هل سيكون وفد منظمة التحرير الفلسطينية آخر الواصلين إلى سوريا؟
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
لافتٌ للغاية، وباعثٌ للتساؤل والتوجّس، تأخر الوفد الفلسطيني الرسمي عن زيارة سوريا ولقائه رئيس الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، وامتناعه حتى كتابة هذا المقال عن إجراء أي اتصال هاتفي معه. ويأتي هذا التوجس بعد أن أصبح قصر المهاجرين في العاصمة دمشق مزارا ومقصدا للوفود العربية والإقليمية والدولية، بما في ذلك وفود قادمة من دول توقّعنا تأخرها في عقد أول لقاء رسمي مع الشرع، إلّا أنها سارعت إلى ذلك، ومنها من أعلن عن إجراء اتصال هاتفي رسمي تمهيدا لعقد اللقاء بين مسؤولي البلدين، فيما أحجمت منظمة التحرير الفلسطينية حتى اللحظة عن أي خطوة من شأنها فتح قنوات التواصل الرسمية.
هذا الإحجام طرح عدة تساؤلات بين الفلسطينيين بمختلف توجهاتهم الفصائلية بشأن الدوافع والإرهاصات إزاء هذه الخطوة التي اعتبروها غير مدروسة، وذلك أنّ الفلسطينيين في سوريا يملكون ملفات هامة جدا بحاجة إلى إعادة ضبط ونقاشات موسعة، فهناك أكثر من 12 مخيما يتصدرها مخيم اليرموك في العاصمة، والذي يعتبر عاصمة الشتات الفلسطيني ويحظى برمزية كبيرة، بالإضافة إلى أن الفلسطينيين متجذرون جدا في سوريا، ويملكون تراثا وتاريخا، ووصلت العلاقات بين الطرفين إلى درجة المُصاهرة، واقتسام فرص العمل ومقاعد الدراسة.
هذا الإحجام طرح عدة تساؤلات بين الفلسطينيين بمختلف توجهاتهم الفصائلية بشأن الدوافع والإرهاصات إزاء هذه الخطوة التي اعتبروها غير مدروسة، وذلك أنّ الفلسطينيين في سوريا يملكون ملفات هامة جدا بحاجة إلى إعادة ضبط ونقاشات موسعة
هذا التجذر والتداخل جعل الفلسطينيين يدفعون ثمنا مشابها للثمن الذي دفعه أصحاب الوطن أنفسهم، فعلى مدار أكثر من 13 عاما من الثورة السورية، سقط العديد من الشهداء والجرحى الفلسطينيين، بالإضافة إلى اعتقال المئات وربما الآلاف منهم، كما دُمّرت شوارع ومخيمات بأكملها، ما دفع أصحابها إلى النزوح واللجوء إلى الدول المجاورة وغير المجاورة.
ففي الشارع الذي كنت أسكن فيه في مخيم درعا جنوبي سوريا قبل رحيلي إلى هولندا، يوجد فيه أكثر من 50 شهيدا فلسطينيا، وهو شارع لا يتجاوز طوله 300 متر مُزنّرة بأزقة ضيّقة ومتفرعة فيما بينها، ومن بين هؤلاء الشهداء مقاتلون فيما كان يُعرف حينها بالجيش الحر، ومدنيون ونساء وأطفال، وهذا الأمر يُقاس على سائر المخيمات الفلسطينية، ففي كل شارع هناك شهيد وجريح ومعتقل ومفقود ومُهجّر ومنكوب، إذ ما يزال من تبقى من فلسطينيي سوريا ينعون شهداء قضوا تحت التعذيب في سجون النظام السوري.
