معهد أوروبي: التحالف الروسي الحوثي سيقوض النفوذ الأمريكي السعودي وهذه الاسباب التي تجعل روسيا ترى قيمة في تعزيز علاقاتها مع الحوثيين
تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT
قال معهد أوروبي إن التحالف الروسي الحوثي سيعمل على تقويض النفوذ الأمريكي والسعودي في المنطقة وسيرهق بشكل غير مباشر موارد تلك الدولتين، مما يعقد سياساتهما في اليمن والمنطقة الأوسع.
وأضاف "معهد روبرت لانسينج" لدراسات التهديدات العالمية والديمقراطيات في تحليل مطول تحت عنوان "تقييم الرهان الاستراتيجي الروسي بالتعاون مع الحوثيين" وترجم أبرز مضمونه إلى العربية "الموقع بوست" أن دعم الحوثيين سراً من شأنه أن يسمح لموسكو بفرض نفوذها في اليمن دون إثارة عداوة المملكة العربية السعودية أو دول الخليج الأخرى بشكل علني.
وتابع "الدعم غير المباشر: إذا كانت المخابرات العسكرية الروسية متورطة، فمن المرجح أن تكون أنشطتها غير مباشرة، مثل تسهيل نقل الأسلحة، أو تبادل المعلومات الاستخباراتية، أو التدريب العملياتي، ربما من خلال وسطاء مثل إيران أو جهات فاعلة إقليمية أخرى.
وأضاف "مع سعي روسيا للرد على سماح الولايات المتحدة باستخدام أوكرانيا للصواريخ بعيدة المدى ضدها، فإن مساعدة الحوثيين في إبقاء الولايات المتحدة محاصرة عسكريًا وماليًا في البحر الأحمر قد تبدو خيارًا جذابًا".
وعن زعزعة استقرار المنافسين، أكد المعهد أن دعم روسيا للحوثيين يرهق بشكل غير مباشر موارد الولايات المتحدة والسعودية، مما يعقد سياساتهما في اليمن والمنطقة الأوسع.
ويشير المعهد إلى أن مشاركة روسيا مع الحوثيين، تخدم العديد من الأغراض الاستراتيجية والجيوسياسية والاقتصادية. وقال "في حين حافظت روسيا تاريخيًا على نهج متوازن نسبيًا في الصراع اليمني، فإن علاقتها بالحوثيين تتوافق مع أهداف أوسع في الشرق الأوسط".
وزاد "بفضل التهديد الذي يشكلونه على طرق الملاحة البحرية، اجتذبت بروز الحوثيين المتزايد الجهات الفاعلة الدولية، بما في ذلك روسيا، التي تسعى إلى تحدي النظام السياسي والاقتصادي الذي يهيمن عليه الغرب. وقد نمت علاقات موسكو مع الجماعة اليمنية جنبًا إلى جنب مع شراكتها العسكرية مع إيران ومحورها".
وتؤكد الاتصالات المتزايدة -حسب التحليل- بين الحوثيين وروسيا كيف تعمل الجماعة اليمنية على تنويع تحالفاتها، بما يتجاوز أيضًا "المقاومة" التي تقودها إيران.
من وجهة نظر الحوثيين، يرى المعهد أن روسيا تتناسب مع هذا المخطط لاكتساب شركاء جدد للأسلحة وطرق التهريب والتمويل.
وأورد المعهد الأوروبي عدة أسباب قال إنها قد يجعل روسيا ترى قيمة في تعزيز العلاقات مع الحوثيين:
1. النفوذ الجيوسياسي في الشرق الأوسط
توسيع النفوذ: يمنح التحالف مع الحوثيين روسيا فرصة لتوسيع نطاق نفوذها في شبه الجزيرة العربية، وهي المنطقة التي يهيمن عليها تقليديًا حلفاء الولايات المتحدة مثل المملكة العربية السعودية.
