ذوو الإعاقة جزء من مجتمعنا
تاريخ النشر: 21st, December 2024 GMT
د. أحمد أبوخلبه الحضري
يعد ذوو الإعاقة جزءًا لا يتجزأ من نسيج المجتمع، وهم ليسوا مجرد فئة بحاجة إلى الدعم والمساعدة، بل هم أفراد يمتلكون قدرات ومهارات قد تفوق في بعض الأحيان ما يملكه الأصحاء. ولهذا يجب أن نمنحهم الاهتمام والرعاية التي تليق بهم اجتماعيًا ونفسيًا، مما يعزز مشاركتهم الفاعلة في المجتمع.
في هذه الأسطر، سأتناول أهمية الاهتمام بذوي الإعاقة اجتماعيًا ونفسيًا، ونسلط الضوء على الدور الرائع الذي توليه سلطنة عمان في دعم هذه الفئة، بالإضافة إلى أهمية دمجهم في المجتمع وكيف يمكننا أن نكون سندًا لهم في مواجهة التحديات التي يواجهونها.
إن الاهتمام بذوي الإعاقة لا يقتصر على الجانب الصحي أو الجسدي فقط، بل يمتد ليشمل الجوانب الاجتماعية والنفسية التي تؤثر بشكل كبير على حياتهم. من المهم أن نعمل على دمجهم في المجتمع وتوفير بيئات شاملة تتيح لهم المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والتفاعل مع الآخرين. فالإعاقة ليست عائقًا أمام الإبداع والنجاح، وإنما غالبًا ما تكون فرصة لتطوير مهارات وطاقات كامنة.
من الناحية النفسية، يحتاج ذوو الإعاقة إلى دعم نفسي يساعدهم على تجاوز التحديات التي يواجهونها. قد يكون الضغط النفسي الناتج عن التمييز الاجتماعي أو عدم الفهم من قبل الآخرين أحد أكبر التحديات التي يعانون منها. لذلك، من الضروري أن نكون داعمًا لهم في بناء ثقتهم بأنفسهم وتعزيز روحهم المعنوية.
في سلطنة عمان، هناك اهتمام كبير بذوي الإعاقة على مختلف الأصعدة. فقد قامت الحكومة العمانية بإطلاق العديد من المبادرات والبرامج التي تهدف إلى دمج ذوي الإعاقة في المجتمع وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية والوظيفية التي تساعدهم على تحقيق إمكاناتهم.
فعلى سبيل المثال ماتوليه وزارة التنمية الاجتماعية وفروعها في المحافظات لرعاية الأشخاص ذوي الإعاقة لما من شأنه توفير بيئة شاملة تدعم ذوي الإعاقة في كافة المجالات، من الرعاية الصحية، إلى التعليم، وصولاً إلى التوظيف. كما تشجع السلطنة على موائمة التشريعات لتكون أكثر مرونة في تلبية احتياجات هذه الفئة، وتوفير الفرص المتساوية لهم في مختلف المجالات.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الأنشطة الرياضية والثقافية التي تُنظم خصيصًا لذوي الإعاقة، مما يعزز اندماجهم الاجتماعي ويتيح لهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم وتطوير مهاراتهم.
من المهم أن نتذكر أن ذوي الإعاقة ليسوا عبئًا على المجتمع، بل هم أشخاص ذوي قدرات خاصة يمكن أن يكون لديهم مهارات ومواهب تفوق بعض الأصحاء وهذا ما لمسته من خلال عملي كطبيب عيون ولقائي المتكرر مع الإخوة المكفوفين .
قد يواجه ذوو الإعاقة تحديات جسدية أو عقلية، ولكنهم غالبًا يمتلكون إبداعًا وقدرات فكرية متميزة في مجالات مثل الرياضة، الفنون، التكنولوجيا، والعديد من المجالات الأخرى.
على سبيل المثال، العديد من الرياضيين ذوي الإعاقة قد حققوا إنجازات عالمية في الألعاب الأولمبية لذوي الإعاقة، ما يثبت أن الإعاقة لا تمنع التفوق والنجاح. علاوة على ذلك، نجد العديد من الفنانين والمبدعين الذين أضافوا بصمتهم الخاصة في مجال الفن والموسيقى، مما يعكس مدى تنوع مهاراتهم وقدراتهم.
