لافتٌ للغاية، وباعثٌ للتساؤل والتوجّس، تأخر الوفد الفلسطيني الرسمي عن زيارة سوريا ولقائه رئيس الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، وامتناعه حتى كتابة هذا المقال عن إجراء أي اتصال هاتفي معه. ويأتي هذا التوجس بعد أن أصبح قصر المهاجرين في العاصمة دمشق مزارا ومقصدا للوفود العربية والإقليمية والدولية، بما في ذلك وفود قادمة من دول توقّعنا تأخرها في عقد أول لقاء رسمي مع الشرع، إلّا أنها سارعت إلى ذلك، ومنها من أعلن عن إجراء اتصال هاتفي رسمي تمهيدا لعقد اللقاء بين مسؤولي البلدين، فيما أحجمت منظمة التحرير الفلسطينية حتى اللحظة عن أي خطوة من شأنها فتح قنوات التواصل الرسمية.



هذا الإحجام طرح عدة تساؤلات بين الفلسطينيين بمختلف توجهاتهم الفصائلية بشأن الدوافع والإرهاصات إزاء هذه الخطوة التي اعتبروها غير مدروسة، وذلك أنّ الفلسطينيين في سوريا يملكون ملفات هامة جدا بحاجة إلى إعادة ضبط ونقاشات موسعة، فهناك أكثر من 12 مخيما يتصدرها مخيم اليرموك في العاصمة، والذي يعتبر عاصمة الشتات الفلسطيني ويحظى برمزية كبيرة، بالإضافة إلى أن الفلسطينيين متجذرون جدا في سوريا، ويملكون تراثا وتاريخا، ووصلت العلاقات بين الطرفين إلى درجة المُصاهرة، واقتسام فرص العمل ومقاعد الدراسة.

هذا الإحجام طرح عدة تساؤلات بين الفلسطينيين بمختلف توجهاتهم الفصائلية بشأن الدوافع والإرهاصات إزاء هذه الخطوة التي اعتبروها غير مدروسة، وذلك أنّ الفلسطينيين في سوريا يملكون ملفات هامة جدا بحاجة إلى إعادة ضبط ونقاشات موسعة
هذا التجذر والتداخل جعل الفلسطينيين يدفعون ثمنا مشابها للثمن الذي دفعه أصحاب الوطن أنفسهم، فعلى مدار أكثر من 13 عاما من الثورة السورية، سقط العديد من الشهداء والجرحى الفلسطينيين، بالإضافة إلى اعتقال المئات وربما الآلاف منهم، كما دُمّرت شوارع ومخيمات بأكملها، ما دفع أصحابها إلى النزوح واللجوء إلى الدول المجاورة وغير المجاورة.

ففي الشارع الذي كنت أسكن فيه في مخيم درعا جنوبي سوريا قبل رحيلي إلى هولندا، يوجد فيه أكثر من 50 شهيدا فلسطينيا، وهو شارع لا يتجاوز طوله 300 متر مُزنّرة بأزقة ضيّقة ومتفرعة فيما بينها، ومن بين هؤلاء الشهداء مقاتلون فيما كان يُعرف حينها بالجيش الحر، ومدنيون ونساء وأطفال، وهذا الأمر يُقاس على سائر المخيمات الفلسطينية، ففي كل شارع هناك شهيد وجريح ومعتقل ومفقود ومُهجّر ومنكوب، إذ ما يزال من تبقى من فلسطينيي سوريا ينعون شهداء قضوا تحت التعذيب في سجون النظام السوري.

ومن هنا وأمام هذه الكوارث، استنبطنا ضرورة أن يكون الوفد الفلسطيني في طليعة الواصلين إلى سوريا لمناقشة هذه الملفات، وملفات أخرى من العيار الثقيل، مثل مستقبل المخيمات الفلسطينية في سوريا، وطبيعة العلاقة المقبلة بين اللاجئ والحكومة السورية الجديدة، بالإضافة إلى مستقبل العمل الفصائلي، إذ نتحدث في هذا السياق عن بلد كان فيه حضور فلسطيني كبير، وأغلب الفصائل كانت تملك مكاتب تمثيل ومعسكرات تدريب، بالإضافة إلى مصير جيش التحرير الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير إداريا، وملف العمل التنظيمي، وملفات أخرى شائكة بحاجة عاجلة إلى مباحثات مباشرة بين الطرفين..

