كيف يمكن محاكمة بشار الأسد رغم اللجوء في روسيا؟
تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT
#سواليف
أفادت تقارير حقوقية وإعلامية خلال الأيام الماضية بالعثور على #مقابر_جماعية خارج العاصمة السورية #دمشق، وتضم نحو 100 ألف جثة لأشخاص تقول التقارير إن نظام الرئيس المخلوع #بشار_الأسد مسؤول عن تعذيبهم وقتلهم.
وأشارت التقارير إلى أن منطقة القطيفة (40 كيلومترا عن دمشق) تضم واحدة فقط من عدة مقابر جماعية استخدمها النظام السابق على مدى سنين للتخلص من معارضيه، وذلك ضمن سياسة ممنهجة منذ عام 2011 عندما اندلعت #ثورة_شعبية مطالبة بتغيير النظام.
سجل بالاتهامات
وتكمن الخطوة الأساسية في محاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم في تحريك الدعاوى المناسبة أمام المحاكم المختصة بالتحقيق في مثل هذه الانتهاكات، ومن ثم بدء التحقيق في الجرائم المنسوبة إليهم.
وقالت مقررة الأمم المتحدة المعنية بمناهضة التعذيب أليس جيل إدواردز إن الجميع يعرف أن نظام الأسد كان يستخدم عمليات #التعذيب ضد آلاف #المعتقلين والسجناء، وهذه الأساليب شملت الصعق بالكهرباء والاعتداءات الجنسية.
وفي مقابلة مع الجزيرة مباشر، أكدت إدواردز أنها أعدت سجلا كاملا بهذه الاتهامات، وتضمن الوقائع والأمثلة التي قام بها الأسد، كما أشارت إلى أنها التقت ممثلين عن المحكمة الجنائية الدولية من أجل إحقاق العدالة وتعويض الضحايا والناجين.
ودعت المقررة الأممية الأسرة الدولية وأي جهة ذات صلة بجرائم نظام الأسد إلى إنشاء محكمة عليا لمحاكمة المسؤولين الضالعين في هذه الجرائم أو تسليمهم إلى سوريا.
كما قالت إن روسيا التي تحتضن الأسد حاليا (بعد أن منحته حق اللجوء) ملزمة بموجب القانون الدولي بمحاكمة بشار الأسد أو تسليمه إلى السلطات السورية الجديدة.
#توثيق_الجرائم
ومنذ عام 2011، نحت انتهاكات النظام في سوريا منحى تصاعديا ضد المدنيين الذين خرجوا في مظاهرات تطالب بتحسين أوضاعهم المعيشية بداية، لكنها تحولت إلى مطالبات بتغيير النظام كله أمام آلة العنف التي أطلقها على المتظاهرين، لذلك نشطت العديد من المراكز الحقوقية والبحثية في توثيق هذه الجرائم.
ويقول مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني إنه “على مدى 14 عاما عملنا على توثيق العديد من الجرائم وسلسلة الأوامر التي لا يمكن تنفيذها إلا عن طريق مباشر من بشار الأسد، مثل عمليات القصف والقتل واستخدام البراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في #سوريا”.
وأكد فضل -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن هناك أطنانا من الأدلة التي توثق مئات آلاف الحوادث، إضافة إلى آلاف الوثائق من النظام نفسه، ومن ثم “فليس لدينا شك في أنه ستتم محاسبة بشار الأسد وإدانته بالأدلة، وذلك عبر محاكمة عادلة ولن نقبل أن يتعرض للتعذيب أويتم إخفاؤه قسريا كما فعل مع عشرات آلاف السوريين”.
وأشار مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى أنه يجب على السلطات الجديدة في سوريا القيام بما يلي:
أولا- وضع دستور جديد للبلاد.. لأن الدستور الحالي وضعه النظام على نحو ينتهك حقوق الإنسان، كما أنه يجمع كل السلطات في يد السلطة التنفيذية التي يمثلها الرئيس.
ثانيا- تعديل وضع المحاكم في سوريا، فهي غير مؤهلة ولا يوجد لديها اختصاص بالنظر في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي تورط فيها الأسد، لأنه عمليا كان رئيس المجلس الأعلى للقضاء وينوب عنه وزير العدل، كما يعين قضاة المحكمة الدستورية العليا، فتصبح كلها سلطة دكتاتورية مطلقة.
