قال رئيس المجلس الشعبي الوني، ابراهيم بوغالي، اليوم الأربعاء، أن المظاهرات الشعبية المصادفة لـ 11 ديسمبر 1960، تلاحم الشعب الجزائري وتماسكه وتجنده وراء قيادته، كما تشكل تلك المظاهرات حلقة مضيئة في سلسلة الإنجازات التي حققتها الثورة التحريرية في مساراتها العسكرية والسياسية والإعلامية والدبلوماسية والثقافية والفنية والرياضية.

وأوضح بوغالي في كلمة ألقاها خلال فعاليات يوم دراسي حول مظاهرات 11 ديسمبر 1960، تلك المسارات التي حققتها الجزائر. تضافرت لتُحكِم السَّيْطَرَة على مآلات المواجهة وتفرض الخيارات المعلنة في بيان أول نوفمبر على المستعمر. مشيرا أن المظاهرات كانت بالفعل مظهرا إضافيا من مظاهر تَعَطُشِ الشعب الجزائري للحرية والاستقلال. كما كشفت حقيقة جرائم الاستعمار الفرنسي أمام الرأي العالمي، وأثبتت للعالم بأسره أن الثورة الجزائرية ثورة شعب لا يقبل المساومات.

وواصل بوغالي في كلمته “وكانت حدثا تاريخيا بارزا في مسيرة نضال الجزائريين، ورسالة قوية لدُعاة الجزائر الفرنسية. رسالة مفادها تلاحم الشعب الجزائري والتفافه حول قيادته الثورية، فتجلّت بذلك الصورة الحقيقية والبشعة. التي ظلّت تُغيّبها الإدارة الاستعمارية عن الرأي العام العالمي”.

كما أكد أن تلك الهبّات الشعبية بمختلف أرجاء الوطن أكدت إصرار الجزائريين على افتكاك ما اغتُصب منهم. ونجحوا بذلك في كسر شوكة المستَعْمَر، وتَسْفِيهِ ادعاءاته. حيث لا تزال تلك المحطات تُمثّل للأجيال مبعث فخر واعتزاز في التاريخ النضالي من أجل التحرّر. من نير الاستعمار الغاشم، ومنبع إشعاع يُنير دربها وتستلهم منها الدروس والعبر لمواجهة التحديات.

المظاهرات الشعبية أسهمت في تدويل القضية الجزائرية

وأردف ذات المتحدث قائلا “لقد أسهمت المظاهرات بشكل بارز في تدويل القضية الجزائرية. وفي ترسيخ مبدأ حق الشعوب المستعمَرة في تقرير مصيرها واستقلالها. حيث شكلت عاملا حاسما دفع المجتمع الدولي إلى الاعتراف بهذا الحق، وقد توج ذلك بإصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة. لائحتها التاريخية رقم 1514 التي نصت على منح الاستقلال للبلدان والشعوب المُسْتَعْمَرَة. لتُرَسِمَ بذلك إطارا قانونيا دوليا يكرس شرعية نضال الشعوب من أجل الحرية والتحرر”.

كما أشار بوغالي أن هذه المظاهرات تعد منعرجا حاسما في تاريخها، حيث أكدت للعالم أجمع وحدة الشعب الجزائري وتمسكه بقضيته العادلة. وأظهرت إرادته الراسخة في انتزاع استقلاله مهما كانت التضحيات. وعلمتنا هذه الذكرى المجيدة أن الكفاح لا يقتصر على البندقية وحدها، بل يمتد ليشمل الإيمان بالحق والصمود. في وجه الظلم بكل الوسائل، فمظاهرات 11 ديسمبر ليست مجرد حدث تاريخي. بل هي درس خالد في كيفية تحقيق الانتصار عبر الإصرار والاتحاد، وهي مناسبة سانحة نجدد فيها العزم والعهد للشهداء الأبرار. بأن نبقى أوفياء للمبادئ التي استشهدوا من أجلها، وأن نعمل على مواصلة بناء الجزائر القوية، الوفية لمواقفها نصرة لكل القضايا العادلة في العالم. ولحق الشعوب في التحرر والانعتاق من ربقة المستعمرين، والعيش بكرامة في ظلال عالم يسوده الحق والعدل والسلام. واحترام الخصوصيات وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان، يضيف بوغالي.

