بوابة الوفد:
2025-07-28@04:30:53 GMT

الأسباب والمسببات

تاريخ النشر: 5th, December 2024 GMT

يقولون: من جد وجد ، ومن اجتهد نجح، ومن زرع حصد، ومن لم يجتهد لم ينجح، ومن لم يزرع فمن أين له أن يحصد؟، «سُنَّةَ اللَّهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا». ديننا دين العمل والاتقان والأخذ بأقصى الأسباب، حيث يقول الحق سبحانه: «هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور».


وقد سأل رجل نبينا (صلى الله عليه وسلم) فقال : يَا رَسُولَ اللهِ، أُطْلِقُ نَاقَتِى وَأَتَوَكَّلُ؟ أَوْ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ (صلى الله عليه وسلم): اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ) ، فربط الناقة أدعى لبقائها ، أما تركها  فأدعى لفقدها وضياعها .
وفقه الصحابة ذلك من النبى (صلى الله عليه وسلم) ، وطبقوه تطبيقا عمليًّا ، فكان سيدنا عمر  بن الخطاب (رضى الله عنه) يقول : لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ، ويقول : اللهم ارزقنى ، وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ، ولا فضة ، وأتى على قوم لا يعملون، فقال: من أنتم؟ فقالوا : نحن المتوكلون ، فقال : بل أنتم المتكلون ، المتوكل : رجل ألقى حبة فى بطن الأرض ، ثم توكل على ربه.
وقد رُوى أن أحد الناس خرج يومًا فى تجارة له فنزل إلى جانب بستان، فوجد طائرًا مهيض الجناح، وبينما هو ينظر إلى حاله وجد طائرًا آخر يأتيه بطعامه، قال : فعلمت أن رزقى سيأتينى حيثما كنت، فلما ذكر ذلك لأحد أصحابه، قال له : نعم، ولكن لماذا رضيت أن تكون الطائر الكسير مهيض الجناح ولم تسع لأن تكون الطائر الآخر الذى يسعى على نفسه وعلى غيره من ضعفاء بنى جنسه، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ وَالسُّفْلَى السَّائِلَة»، فلماذا لا يعمل كل منا على أن يكون اليد العليا لا اليد السفلى، وقد قالوا : أحسن إلى من شئت تكن أميره، واستغن عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسِيرهُ .
وعلينا أن ندرك أن الناس لن تحترم ديننا ما لم نتفوق فى أمور دنيانا، فإذا تفوقنا فى أمور دنيانا احترم الناس ديننا ودنيانا، وقد أمرنا ديننا الحنيف أن نأخذ بأسباب القوة، حيث يقول الحق سبحانه : «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ»، فرب العزة (عز وجل) يعطى من يأخذ بالأسباب مسلما كان أم غير مسلم، مؤمنا كان أم غير مؤمن .
على أن الفارق بين المؤمن وغير المؤمن فى قضية الأسباب والمسببات هو أن غير المؤمن قد يظن أن الأسباب تؤدى إلى المسببات بطبيعتها، والمؤمن يؤمن بأنها تؤدى إلى المسببات بإعمال الله عز وجل لها، وهو قادر على إعمالها وعدم إعمالها، كما عطل النار عن خاصية الإحراق فى شأن سيدنا إبراهيم (عليه السلام) ، وعطل السكين عن خاصية الذبح فى شأن سيدنا إسماعيل (عليه السلام)، وعطل الحوت عن هضم يونس (عليه السلام)، فلا ينبغى أن يغتر صاحب مال بماله كما فعل قارون ، عندما قال : «إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِى» فخسف الله (عز وجل) به وبداره الأرض ، ولا يغتر إنسان بعلمه أو جاهه أو صحته ، فكل ذلك عطاء من يملك المنح والمنع والإبقاء والنزع ، إنما علينا أن نأخذ بأقصى الأسباب ونفوض أمر النتائج لله عز وجل موقنين بأن الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا ، حيث يقول سبحانه : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا»، سواء أكان العمل متصلا بأمر معاشه ودنياه أم بأمر معاده وأخراه.

الأستاذ بجامعة الأزهر

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: أ د محمد مختار جمعة الأستاذ بجامعة الأزهر جامعة الأزهر صلى الله علیه وسلم حیث یقول عز وجل

إقرأ أيضاً:

لماذا يقول ملك بلجيكا الحقيقة ويجبن بقية ساسة أوروبا ؟

ترجمة أحمد شافعي -

في اللحظة التي بدا فيها أن إخفاقات أوروبا الأخلاقية بشأن غزة قد اكتملت، إذا برأس دولة من أعضاء الاتحاد الأوروبي يبرز برسالة قوية ذات موقف أخلاقي واضح. فقد أدان الملك البلجيكي فيليب ـ الذي نادرا ما يصدر تصريحات سياسية ـ الانتهاكات السياسية الجسيمة في غزة واصفا إياها بأنها «عار على الإنسانية».