ثالثا- مصادقة السلطات الجديدة على اتفاقية روما للمحكمة الجنائية الدولية، مما يدخل سوريا ضمن اختصاص هذه المحكمة، وبالتالي تتفاعل مع الجرائم التي ارتكبت في سوريا ومحاسبة المسؤولين عنها.
مسارات #محاكمة_الأسد
يمثل عدم توقيع كل من روسيا وسوريا على “ميثاق روما” الذي على أساسه شُكلت المحكمة الجنائية الدولية عام 1998 عقبة أمام خضوع نظام بشار الأسد لاختصاصات هذه المحكمة، ومن ثم اللجوء إلى مسارات أخرى لمعاقبة مرتكبي الجرائم في حق السوريين.
ويوضح هذه المسارات أستاذ القانون الدولي بالجامعة العربية الأميركية رائد أبو بدوية بقوله “إذا تطرقنا إلى مجال المحاسبة عبر الأدوات الدولية فهناك أكثر من طريق، لكن المسار الأكثر جدية من وجهة نظري والأكثر فاعلية هو أن يحيل مجلس الأمن الدولي الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية”.
وفي مقابلة مع الجزيرة نت، يشرح أبو بدوية أهمية هذا المسار بأنه يعوّض عدم كون سوريا عضوا في ميثاق روما، كما أن تحريك مجلس الأمن لهذه يعد من اختصاصات المحكمة وهو ما يسمح به ميثاق روما وبما يتيح إحالة ملفات تتعلق بالجرائم المنصوص عليها في هذه المعاهدة، سواء ما تعلق منها بجرائم الحرب أو جرائم الإبادة أو حتى الجرائم الدينية.
لكن المشكلة أمام هذا الخيار ستبقى متمثلة في حق النقض (الفيتو) الذي قد تستخدمه روسيا من أجل إسقاط أي قرار في مجلس الأمن يتعلق بمعاقبة بشار الأسد ونظامه، لكن أستاذ القانون الدولي يقول إن روسيا قد تقرر في النهاية التخلي عن حماية الأسد وتحقيق مصلحة روسية مقابل أثمان سياسية تجنيها من الغرب، سواء من الأوروبيين أو الولايات المتحدة.
أما عن المسارات الأخرى، فيرى أبو بدوية أنه إذا أثبتت الأدلة المكتشفة حديثا أو التي يُتوقع أن تكتشفها الحكومة الجديدة في المرحلة المقبلة، مثل حالات الإعدام الجماعية أو التعذيب أو إخفاء الجثث في مقابر جماعية، بما يشكل كمًّا كبيرا من الانتهاكات، فإن ذلك يوفر فرصة للذهاب نحو محكمة العدل الدولية، وهو المبدأ الذي استندت إليه جنوب أفريقيا في الدعوى ضد إسرائيل.
أما أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس بالرباط تاج الدين الحسيني فيضيف مسارا آخر بعيدا عن المستويات الدولية، فيرى أن هناك إمكانية لمتابعة بشار الأسد ضمن إطار القانون المحلي للدول، وسواء في ذلك الدول التي قد يطأ ترابها أو الدولة التي ينتمي إليها.
ويضيف الحسيني -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن هناك اتفاقية يمكن أن يستغلها الآن نظام الحكم الجديد في سوريا، وهي اتفاقية موقعة بين كل من سوريا وروسيا عام 2022 وتتعلق بتسليم المطلوبين، وفي هذه الحالة يحق لسوريا إذا قررت محاكمة بشار الأسد أن تقدم طلبا لروسيا عن طريق هذه الاتفاقية لأنها معاهدة دولية، وسيادة الدولة لا تتوقف بسبب وجود ثورة أو انقلاب عسكري.
اللجوء في روسيا
أما في ما يتعلق بالحماية التي قد توفرها روسيا لبشار الأسد بعد أن منحته حق اللجوء إليها، فإن ذلك فيه تفاصيل قانونية كثيرة، سواء من الناحية الشكلية أو حسب القوانين الدولية.
