مأزق الحرب والإسلاميين
تاريخ النشر: 26th, December 2024 GMT
مأزق الحرب والإسلاميين
نضال عبدالوهاب
ظهور ما يُعرف بالإسلاميين أو الحركة الإسلامية وتياراتها أحزاباً ومجموعات في السُودان هو ظهور قدّيم في ساحة العمل السياسِي والوطني، وتطور وجودها ما بين جماعات “دعوية” ودينية، إلى المُشاركة في العمل السياسِي المُباشر ثم المُشاركة في أجهزة الحُكم والدولة في حقب ومراحل مُختلفة، وحتى سيطرتها الكاملة على مقاليّد الحُكم والسُلطة بشكل مُطلق بعد انقلابها في يونيو ١٩٨٩، الذي استمر لثلاثين سنة، حتى تم التغيير الجزئي بثورة ديسمبر وإزاحة رأس النظام، مع بقاء كافة أجهزته ومؤسساته في طور التفكيك، حتى تم الانقلاب مرة أخرى وبوجوه تابعة لهم ومسنودة منهم في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ ، ثم تواصل الصراع الداخلي واختلاف المصالح من أجل الموارد والنفوذ والسُلطة نفسها فحدثت الحرب الحالية بين “الجنرالات” من العسكريين، التي تم الزج بالجيش فيها بعد سيطرة الإسلاميين علي كامل القرار فيه، مع المليشيات ذاتها التي صنعها الجيش والحركة الإسلامية وحزبها السياسِي المؤتمر الوطني وسلحها ودربها وقواها وهي مليشيا الدعم السريع، وتم إشعال الحرب للقضاء على أي مظهر للتغيير ثم للعودة للسلطة من قبل الإسلاميين والمؤتمر الوطني، مع تقاسم للبلاد ما بينهم وبين قوات المليشيا المصنوعة منهم التي تم إعادة استخدامها كأداة في أيدي خارجية، لكنها مع ذات الوقت لا تخلو من وجود الإسلاميين داخلها، فصارت الحرب أشبه بصرّاع الإسلاميين فيما بينهم، مع إدخال الصرّاع الإثني والقبلي كأحد موجهات الصرّاع، وكذلك اختلاف بعض المصالح الخارجية الدولية والإقليمية كمُحركة وداعمة للحرب واستمرارها.
إذاً فإن مأزق الحرب الحالية يلعب فيه الإسلاميون الدور الأكبر، بأهداف تتوزع ما بين:
١/القضاء على الثورة والتغيير.
٢/العودة للسُلطة.
٣/استمرار التمكيّن السياسِي والاقتصادي.
٤/تصفية الخصوم السياسِيين والتخلص منهم.
٥/الإفلات من العقاب والمُسآلة.
وفق هذه الأهداف غير “المُعلنة” تتستر الحركة الإسلامية أو الإسلاميون أو بعضهم وقطاع كبير منهم على “وجه الدقة”، خلف هذه الحرب، ولعل في سبيل تحقيق هذه الأهداف وضح تماماً أنه ليس هنالك أي “سقف” وحد للتنازل عن تلك الأهداف حتى وإن استطالت الحرب، أو تم القضاء على كُل الشعب والتضحية به، أو حتى تمزيق البلاد وتقسيّمها وعرض أجزاء منها كاراضي مُحتلة أو منهوبة من الخارج والطامعين، وهذا مع التنبُه أيضاً أن للمليشيا أيضاً في تفكير قياداتها أو منسوبيها ذات الأهداف الاستطماعية وإن استندت على الطابع القبلي أو الإثني، وهي الوصول للسُلطة والقضاء على الثورة والتغيير والتخلص من الخصوم واستدامة النفوذ ونهب الموارد والتمكين الاقتصادي، والإفلات من العقاب، وهم أيضاً من أجل ذلك لا سقف لهم ولا حدود، فتصيّر “العمالة” للخارج والتعاون مع الأجنبي لأجل ذلك لتنفيذ أجندتهم لأبقائهم في السُلطة وكنز الأموال واستمرار نهبها وتقاسمها مع هذا الخارج أو المُحتل.
فطرفا الحرب إذاً، ليس الشعب ولا أي قضايا وطنية ولا أي مصالح للبلاد هي في تفكيرهم أو اهتمامهم وأجندتهم، وهذا كله وضح من خلال سيّر الحرب وإفرازاتها وآخرها ما حدث في كارثة فتح أبواب خزان جبل أولياء والغرق لأجزاء واسعة في ولاية النيل الأبيض والدمار، الذي لايزال ماثلا وبذلك تعريض البلاد وشعبها للإفناء والتدّميّر المُتعمّد والمُمنهج.
ليس هنالك حرب للكرامة، ولا حرب لاستعادة الديمُقراطية وخطابات الخداع والمُتاجرة بالقضايا والأخلاق هُنا وهُناك!.
