حياتنا عبارة عن تجارب متراكمة عبر السنين التي نقضيها في هذه الحياة الدنيا، ولا يوجد كائن عاقل لم يمر بكثير من التجارب ، وأشير هنا إلى كلمة عاقل؛ على اعتبار أنه المستفيد الأكبر من هذه التجارب، فالكائنات غير العاقلة؛ هي موجهة بفعل غريزتها - وفق خلق الله لها - أما الإنسان فهو المسنودة تصرفاته بالعقل الذي يحمله بين جوانحه، ويصوب مختلف ممارساته؛ مع بقاء الخيار المتاح لسلوكياته (وهديناه النجدين) وفق نص الآية الكريمة، ولأهمية هذه التجارب فإنها تظل الزيت الذي نستمد منه الاستمرار في العطاء، وهو الذي يضيء لنا الكثير مما قد يخفى علينا، ومما لا ندرك كنهه لولا استحضارنا الدائم للتجارب والمواقف التي مررنا عليها، واستفدنا بها، لكي نوظفها في حياتنا اليومية.
ولذلك نلاحظ الفروقات الشاسعة بين فردين: قضى أحدهما الجزء الكبير من عمر الحياة، والآخر للتو يبدأ مسيرة حياته، هذه الفروقات تظهر في كثير من التصرفات، وفي كثير من اتخاذ المواقف والقرارات، وفي الكثير من المعالجات لمختلف القضايا والمشكلات، ذلك؛ لأن الأول ينطلق من خبرة شهدت الكثير من الأحداث؛ سواء على مستواه الشخصي، أو على المستوى العام من حوله، ولذلك هو مستفيد من كل ذلك، أو على الأقل من كثير مما يحدث حوله، أما الآخر والذي يبدأ خطواته الأولى، فإنه سوف يلازمه الكثير من التعثر في تصرفاته، وفي مواقفه، وفي قراراته، لأن الرصيد الذي يستند إليه قليل جدا، لا يتيح له اتساع الرؤية لمساحة الحركة والتصرف، ومع ذلك قد يُقَيِّمُ البعض أن التجارب - في بعض الأحيان - معيقة، وذلك للأثر السلبي الذي تتركه في حياة الفرد، وهذه؛ من منظور آخر؛ قد تكون نادرة الحدوث، فلو تعرض شخص ما لأذى جسدي أو لفظي - على سبيل المثال - لأنه تدخل في إصلاح بين شخصين، فإنه لن يكرر ذلك الجهد مرة أخرى، وقد يردد مقولة: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» ولأن ردات الفعل السلبية لمختلف المواقف والتجارب هي حالات نادرة، فلا يجب أن تؤخذ منهجا أو متكًأ، تكون قابلة للتعميم، فهي حالة ينظر إليها في حينها، ويراعى الحكم في ظرفيتها الآنية فقط، ولا أكثر، ويبقى الحكم العام؛ أن التجارب التي يعيشها الفرد لها مردود إيجابي كبير، ومن لم يستفد من تجاربه؛ فهو واقع في مأزق آخر؛ يشكل الإدراك فيه دورا كبيرا. وعندما نضرب مثالا أكبر شمولية؛ مثل الوظيفة - على اعتبار أن جميعنا في سن معين قد مررنا بهذه التجربة - فإننا علينا نصح من هم لا يزالون على كراسي الوظيفة، على أن الوظيفة ليست عبئا بالمطلق، بل هي تجربة حياة رائعة، يمتزج فيها الواجب الوطني المقدس، بالحاجة لاحترام الذات وتقديرها، وعدم السماح بإراقة الوجه الإنساني للابتذال، وبخدمة أفراد المجتمع بكل أطيافه دون المساس بقدسية الوظيفة، وإذن الوظيفة بهذا المعنى هي حياة زمنية رائعة تتجاوز حمولتها الفيزيائية من حيث الجهد المادي المبذول في لحظات فترتها الزمنية، ولذلك كنا - ومن خلال تجربة شخصية - لا ننظر إلى الزمن المستقطع في أدائها بتلك الحدية المطلقة نبدأ في الساعة الفلانية؛ وننهي واجبنا في الساعة الفلانية؛ إطلاقا؛ ولذلك استحوذت علينا الوظيفة العمر الزمني بكثير من السخاء، فتجاوزنا في حاضنتها الساعات السبع الرسمية المطلوبة، وطبعا؛ كل حسب اختصاصه، ومسؤولياته، وتذهب ذات المقاربة إلى تجربة تكوين الأسرة، وتجربة خدمة المجتمع، وتجارب السفر، وغيرها الكثير التي يعرفها الناس، ففي مجمل تجارب الحياة التي نخوضها تبقى رصيدا معنويا، وماديا، لا يختلف عليه اثنان.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
لفتيت: برنامج النقل الحضري الجديد يشكل قطيعة مع التجارب السابقة
زنقة 20 ا الرباط
أكد وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، أن وزارة الداخلية وضعت برنامجا جديدا للنقل الحضري بواسطة الحافلات للفترة 2025/2029 ، سعيا منها لبناء منظومة تنقلات حديثة وعصرية تستجيب للتحديات والإكراهات التي يواجهها قطاع النقل العمومي ولتوفير خدمة مستدامة وعالية للمرتفقين.
