ما هي العوامل التي دعمت عودة الفصائل المسلحة في سوريا؟
تاريخ النشر: 5th, December 2024 GMT
قال الدكتور أرمان محموديان، زميل باحث في معهد الأمن العالمي والقومي التابع لجامعة جنوب فلوريدا، إن المكاسب المفاجئة التي حققتها هيئة تحرير الشام في شمال سوريا، بما في ذلك حلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا، أعادت إحياء الحرب الأهلية الخاملة في البلاد.
تستمر سوريا في مواجهة تحديات اقتصادية شديدة
وأضاف محموديان، وهو أيضاً أستاذ مساعد في كلية جودي جينشافت أونورز، التابعة لجامعة جنوب فلوريدا، في مقاله بموقع مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية: "رغم أن هذه التطورات قد تفاجئ البعض، فإنها ليست غير متوقعة ولا غير مسبوقة.
في الواقع، كانت تلوح في الأفق منذ فترة طويلة".
أولاً، كافح الجيش السوري للسيطرة على حرب أهلية وحشية لأكثر من عقد من الزمان، مما أدى إلى تراجع قدراته العسكرية ومعنوياته. ورغم استقرار الوضع بشكل ملحوظ لصالح الأسد منذ عام 2018، لم يحصل الجيش السوري على فرصة للتعافي. القوى الخارجية وإضعاف النفوذ المحلي
ورجّح الكاتب أن يؤثر وجود ونشاط القوى الخارجية وإنشاء القواعد العسكرية وأساليب فرض السيطرة في جميع أنحاء البلاد على معنويات القوات.
*THREAD on #Syria *
1/In my latest for @TheNatlInterest ,I argued that the recent resurgence of #Syrian rebels is neither entirely unexpected nor final. Here's breakdown of the underlying issues & the prospects for #Assad. https://t.co/JmpyuApjAO
بالإضافة إلى ذلك، تعرضت البنية التحتية للجيش السوري ومراكز القيادة والقواعد لاستهداف مستمر من الغارات الجوية الإسرائيلية على مدى العقد الماضي، مما أضعف قدرته العملياتية بشكل خطير. ووجهت هذه الضغوط الخارجية، إلى جانب تراجع الجيش وإحباطه، ضربة خطيرة للفعالية الإجمالية للجيش السوري.
العامل الثاني، يضيف الكاتب، وراء التطورات الحالية في سوريا هو ما يسمى "الإرهاق الأوكراني" لروسيا، أو بشكل أكثر دقة، الإجهاد الناجم عن حربها المطولة في أوكرانيا. عندما أعلنت روسيا دعمها للأسد في عام 2015، لعبت دوراً محورياً في استعادة سلامة البلاد. وكانت الضربات الجوية الروسية الضخمة حاسمة في تحويل ميزان الحرب الأهلية، مما سمح للحكومة السورية، بدعم من القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية المتحالفة معها، بامتلاك اليد العليا.
ولكن الوضع اليوم مختلف تماماً. فقد تحول تركيز روسيا بالكامل تقريباً إلى المجهود الحربي في أوكرانيا، مع عدم القدرة على الإمداد إلا بالنذر اليسير. ورغم أن روسيا ما تزال تحتفظ بوجود عسكري في سوريا وشنت المزيد من الضربات الجوية ضد الفصائل الإرهابية، فإن أولوياتها تكمن في الصراع في أوروبا. ويتم توجيه الذخيرة والموارد المحدودة نحو الجبهة الأوكرانية، وتم إعادة نشر الكثير من أفراد النخبة العسكرية الروسية، وخاصة سلاحها الجوي، هناك.
The Return of Syria’s Rebels: Neither Unexpected Nor Final https://t.co/bW4LIQgzTQ via @TheNatlInterest
— Nino Brodin (@Orgetorix) December 3, 2024
وأدى هذا التحويل للموارد والانتباه إلى إضعاف قدرة روسيا بشكل كبير على دعم سوريا بنفس الفعالية كما كان الحال من قبل. ونتيجة لهذا، أدى هذا التحول إلى تآكل معنويات القوات المسلحة السورية، وتشجيع الفصائل المسلحة، التي اغتنمت الفرصة لاستغلال تراجع التركيز الروسي على سوريا.
منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تصاعد الصراع بين إسرائيل وحزب الله إلى مستويات غير مسبوقة. ووجهت إسرائيل ضربات شديدة للقدرات العسكرية لحزب الله خلال الحرب الأخيرة بينهما. وقُتل ما يقرب من 4000 من مقاتلي حزب الله النخبة، بالإضافة إلى الأمين العام حسن نصر الله، وشخصيات بارزة أخرى. وتضرر هيكل قيادة الجماعة بشدة، ورغم تعيين قادة جدد، فإن إصلاح القيادة ترك هذه الميليشيات في حالة تشبه الشلل.
