إبراهيم الصوافي: التدبر والتأمل في الآيات يعينان على ترسيخها في الذاكرة
تاريخ النشر: 26th, December 2024 GMT
حفظة القرآن هم أهل الله وخاصته، اصطفاهم الله من بين خلقه ليكونوا حافظين لكلامه العزيز في صدورهم، وذلك بفضله ورحمته. فقد منحهم بركة عظيمة في حياتهم نتيجة لجهودهم المستمرة في تدارس وحفظ القرآن الكريم. بذلوا أوقاتهم بكل صدق وإصرار لتحقيق هذا الشرف العظيم، فحصدوا ما كانوا يطمحون إليه. فما هي بداية رحلتهم في هذا الطريق المبارك؟ من كان يعينهم في مسيرتهم؟ وما هي التحديات التي سهلها الله لهم لتجاوز هذا الطريق؟ وما هي القصص التي أضاءت لهم الدرب بشغفهم؟ وما هي تطلعاتهم وأحلامهم للمستقبل؟ كل ذلك وغيره نستعرضه في هذا الحوار مع الحافظ إبراهيم بن سعيد بن علي الصوافي، الفائز بالمركز الأول في مسابقة السلطان قابوس لحفظ القرآن الكريم في مستوى حفظ 24 جزءًا، يروي لنا هذا الشاب العماني تجربته المليئة بالإصرار والتفاني في سبيل حفظ كتاب الله، ويكشف عن جوانب عديدة من رحلته الشخصية والروحية.
إنجاز روحي
حينما سألت إبراهيم عن مدى تأثير الفوز بجائزة السلطان قابوس لحفظ القرآن الكريم على حياته، كانت إجابته ملؤها التواضع والفخر. "الفوز يمثل لي الكثير على مختلف الأصعدة"، يقول إبراهيم بابتسامة هادئة: "على المستوى الشخصي، هو شرف عظيم وإنجاز روحي يقرّبني من الله عز وجل. لا شيء أسمى من حفظ القرآن، فهو ليس مجرد حفظ كلمات، بل هو عمل يتقرب به العبد إلى ربه". ويؤكد إبراهيم أن القرآن الكريم يرفع مكانة المسلم في الدنيا والآخرة، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
ويضيف: "على المستوى المجتمعي، يحظى حافظ القرآن الكريم بتقدير واحترام كبيرين، ويسهم في نشر الخير وتعليم القرآن للآخرين".
التشجيع والعزيمة
وعن بداياته في رحلة حفظ القرآن الكريم، يروي إبراهيم قصة مشوقة. يقول: "بدأت مشواري مع حفظ القرآن منذ الصغر، وكان ذلك بفضل الله أولًا ثم بفضل الوالدين الذين بذلوا جهدًا كبيرًا في إيجاد معلمين أكفاء". لكن الأمر لم يكن سهلا في البداية، فقد كانت فترات الحفظ متفرقة، حتى أنهيت الصف السابع لكن ما غير مجرى الأمور كان نصيحة من أخي أحمد، جزاه الله خيرًا. نصحني أن ألتحق بمركز بيت القرآن في ولاية سمائل. وبالفعل، التحقت بنادي الفتى القرآني، فبدأت رحلة جديدة مليئة بالعزم".
التحديات والمثابرة
سألت إبراهيم عن كيفية تنظيم وقته بين الحفظ والتحصيل الدراسي، فأجاب: "كنت أضع جدولًا زمنيًا واقعيًا، وأخصص أوقاتًا ثابتة يوميًا أو أسبوعيًا لحفظ القرآن. كنت أبدأ بحفظ كمية قليلة وأزيدها تدريجيًا حتى أتمكن من الموازنة بين دراستي وحفظي". ويؤكد إبراهيم على أهمية التدرج في الحفظ لتجنب الشعور بالإرهاق أو الفتور، خاصة في أوقات الانشغال الدراسي.
وعن أبرز التحديات التي واجهته في مسيرته القرآنية، يعترف إبراهيم أنه عانى من "مشكلة النسيان"، وهي مشكلة شائعة بين حافظي القرآن. "كنت أواجه أحيانًا مشكلة نسيان ما حفظته، ولكن كنت دائمًا أعود للمراجعة والتكرار، ما يساعدني على ترسيخ ما حفظته"، يقول مبتسمًا. ويرى إبراهيم أن المداومة على الحفظ وعدم الانقطاع الطويل هما من أبرز أسس الاستمرار، إضافة إلى الدعم المعنوي من الأصدقاء والمراكز الصيفية التي كانت تُعدُّ وسيلة فعّالة للمحافظة على الحفظ.