مواجهة الهيمنة الغربية: يمكن أن يعمل دعم الحوثيين كقوة موازنة للتحالفات المنحازة إلى الغرب، وخاصة تلك التي تقودها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
2. المصالح البحرية والاستراتيجية
السيطرة على نقاط الاختناق الاستراتيجية: يسيطر الحوثيون على مناطق بالقرب من مضيق باب المندب، وهو ممر بحري حيوي للتجارة العالمية. إن ترسيخ النفوذ على هذه النقطة يعزز قدرة روسيا على فرض قوتها في البحر الأحمر والمحيط الهندي.
الوجود البحري: قد تسعى روسيا إلى الوصول البحري أو الاتفاقيات اللوجستية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، مما يكمل وجودها في ميناء طرطوس السوري ويعزز استراتيجيتها البحرية العالمية.
3. موازنة العلاقات الإقليمية
السعودية وإيران:
لقد أقامت روسيا علاقات مع كل من المملكة العربية السعودية وإيران، حيث تعد الأخيرة داعمًا رئيسيًا للحوثيين. إن التعامل مع الحوثيين يسمح لروسيا بالحفاظ على توازن دقيق بين هاتين القوتين.
من خلال لعب دور الوسيط، تضع روسيا نفسها كوسيط رئيسي للسلطة في المنطقة.
يحظى الحوثيون بدعم كبير من إيران، الحليف الروسي الرئيسي في المنطقة. قد ينسق جهاز المخابرات العسكرية الروسية بشكل غير مباشر مع الحوثيين من خلال الحرس الثوري الإيراني، خاصة إذا كان هذا يخدم أهدافًا روسية إيرانية أوسع.
* من الناحية النظرية، يمكن لجهاز المخابرات العسكرية الروسية أن يلعب دورًا في تسهيل شحنات الأسلحة السرية إلى الحوثيين، إما بشكل مباشر أو عبر وسطاء.
* التدريب المتخصص: يُعرف أفراد جهاز المخابرات العسكرية الروسية بخبرتهم في حرب العصابات والحرب غير المتكافئة. إذا كان هناك اتصال، فقد يتضمن ذلك تقديم المشورة الاستراتيجية أو التدريب لتعزيز فعالية الحوثيين القتالية.
4. مبيعات الأسلحة والمصالح الاقتصادية
سوق الأسلحة: اعتمد الحوثيون بشكل كبير على الأسلحة، وفي حين يأتي جزء كبير من ترسانتهم من إيران، فإن روسيا قد ترى فرصًا محتملة لمبيعات الأسلحة السرية أو الشراكات العسكرية.
إعادة الإعمار بعد الحرب: إذا احتفظ الحوثيون بالسيطرة في اليمن بعد الصراع، يمكن لروسيا الاستفادة من علاقتها لتأمين العقود الاقتصادية ومشاريع إعادة الإعمار.
5. تقويض النفوذ الأمريكي والسعودي
النفوذ الدبلوماسي: يمنح تورط روسيا صوتًا في المفاوضات المتعلقة باليمن، مما يسمح لها بانتزاع تنازلات في مسائل جيوسياسية غير ذات صلة.
6. المرونة الإيديولوجية
على النقيض من الولايات المتحدة أو بعض القوى الإقليمية، لا تلتزم روسيا بأطر إيديولوجية صارمة في السياسة الخارجية. وتسمح لها هذه البراجماتية بالتعامل مع جهات فاعلة متنوعة، بما في ذلك الحوثيون، طالما أن ذلك يتماشى مع مصالحها الاستراتيجية.
إن علاقة روسيا بالحوثيين لا تتعلق بالتوافق الإيديولوجي بل تتعلق بالمنفعة الاستراتيجية. ومن خلال التعامل مع الحوثيين، تستطيع موسكو توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، وتحدي الهيمنة الغربية، وتأمين الوصول البحري، ووضع نفسها كوسيط رئيسي في أحد أكثر الصراعات صعوبة في المنطقة. ويعزز هذا النهج البراجماتي مكانة روسيا كقوة عالمية في حين يعزز مصالحها في البحر الأحمر وما بعده.
تهديد متصاعد محتمل
تشير التقارير إلى أن موسكو فكرت في تزويد الحوثيين بأسلحة صغيرة مثل بنادق AK-74 وصواريخ كروز مضادة للسفن من طراز P-800 Yakhont/Oniks.