الأطفال كان لهم دور بارز في نجاح ثورة التحرير

ونوه رئيس مجلس الأمة إلى إن سر نجاح ثورة التحرير في محطاتها المختلفة، بدءً من التحضير والإعداد لها. وتفجيرها في الفاتح نوفمبر 1954، هو التفاف الشعب الجزائري بكل فئاته حولها. حتى الأطفال كان لهم دور بارز في نقل المعلومات، والرسائل بين المجاهدين والمناضلين. وإيصال الأدوية والمؤونة وغيرها، لمواقع جيش التحرير الوطني، ويشهد الجميع لهم بالشجاعة والثبات أثناء تأدية مهامهم وواجباتهم. رغم كل الضغوط الممارسة عليهم من قبل الاستعمار الفرنسي، ونماذج الأطفال من هذا النوع كثيرة، ولعل الطفل ” مراد بن صافي”. من مدينة الجزائر أنموذج حي لبطولات الأطفال أثناء ثورة التحرير، وقد خلد اسمه في فلم ” معركة الجزائر”.

كما كان لهؤلاء الأطفال حضور قوي في هذه المظاهرات التي نحيي ذكراها اليوم، وصور تلك المظاهرات شاهدة على معاناة هذه الفئة. وتفنن المستعمر المتوحش في استباحة براءتها بالتعذيب والتقتيل والترهيب واغتيال أحلامها، وفي هذا المقام لا بأس أن نذكر بأن الجزائر. التي صادقت على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعلى اتفاقية حقوق الطفل كرست ضمن قوانينها حماية حقوقه، وهو التزام بتنفيذ المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان .

وأردف بوغالي قائلا “إن إشارتنا لهذا التكريس نقصد به تلك القناعة النابعة من ثورتنا المباركة التي قامت مناهضة للظلم والاستعباد. كما تهدف إلى إقامة دولة الحق والعدل والقانون وهو ما تكرس في دستور 2020. وتضمنه برنامج رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، وتكيفت معه القوانين والتشريعات”.

دعوة البرلمانيين عبر العالم لتعزيز الإجراءات التي تُعْـنَي بصحة الطفل ورفاهية الشباب

كما نوه ذات المتحدث أن هذا اليوم يتوافق مع اليوم العالمي للأطفال الذين يرحلون مبكرا جدا تضامنا مع العائلات المكلومة بهذا الفقدان المبكر لفلذات أكبادها. وهي مناسبة لدعوة البرلمانيين عبر العالم لتعزيز الإجراءات التي تُعْـنَي بصحة الطفل ورفاهية الشباب. وتشكيل جبهة موحدة للوقاية من الحروب وإدانة الانتهاكات المقترفة ضد هذه الفئة في كل بؤر التوتر والنزاع لاسيما في فلسطين. والعمل على توجيه جهودنا جميعا للسلم والأمن والتنمية والرفاهية وترسيخ معاني ومرامي الاحتفاء باليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي خلدناه بالأمس.

كما أكد أن أعظم تكريم نمنحه لشهدائنا في ظل المـتغيرات العالمية المتسارعة هو أن نحمل مبادئهم وننقلها للأجيال. ونجعلها منارة يهتدون بها، وأن نعزز في نفوس شبابنا قيم التضحية والتضامن، والعمل الواعي المشترك. وأن نعلمهم أن الحرية لم تكن يوما هبة مجانية، بل هي ثمرة نضال مرير وتضحيات جسام.

مضيفا إن روح ثورة نوفمبر المجيدة ومآثر مظاهرات ديسمبر يجب أن تظل مصدر إلهام دائم، يدفع أجيالنا. إلى العمل على تحقيق النهضة الشاملة التي تليق بعظمة الجزائر وشعبها.