بالعودة للإسلاميين وحتى تتوقف الحرب، من المُهم تصنيف هؤلاء الإسلاميين على إتساع مدارسهم وتركيبتهم ومجموعاتهم وتياراتهم السِياسِية، وفقاً لموقفهم من الحرب نفسها، ثم من مواقفهم من أي قضايا لها علاقة بنبذ العُنف، وتحقيق السلام والاستقرار أولاً، ثم بعد ذلك بالتحول الديمُقراطي ومبادئ الثورة التي يعلمونها التي من أجلها “خرج” و”ثار” الشعب السُوداني ضد نظامهم وبرنامجهم ومشروعهم السياسِي.
الإنكار أو التنكر للثورة والتغيير لا يخدّم استقرار البلاد السياسِي والتداول السِلمي للسُلطة، وبالمقابل وضع جميّع الإسلاميين في “سلة” واحدة لا يخدم قضية وقف الحرب ولا التحول الديمُقراطي والتداول السِلمي للسُلطة، ومسألة عدم نبذ العُنف لا تخدم قضية السلام العادل والتداول السِلمي للسُلطة، والإصرار على التمسك بذات المشروع السياسِي من قبل الحركة الإسلامية والإسلاميين ولذي مزق البلاد وأشعل فيها الحرب وفرّق بين السُودانيين ثم رفضه الشعب بالثورة عليه هو أيضاً “مربط الفرس” في عدم قبولهم ولا يخدم قضايا الوحدة والسلام والعدالة والمُساواة، ويؤدي لاستمرار حالة الصّراع وعدم الاستقرار.
ما أود الوصول إليه أن التعامل مع الإسلاميين ينبغي له أن لا يخرج من تلك المعايير والتوصيف:
١/الموقف من الحرب.
٢/الموقف من الثورة.
٣/الموقف من التحول الديمُقراطي والتداول السِلمي للسُلطة.
٤/الموقف من العنف ونبذه.
٥/الموقف من سيادة البلاد ووحدتها.
لا أعتقد أن هذا عائق للحوار معها وليس بالضرورة أن يعني هذا التوصل لنتائج لا تخدم مصالح البلاد وكل نضالات السُودانيين من أجل التغيير فيها.
العمل لإيقاف الحرب والمحافظة على البلاد يتطلب مواجهة من يشعلون الحرب وأطرافها الداخليين والخارجيين وعلى رأسهم “الإسلاميين”، وعلى كُل من هو إسلامي أن يُعلن موقفه من تلك القضايا التي فصّلناها وعلى رأسها الموقف من الحرب والدعوة المُباشرة لوقفها والعمل لأجل ذلك لينفتح طريق للحوار حول غيرها من قضايا تهُم حاضر ومُستقبل البلاد والشعب السُوداني دون عزل أو إقصاء، مع التذكير أن أولويات وقف الحرب والإبادة للشعب السُوداني وتشريده، مع أمنه واستقراره، والمُحافظة على البلاد ووحدتها، هي المصالح الأكبر لكُل السُودانيين بمُختلف توجهاتهم وتنوعهم.
الوسومالاسلاميين التحول الديمقراطي الحوار حرب السودانيين
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الاسلاميين التحول الديمقراطي الحوار حرب السودانيين
إقرأ أيضاً:
فجيعة المنوفية وحوادث الطرق في مصر
لم ينته الأسبوع الماضي في مصر حتى أصبح المصريون يوم الجمعة على فاجعة الطريق الإقليمي بمركز أشمون في محافظة المنوفية بدلتا مصر، حيث اصطدمت شاحنة نقل (تريلا) بحافلة صغيرة تحمل فتيات عاملات باليومية من أماكن سكنهن في قرية كفر السنابسة إلى مكان عملهن، ونتج عن الحادث وفاة 18 فتاة وسائق الحافلة. وتتراوح أعمار الفتيات ما بين 22 و14 سنة، وبعضهن كن المعيلات الوحيدات لأسرهن، وبعضهن لم يكملن تعليمهن من أجل مساعدة أسرهن، وأخريات كن طالبات ومنهن طالبة بكلية الهندسة. وخرجت الجنازات للفتيات الـ18 بشكل جماعي، في موقف محزن للقلوب ومدمع للعيون.
وقد أثار هذا الحادث تساؤلات لا تنتهي بشأن حال الطرق في مصر، وحال المسؤولين عنها، وحال الطبقة الحاكمة من أصحاب السلطة والمال، وحال الفقراء الكادحين، في ظل حالة تعكس مدى التناقضات في المجتمع المصري، فهؤلاء الفتيات خرجن يعملن باليومية بمبلغ 130 جنيه يوميا (2.60 دولار) من أجل لقمة العيش، في مجتمع باتت الظروف الاقتصادية الصعبة تمس عموم المصريين، في حين أن هناك فئة أغرتها السلطة والمال؛ تلعب بالأموال في ملاهي ومنتجعات الساحل الشمالي بلا حساب.