من المؤسف أن بعض أفراد المجتمع قد يكونون سببًا في تفاقم معاناة ذوي الإعاقة، ليس من خلال إعاقة جسدية أو عقلية، ولكن من خلال المواقف السلبية أو التعليقات الجارحة التي تؤثر على حالتهم النفسية. إن التمييز والتهميش يمكن أن يؤدي إلى زيادة الشعور بالعزلة والاكتئاب، مما يؤثر على حياتهم بشكل كبير.
نحن كمجتمع مسؤولون عن توفير بيئة داعمة تتيح لهم التعبير عن أنفسهم بحرية وكرامة. يجب أن نكون أكثر وعيًا بمشاعرهم واحتياجاتهم، وألا نكون سببًا في زيادة عبء حياتهم اليومية.
إن دعم ذوي الإعاقة لا يعني فقط تقديم المساعدة المادية أو الطبية، بل يشمل أيضًا الدعم النفسي والمعنوي. يمكن أن نكون سندًا لهم من خلال الاستماع إلى احتياجاتهم، تشجيعهم على تطوير مهاراتهم، و مساعدتهم على التغلب على تحديات الحياة اليومية.
من خلال تغيير مواقفنا وتقديم الدعم المستمر، يمكننا أن نساعد في تعزيز ثقتهم بأنفسهم، مما يمكنهم من المساهمة الفعّالة في المجتمع.
فالدمج الاجتماعي للأشخاص ذوي الإعاقة ليس فقط حقًا إنسانيًا، بل هو أيضًا توجه عالمي يتبناه العديد من الدول والمنظمات الدولية. يشمل هذا التوجه ضمان وصولهم إلى التعليم والعمل، و الأنشطة الاجتماعية دون تمييز أو عوائق. من خلال دمجهم في المجتمع، نساهم في بناء مجتمع متنوع يستطيع الاستفادة من إمكاناتهم وقدراتهم الخاصة.
إنَّ دمج ذوي الإعاقة في جميع جوانب الحياة يعزز من إحساسهم بالانتماء ويشجعهم على المشاركة الفعّالة في بناء المجتمع. كما أن هذا الدمج يعود بالنفع على المجتمع ككل، من خلال تعزيز التنوع وتحقيق التوازن الاجتماعي
لا يمكننا أن نغفل عن الدعم النفسي الذي يحتاجه أسر ذوي الإعاقة. إن الأعباء النفسية والاجتماعية التي تتحملها الأسر قد تكون كبيرة للغاية، حيث يحتاج الأهل إلى دعم نفسي مستمر لمساعدتهم على التعامل مع التحديات اليومية. يجب أن يتم تقديم برامج دعم للأسر تساعدهم على التكيف مع الوضع وتوفير بيئة صحية وآمنة لأطفالهم.
إن ذوي الإعاقة هم جزء لا يتجزأ من مجتمعنا، ويستحقون كل الدعم والاهتمام من الناحيتين الاجتماعية والنفسية.
من واجبنا أن نكون سندًا لهم، وأن نعزز قدراتهم ومهاراتهم بدلاً من أن نكون سببًا في معاناتهم النفسية. فلنعمل معًا من أجل مجتمع شامل ينعم فيه الجميع، بما في ذلك ذوي الإعاقة، بحياة كريمة ومزدهرة.
مؤخرا كان لي الشرف المشاركة ضمن فريق فني لوضع تصور للخدمات المتكاملة لذوي الإعاقة مع فريق رائع من جهات مختلفة بمحافظة ظفار وإن شاء الله نصل إلى تصور يكون نموذجاً لبقية المحافظات.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مركز التعلّم بـ الموج مسقط.. يُعزّز حضور المتحف الوطني في المجتمع ويُقدّم تجربة تعليميّة تفاعليّة
/العُمانية/ يمثّل "مركز التعلّم" بالموج مسقط، التابع للمتحف الوطني، خطوةً استراتيجية نحو توسيع نطاق الوصول إلى المجتمع، وتعزيز حضور المتحف ثقافيًّا خارج مقره الرئيس، ويُعد نموذجًا متقدّمًا في مجال التربية المتحفيّة، وإيجاد بيئات ثقافية حية قادرة على استيعاب تطلعات الأفراد وتعزيز ارتباطهم بالموروث الثقافي لسلطنة عُمان، بما ينسجم مع توجهات سلطنة عُمان في جعل الثقافة جزءًا لا يتجزأ من التنمية الشاملة، وبناء إنسان متصل بجذوره ومنفتح على العالم، إذ يوظّف أساليب تفاعلية مستوحاة من مقتنيات المتحف، تجمع بين التعليم، والفن، والترفيه، بما ينسجم مع احتياجات شرائح متنوعة من المجتمع المحلي والزوار الدوليين على حد سواء.