وتسلط هذه التطورات الضوء على التعاون المتزايد بين روسيا والحوثيين، مما قد يؤدي إلى تصعيد التوترات الإقليمية وتهديد التجارة البحرية الدولية. وأي نقل روسي للأسلحة أو المعلومات الاستخباراتية إلى الحوثيين من شأنه أن يشكل تصعيدا كبيرا.
ويبدو أن موسكو امتنعت عن مثل هذه التحويلات، ويرجع ذلك على الأرجح إلى الضغوط من المملكة العربية السعودية، ولكنها مع ذلك أثارت قلق الولايات المتحدة.
وبالإضافة إلى ذلك، ظهرت مزاعم تفيد بأن المجندين الحوثيين تم تهريبهم للقتال في أوكرانيا بموجب وعود كاذبة بوظائف مربحة والجنسية الروسية في نهاية المطاف. ورغم أن مثل هذه الادعاءات تتوافق مع الجهود الأوسع التي تبذلها موسكو للتخفيف من الخسائر الفادحة في حربها الجارية مع كييف من خلال تجنيد المهاجرين والمواطنين الأجانب - وخاصة الكوريين الشماليين - إلا أنها لا تزال غير مؤكدة، مما يستدعي الحذر.
بالنسبة للحوثيين، فإن العلاقات الوثيقة مع موسكو ستجلب الاعتراف الدولي ومصادر جديدة للدعم العسكري والاستخباراتي تتجاوز قدرات إيران في حين تعزز مكانتهم الإقليمية. وتعكس هذه العلاقة المتنامية أيضًا التحولات داخل محور المقاومة نفسه.
لقد تولت أنصار الله، على الرغم من بعدهم الجغرافي عن إسرائيل، دورًا أكبر في المحور من خلال استهداف الشحن الدولي والضغط على إسرائيل أثناء حرب غزة، ولكن أيضًا بسبب ترساناتهم المتوسعة وقدراتهم الهجومية المتنامية.
على النقيض من ذلك، ضعفت حماس وحزب الله وسط المواجهة المستمرة مع إسرائيل. "يطمح الحوثيون إلى تولي دور قيادي أكبر داخل - وخارج - محور المقاومة. إن العمل مع روسيا يوفر المكانة والاعتراف، وليس فقط الأسلحة والبيانات.
إن هذه الشراكة مع موسكو تكمل أهداف إيران، وتعزز المشاعر المعادية للغرب المشتركة دون تقويض العلاقات بين الحوثيين وإيران. ومن غير المرجح أن يؤدي تنويع تحالفات الحوثيين إلى خلق احتكاك مع إيران، وخاصة في ضوء تعزيز الشراكة الدفاعية بين إيران وروسيا.
وبعيدا عن بعدها المعادي للغرب، فإن تورط موسكو في اليمن قد يخدم أيضا كجهد استراتيجي لكسب النفوذ على المملكة العربية السعودية. ومع تفاوض الرياض على معاهدة دفاعية محتملة مع الولايات المتحدة، قد تضع روسيا نفسها في موقف المفسد، وخاصة في ظل توقع إدارة ترامب الثانية القادمة، حيث قد تتبنى المملكة موقفا أكثر تأييدا لأميركا بشأن أسعار النفط في مقابل ضمانات أمنية.
إن واشنطن قد تضغط على المملكة العربية السعودية لاستخدام نفوذها لدى موسكو لمنع نقل الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية إلى الحوثيين. ومع ذلك، من المرجح أن يركز ترامب على الحد من العلاقات المتنامية بين الرياض وروسيا (والصين).
إن الرياض تخاطر بخسارة أكبر نتيجة لأي تصعيد في المنطقة، مما يجعلها لاعباً حاسماً في موازنة التوترات حول الحوثيين وروسيا.
مع نمو طموحات الحوثيين الإقليمية، فإن فك ارتباط الصراع في اليمن بالأزمات الأوسع في الشرق الأوسط سوف يصبح صعباً على نحو متزايد.