ولذلك يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس إن القرار الذي اتخذه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقبول ما أسماه اللجوء لأسباب إنسانية بالنسبة لبشار الأسد يعد من الناحية الشكلية قرارا ذا طبيعة سياسية، لأنه صدر عن رئيس الدولة الروسية ولم يمر باللوائح الإدارية التي تشترطها طلبات اللجوء السياسي إلى بلدان أخرى، وبالتالي فإن هذا القرار يدخل في خانة الاختصاصات المخولة لرئيس الدولة ليقوم بها في مثل هذه الحالات.
وأضاف الحسيني أن هذا اللجوء من الناحية القانونية غير مقبول، “لأننا إذا أخذنا في الاعتبار مقتضيات المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تعطي حق اللجوء في حالة وجود اضطهاد أو أسباب ذات طبيعة إثنية أو عرقية أو لصراعات معينة، فإنها لا تصح بالنسبة للأشخاص المتابَعين بجرائم ضد الإنسانية أو جرائم التعذيب أو جرائم الإبادة وغيرها من الجرائم المنصوص عليها في سجل المحكمة الجنائية الدولية”.
وتوصل أستاذ العلاقات الدولية في الأخير إلى إن “وضعية بشار الأسد تدخل في إطار اعتباره مجرم حرب، أي ارتكب أفعالا ليست فقط ذات طبيعة تدخل ضمن القانون الجنائي، ولكنها تخضع لطائلة القانون الدولي الإنساني وجرائم التعذيب والإبادة الجماعية وغيرها من الاتفاقيات المنصوص عليها من قبل الأمم المتحدة”.
ومنها على سبيل المثال اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، وهي اتفاقية وافقت عليها كل من سوريا وروسيا التي تستضيف بشار الأسد، و”بالتالي من المفترض تسليم المتهم بمثل هذه الأفعال إلى المحكمة الجنائية الدولية”.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف مقابر جماعية دمشق بشار الأسد ثورة شعبية التعذيب المعتقلين توثيق الجرائم سوريا محاكمة الأسد المحکمة الجنائیة الدولیة القانون الدولی بشار الأسد فی سوریا
إقرأ أيضاً:
كيف تظهر تسريبات بشار الأسد أسلوب عمل النظام السوري المخلوع؟
دمشق (زمان التركية)ــ لقد أعاد التسريب الأخير الذي بثته قناة العربية لسلسلة من مقاطع الفيديو التي تُظهر بشار الأسد في محادثات صريحة، فتح الباب أمام أسئلة قديمة حول كيفية عمل نظامه السابق ــ وربما لماذا انحدرت سوريا إلى مثل هذا الصراع المدمر.
ويظهر الأسد في تسريبات العربية، قبل الإطاحة به في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، وهو يطلق تصريحات ازدرائية حول السوريين وسوريا نفسها والغوطة الشرقية وحتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أثناء حديثه على انفراد مع مستشارته الراحلة لونا الشبل.
وفي حين لم تتحقق الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع من صحة اللقطات، يقول المحللون إن هذه المواد تتسق مع أنماط سلوك الدائرة الداخلية للأسد: اتخاذ القرارات الشخصية، والهوس السردي، وعقلية الحصار المتجذرة.
وقال إبراهيم حميدي، رئيس تحرير المجلة، وهو من سوريا، في تقرير لصحيفة عرب نيوز: “هذه الفيديوهات لا تخبر السوريين بأي شيء جديد في الواقع، بل إنها تكشف بكل وضوح ما يعرفه الناس وعاشوه لعقود من الزمن”.
أضاف “ما يلفت انتباهي هو اللامبالاة والازدراء الذي يظهره تجاه كل شيء: شعبه، ومدنه، وحلفائه، والشعور بأن السلطة هي ميراث، وليست مسؤولية.”
وفي أحد المقاطع، عندما سألته الشبل عن شعوره تجاه حالة سوريا، قال الأسد إنه لا يشعر بالخجل فحسب، بل “بالاشمئزاز”، مضيفًا أن هذه “بلادنا”، معبرًا عن الاشمئزاز بدلاً من المسؤولية.
وفي مقطع آخر يقول إنه عندما ينظر إليه السوريون في وجوههم فإنه “يحبهم” ولكنه في الوقت نفسه “يشعر بالاشمئزاز منهم”، مما يكشف عن وجهة نظر ساخرة للغاية تجاه شعبه.
ويظهر أيضًا وهو يسخر من السوريين العاديين بسبب أولويات إنفاقهم، قائلاً إنهم ينفقون الأموال على المساجد رغم أنهم “لا يستطيعون تحمل تكاليف الطعام”.
