تل أبيب " د أ ب ":بمجرد إعلان فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية التي أجريت الشهر الماضي، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تهئنة الرئيس المنتخب واصفا فوزه بأنه "أعظم عودة في التاريخ".

وإذا كان تأييد ترامب القوي لإسرائيل في ولايته الأولى وترشيحاته لشغل المناصب العليا في إدارته الجديد مؤشرا على سياسته المستقبلية، يصبح ابتهاج نتنياهو مبررا.

لكن تغييرات كثيرة حدثت منذ ترك ترامب البيت الأبيض في مطلع 2021 وحتى عودته إليه بعد أسابيع. مقبلة ، فالحروب في الشرق الأوسط والطموحات شديدة التطرف للائتلاف اليميني المتطرف الحاكم بقيادة نتنياهو والعلاقة الشخصية بين ترامب ونتنياهو يمكن أن يكبح هذا الحماس ويعقد ما يبدو على السطح كتحالف سلس بينهما.

تقول مزال معلم الصحفية الإسرائيلية مؤلفة السيرة الذاتية لنتنياهو "بالنسبة لبيبي (اسم الشهرة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو) هذا هو حلمه. كان يريد ذلك.. بالنسبة لبيبي كان (فوز ترامب) أمرا بالغ الأهمية .

وفي الوقت الذي يستعد فيه نتنياهو للمثول أمام المحكمة بتهمة الفساد وصادر له أمر اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، يصبح دعم ترامب له أكثر أهمية.

وخلال ولايته الأولى، تبنى ترامب الكثير من السياسات المنحازة بدرجة كبيرة لنتنياهو. وتجاهل السياسة الأمريكية المتبعة منذ وقت طويل بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرئيل ونقل سفارة بلاده إلى المدينة المتنازع عليها، متجاهلا الاعتراضات الفلسطينية والعربية.

كما اعترف ترامب بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان التي يعتبرها المجتمع الدولي أرضا سورية محتلة. كما غض الطرف عن بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، وقدم خطة سلام تبقي على عشرات المستوطنات في الأرض الفلسطينية.

ويطالب الفلسطينيون بإقامة دولتهم المستقبلية على كامل أرض الضفة الغربية المحتلة في عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.ويعتبر المجتمع الدولي المستوطنات في الضفة الغربية والفدس الشرقية غير شرعية.

كما قرر ترامب في ولايته الأولى الانسحاب من الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية وأعاد فرض العقوبات على طهران. كما اغتالت الولايات المتحدة في عهده قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني.

وفي الأيام الأخيرة من رئاسته الأولى نجح ترامب في عقد سلسلة معاهدات دبلوماسية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية وشكلت هذه الاتفاقيات إنجازا كبيرا للسياسة الخارجية لنتنياهو.

ومن المحتمل أن يأمل نتنياهو أن يتنبى ترامب موقفا أشد صرامة ضد إيران وربما تزويد إسرائيل بالاسلحة التي تحتاجها لتوجيه ضربة قاصمة للبرنامج النووي الإيراني. كما أن نتنياهو سيرغب في تحقيق تقدم نحو تطبيع العلاقات مع السعودية، وتقليص التنازلات التي يمكن أن تقدمها إسرائيل للفلسطينيين مقابل ذلك. كما يتوقع نتنياهو أن يطلق ترامب يد إسرائيل في غزة ولا يضغط عليها للانسحاب من القطاع حتى وإن كان ذلك في إطار اتفاق لوقف إطلاق النار.

ومنذ إعادة انتخاب ترامب، يتحدث نتنياهو وحلفاؤه عن عودة الأوقات السعيدة بعد توتر العلاقات مع إدارة بايدن.

يقول أفيف بوشينسكي المستشار السابق لنتنياهو "الاعتقاد الآن هو أن ترامب سيحقق كل مطالب نتنياهو"، مضيفا أن تعيين نتنياهو السياسي المتطرف المؤيد للاستيطان في الأراضي الفلسطينية سفيرا لدى واشنطن إشارة إلى ثقة رئيس الوزراء الإسرائيلي في المستقبل في ظل حكم ترامب.