علاوة على ذلك، أجبر الصراع المتصاعد مع إسرائيل حزب الله على إعادة توجيه قدر كبير من اهتمامه وموارده نحو لبنان، مما أدى إلى صرف الانتباه بشكل كبير عن تورطه في سوريا. وأدى هذا التحول إلى خلق فجوة في شبكة دعم الأسد. كما أدى انخفاض الدعم من حزب الله وغيره من العناصر المتحالفة مع إيران إلى تقويض قدرة الأسد على الحفاظ على السيطرة، ومعالجة التحديات التي يواجهها بشكل فعال.
وهناك عامل مساهم آخر يتمثل في الحالة الداخلية لسوريا، خاصة داخل الأراضي الخاضعة لسيطرة الأسد. فمنذ عام 2018، تمكن الأسد من استعادة السيطرة على ما يقرب من 70% من البلاد. ومع ذلك، كافح للحفاظ على السيطرة على المناطق النائية. وتستمر سوريا في مواجهة تحديات اقتصادية شديدة، ولم تتمكن الحكومة من توفير حتى الخدمات الأساسية مثل إمدادات الطاقة. وعانت العديد من المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الأسد من ندرة إمدادات الكهرباء لسنوات، مما أدى إلى زيادة استياء الجمهور. مسارات بقاء الأسد وبرغم كل هذا، لا تعني هذه التطورات أن مصير الأسد محسوم. فلم يزل لديه مسارات للبقاء. وعليه أولاً وقبل كل شيء الحفاظ على سيطرته على المؤسسة السياسية في دمشق. وبالتالي فإن الحفاظ على الوحدة الداخلية أمر بالغ الأهمية، برأي الكاتب.
ثانياً، يجب على الأسد إبطاء تقدم الفصائل الإرهابية في الأمد القريب. من خلال تثبيت الخطوط الأمامية مؤقتاً، يمكن للنظام أن يمنح إيران الوقت لتعبئة ونشر الميليشيات العراقية لدعم القوات السورية. علاوة على ذلك، فإن هذا من شأنه أن يسمح لروسيا بإعادة تقييم موقفها وربما إعادة توجيه المزيد من الموارد إلى سوريا، مؤقتا على الأقل، لمواجهة التهديد الذي يشكله الإرهابيون. وقد تكون مثل هذه التعزيزات حاسمة بالنسبة للأسد للحفاظ على السلطة.
وأخيراً، يتطلب ضمان بقاء الأسد، الآن أكثر من أي وقت مضى، مزيداً من التنسيق والتفاهم المتبادل بين إيران وروسيا وتركيا. وفي حين يفترض البعض أن تركيا ربما تدعم تقدم الإرهابيين، فإن هذا الرأي يتجاهل نفور أنقرة المحتمل من الانهيار التام للحكومة السورية.
وتشكل عوامل مثل حذر تركيا من هيئة تحرير الشام (التي كانت مرتبطة سابقا بتنظيم القاعدة الإرهابي)، والمخاوف بشأن المسار المستقبلي للجماعة، وإمكانية استغلال الأكراد السوريين لأي فوضى قد تنجم عن ذلك، عناصر قد تدفع أنقرة نحو تفضيل أهداف محدودة ومستوى معين من خفض التصعيد قريباً. وبالتالي، فإن التعاون بين هؤلاء اللاعبين الرئيسين قد يكون بمنزلة شريان حياة لحكومة الأسد، وهو يتنقل عبر المخاطر التي يواجهها.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: الحرب في سوريا عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله عيد الاتحاد غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الحرب في سوريا فی سوریا
إقرأ أيضاً:
من مكة إلى الكرامة… الرصاصة التي أصبحت جيشًا
صراحة نيوز ـ بقلم: جمعة الشوابكة
في العاشر من حزيران من كل عام، لا يمرّ اليوم على الأردنيين مرور الكرام، بل ينبض التاريخ في وجدانهم من جديد. إنه اليوم الذي تختصر فيه الأمة مسيرتها المجيدة بين سطرين خالدين: الثورة العربية الكبرى التي أطلقها الشريف الحسين بن علي عام 1916، ويوم الجيش العربي الأردني، حين توحّدت البندقية بالراية، والعقيدة بالوطن.
لم تكن الرصاصة الأولى التي انطلقت من شرفة قصر الشريف في مكة مجرد إعلان تمرّد على الحكم العثماني، بل كانت البيان التأسيسي للسيادة العربية الحديثة، وبداية مشروع تحرر قومي لا يعترف بالتبعية، ولا يرضى بأقل من الكرامة. قاد الشريف الحسين بن علي هذا المشروع بوعي تاريخي عميق، وسلّمه لابنه صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن الحسين آنذاك، الذي جاء إلى شرقي الأردن مؤمنًا بأن الثورة لا تكتمل إلا ببناء الدولة، وأن الدولة لا تنهض إلا بجيش عقائدي يحمل راية الأمة ويحميها. وهكذا، وُلد الجيش العربي، من رحم الثورة، ومن لبّ الحلم القومي، لا تابعًا ولا مستوردًا، بل متجذرًا في الأرض والهوية.