تظهر في المقطع عدة لقطات من جولة في الغوطة الشرقية ومحيطها، أثناء أو بعد استعادة المنطقة في عام 2018. ويُسمع الأسد وهو يلعن الغوطة، مشيرًا إلى منطقة عانت لسنوات من الحصار والقصف.
قال غسان إبراهيم، الخبير في الشؤون السورية ومؤسس الشبكة العربية العالمية: “أظهرت هذه الفيديوهات أن الأسد ديكتاتور ضعيف. حاول أن يُصوّر نفسه كشخصية قوية، لكن كل هذه الفيديوهات أظهرت سهولة تلاعب مساعده، مسؤوله الإعلامي، به”.
وفي مقطع فيديو آخر، يبدو الأسد ساخرا من مظهر الرئيس الروسي، على الرغم من أن موسكو كانت حليفته الرئيسية في زمن الحرب.
وعندما لفت الشبل انتباهه إلى شكل بوتين “المنتفخ”، رد الأسد بأن الأمر “كله إجراءات” أو “كله عمليات جراحية”، في إشارة إلى أعمال تجميل واسعة النطاق.
وتتسم نبرة هذه التبادلات بالعفوية والسخرية، حيث تصور الأسد وكأنه يقلل من شأن مظهر بوتن في الخفاء بينما يشكره علناً.
قال الكاتب والخبير السياسي المصري هاني نصيرة: “إن مثل هذه التصريحات تعكس ازدواجية الأسد المتجذرة. فالرجل نفسه الذي انصاع علنًا لبوتين – الذي حافظ تدخله العسكري على حكم الأسد ووفر له ملاذًا آمنًا – سخر منه سرًا.
“ومن المرجح أن تؤدي هذه التعليقات إلى تآكل أي تعاطف قد يكون لدى بوتن تجاه الزعيم السوري السابق، وتؤكد على ميل الأسد إلى الخيانة، حتى تجاه أولئك الذين عرضوا عليه اللجوء”.
ويتفق حميدي قائلاً: “السؤال الآن: كيف سيرد بوتين؟ خاصةً وأن بشار يقيم في موسكو، وبوتين لا يتسامح بسهولة مع أي إهانة”.
وتظهر الفيديوهات أيضاً الأسد والشبل وهما يتحدثان باستخفاف عن حزب الله والقادة الموالين للنظام.
وقد قدمت وسائل الإعلام الإقليمية تسريبات الأسد باعتبارها تأكيداً على الانتقادات القديمة الموجهة إليه لاحتقاره للسوريين وسخريته من حلفائه، مع اختلاف اللهجة من وسيلة إلى أخرى ولكنها كانت قاسية على نطاق واسع.
وسلطت المنصات العربية الضوء على إهانات الأسد للغوطة والسوريين والجيش، مسلطة الضوء على اشمئزازه من سوريا، واستهزائه بالجنود، باعتبارها رمزا لازدراء متأصل لشعبه.
وشددت وسائل الإعلام الخليجية على سخرية بن سلمان من الشخصيات الموالية له وحلفائه، واستخدمت التسريبات للتأكيد على خيانته المفترضة لأولئك الذين قاتلوا من أجله والتشكيك في رواياته السابقة عن الصمود والمقاومة.
وقد قامت وسائل الإعلام السورية الموالية للمعارضة ووسائل الإعلام في المنفى بتضخيم اللقطات باعتبارها دليلاً إضافياً على إفلاسه الأخلاقي والسياسي وليس كشفاً، مؤكدة أن المحتوى يتناسب مع سنوات الخبرة التي عاشها الأسد في ظل حكمه.
ومن السمات المتكررة في المقاطع المسربة هي عادة الأسد في إصدار أوامر مباشرة إلى رؤساء المخابرات وكبار الضباط والمستشارين، متجاوزاً الوزارات والهياكل الرسمية.
إن اللهجة غير الرسمية ــ جزء منها إحاطة غير رسمية، وجزء منها توبيخ ــ تسلط الضوء على المدى الذي تدور فيه الدولة السورية في عهد الأسد حول الولاء الشخصي.