إن تطوير شبكة يقودها الحوثيون في منطقة البحر الأحمر من شأنه أن يقدم ديناميكيات جديدة مزعزعة للاستقرار إلى المشهد الجيوسياسي الهش بالفعل في الأمد المتوسط إلى الطويل.
إن الانخراط الدبلوماسي للحوثيين مع روسيا والصين يشير إلى سياسة خارجية أكثر استقلالية - ولكن ليست مؤيدة للغرب - في المستقبل.
في الأمد المتوسط إلى الطويل، من الممكن أن تؤدي هذه العلاقات إلى خلق احتكاك بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وروسيا في حين قد تؤدي إلى تجدد النشاط الأميركي فيما يتصل باليمن والبحر الأحمر.
إن تعاون الكرملين مع الحوثيين، سواء كان مباشرا أو غير مباشر، يحمل مخاطر كبيرة على الرغم من المزايا الاستراتيجية المحتملة:
1. العلاقات المتوترة مع دول الخليج
المملكة العربية السعودية: لقد عملت روسيا على تنمية علاقاتها مع المملكة العربية السعودية، وخاصة من خلال تعاون أوبك+ في إنتاج النفط. إن دعم الحوثيين من شأنه أن يعرض هذه العلاقة للخطر، مما يؤدي إلى تداعيات اقتصادية وسياسية.
تنظر الرياض إلى الحوثيين باعتبارهم تهديدًا مباشرًا، وأي تصور للدعم الروسي لهم من شأنه أن يثير إجراءات انتقامية أو تهدئة العلاقات الدبلوماسية.
الإمارات العربية المتحدة: كما تعارض الإمارات العربية المتحدة، وهي لاعب رئيسي آخر في اليمن، الحوثيين. ويهدد التعاون مع الحوثيين بتنفير أبو ظبي، التي عملت عن كثب مع روسيا على جبهات مختلفة، بما في ذلك الاستثمارات الاقتصادية والاستقرار الإقليمي.
2. تعقيد العلاقات مع إيران
في حين أن إيران وروسيا حليفتان في سوريا، فإن مصالحهما لا تتوافق دائمًا. وقد يؤدي الدعم الروسي المتزايد للحوثيين إلى التعدي على نفوذ إيران على المجموعة، مما قد يؤدي إلى احتكاك بين طهران وموسكو.
3. خطر العزلة الدولية
التصور بزعزعة الاستقرار: قد يُنظر إلى التعاون مع الحوثيين على أنه تفاقم روسي للصراع في اليمن، مما يستدعي إدانة من المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.
وقد يؤدي هذا إلى فرض عقوبات إضافية أو عزلة دبلوماسية، وخاصة إذا أدى التدخل الروسي إلى تصعيد الأزمة الإنسانية في اليمن.
الإضرار بمصداقية روسيا كوسيط:
سعت روسيا إلى تصوير نفسها كمحكم محايد في اليمن، وموازنة العلاقات مع أطراف متعددة. وقد يؤدي التورط المباشر مع الحوثيين إلى تقويض هذا الموقف وتآكل الثقة بين أصحاب المصلحة الآخرين.
4. التداعيات المترتبة على زيادة التوترات الإقليمية
تصعيد الصراع: قد يؤدي الدعم المتزايد للحوثيين إلى تشجيعهم على تكثيف هجماتهم على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مما يؤدي إلى عدم استقرار إقليمي أوسع نطاقا.
وقد يجر هذا الكرملين إلى صراع أكبر مما كان متوقعا، مع تكاليف ومخاطر أكبر.
ديناميكيات الحرب بالوكالة: تخاطر روسيا بأن يُنظر إليها على أنها تساهم في تعميق الحرب بالوكالة في اليمن، مما يزيد من توريطها في صراع معقد ومتقلب.
5. المخاطر الاقتصادية
تأثير سوق النفط: قد يؤدي تدهور العلاقات مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى تعطيل اتفاقيات أوبك+، مما يؤثر على أسعار النفط العالمية وقد يلحق الضرر باقتصاد روسيا المعتمد على الطاقة.