فالعراق الذي توترت العلاقة بينه وبين القيادة الجديدة في سوريا خلال فترة إسقاط نظام بشار الأسد، تمكّن من تجاوز المرحلة، وعمد إلى إرسال وفد أمني عراقي بقيادة رئيس جهاز الاستخبارات حميد الشطري، الذي يُعتبر خصما سابقا للشرع في ميادين المواجهات العسكرية والسياسية، لدرجة أن الشرع استقبله مُحترسا بمسّدس حربي أخفاه داخل بِزّته الرسمية، وكشفته وسائل إعلام، لكنّ أمن الحدود ومصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وباعتقادي هي خطوة إيجابية من طرف دمشق التي قبلت الزيارة، ومن طرف بغداد أيضا  التي تصرفت بعقلية الدولة، وليس بعقلية الثأر والمليشيات التي تُحرّم على نفسها فِقْه السياسة، ورغم كل الخلافات التي حصلت بين الطرفين قبل أيام معدودات فقط من اللقاء، ورغم التصريحات العراقية الرسمية التي أزعجت المقاتلين السوريين قبيل إسقاط النظام السوري، ورغم حساسية المواقف والظروف، إلّا أن الزيارة تمت، بعكس الوفد الفلسطيني الذي لم تطأ قدماه أرض دمشق بعد، رغم خلوّ المنطقة الفاصلة بين الطرفين من أي خلافات أو مشاكل أو حساسيات أخرى، أو شوائب سابقة.

وليس العراق هو المثال الوحيد في هذا السياق، بل السعودية أيضا، فَحُكّامها لم يعجبهم ما حدث، وسلّطوا إعلامهم على هيئة تحرير الشام في طليعة الأمر، ووصفوا الفصائل بأنها تابعة لتركيا ومليشيات مسلحة، وأحيانا وسموهم بالإرهاب مباشرة، ولكنْ بعد أن أزيح الأسد عن المشهد سارعت الرياض إلى إثبات حضورها واستعادت زمام المبادرة وجانبا من دورها، ولم تكتفِ بسياسة النأي بالنفس، ولم تأخذ وضعية الدول الثانوية في المنطقة، بل فرضت نفسها من خلال الوفد الذي تعهد بالمساعدة وتقديم الدعم للسوريين في هذه المرحلة، ليغادر الوفد على صوت مُحركات شاحنات المساعدات التي تحركت على الفور لتقول إن السعودية حاضرة وبقوة في الملف السوري.

مطلوب من منظمة التحرير التي تقدّم نفسها على أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني أن تبادر إلى هذه الخطوة بشكل شريع جدا، حفاظا على الوجود الفلسطيني في سوريا
ولهذا مطلوب من منظمة التحرير التي تقدّم نفسها على أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني أن تبادر إلى هذه الخطوة بشكل شريع جدا، حفاظا على الوجود الفلسطيني في سوريا.

أمّا بالنسبة للفصائل الفلسطينية الأخرى، وفي مقدمتها حركة المقاومة الإسلامية حماس، فباعتقادي أنّ تأخُّر إرسالها للوفود يصب في صالح سوريا دون أدنى شك، وهي تعي ذلك جيدا، إذ إنّ اللقاء الثنائي سوف يكون أكبر عامل إحراج لدمشق في وقت تسعى فيه الأخيرة إلى هيكلة نفسها وبناء تحالفات وعلاقات جديدة مع دول إقليمية، وبالتالي فإنّ لقاء بين الشرع وخليل الحية على سبيل المثال، من شأنه إثارة واشنطن وتل أبيب ودول عربية أيضا، لذلك أرى من الطبيعي بمكان، التريث والتقاط الأنفاس وانتظار المرحلة المقبلة وخفاياها، لأن حماس بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر ليست كما قبله.. كيف لا وهي مهندسة أقسى مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي منذ قيام دولته الطارئة، وصاحبة أكثر الملفات تعقيدا في الإقليم، ولأنها كذلك فأعتقد (وربما أكون مخطئا) أنّ الحركة سوف تتريث.. تنتظر.. تقيس المسألة من عدة زويا.. حالُها حال رفيقها السوري الذي سيعدّ للعشرة هو الآخر.

وختاما، وبالعودة إلى جوهر المقال، أدعو منظمة التحرير إلى وقف تهميشها لقضايا الشتات الفلسطيني، والمخيمات، وأن تكون على قدر المسؤولية، وأن تطوي صفحة التخلي عن اللاجئين، وتعفينا من ذلك الزمن الذي كنا فيه على الهامش.. لا صوت لنا.. لا همس.. لا ظهير..