ورغم ذلك لا يوجد ما يضمن حصول نتنياهو على ما يريده من ترامب.

في البداية، من غير الواضح ما إذا كانت علاقتهما قوية كما كانت في السابق. فقد أزعج نتنياهو ترامب عندما هنأ الرئيس جو بايدن على فوزه في عام 2020، على الرغم من مزاعم ترامب بسرقة الانتخابات منه. كما أن ترامب يعود إلى البيت الأبيض، والشرق الأوسط أصبح مليئا بالصراعات، التي قد تؤدي إلى إرباك تحالف نتنياهو وترامب.

ورغم المؤشرات على صمود اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، مازالت إسرائيل تحارب الفلسطينيين في قطاع غزة منذ 14 شهرا. في الوقت نفسه أشار ترامب إلى رغبته في انتهاء الحرب الإسرائيلية ضد القطاع الفلسطيني، لكنه لم يقل كيف يمكن أن يحدث ذلك. كما يطالب بإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين في غزة قبل أن يؤدي يمينه الدستورية في يناير، محذرا بإنه إذا لم يتم إطلاق سراحهم فسيواجه الشرق الأوسط الجحيم، دون أن يقدم أي تفاصيل.

ولم يتضح حتى الآن ما إذا كان ترامب سيقبل برؤية نتنياهو للأوضاع في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب بما في ذلك استمرار الاحتلال الإسرائيلي للقطاع إلى أجل غير مسمى.

كما يمكن أن يكون لدى ترامب خططا أكبر لمنطقة الشرق الأوسط ككل. كان ترامب يتحدث في الماضي عن التطبيع بين إسرائيل والسعودية. وكانت خطته للسلام في ولايته الأولى منحازة بشدة لإسرائيل، لكنها تدعو إلى قيام دولة فلسطينية وإن كانت أصغر كثيرا مما يطالب به الفلسطينيون. وسيحتاج التقدم على مساري التطبيع مع السعودية وتسوية القضية الفلسطينية إلى تقديم تنازلات من إسرائيل للفلسطينيين.

وكتب عاموس هارئيل المعلق في صحيفة هاآرتس الإسرائيلية إن "نتنياهو مقتنع بقدرته على تجنيد ترامب لتحقيق أهدافه كما حدث في الماضي. ومع ذلك أرسل الرئيس الأمريكي المنتخب وكما هي عادته رسائل يصعب فهمها منذ فوزه في انتخابات 5 نوفمبر".

ويقول إيتان جلبوع خبير العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في جامعة بار إيلان الإسرائيلية إن استراتيجية ترامب تجاه إيران غامضة أيضا. وأضاف أن نتنياهو يتوقع أن يستأنف ترامب ممارسة "أقصى ضغط" على طهران لتفكيك برنامجها النووي، لكن الرئيس الأمريكي المنتخب قد يعطي المفاوضات مع الإيرانيين فرصة في ولايته الثانية لكي يصبح صانعا للسلام.

إن المواقف المحتملة لترامب بشأن أي من هذه القضايا قد تجبر نتنياهو على اختيار ما بين الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تمتلك مفتاح بقائه السياسي، أو ترامب.

يقول جلبوع: "وصف نتنياهو ترامب بأنه أعظم صديق لإسرائيل في البيت الأبيض. وإذا طلب منه ترامب شيئا، فلن يكون قادرا على قول لا" وانطلاقا من هذه الحقيقة يمكن أن تنشأ هنا كل أنواع المشاكل لرئيس وزراء إسرائيل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ولایته الأولى الشرق الأوسط فی ولایته ترامب فی یمکن أن

إقرأ أيضاً:

ما هو «الشرق الأوسط الجديد»... الحقيقي هذه المرة؟!