في خطاب تليفزيوني احتفالا باليوم الوطني البلجيكي في الحادي والعشرين من يونيو، قال فيليب «إنني أقف في صف كل من يدينون الانتهاكات الإنسانية الجسيمة في غزة، حيث المدنيون الأبرياء محاصرون في قطاعهم، ويموتون بالجوع وبقصف القنابل. وقال الملك إنه يدعم دعما كاملا نداءات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، المطالبة بإنهاء «هذه الأزمة غير المحتملة». وأضاف الملك من داخل قصره الملكي قائلا «إن الوضع الحالي طال أكثر مما ينبغي، وإنه عار على الإنسانية».

بعد الإجازة الأسبوعية التي لقي فيها ما لا يقل عن مائة شخص مصرعهم في أرجاء غزة وهم يسعون إلى الطعام والماء ـ في أعمال عنف لم تؤد إلى أي رد فعل من الاتحاد الأوروبي ـ برزت رسالة الملك البلجيكي. وتحدث الملك عن لقاء قريب برامي إلهانان وبسام عرامين ـ وهما أبوان، إسرائيلي وفلسطيني، فقد كل منهما ابنته في أعمال عنف حديثة في الشرق الأوسط. قال الملك «إنهما عدلا عن الرغبة في الانتقام، وآثرا تحويل ما يشعران به من ألم إلى رسالة للسلام» وقال إن «كرامة الإنسان هي المحك دائما وأبدا».

وكانت لكلمات الملك أصداء تجاوزت بلجيكا. إذ تساءلت هيئة الإذاعة الوطنية الهولندية (إن أوه إس) لماذا لم يقل الملك الهولندي فيليم ألكسندر مثل ذلك البيان.

والملك فيليب بطبيعة سلطاته الدستورية لا يملك غير سلطات محدودة. حتى أن خطابيه السنويين ـ في العيد الوطني لبلجيكا وفي عشية الكريسماس ـ يخضعان لمراجعة رئيس الوزراء قبل إذاعتهما. لكن تصريحاته في العام الحالي جاءت مناقضة تناقضا صارخا لموقف الحكومة الفيدرالية ورئيس الوزراء القومي الفلمنكي بارت دي ويفر الذي يضم حزبه (التحالف الفلمنكي الجديد N-VA)، وهو الحزب الأكبر في بلجيكا، العديد من المدافعين الصرحاء عن عمليات الجيش الإسرائيلي في غزة. وكان دي ويفر قد قاوم النداءات الداعية إلى فرض عقوبات على إسرائيل. بل وشكك في ما إذا كان يمكن أن تعتقل بلجيكا بنيامين نتنياهو ـ مثلما يطالب القانون الدولي ـ في حال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لبلده.

وفي تجاوز للسياسات الداخلية، وجه فيليب نداء واسعا للعمل، فقال إن «أوروبا لا بد أن تؤكد زعامتها بمزيد من القوة. ولا بد أن تقف بوضوح، حصنا منيعا دون صراعات القوى الوحشية التي نشهدها اليوم، وبديلا واضحا لها».

وفي ضوء صمت الاتحاد الأوروبي غير المقبول تجاه جرائم الحرب الإسرائيلية، وانتهاكات حقوق الإنسان، وتعمق الأزمة الإنسانية، كان من أسباب الارتياح أن نستمع ولو إلى رأس واحد لدولة يقول الحق جهيرا. فقد عجز اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل الأسبوع الماضي عن اتخاذ إجراء ضد إسرائيل، فدفع ذلك منظمة العفو الدولية إلى توجيه اتهام بـ«الخيانة القاسية غير القانونية» للفلسطينيين. ويبقى إعلان إيمانويل ماكرون بأن فرنسا سوف تعترف بدولة فلسطينية في سبتمبر ـ على أهميته ـ أمرا رمزيا في غياب أي عقوبات اقتصادية أو مالية أو دبلوماسية.

وقد أبرز الملك العجز عن الالتزام بالقانون الدولي، وذلك بعد أيام قليلة فقط من لقائه مع منظمات إنسانية عاملة في غزة. وقال إنه «على مدى عقود، كان القانون الدولي حجر زاوية تستطيع الدول أن تعتمد عليه. واليوم تحيط الشكوك بهذا. لكن عندما يوطأ القانون الدولي، يعاني العالم كله. ويصبح للعنف الجامح مطلق العنان».

