تدبر النصوص وفهم دلالاتها على ضوء لغة الوحي.

طباعة شارك الفرق بين العهد والوعد العهد والوعد العهد الوعد حديث سيد الاستغفار الفرق بين العهد والوعد في حديث سيد الاستغفار العهد والوعد في حديث سيد الاستغفار

مقالات مشابهة

  • علي جمعة: النبي ﷺ أنسب الناس والله أثنى عليه وشرَّف مكانه وزمانه
  • سبب دخول والد البنات الجنة .. الإفتاء توضح
  • هل يجوز للعم أن يُخرِج زكاة ماله لأولاد أخيه الصغار؟
  • هل يجوز إخراج العم زكاة ماله لأولاد أخيه الصغار؟.. الإفتاء تجيب
  • الفرق بين العهد والوعد في حديث سيد الاستغفار
  • على كل مسلم هذه الصدقة.. فما هي؟
  • "العمومة ولاية وتراحم".. دور العم في حياة أولاد أخيه
  • ما حكم من يتتبع عورات الناس؟.. الإفتاء تجيب
  • الصلاة الكاملة على النبي صلوات الله عليه وسلم
  • " كفارة للذنوب".. فضل يوم الجمعة وليلتها