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطيني سوريا العلاقات المخيمات منظمة التحرير سوريا فلسطين علاقات مخيمات منظمة التحرير مقالات مقالات مقالات سياسة من هنا وهناك صحافة سياسة سياسة من هنا وهناك من هنا وهناك سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة منظمة التحریر بالإضافة إلى بین الطرفین هذه الخطوة فی سوریا

إقرأ أيضاً:

لميس الحديدي: مصر الرقم الصعب الذي أحبط مخطط التهجير في معادلة القضية الفلسطينية

أكدت الإعلامية لميس الحديدي أن مصر كانت وما زالت تمثل الرقم الصعب في معادلة القضية الفلسطينية، مشيرة إلى أن القاهرة ظلت حاميةً لجوهر القضية عبر كل المراحل، وذلك خلال برنامجها "الصورة" المذاع على شاشة “النهار”.

الموضة المستدامة في حياة المرأة وكيفية الحفاظ على البيئة ببرنامج "ست ستات".. اليوم مسلسل لينك الحلقة الأولى.. سيد رجب يتعرض لسرقة أمواله عبر رابط مجهول أغنية “السهرة حلوة” لنيفين وغادة رجب تتصدر التريند.. أول ديو يجمع الشقيقتين (فيديو) محمد علي: الناس بتتجوز عشان فرح وشبكة وزفة ميعرفوش الحقيقة.. ومش كل الرجالة نكديين محمد سامي يعترف لمي عمر بعد إهدائها سيارة: "بعت الساعة اللي جبتهالي عشان أكمل ثمن العربية" اليوم العالمي للفتاة| إيمان كريم: مساندة انتصار السيسي للفتيات ذوات الإعاقة يمنحهن دعما إنسانيا ومعنويا ميرهان حسين تدخل عالم الغناء للمرة الأولى.. تفاصيل رونالدينيو ومحمد رمضان ومنعم السليماني يجتمعون في كليب عالمي بتوقيع مخرج بوليوود غورانغ دوشي مهرجان القاهرة الدولى للطفل العربى يكشف عن أعضاء لجنة تحكيم مسابقة الرسم بلوك جديد.. ناصيف زيتون يطرح أغنية "إنت وبس" على يوتيوب (فيديو) لميس الحديدي: الموقف المصري الثابت منذ البداية كان العامل الحاسم في إفشال مخططات التهجير

وقالت لميس الحديدي: “ليس من سبيل المصادفة أن يُعلن وقف إطلاق النار من مصر، وليس عرضيًا أن تحتضن مصر المفاوضات أو المؤتمر الدولي حول السلام في الشرق الأوسط”.

وأضافت الحديدي أن الموقف المصري الثابت منذ البداية كان العامل الحاسم في إفشال مخططات التهجير، مؤكدة أن “لولا وقوف مصر ورئيسها بصلابة منذ اللحظة الأولى رفضًا للتهجير ومخططاته، لما وصلنا إلى هذه النقطة”.

 

وتابعت أن مصر ظلت الرقم الصعب الذي حافظ على القضية الفلسطينية ورفض تصفيتها تحت أي مسميات أو إغراءات أو تهديدات.

 

وأشارت الحديدي إلى الدور الإنساني لمصر: “مصر ضغطت لإدخال المساعدات وإقامة معسكرات الإيواء للفلسطينيين لمحاولة تخفيف أحوالهم”، معتبرة أن العلم المصري ظل يمثل حصن الأمان للفلسطينيين في غزة وسط الترهيب الإسرائيلي.

 

ولفتت الحديدي إلى أن مصر تعاملت بحكمة بالغة خلال الوساطة، مؤكدة أنها لم تتخلَّ عن دورها مهما طالتها من الاتهامات أو السخافات أو الشائعات بأنها تغلق المعبر أو تمنع المساعدات.

مقالات مشابهة

  • لميس الحديدي: مصر الرقم الصعب الذي أحبط مخطط التهجير في معادلة القضية الفلسطينية
  • منظمة التحرير الفلسطينية دانت الهجوم الإسرائيلي على المصيلح
  • بيان اليونيسف يشعل الغضب من دور المؤسسات الدولية.. من يحمي الطفل الفلسطيني؟
  • منظمة العمل العربية تطالب بتعويض سلطات الاحتلال الفلسطينيين عن أضرار الاعتداءات الوحشية
  • من هو مروان البرغوثي؟ .. الزعيم الفلسطيني الذي ترفض إسرائيل الإفراج عنه
  • سوريا ترحب بتبني قرار تدمير بقايا برنامج الأسلحة الكيميائية
  • منظمة التحرير الفلسطينية: مصر عملت على تثبيت حقوق الفلسطينيين وإفشال مخططات التهجير
  • التحرير الفلسطينية: القاهرة تصدت بكل وضوح لمحاولات فرض سياسة التهجير
  • منظمة التحرير الفلسطينية: السلطة وحكومتها استكملتا الاستعدادات اللازمة لمعالجة آثار حرب غزة
  • التحرير الفلسطينية ترحب بدعوة مصر لبدء الحوار الوطني بين جميع الفصائل