استنزاف الموارد:
قد يؤدي دعم الحوثيين إلى استنزاف الموارد الروسية، خاصة إذا تصاعد الصراع أو إذا زادت المطالبات بالمساعدات العسكرية والمالية.
6. ردود الفعل المحلية والسمعة
التصورات حول التجاوز: قد يتعرض التدخل الروسي في اليمن لانتقادات محلية باعتباره تجاوزا غير ضروري، وخاصة إذا فشل في تحقيق فوائد واضحة.
وقد يعارض الرأي العام المزيد من التورط في الصراعات الخارجية، وخاصة في خضم الحرب الجارية في أوكرانيا والضغوط الاقتصادية في الداخل.
7. المخاطر القانونية والإنسانية
مزاعم جرائم الحرب: إذا ارتبطت روسيا بهجمات الحوثيين على أهداف مدنية، فقد تواجه اتهامات بالتواطؤ في جرائم حرب، مما يزيد من إلحاق الضرر بمكانتها الدولية.
الأزمة الإنسانية: تعد الأزمة الإنسانية في اليمن واحدة من أسوأ الأزمات في العالم. وأي تصور لتواطؤ روسيا في تفاقم الوضع قد يثير انتقادات شديدة.
قد يؤدي التعاون مع الحوثيين إلى تحقيق فوائد استراتيجية لروسيا ولكنه يأتي مع مخاطر كبيرة. ويتعين على الكرملين أن يوازن بعناية بين أفعاله لتجنب تنفير دول الخليج، أو توتر العلاقات مع إيران، أو تعميق عزلتها الدولية. وقد يؤدي التجاوز في اليمن إلى نتائج عكسية، مما يقوض طموحات موسكو الإقليمية الأوسع واستقرارها الاقتصادي. ومن المرجح أن يظل نهج روسيا حذرا، ويهدف إلى اكتساب النفوذ دون المبالغة في الالتزام أو إثارة رد فعل عنيف.
المصدر: مأرب برس
إقرأ أيضاً:
قطاع الموانئ في الحديدة .. أضرار وخسائر جراء العدوان الأمريكي – الإسرائيلي:الأمم المتحدة تحذر من تداعيات استهداف موانئ الحديدة على الوضع الإنساني في اليمن
تعرض قطاع الموانئ في الحديدة لأضرار كارثية خلال العدوان الأمريكي الإسرائيلي على مدى 11 شهرا، وهو ما أدى إلى تدمير واسع للبنية التحتية ومصادر رزق آلاف العاملين فيه.
وفي الأيام الأولى للعدوان وبالتحديد في العشرين من يوليو العام الماضي، استهدف طيران العدو الصهيوني بشكل ممنهج الكرينات الجسرية ومنشأة النفط بميناء الحديدة، مما أدى إلى تدمير أربعة منها و9 خزانات نفطية.
وفي التاسع والعشرين من سبتمبر 2024م جرى استهداف محطة الكهرباء بميناء الحديدة، وفي التاسع عشر من ديسمبر استهدف الطيران الإسرائيلي 6 منشآت بحرية، تمثلت في المنشآت القاطرة للسفن “ابوعلي” في ميناء الصليف و”21 سبتمبر” في ميناء رأس عيسى النفطي و”الطير والفا 1 وحجة” والكرين العائم، فيما تم استهداف لنش رأس عيسى في السادس والعشرين من ديسمبر.
ونفذ طيران العدو الصهيوني سلسلة من الغارات الجوية على موانئ البحر الأحمر وبعدد 68 غارة جوية على مدى “يناير – مايو” من العام الجاري 2025م، كان اعنفها وأكثرها دموية استهداف طيران العدو الأمريكي مواقع تفريغ المشتقات النفطية في رأس عيسى النفطي راح ضحيتها أكثر من 300 شهيد وجريح، وتدمير العدو الإسرائيلي الأرصفة (1، 2، 5، 6، 7، 8)، ورافعتين رئيسيتين، في ميناء الحديدة.
الثورة / أحمد كنفاني
يأتي ذلك الاستهداف الممنهج لموانئ الحديدة لإيقاف العملية التشغيلية والضغط على الموقف اليمني المساند لفلسطين.