وفي ختام كلمته أكد بوغالي أن هذه الذكرى التي يقف فيها الجميع  بخشوع أمام أرواح شهدائنا الأطهار. ونستلهم من تضحياتهم طاقة جديدة لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل، ونجدد العهد أن تظل الجزائر وطنا للحرية والكرامة. وطنا يتسع لكل أبنائه الذين يعملون متكاتفين من أجل رفع رايته عاليا بين الأمم. فالجزائر اليوم قوية بأبنائها، متشبعة بقيم ثورتها، متطلعة إلى مستقبلها الزاهر بفضل وعي شعبها المتراص في لحمته الوطنية. المتماسك بجبهته الداخلية، المتعاون بكل مكوناته، القوي بجيشه الباسل وبمختلف مؤسساته. في ظل قيادة متبصرة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، قيادة عازمة على تحقيق الأهداف المسطرة في مختلف البرامج.

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

المصدر: النهار أونلاين

كلمات دلالية: الشعب الجزائری ثورة التحریر

إقرأ أيضاً:

وقفة بين الثورات الشعبية والانقلابات العسكرية

عبد النبي الشعلة

نَشرتُ الأسبوع الماضي مقالًا بعنوان "انقلابات أشهُر يوليو.. جراح لم تندمل". تناولت فيه ذكرى أول انقلاب عسكري أطاح بالنظام الملكي في أفغانستان، وما خلّفه من تداعيات. وقارنت ذلك الحدث بمجموعة من الانقلابات العسكرية التي شهدتها بعض الدول العربية، والتي وقع جلها في أشهر يوليو من سنوات مختلفة.

وقد تلقيت إثر نشر المقال سيلًا من الاتصالات والتعليقات، غلبت عليها عبارات الإشادة والتأييد لمضمون المقال وتحليلاته، لكن عددًا محدودًا من القراء عبّر عن رأي مغاير، معتبرًا أن ما وقع في العراق عام 1958، وفي اليمن عام 1962، وفي ليبيا عام 1969، على سبيل المثال، لم يكن مجرد انقلابات عسكرية، بل ثورات شعبية مكتملة الأركان.

ومع احترامي لتلك الرؤى، فإنني أرى أن من المهم التمييز بين "الثورة" و"الانقلاب" ليس فقط على مستوى الاصطلاح، بل أيضًا في البنية الفكرية والاجتماعية التي تسبق كل منهما وتنتج عنه.

ففي تجارب العراق واليمن وليبيا، كما في غيرها من التجارب المشابهة، أُطلقت تسميات مثل "الضباط الأحرار" وجرى توصيف التحركات العسكرية بأنها "ثورات" في إطار محاولة لإضفاء طابع شعبي وشرعي على ما حدث، رغم أن هذه التحركات انطلقت من داخل المؤسسة العسكرية، وفرضت نفسها بالقوة، ثم سعت لاحقًا إلى تسويق نفسها كثورات شعبية.

 

في "معجم اللغة العربية المعاصرة" تُعرَّف الثورة بأنها: "اندفاع عنيف من جماهير الشعب نحو تغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية تغييرًا أساسيًا" وتذهب التعريفات الحديثة إلى أن الثورة هي حركة جماهيرية تنطلق من قاعدة شعبية واعية، وتستند إلى تراكم فكري واجتماعي، وتطمح إلى بناء نظام جديد يستجيب لتطلعات الناس. وغالبًا ما تكون القوى العسكرية في الثورات إما مترددة، أو في صف النظام القائم، لا في طليعة التغيير.

وفي المقابل، فإن الانقلاب العسكري يُعرف بأنه تحرك مفاجئ تقوم به مجموعة من العسكريين للسيطرة على السلطة، غالبًا دون مشاركة شعبية واسعة، ودون تقديم مشروع فكري متكامل، وغالبًا ما تكون الدوافع المباشرة مرتبطة بطموحات سلطوية أكثر منها بتطلعات وطنية نابعة من الناس.