ومن هنا وأمام هذه الكوارث، استنبطنا ضرورة أن يكون الوفد الفلسطيني في طليعة الواصلين إلى سوريا لمناقشة هذه الملفات، وملفات أخرى من العيار الثقيل، مثل مستقبل المخيمات الفلسطينية في سوريا، وطبيعة العلاقة المقبلة بين اللاجئ والحكومة السورية الجديدة، بالإضافة إلى مستقبل العمل الفصائلي، إذ نتحدث في هذا السياق عن بلد كان فيه حضور فلسطيني كبير، وأغلب الفصائل كانت تملك مكاتب تمثيل ومعسكرات تدريب، بالإضافة إلى مصير جيش التحرير الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير إداريا، وملف العمل التنظيمي، وملفات أخرى شائكة بحاجة عاجلة إلى مباحثات مباشرة بين الطرفين..
فالعراق الذي توترت العلاقة بينه وبين القيادة الجديدة في سوريا خلال فترة إسقاط نظام بشار الأسد، تمكّن من تجاوز المرحلة، وعمد إلى إرسال وفد أمني عراقي بقيادة رئيس جهاز الاستخبارات حميد الشطري، الذي يُعتبر خصما سابقا للشرع في ميادين المواجهات العسكرية والسياسية، لدرجة أن الشرع استقبله مُحترسا بمسّدس حربي أخفاه داخل بِزّته الرسمية، وكشفته وسائل إعلام، لكنّ أمن الحدود ومصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وباعتقادي هي خطوة إيجابية من طرف دمشق التي قبلت الزيارة، ومن طرف بغداد أيضا التي تصرفت بعقلية الدولة، وليس بعقلية الثأر والمليشيات التي تُحرّم على نفسها فِقْه السياسة، ورغم كل الخلافات التي حصلت بين الطرفين قبل أيام معدودات فقط من اللقاء، ورغم التصريحات العراقية الرسمية التي أزعجت المقاتلين السوريين قبيل إسقاط النظام السوري، ورغم حساسية المواقف والظروف، إلّا أن الزيارة تمت، بعكس الوفد الفلسطيني الذي لم تطأ قدماه أرض دمشق بعد، رغم خلوّ المنطقة الفاصلة بين الطرفين من أي خلافات أو مشاكل أو حساسيات أخرى، أو شوائب سابقة.
وليس العراق هو المثال الوحيد في هذا السياق، بل السعودية أيضا، فَحُكّامها لم يعجبهم ما حدث، وسلّطوا إعلامهم على هيئة تحرير الشام في طليعة الأمر، ووصفوا الفصائل بأنها تابعة لتركيا ومليشيات مسلحة، وأحيانا وسموهم بالإرهاب مباشرة، ولكنْ بعد أن أزيح الأسد عن المشهد سارعت الرياض إلى إثبات حضورها واستعادت زمام المبادرة وجانبا من دورها، ولم تكتفِ بسياسة النأي بالنفس، ولم تأخذ وضعية الدول الثانوية في المنطقة، بل فرضت نفسها من خلال الوفد الذي تعهد بالمساعدة وتقديم الدعم للسوريين في هذه المرحلة، ليغادر الوفد على صوت مُحركات شاحنات المساعدات التي تحركت على الفور لتقول إن السعودية حاضرة وبقوة في الملف السوري.
مطلوب من منظمة التحرير التي تقدّم نفسها على أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني أن تبادر إلى هذه الخطوة بشكل شريع جدا، حفاظا على الوجود الفلسطيني في سوريا
ولهذا مطلوب من منظمة التحرير التي تقدّم نفسها على أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني أن تبادر إلى هذه الخطوة بشكل شريع جدا، حفاظا على الوجود الفلسطيني في سوريا.
أمّا بالنسبة للفصائل الفلسطينية الأخرى، وفي مقدمتها حركة المقاومة الإسلامية حماس، فباعتقادي أنّ تأخُّر إرسالها للوفود يصب في صالح سوريا دون أدنى شك، وهي تعي ذلك جيدا، إذ إنّ اللقاء الثنائي سوف يكون أكبر عامل إحراج لدمشق في وقت تسعى فيه الأخيرة إلى هيكلة نفسها وبناء تحالفات وعلاقات جديدة مع دول إقليمية، وبالتالي فإنّ لقاء بين الشرع وخليل الحية على سبيل المثال، من شأنه إثارة واشنطن وتل أبيب ودول عربية أيضا، لذلك أرى من الطبيعي بمكان، التريث والتقاط الأنفاس وانتظار المرحلة المقبلة وخفاياها، لأن حماس بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر ليست كما قبله.. كيف لا وهي مهندسة أقسى مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي منذ قيام دولته الطارئة، وصاحبة أكثر الملفات تعقيدا في الإقليم، ولأنها كذلك فأعتقد (وربما أكون مخطئا) أنّ الحركة سوف تتريث.. تنتظر.. تقيس المسألة من عدة زويا.. حالُها حال رفيقها السوري الذي سيعدّ للعشرة هو الآخر.