ولم يقتصر الضرر على الجانب الاقتصادي فقط، بل امتد ليشمل البيئة البحرية، حيث تسبب استهداف أنابيب ومنصات التعبئة وتسرب الوقود إلى البحر بتلويث المياه، مما أثر على الحياة البحرية وأدى إلى تقليل أعداد الأسماك في المنطقة، ناهيك عن حدوث أزمة وقود بالمحافظات دامت لأيام وأدت إلى توقف الحركة وتفاقم معاناة المواطنين.
” أرقام رسمية”
أوضحت مؤسسة موانئ البحر الأحمر اليمنية- في بيان صادر عنها في مؤتمر صحفي عقد بميناء الحديدة الأحد الماضي بحضور وزير النقل والأشغال العامة محمد قحيم ومحافظ الحديدة عبدالله عطيفي ووكيل قطاع التعاون الدولي بوزارة الخارجية والمغتربين السفير إسماعيل محمد المتوكل، ورئيس مؤسسة موانئ البحر الأحمر زيد أحمد الوشلي، ووفد أممي مشترك برئاسة مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ماريا روزاريا برونو، وعدد من ممثلي مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية وبرنامج الأغذية العالمي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة- أوضحت أن حجم الأضرار التي لحقت بموانئ “الحديدة والصليف ورأس عيسى”، جراء سلسلة غارات طيران العدوان الصهيوني، الأمريكي منذ يوليو 2024 حتى مايو 2025 تجاوز ملياراً و387 مليون دولار، منها أكثر من 531 مليون دولار أضرار مباشرة، و856 مليون دولار خسائر غير مباشرة نتيجة توقف الخدمات وتعطل تدفق الإمدادات.
وأكدت المؤسسة أن الاعتداءات طالت البنية التحتية والمنشآت التشغيلية للموانئ المدنية، وتسببت في تدمير 6 من الأرصفة ورافعتين رئيسيتين، ومحطات كهرباء ومولدات، ومرافق خدمية ولوجستية، بما في ذلك الأرصفة العائمة والقاطرات والمستودعات، التي كانت مخصصة لتفريغ المواد الغذائية والإغاثية والدوائية.
وأشارت إلى أن العدوان الأمريكي الإسرائيلي تعمد استهداف موانئ مؤسسة البحر الأحمر اليمنية لمعرفته بأهميتها وارتباطها بحياة الشعب اليمني ومنها ميناء الحديدة الاستراتيجي الذي يوفر الدواء والغذاء للشعب اليمني، وأيضا ميناء رأس عيسى النفطي الذي يوفر المشتقات النفطية لمختلف المحافظات.
ولفتت المؤسسة إلى أن هذا الاعتداء الإرهابي يمثل انتهاكاً صارخاً للمواثيق الدولية، مشيرة إلى أن تدمير المطارات والموانئ لا يهدف سوى لتعميق المأساة الإنسانية التي يعيشها اليمنيون، ويكشف الوجه الحقيقي لواشنطن وتل أبيب كراعيتين للإرهاب العالمي.
واعتبرت أن تكرار سيناريو هذا العدوان محاولة مكشوفة لثني الشعب اليمني عن مواقفه المبدئية والثابتة في دعم القضية الفلسطينية ونصرة أبناء غزة في وجه العدوان الصهيوني.. داعية الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لتحمل مسؤولياتهم القانونية والإنسانية، واتخاذ خطوات عاجلة لوقف العدوان ومحاسبة المعتدين.
وجددت المؤسسة التأكيد على أن اليمن سيظل صامداً، ولن تنل هذه الاعتداءات من عزيمة شعبه وإصراره على مواصلة موقفه المشرف في مواجهة الهيمنة والاستكبار العالمي.
وطالبت منظمة الطيران المدني الدولي (الإيكاو) بإدانة هذا الاستهداف لمطار صنعاء والعمل على حماية المنشآت المدنية.
كما طالبت المنظمات الحقوقية والإنسانية بتوثيق هذه الجرائم، وفضحها أمام العالم، والضغط لرفع الحصار الجائر عن اليمن.. مؤكدة أن استهداف المرافق المدنية هو امتداد لسجل طويل من الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها أمريكا وإسرائيل بحق الشعوب الحرة.