إن أبرز الأمثلة على الثورات الشعبية الحقيقية هي الثورة الفرنسية (1789–1799)، التي سبقتها عقود من التمهيد الفكري، قادها مفكرون مثل فولتير وروسو ومونتسكيو، وأسّست لوعي شعبي جديد قائم على قيم الحرية والعدالة والمساواة. ولم يكن الجيش الفرنسي في طليعة هذا التغيير، بل على العكس، سعى في بداياته للدفاع عن النظام الملكي القائم.

وكذلك الثورة الأمريكية (1775–1783)، التي قادتها نخب مدنية وسياسية مثقفة، وارتكزت على أفكار الفيلسوف جون لوك حول الحقوق الطبيعية والعقد الاجتماعي.

 

أما الثورة البلشفية في روسيا عام 1917، فقد نشأت عن نضال طويل خاضه مفكرون ثوريون أمثال ماركس ولينين، وشهدت تعبئة جماهيرية واسعة للعمال والفلاحين، وتمثل بذلك نموذجًا ثوريًا فكريًا وتنظيميًا متكاملًا.

وعند مقارنة تلك الثورات الكبرى بالانقلابات التي شهدتها بعض الدول العربية، يتضح أن الأخيرة افتقرت إلى التمهيد الفكري والشعبي. ففي العراق (1958)، واليمن (1962)، وليبيا (1969)، انطلقت التغييرات من قلب المؤسسة العسكرية، دون سابق إنذار، ودون مشاركة جماهيرية منظمة أو مشروع فكري واضح. وغالبًا ما كانت تعبيرًا عن صراعات داخل النخبة أو طموحات سلطوية لمجموعات محددة، وليس تعبيرًا عن تطلعات مجتمعية ناضجة.

وهذا ما يفسّر لماذا لم تفضِ تلك الانقلابات إلى بناء دول ديمقراطية مستقرة، بل أدت في كثير من الأحيان إلى الاستبداد، أو إلى دورات جديدة من العنف والفوضى، نتيجة غياب الشرعية الشعبية، والفكر المؤسس، والبرنامج الوطني المتكامل.

لسنا هنا في معرض إصدار الأحكام القطعية أو النيل من نوايا من قادوا تلك التحركات، فلكل سياقه وظروفه، ولكننا نعيد التذكير بأهمية التمييز بين التغيير الذي ينبع من فكر وشعب، والتغيير الذي يُفرض من أعلى دون مشاركة المجتمع. فالكلمات ليست محايدة، والمصطلحات تصنع الذاكرة الجمعية، وتشكل طريقة فهمنا للماضي واستشرافنا للمستقبل.

 

ولذلك فإن إعادة توصيف ما جرى في بعض بلداننا، وقراءته بأدوات التحليل السياسي والاجتماعي الحديثة، ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة لفهم ما حدث، ولماذا أخفقت تلك التحولات في بناء أوطان مستقرة وعادلة، على الرغم من الوعود الكبرى التي صاحبتها.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • متحف ملوي ينظم ورشة حكي احتفالا بـ اليوم العالمي للصداقة
  • ما وراء الخبر يناقش أهداف زيارة الرئيس الإيراني لباكستان
  • الترجي التونسي يقرر معاقبة نجمه الجزائري يوسف بلايلي
  • وقفة بين الثورات الشعبية والانقلابات العسكرية
  • مطعم سعودي يقدم الأطباق الشعبية للزوار والسياح في باريس‬⁩..فيديو
  • الحركة الشعبية تدعو "حكام الجزائر" إلى "استيعاب عمق ونبل الرسالة الملكية"
  • بسمة وهبة: تظاهرات تل أبيب من إحدى عجائب الدنيا.. فيديو
  • فتح الجسر الشرقي لجامع الجزائر بداية من اليوم 
  • فصائل فلسطينية في بيان مشترك: اليوم التالي لانتهاء العدوان على غزة هو يوم فلسطيني بامتياز
  • فتح: المظاهرات أمام السفارة المصرية في تل أبيب مؤسفة