ومع إشادته بالجهود الجماعية لمواجهة تحديات من قبيل أزمة المناخ والتحول الرقمي والتعاون الدفاعي، حث فيليب قادة الاتحاد الأوروبي على «الوفاء لقيمنا: قيم الديمقراطية والعدل وسيادة القانون». وفي أفق سياسي تزداد فيه سيطرة السياسات الواقعية، جاء صوت الملك مصرا على الأسس الأخلاقية للمشروع الأوروبي.

وللملك البلجيكي سجل راسخ في مقاومة التمييز والدفاع عن حقوق الإنسان. بعد هجمة إرهابية دموية على متحف يهودي في بروكسل سنة 2014، قام بزيارة رسمية لموقع الهجوم. وفي عام 2015، دعا وفدا كبيرا من الحاخامات وقادة المجتمع اليهودي إلى القصر بعد تفكيك خلايا إرهابية في بروكسل وفيرفييه.

ولمواقف الملك فيليب الأخلاقية جذور عميقة في الميراث الملكي البلجيكي. فقد اعترفت مؤسسة ياد فاشيم [وهي مؤسسة إسرائيلية لإحياء ذكرى الهولوكوست] بجدته الكبرى الملكة إليزابث واحدة «من الصالحين في الأمم». فخلال الحرب العالمية الثانية، استعملت الملكة موقعها بوصفها الملكة الأم للتدخل بالنيابة عن اليهود الذين يواجهون التهجير. ووفقا لمؤسسة ياد فاشيم فإن «هذه التدخلات من فرد في عائلة ملكية في أوروبا بالنيابة عن اليهود كانت منقطعة المثيل». ومنذ استقلالها في سنة 1830، تمنح بلجيكا اليهود حقوقا مدنية كاملة ـ باستثناء سنوات الاحتلال النازي، وهذه الحقوق، ومنها حرية الدين والتعبير والصحافة، مصانة في الدستور البلجيكي. وفي وقت أقرب، في عام 2022، قام فيليب بزيارته الأولى لجمهورية الكونغو الديمقراطية، وكانت من قبل مستعمرة بلجيكية تأسست على يد سلفه ليوبولد الثاني وتعرضت لاستغلال وحشي. وفي أثناء زيارته للكونغو الديمقراطية، أعرب الملك عن «أسفه العميق» للمعاناة التي تسبب فيها الاستعمار البلجيكي. فقال إن «النظام الاستعماري في ذاته كان قائما على الاستغلال والهيمنة» واتسم بـ«البطريركية والتمييز والعنصرية».

والحق أن إحساسنا بتميز تصريحات الملك فيليب بشأن القانون الدولي ومعاناة غزة ليبين إلى أي مدى بلغ الجبن بقادة أوروبا المنتخبين. فقد قال الملك ما كان يجب أن يقولوه هم منذ شهور.

وبطبيعة الحال، لن تنهي تصريحاته هذه الحرب. لكن يجدر بها أن تذكر أوروبا ـ والعالم ـ بأن الصمت في مواجهة الظلم أمر يتدنى إلى مستوى التواطؤ، وأنه لا يزال بوسع ملك دستوري، في أوقات الجبن السياسي، أن يكون قائدا معنويا.

ديفيد فان ريبروك فيلسوف هولندي مرموق.

عن الجارديان البريطانية

مقالات مشابهة

  • مأتم رسمي لزياد الرحباني اليوم واجماع لبنان عليه في زمن الانقسامات
  • هل الحر الشديد غضب إلهي؟.. عضو الأزهر للفتوى يجيب
  • لماذا يقول ملك بلجيكا الحقيقة ويجبن بقية ساسة أوروبا ؟
  • حكم استخدام الموسيقى للمساعدة في التعليم .. الإفتاء تجيب
  • كان الرسول اذا اشتد عليه أمر فعل هذا العمل.. اغتنمه
  • الإنسان بين نعمة الهداية وشهوة الطغيان .. قراءة دلالية في وعي الشهيد القائد رضوان الله عليه
  • دعاء النبي عند رؤية هلال شهر صفر.. تعرف عليه وردده
  • ناشطات وإعلاميات في حديث خاص لـ(الأسرة): الإمام زيد -عليه السلام-.. وعي وبصيرة وجهاد وثورة أوقدت ثورات
  • خطبتا الجمعة بالحرمين: المؤمن يعتبر بسرعة انقضاء الأيام والشهور.. واتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- سبيل السعادة والفلاح
  • الشيخ كمال الخطيب يكتب .. تدبير الله بين يوسف الصدّيق وترامب