لم يبقَ في عالمنا العربي إعلاميٌّ أو محلّلٌ سياسي، أو دخيلٌ على المهنتين، إلا وحاضر ودبّج مقالات على مرّ العقود الأخيرة عن «الشرق الأوسط الجديد». غير أنَّ الشرق الأوسط الذي نراه اليوم حالة مختلفة عما كنا نسمعه، مضموناً وظروفاً.

منطقتنا صارت، مثل حياتنا ومفاهيمنا السياسية - الاجتماعية، خارج الاعتبارات المألوفة. بل يجوز القول إنها باتت مفتوحة على كل الاحتمالات. وهنا لا أقصد البتة التقليل من شأن نُخبنا السياسية أو الوعي السياسي لشعوبنا، أو قدرة هذه الشعوب على التعلّم من أخطائها... والانطلاق - من ثم - نحو اختيار النهج الأفضل...

إطلاقاً!
اليوم، نحن وأرقى شعوب الأرض وأعلاها كعباً في الممارسة السياسية المؤسساتية في زورق واحد.
كلنا نواجه تعقيدات وتهديدات متشابهة. ولا ضمانات أن «تعابير» كالديمقراطية والحكم الرشيد في دول ذات تجارب ديمقراطية راسخة، كافية إذا ما أُفرغت من معانيها، لإنقاذ مجتمعات هذه الدول مما تعاني منه... وسنعاني منه نحن.

بالأمس، سمعت من أحد الخبراء أنَّ الاستخدام الواسع لتقنيات «الذكاء الاصطناعي» في مرافق أساسية يومية من حياة البشر ما عاد ينتظر سوى أشهر معدودة.

هذا على الصعيد التكنولوجي، ولكن على الصعيد السياسي، انضمت البرتغال قبل أيام إلى ركب العديد من جاراتها الأوروبيات في المراهنة عبر صناديق الاقتراع على اليمين العنصري المتطرف، مع احتلال حزب «شيغا» الشعبوي شبه الفاشي المرتبةَ الثانية في الانتخابات العامة الطارئة، خلف التحالف الديمقراطي (يمين الوسط)، وقبل الحزب الاشتراكي الحاكم سابقاً.

تقدُّم «شيغا» في البرتغال، يعزّز الآن حضور الشعبويين الفاشيين الذي تمثله في أوروبا الغربية قوى متطرفة ومعادية للمهاجرين مثل: «الجبهة الوطنية» في فرنسا، و«فوكس» في إسبانيا، و«إخوان إيطاليا» في إيطاليا، وحزب «الإصلاح» (الريفورم) في بريطانيا، وحزب «الحرية» في هولندا، وحزب «البديل» في ألمانيا.

ثم إنَّ هذه الظاهرة ليست محصورة بديمقراطيات أوروبا الغربية، بل موجودة في دول عدة في شرق أوروبا وشمالها، وعلى رأسها المجر. وبالطبع، ها هي ملء السمع والبصر في كبرى الديمقراطيات الغربية قاطبةً... الولايات المتحدة!

في الولايات المتحدة ثمّة تطوّر تاريخي قلّ نظيره، لا يهدد فقط الثنائية الحزبية التي استند إليها النظام السياسي الأميركي بشقه التمثيلي الانتخابي، بل يهدد أيضاً مبدأ الفصل بين السلطات.

هذا حاصل الآن بفعل استحواذ تيار سياسي شعبي وشعبوي واحد، في فترة زمنية واحدة، على سلطات الحكم الثلاث: السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، يضاف إليها «السلطة الرابعة» - غير الرسمية - أي الإعلام.

ولئن كان الإعلام ظل عملياً خارج الهيمنة السياسية، فإنه غدا اليوم سلاحاً أساسياً في ترسانة التيار الحاكم بسبب هيمنة «الإعلام الجديد»، والمواقع الإلكترونية، و«الذكاء الاصطناعي»، و«أوليغارشي» ملّاك الصحف والشبكات التلفزيونية، ناهيك من وقف التمويل الحكومي لإعلام القطاع العام. وما لا شك فيه أن مؤسسات هؤلاء، بدءاً من رووبرت مردوخ (فوكس نيوز) وانتهاء بإيلون ماسك (إكس) ومارك زوكربرغ (ميتا) وجيف بيزوس (الواشنطن بوست)... هي التي تصنع راهناً «الثقافة السياسية» الأميركية الجديدة وربما المستقبلية، بدليل أن نحو 30 من وجوه إدارة الرئيس دونالد ترمب جاؤوا من بيئة «فوكس نيوز» ونجومها الإعلاميين.