بركة لا تعد ولا تحصى
وحين سُئل إبراهيم عن البركة التي يشعر بها في حياته نتيجة لحفظه للقرآن، لم يتردد في الإجابة: "البركة تظهر في حياتي بشكل واضح. حفظ القرآن جلب لي الهداية والتقوى، وجعل قلبي عامرًا بنور الإيمان". وأضاف: "القرآن جلب لي صفاء نفسيا وراحة، وأشعر دائمًا بأن الله يفتح لي أبواب الرزق ويفتح لي في كل خطوة بركة عظيمة".
مفتاح تسريع عملية الحفظ
وعن العوامل التي تساعد على تسريع عملية الحفظ، يرى إبراهيم أن الإيمان بقدرة الشخص على حفظ القرآن الكريم هو أحد أبرز العوامل. "عندما يقتنع الشخص بقدرته على الحفظ ويؤمن بأنه قادر على إتمام هذا الهدف، فإن ذلك يساعده على بذل المزيد من الجهد والتركيز".
الطريق إلى الحفظ الراسخ
وعن طرق الحفاظ على ما حفظه، ينصح إبراهيم بالتركيز على المراجعة المستمرة والتكرار. "التكرار هو الحل الأمثل. يجب على الحافظ أن يراجع ما حفظه أولًا قبل أن يبدأ في حفظ الجديد. كما أن التدبر والتأمل في الآيات يعين على ترسيخها في الذاكرة".
وعندما سُئل إبراهيم عن أجمل اللحظات التي مر بها في رحلته مع القرآن، كانت قصته عن ختمه للقرآن في سمائل هي الأكثر تأثيرًا. "أجمل لحظة في حياتي كانت عندما ختمت القرآن في سمائل، وكانت آخر سورة حفظتها هي سورة الصف. كان شعورًا لا يوصف، وكانت التهاني والدعوات من المعلمين والطلبة لا تتوقف. الحمد لله على توفيقه".
الآية التي ترددها دائمًا: دعوة للتغيير
ترددت كثيرًا في ذهن إبراهيم آية جعلت له أثرًا عميقًا في حياته: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ". يوضح إبراهيم: "هذه الآية تدعونا للتغيير الداخلي قبل أن ننتظر تغير الظروف. تذكرني دائمًا بأننا يجب أن نعمل على تحسين أنفسنا قبل أن نتوقع تغيرات خارجية".
وبالنسبة للناشئة، يرى إبراهيم أن العصر الحالي مليء بالملهيات التي قد تبعدهم عن القرآن. ولحل هذه المشكلة، يقترح تطوير تطبيقات قرآنية تدمج بين التعلم والمرح. "يمكن أن تحتوي هذه التطبيقات على ألعاب ومسابقات تعليمية تشجع الشباب على التفاعل مع القرآن بطرق ممتعة. كما يمكن ربط هواياتهم بالقرآن، مثل الرسم أو حتى تعلم الأناشيد الدينية".
المسابقات حافز للجد والاجتهاد
وفي حديثه عن المسابقات القرآنية، يشير إبراهيم إلى دورها الكبير في تحفيز الحافظ على إتقان ما حفظه. "المسابقات تعتبر من أقوى الوسائل التي تعين على ضبط الحفظ"، يقول. ويستعرض إبراهيم بعضًا من مشاركاته الناجحة، مثل جائزة الكويت الدولية وسباق حفظ القرآن في دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى حصوله على المركز الأول في مسابقة السلطان قابوس لحفظ 24 جزءًا.