لقد تظاهر الأسد علناً بأنه مدافع عن الدولة السورية، لكن منذ ذلك الحين تم الكشف عن أنه شخص يكن ازدراءً عميقاً لكل من حوله.
وعلى انفراد، يسخر من مقاتليه المخلصين، ويسخر من أولئك الذين يقبلون يده، ويتحدث عنهم بسخرية – كما لو كان غير قادر على الشعور بالتعاطف الحقيقي مع تضحياتهم.
قال نصيرة “هذا الرجل ينظر إلى سوريا من خلال عدسة السادة والخدم، الحكام والمحكومين”.
بالنسبة للأسد، فإن من قاتلوا من أجله -في سوريا وخارجها – ليسوا سوى مصدر إزعاج. في حديثه العفوي والمريح مع الشبل، يكشف عن نظرة متعالية تجاه الوطن وشعبه، وحتى دائرته المقربة.
وقال حميدي إن مقاطع الفيديو المسربة أزالت الصورة الرسمية وكشفت عن الثقافة السامة لدائرة حاكمة لم تنظر إلى السوريين قط كمواطنين لهم حقوق، بل “كرعايا يتوقع منهم أن يتحملوا أي شيء”.
لسنوات، تحملوا المشاق معتقدين أن الأسد ثابت، جاد، وفوق الفوضى. ما يؤلمهم الآن هو رؤية شخصية مختلفة تمامًا: مهملة، ساخرة، ظاهريًا، لا تكترث لمعاناة الناس.
هذا يُزعزع الرواية التي بنوها في أذهانهم لتبرير ولائهم. وعندما تنهار هذه الرواية، يصبح الدفاع عن كل شيء آخر أصعب.
ويظهر المقطع أيضاً الأسد وهو يركز على التغطية الإعلامية، ويحث المسؤولين على حماية رسائل النظام، وينتقد أولئك الذين سمحوا، في رأيه، بظهور “إشارات متناقضة”.
وتعكس لغته الاستراتيجية المتبعة منذ فترة طويلة في نظامه: إظهار القوة، وإنكار الأخطاء، وإرجاع كل عدم الاستقرار إلى التدخل الخارجي.
من الأنماط الواضحة في جميع المقاطع، تكرار الأسد تصوير أزمات سوريا كجزء من مؤامرة خارجية مُنسَّقة. وسواءً تعلق الأمر بالمعارضة السياسية، أو الانهيار الاقتصادي، أو تحديات ساحة المعركة، فإن موضوع الحصار هو السائد.
وتكشف التعليقات المسربة أنه “بالنسبة لبشار الأسد، لم تكن هناك أبدًا قضية أو رسالة حقيقية – فقط نظام يجب الحفاظ عليه، وعرش يجب حمايته”، كما قال نصيرة.
ورغم الثقة التي تظهر في الأداء، فإن مقاطع الفيديو تكشف عن لحظات من الإحباط، خاصة عندما يوبخ الأسد مستشاريه على سوء إدارة الأوضاع أو يحذر من التنافس داخل الأجهزة الأمنية.
توقيت التسريبات جدير بالملاحظة. فقد أعادت حكومات المنطقة فتح قنوات الاتصال مع دمشق، ويسير إصلاح العلاقات الدبلوماسية ببطء، وتلوح في الأفق مسألة إعادة إعمار سوريا بعد الحرب.
وقال نصيرة: “إن إطلاق الفيديو في الذكرى السنوية لما أطلقت عليه وسائل الإعلام الموالية للنظام “يوم التحرير” – الذي يمثل انهيار حكم الأسد – أكثر رمزية”.
بالنسبة للسوريين، فإن اللقطات ليست كشفاً بقدر ما هي تأكيد على ما عاشه الكثيرون: دولة لا تحددها المؤسسات ولكن الإكراه والشك وأهواء الدائرة الداخلية.
قال حميدي: “معظم السوريين لم يعودوا يهتمون ببشار نفسه؛ بل يهتمون بمستقبل سوريا. إنهم يريدون التطلع إلى الأمام، لا إلى الوراء”.
وبالنسبة للمراقبين الدوليين، توفر مقاطع الفيديو إحدى أوضح النوافذ حتى الآن على المنطق العملي لنظام نجا من العقوبات والحرب والعزلة والانهيار الداخلي.
Tags: تسريبات بشار الأسدفيديو بشار الاسدلونا الشبل