في هذه الأثناء، يرصد العالم التحولات الضخمة في المشهد الأميركي بارتباك وحيرة.
الحروب الاقتصادية ليست مسألة بسيطة، وكذلك، لا تجوز الاستهانة بإسقاط سيد «البيت الأبيض» كل المعايير التي تحدد مَن هو «الحليف» ومَن هو «العدو»... ومَن هو «الشريك» ومن هو «المنافس»!
ولكن، في ضوء التطوّرات المتلاحقة، يصعب على أي دولة التأثير مباشرة في أكبر اقتصادات العالم وأقوى قواه العسكرية والسياسية. ولذا نرى الجميع يتابع ويأمل ويتحسّب ويحاول - بصمت، طبعاً - إما إيجاد البدائل وإما التقليل من حجم الأضرار الممكنة.

أما عن الشرق الأوسط والعالم العربي، بالذات، فإننا قد نكون أمام مشاكل أكبر من مشاكل غيرنا في موضوع اختلال معايير واشنطن في تحديد «الحليف» و«العدو».

ذلك أن الولايات المتحدة قوة كبرى ذات اهتمامات ومصالح عالمية. وبناءً عليه، لا مجال للمشاعر العاطفية الخاصة، وأيضاً لا وجود للمصالح الدائمة في عالم متغيّر الحسابات والتحديات.

في منطقتنا، لواشنطن علاقة استراتيجية راسخة مع إسرائيل التي تُعد «مركز النفوذ» الأهم داخل كواليس السلطة الأميركية ودهاليزها، والتي تموّل «مجموعات ضغطها» معظم قيادات الكونغرس ومحركي النفوذ.

ثم هناك تركيا، العضو المهم في حلف شمال الأطلسي «ناتو»، والقوة ذات الامتدادات الدينية والعرقية والجغرافية العميقة والمؤثرة في رسم السياسات الكبرى.

وأخيراً لا آخراً، لإيران أيضاً مكانة كبيرة تاريخياً في مراكز الأبحاث الأميركية كونها - مثل تركيا - «حلقة» في سلسلة كيانات الشرق الأوسط، ولقد أثبتت الأيام في كل الظروف أن غاية واشنطن «كسب» إيران لا ضربها.

في هذا المشهد، ووسط الغموض وتسارع التغيير، هل ما زلنا كعرب قادرين يا ترى على التأثير في المناخ الإقليمي وأولويات اللاعبين الكبار؟

 الشرق الأوسط

مقالات مشابهة

  • استقالات في إدارة ترامب تثير مخاوف نتنياهو
  • هدنة بشروط إسرائيلية.. ألعاب خداعية يمارسها تحالف ترامب - نتنياهو ضد حماس
  • ترامب يعيد تشكيل اللعبة في الشرق الأوسط: المفاتيح لِمَن؟
  • متحدث الخارجية: إسرائيل الوحيدة الغير منضمه لمعاهدة منع انتشار السلاح النووي
  • حزب الوعي يؤيد مطالبة وزير الخارجية إسرائيل بالانضمام لمعاهدة منع الانتشار النووي
  • نرجسي وأناني.. مستشار الاستخبارات الإسرائيلية يحلل شخصية نتنياهو
  • ما هو «الشرق الأوسط الجديد»... الحقيقي هذه المرة؟!
  • الشرع: نحن و"إسرائيل" لدينا أعداء مشتركون.. وترامب رجل سلام
  • الشرع: نحن وإسرائيل لدينا أعداء مشتركون.. وترامب رجل سلام
  • صحيفة إسرائيلية: تركيا أصبحت القوة الجديدة التي تُقلق إسرائيل في الشرق الأوسط!