وقالت أمينة بنت عبد الله العبرية، رئيسة قسم مركز التعلّم: "إن مركز التعلّم بالموج مسقط يهدف إلى تقديم تجربة تعليمية مزدوجة للزوار من مختلف الجنسيات، ويسهم في توسيع دائرة الجمهور المستهدف؛ إذ تُقام فيه فعاليات متنوعة تشتمل على حلقات عمل فنية للكبار، وحلقات تدريبية لطلبة الجامعات والكليات، وعروض مسرحية للأطفال، مما يسهم في تقديم تجربة تعليمية وثقافية متميزة ومتكاملة للأطفال ولكافة أفراد الأسرة".
وأضافت: "يقدم المركز فقرة "الحكواتي" ضمن سلسلة أدب الطفل من خلال قراءة السلسلة القصصية (سلطنة عُمان في الزمان والمكان) وهي عبارة عن (٦) قصص باللغة العربية، موجّهة خصيصًا للأطفال وطلبة الحلقة الأولى، وتُبرز مراحل مهمة من حياة شخصيات عُمانية تاريخيّة عاشت في أزمنة وأمكنة مختلفة، بين القرن الثاني الهجري والقرن العشرين الميلادي، كما يقدم برامج فنية متخصصة لفئة الأشخاص من ذوي الإعاقة، تسهم في دمجهم وتمكينهم من المشاركة الفاعلة في المجتمع، بما يعزز الفهم والمعرفة لديهم في المجال المتحفي".
وأشارت إلى أن مركز التعلّم بالموج مسقط، وبدعم من شركة (بي بي عُمان)، نفّذ فعاليات البرنامج الصيفي "صيفنا إرثٌ وهويةٌ"، من خلال حلقات عمل فنية متخصصة استمرت أسبوعين، خلال الفترة (من 13 إلى 24 يوليو 2025م). وقد استُوحي محتوى كل حلقة من أحد مقتنيات المتحف أو مما يرتبط بالموروث العُماني، لتكون نقطة انطلاق للطلبة في تنفيذ مشروعاتهم الفنية، باستخدام خامات متعدّدة مثل الورق، والطين، والألوان، والنسيج. ولا تقتصر أهمية البرنامج على الجانب المعرفي فحسب، بل تمتد إلى غرس الهوية الوطنية، وربط الطلبة برموز وتاريخ عُمان.
وبلغ إجمالي عدد المستفيدين من أنشطة وبرامج فرع مركز التعلّم بالموج مسقط، خلال الفترة من تأسيسه في عام (2023م) حتى (نهاية يوليو 2025م) (3657) مستفيدًا، مما يعكس الإقبال المتزايد على المبادرات الثقافية والتعليمية التي يقدمها المركز، ويؤكد على حضور المتحف الوطني في الفضاء المجتمعي خارج مقره الرئيس.
ومنذ بداية العام الجاري استضاف المركز حلقة فنية حول رسم الطبيعة العُمانية بألوان الباستيل، قدمتها الفنانة الأمريكية "مادلين دياز"، وشارك فيها عدد من الطلبة الذين عُرضت أعمالهم لاحقًا في المعرض الفني "مسارات جديدة" في المتحف الوطني، وهو ما يعكس التكامل بين البرامج التعليمية والمعارض الفنية، كما شهد تنظيم سلسلة من العروض المسرحية بالتعاون مع "موسكو ليزا بارك"، ومسرح الأطفال "سكازكين دوم".
يشار إلى أن مركز التعلم بالمتحف الوطني يُعد الأول من نوعه في سلطنة عُمان، وهو مجهّز وفق أعلى المقاييس الدولية، ويقدّم برامج تعليمية متنوعة تهدف إلى رفع الوعي العام بالتراث العُماني، وتشمل برنامج الزيارات المدرسية، وبرنامج طلبة الجامعات والكليات، وبرنامج العائلات، وبرنامج التعليم المستمر، وبرنامج الأشخاص من ذوي الإعاقة، وبرنامج قراءات في أدب الطفل، وبرنامج التوعية المجتمعية، مما يوجد المزيد من الاهتمام بين جميع الزوار بالتاريخ الثقافي العريق لعُمان.