كان الجيش العربي الأردني منذ تأسيسه أكثر من مجرد تشكيل عسكري، كان المؤسسة التي اختزلت روح الوطن. شارك في معارك الشرف على ثرى فلسطين، في باب الواد والقدس واللطرون، ووقف سدًا منيعًا في وجه الأطماع والعدوان، حتى جاءت اللحظة المفصلية في معركة الكرامة عام 1968، حين وقف الجندي الأردني بصلابة الرجولة خلف متاريس الكرامة، وردّ العدوان، وسطّر أول نصر عربي بعد نكسة حزيران، بقيادة جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال – طيب الله ثراه – ليُثبت أن الكرامة لا تُستعاد بالخطب، بل تُنتزع بالدم. لقد كان هذا النصر عنوانًا حيًا للعقيدة القتالية الأردنية، القائمة على الانضباط، والولاء، والثبات، وفهم عميق للمعركة بين هويةٍ تُدافع، وقوةٍ تُهاجم.
وفي قلب هذه المسيرة، وقف الشهداء، الذين قدّموا دماءهم الزكية ليظل هذا الوطن حرًا شامخًا. شهداء الجيش العربي الأردني لم يكتبوا أسماءهم بالحبر، بل خلدوها بالدم، في فلسطين، والجولان، والكرامة، وفي كل ميدان شريف رفرف فيه العلم الأردني. لم يكونوا أرقامًا في تقارير، بل رسل مجدٍ وخلود، يعلّموننا أن السيادة لا تُمنح، بل تُحمى، وأن كل راية تُرفع، تحمل في طياتها روح شهيد.
ومن بين هؤلاء، كان جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال – رحمه الله – أول القادة الذين ارتدوا البزة العسكرية بإيمان وافتخار. تخرّج من الكلية العسكرية الملكية في ساندهيرست، وخدم جنديًا في صفوف جيشه، ووقف معهم في الخنادق، لا على المنصات. كان القائد الجندي، الذي يرى في الجيش رمزًا للسيادة، وركنًا من أركان الدولة، وظل يقول باعتزاز: “إنني أفخر بأنني خدمت في الجيش العربي… الجيش الذي لم يبدل تبديلا.” فارتقى بالجيش إلى مصاف الجيوش الحديثة، عقيدةً وعتادًا، قيادةً وانضباطًا، ليبقى المؤسسة التي لا تتبدل ولا تساوم.
واليوم، يواصل المسيرة القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية، جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم – الملك الممكِّن والمعزّز – الذي تربّى في صفوف الجيش، وتخرّج من الميدان قبل أن يعتلي عرش البلاد. يرى جلالته في الجيش العربي الأردني شريكًا استراتيجيًا في بناء الدولة، لا مجرد مؤسسة تنفيذية. ولهذا، شهدت القوات المسلحة في عهده قفزة نوعية في الجاهزية القتالية، والتحديث، والتسليح، والتعليم العسكري، حتى أصبح الجيش الأردني عنوانًا للانضباط والسيادة الإقليمية والإنسانية، وصوت العقل في زمن الفوضى.
ويأتي تزامن يوم الجيش مع ذكرى الثورة العربية الكبرى تتويجًا لهذه المسيرة، ليس كمجرد مصادفة تاريخية، بل كتجسيد حي لوحدة الرسالة، واستمرارية المشروع الهاشمي، من الشريف الحسين بن علي، إلى الملك المؤسس عبد الله الأول، إلى الملك الباني الحسين بن طلال، إلى جلالة الملك الممكِّن والمعزّز عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم. فهذه ليست محطات منفصلة، بل خط سيادي واحد، يبدأ بالتحرر، ويُترجم بالجيش، ويُصان بالسيادة. لقد بقي الجيش العربي منذ نشأته على العهد، حاميًا للوطن، وحارسًا للهوية، ودرعًا للشرعية، لا يُبدّل قسمه، ولا يخون ميثاقه.
في العاشر من حزيران، لا نحتفل فقط، بل نُجدد القسم: أن هذا الوطن لا يُمس، وأن هذه الراية لا تُنكّس، وأن هذا الجيش لا يُكسر. من مكة إلى الكرامة، الرصاصة أصبحت جيشًا، والجيش أصبح عقيدة، والعقيدة أصبحت وطنًا لا يُساوم على كرامته، ولا يُفرّط بذرة من ترابه.