“إدانات دولية”
حذّر تقرير أممي من تفاقم الوضع الإنساني في اليمن، بعد العدوان الأمريكي الإسرائيلي الذي استهدف موانئ الحديدة.
وقال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، إن وضع الأمن الغذائي في اليمن لا يزال حرجاً، مع ارتفاع نسبة الأسر التي تعاني من صعوبة في تأمين حاجتها من الغذاء.
ولفت إلى أن الغارات الجوية التي استهدفت موانئ الحديدة في أبريل ومايو العام الجاري، تسببت بأضرار جسيمة في البنية التحتية للموانئ. وقد يؤدي ذلك إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي نتيجة انخفاض القدرة على استقبال البضائع الإنسانية والتجارية.
وأضاف: “رغم التحسن المؤقت الذي طرأ خلال شهر مارس بسبب شهر رمضان، فإن وضع الأمن الغذائي في اليمن يظل حرجاً، مع تدهور كبير شهدناه خلال العام الماضي”.
وأكد أن أحدث بيانات رصد الأمن الغذائي التي أصدرها برنامج الأغذية العالمي، تظهر أن 57% من الأسر التي شملها الاستطلاع لم تتمكن من الحصول على الحد الأدنى من احتياجاتها الغذائية.
وأشار إلى أن معدل انتشار الاستهلاك غير الكافي للغذاء كان أعلى بنسبة 25% في مارس الماضي، كما ارتفعت مستويات الحرمان الغذائي الشديد (سوء استهلاك الغذاء) بنسبة 12% على أساس سنوي.
من جانبه، قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ استهداف الجيش الأمريكي والإسرائيلي لميناءي الحديدة ورأس عيسى النفطي في محافظة الحديدة غربي اليمن، وما خلّفه من مقتل وإصابة عشرات المدنيين، بينهم مسعفون، تُعدّ جرائم حرب بموجب القانون الدولي، مؤكدًا ضرورة فتح تحقيق مستقل ومحاسبة الجهات المسؤولة، بما يضمن عدم تكرار مثل هذه الهجمات التي تهدّد حياة المدنيين وتقوّض الحماية القانونية المكفولة لهم في سياق النزاعات المسلحة.
وأكد أن الادعاءات الأمريكية الإسرائيلية لا يمكن أن تبرر استهداف منشآت مدنية حيوية وتدميرها بالكامل، والتسبّب بخسائر فادحة في صفوف المدنيين.
وأشار إلى أنّ بيان “سنتكوم” يعكس استخفافًا أمريكيًا إسرائيليا صارخًا بالقانون الدولي الإنساني.
وأكّد المرصد الأورومتوسطي أنّ طبيعة المواقع المستهدفة، إلى جانب الخسائر البشرية الجسيمة الناتجة عن الهجوم، تثير شبهات خطيرة بوقوع جريمة حرب وفقًا لأحكام القانون الدولي، بما في ذلك اتفاقيات جنيف لعام 1949، والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، والقواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني، حيث تشدد هذه المواثيق الدولية على الحظر المطلق لاستهداف المدنيين أو الأعيان المدنية، وضرورة اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحمايتهم وتحييدهم عن الأعمال العدائية، وتقليل الأضرار التي قد تلحق بهم إلى الحد الأدنى، حتى في حال وجود أهداف عسكرية مشروعة.
وشدّد المرصد الأورومتوسطي على أنّ اللجوء إلى القوة العسكرية في هذا السياق يُمثّل انتهاكًا جوهريًا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة والقواعد الآمرة في القانون الدولي، إذ تحظر المادة (2/4) من الميثاق استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية، باستثناء حالتين حصريتين: الدفاع الشرعي عن النفس وفقًا للمادة (51)، شريطة وجود هجوم مسلح مباشر ووشيك، وأن يتم استخدام القوة في حدود الضرورة والتناسب، أو صدور تفويض صريح من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع لاتخاذ تدابير عسكرية لحفظ السلم والأمن الدوليين.