و أوضح لفتيت ، خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، أن النسخة الأولى من هذا البرنامج تخص 37 سلطة مفوضة و18 جماعة و12 مؤسسة للتعاون بين الجماعات و7 جماعات ترابية، مما سيمكن من تغطية 84 مدينة وتكتل عمراني.
و ذكر أن المبادئ الأساسية لهذا البرنامج والذي يشكل قطيعة مع كل التجارب السابقة، تتمثل في الفصل بين وظيفتي الإستثمار والاستغلال، التكفل الشامل بكل مكونات الاستثمار من طرف السلطات المفوضة، واعتماد أساليب عصرية وحديثة لتتبع العقود كالمنصات الرقمية.
وتبلغ الكلفة الإجمالية، للإستثمارات المخصصة لهذا البرنامج بحسب لفتيت، 11 مليار درهم، وتهم كافة مكونات التدبير المفوض من اقتناء الحافلات 3640 حافلة وأنظمة المساعدة على الاستغلال وإعلام المرتفقين وأنظمة التذاكر، فضلا عن تهيئة المستودعات ومحطات توقف الحافلات، وأعمدة التوجيه ومراكز الصيانة”.
ولتفعيل هذا البرنامج، يؤكد وزير الداخلية، فقد تم التوقيع على الإتفاقية المتعلقة بالتركيبة المالية للبرامج المخصصة لتغطية تكاليف الإستثمار والتي ستتم من خلال مساهمات الجهات في حدود الثلث ومساهمة صندوق مواكبة الإصلاحات النقل الحضري ورابط بين المدن في حدود الثلثين مع الرفع من المساهات السنوية لكل من وزارة الداخلية ووزارة الاقتصاد والمالية في الصندوق السالف الذكر من مليار درهم إلى مليار ونصف درهم ليصل مجموع المساهمات سنويا إلى 3 ملايير د رهم بدل مليارين معتمدين سنويا”.
وسيتم تنزيل هذا البرنامج على ثلاثة مراحل : المرحلة الأولى تخص ست سلطات مفوضة وستمكن من تغطية 23 مدينة وتكتل عمراني، حيث تم اتخاذ التدابير التالية: الإعلان عن طلبات العروض فيما يخص المساعدة على الإشراف على المشروع من طرف السطات المفوضة المعنية بمدن مراكش فاس أكادير بن سليمان طنجة وتطوان، حيث تم تعيين مكاتب دراسات نائلة الصفقة بكل من مدن مراكش طنجة وأكادير وتطوان، أما بالنسبة لمدينة فاس بن سليمان فسيتم فتح الأظرفة على التوالي يومي 4 و16 يونيو 2025″.
وتابع أنه سيتم الإعلان عن طلب العروض الخاص باقتناء الحافلات من طرف شركات التنمية المحلية المعنية بمدن مراكش وأكادير وطنجة، وذلك لاقتناء 1317 حافلة، حيث تم اختيار الشركات نائلة الصفقات بالنسبة للعروض المقدمة التي تخص 968 حافلة أي بسنبة 73 بالمائة، كما سيتم إعادة الإعلان عن طلب العروض لاقتناء الحافلات المتبقية والبالغة عددها 349 حافلة والتي لم تتم تغطيتها إما لعدم وجود عرض أو الاستجابة لعرض الشروط التقنية أو المالية”.