الحوادث المرورية ليست وليدة اليوم، ولكنها شائعة بسبب حالة الطرق السيئة، وللأسف فإن المسؤول الأول عن ذلك حاليا هو وزير النقل العسكري الذي يقيل مسؤولين على الهواء لأتفه الأسباب، واستقال عدد من سابقيه لأقل من تلك الأسباب، ولكنه أبى إلا أن يظل في مكانه دون أدنى حساب
إن الحوادث المرورية ليست وليدة اليوم، ولكنها شائعة بسبب حالة الطرق السيئة، وللأسف فإن المسؤول الأول عن ذلك حاليا هو وزير النقل العسكري الذي يقيل مسؤولين على الهواء لأتفه الأسباب، واستقال عدد من سابقيه لأقل من تلك الأسباب، ولكنه أبى إلا أن يظل في مكانه دون أدنى حساب.
للوهلة الأولى قد يخرج من يدافع عن تطور الطرق وانخفاض حوادثها في مصر، حيث انخفض عدد حالات الوفاة في حوادث الطرق في مصر من 5,861 عام 2023 إلى 5,260 في 2024، أي بتراجع بنسبة 10.3 في المئة، وفي المقابل، ارتفع عدد المصابين من 71,016 إلى 76,362 إصابة في نفس الفترة (+7.5 في المئة)، وبلغت نسبة الوفيات إلى الإصابات 6.9 لكل 100 مصاب في 2024، مقابل 8.3 في 2023 (انخفاض 16.9 في المئة)، وتراجعت نسبة الوفيات لكل 100,000 نسمة من 5.6 إلى 4.9 (-12.5 في المئة). كما تقدمت مصر من المركز 118 إلى 18 عالميا بمؤشر جودة الطرق عام 2024 وفق تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي، وقياس هذه الجودة يتم بناء على معايير التمهيد والانسيابية، وعرض الطريق وعدد الحارات، والبنية التحتية الحديثة، والربط بين المدن الكبرى والمشاريع الجديدة.
ومع ذلك فإنه لا يمكن إغفال أن هذا التقييم لجودة الطرق في مصر يخص الطرق السريعة والرئيسة الجديدة، وليس القرى أو الطرق الفرعية أو الداخلية، حيث تفتقر هذه الأخيرة للبنية التحتية، والإنارة، والصيانة، والرقابة، وبشكل عام للسلامة المرورية، فكثير من ضحايا الحوادث في مصر يفقدون حياتهم على الطرق الجانبية، لا الطرق السريعة، وللأسف فإن الحكومة تُركّز في التطوير على الطرق الدولية والسريعة، بينما تهمل الطرق الحيوية التي يستخدمها الملايين في القرى والنجوع يوميا. يكفي القائمين على أمر البلاد ما آل إليه حال البلاد والعباد حتى انخرط ما لا يقل عن 1.3 مليون قاصر في شكل من أشكال عمالة الأطفال في مصر، لضيق وبؤس الحالة الاقتصادية للآباء والأمهات، أم سيظل الفقراء في مصر لا بواكي لهم؟كما أن اتجاه الحكومة هو نحو تطوير الطرق لكن لم يتم في نفس الوقت تطوير أمن وسلوك استخدام هذه الطرق، وليس ببعيد عنا طريق الجلالة -أحد أحدث الطرق في مصر- حيث شهد حوادث مميتة بسبب السرعة والانحرافات والضباب، رغم أنه ضمن الطرق الأفضل من حيث التقييم الفني.
إن مصر بحاجة إلى ترسيخ مفهوم السلامة المرورية والتي تتطلب سلوكا ملتزما، ونظام مراقبة إلكتروني، وصيانة مستمرة، وعدالة مرورية في جميع المحافظات، والبعد عن الطبقية والواسطة في خدمات المرور والطرق بناء ومعاملة، وقبل كل هذا وذاك محاربة الفساد ليس في جهات الاختصاص الخاصة بالمرور فقط، بل بطريقة رسو المزادات في بناء الطرق وتسليمها، واحتكار جهة واحدة لذلك لا يمكن لأحد أن يحاسبها.
لقد آن الأوان للخروج من هذا النفق المظلم الظالم. ثم ألا يكفي القائمين على أمر البلاد ما آل إليه حال البلاد والعباد حتى انخرط ما لا يقل عن 1.3 مليون قاصر في شكل من أشكال عمالة الأطفال في مصر، لضيق وبؤس الحالة الاقتصادية للآباء والأمهات، أم سيظل الفقراء في مصر لا بواكي لهم؟ فاتقوا الله في الغلابة يا أولي الألباب.
x.com/drdawaba