إبراهيم يتطلع إلى العديد من المشاريع المستقبلية التي تهدف إلى تعزيز نشر القرآن الكريم في المجتمع، مثل تنظيم مسابقات وحفلات قرآنية لتشجيع الشباب على حفظ القرآن، وإنشاء مراكز لتحفيظ القرآن في المناطق النائية. كما يطمح إلى تقديم الدعم المادي والمعنوي لحفظة القرآن الكريم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: حفظ القرآن الکریم إبراهیم عن إبراهیم أن القرآن فی دائم ا
إقرأ أيضاً:
أستاذ بالأزهر: حفظُ الله للقرآن نور لا يُطفأ.. وتَلَقِّيه سماعًا هو الضمان ضد التحريف
أكد الدكتور أحمد الرخ، أستاذ بجامعة الأزهر الشريف، أن وصف القرآن الكريم بأنه نور يحمل دلالة عظيمة على حفظ الله له، موضحًا أن معنى النور يشير إلى أن أحدًا – أيًّا كان – لا يستطيع طمس هذا النور أو أن يأتي بظلام يطفئه.
واستشهد، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الأحد، بقول الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾، مبينًا أن الله تكفّل بحفظ القرآن بخلاف الكتب السابقة التي قال فيها: ﴿بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ﴾، أي أن حفظها وُكِل إليهم فلم يكونوا كحفظة القرآن.
وأوضح الدكتور الرخ أن حفظ الله للقرآن لا يعني عدم الثقة في المسلمين، بل هو تكريم لهم، فالله سبحانه وتعالى يرفع شأن أمة القرآن ويصفها بقوله: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾، فهي أمة لا تضيع كتابها.
وأضاف أن تكفّل الله بحفظ القرآن هو تشريف للكتاب وللأمة، وأن الله يحكم آياته فلا يدخلها تحريف ولا تبديل.
ملتقى التفسير بالجامع الأزهر: الإبل منظومة إعجازية متكاملة مسخرة للإنسان
الأزهر عن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد: صاحب الحنجرة الذهبية الذي جاب بلاد العالم
وأشار إلى قول الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ... ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ﴾، مؤكدًا أن إحكام الآيات يعني عصمتها من التحريف.
وذكر أن الإمام الشاطبي أشار في كتاب الموافقات إلى أن أي تغيير في القرآن – ولو حرف واحد – كفيل بأن يرده آلاف الأطفال قبل كبار القراء، وذلك لوصول القرآن إلينا بالإسناد المتصل من النبي ﷺ إلى الأمة.
وبيّن الدكتور الرخ أن هذا الاتصال المتقن في النقل يجعل تغيير حرف أو تشكيل في القرآن أمرًا مستحيلًا، فالأمة تلقّت القرآن لفظًا ومعنى كما نزل على النبي ﷺ.
وأضاف أن السنة النبوية أكدت أيضًا هذا المعنى، مستشهدًا بحديث النبي ﷺ في صحيح مسلم: «وأنزلتُ عليك كتابًا لا يغسله الماء، تقرؤه نائمًا ويقظان»، أي أنه كتاب محفوظ لا يجري عليه تغيير مهما حاول الناس.
وأشار إلى أن تغيير التشكيل قد يؤدي إلى تغيير كامل في المعنى، ضاربًا مثالًا بقوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ﴾، ولو غُيِّرت التشكيلة لانقلب الفاعل والمفعول، مما يفتح باب التحريف، ولذلك كان السماع والتلقي هما الأصل في ضبط القرآن الكريم.
وأكد الدكتور الرخ أن علماء الأمة شددوا على ضرورة تلقّي القرآن من أفواه المشايخ، لا من المصاحف وحدها، مشيرًا إلى مقولة الإمام مالك: «لا تأخذوا القرآن من مصحفي، ولا العلم من صحفي»؛ لأن للقرآن أحكامًا في الأداء لا تُعلَم إلا بالسماع. وأضاف أن كتب التجويد تعطي القواعد، أما “التحريرات” الدقيقة مثل الإشمام والروم وضبط المخارج فلا تُؤخذ إلا شفهيًا.
وأوضح أن التحديات الحديثة في التلقي يمكن تجاوزها بوجود إذاعة القرآن الكريم في مصر، والتي تُعَد نعمةً لا مثيل لها في العالم الإسلامي؛ إذ توفر تلاوات مرتلة بأعلى درجات الدقة، خاصة تلاوات الشيخ الحصري والشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ عبد الباسط وغيرهم، مما يمنح المستمع إمكانية تعلم الضبط والأداء الصحيح.
ولفت إلي أن المصحف المرتّل كما يُذاع من بدايته إلى نهايته يمثل مدرسة كاملة في التعليم القرآني، وأنه لا عذر اليوم لأحد في عدم ضبط القراءة، فالحفظ والسماع ووسائل التلقي موجودة ومتاحة للجميع.