وختاما، وبالعودة إلى جوهر المقال، أدعو منظمة التحرير إلى وقف تهميشها لقضايا الشتات الفلسطيني، والمخيمات، وأن تكون على قدر المسؤولية، وأن تطوي صفحة التخلي عن اللاجئين، وتعفينا من ذلك الزمن الذي كنا فيه على الهامش.. لا صوت لنا.. لا همس.. لا ظهير..
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطيني سوريا العلاقات المخيمات منظمة التحرير سوريا فلسطين علاقات مخيمات منظمة التحرير مقالات مقالات مقالات سياسة من هنا وهناك صحافة سياسة سياسة من هنا وهناك من هنا وهناك سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة منظمة التحریر بالإضافة إلى بین الطرفین هذه الخطوة فی سوریا
إقرأ أيضاً:
الأونروا: نظام توزيع المساعدات في غزة «مصائد موت» لإبادة الفلسطينيين
الثورة / متابعات
تتواصل جرائم الإبادة الصهيونية ضد أبناء فلسطين في غزه وغيرها من الأراضي الفلسطينية ومراكز المساعدات التي أصبحت مصائد الموت للناس الجوعى الذين يبحثون عن رغيف خبز فيقتل العشرات ويصيب المئات من أبناء الشعب الفلسطيني عند ما يسمى “مراكز توزيع المساعدات” في غزة ورفح في جريمة متجددة ومتواصلة
وارتقى أمس عشرات الشهداء وأصيب العشرات من الفلسطينيين برصاص الاحتلال الصهيوني عدد كبير منهم في مراكز المساعدات التي باتت كمائن يومية لقتل الأبرياء الباحثين عن رغيف الخبز.
وأكدت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أمس، إن المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الصهيوني باستهدافها بالرصاص الحيّ جموع المواطنين المُجوّعين أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات الإنسانية من مركز توزيع عند محور “نتساريم” جنوب مدينة غزة، تُعدّ جريمة حرب بشعة، والتجويع الممنهج، متحدّياً الإرادة الدولية وكافة المواثيق الإنسانية.
وقد أسفرت هذه الجريمة عن استشهاد ما لا يقل عن 20 مواطنًا، وسقوط عشرات الجرحى، في مشهد دموي يُلخّص بشاعة المخطط الصهيوني لإبادة شعبنا.
وأضافت في بيان، إنّ هذه الآلية الدموية التي اعتمدها الاحتلال تحت غطاء إنساني زائف، تحوّلت إلى مصائد موت أودت بحياة أكثر من 150 مواطنًا منذ بدء تنفيذها، بينهم أطفال ونساء، ما يعكس سياسة مدروسة لإدامة المجاعة واستنزاف المدنيين، في إطار حرب إبادة جماعية تُرتكب على مرأى العالم.
وطالبت «المجتمع الدولي والأمم المتحدة بالتحرك العاجل لوقف آلية التوزيع الاحتلالية التي تُدار خارج المعايير الإنسانية، وبعيدًا عن الرقابة الأممية، والعمل الفوري على إلزام الاحتلال بفتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية دون قيود، لإنقاذ المدنيين من الكارثة التي يُعمّقها الاحتلال، بغطاءٍ مباشر من الإدارة الأمريكية».
من جهتها، قالت لجان المقاومة في فلسطين إن العدو الصهيوني ومرتزقته يواصلون نصب أفخاخ القتل ومصائد الموت للناس الجوعى الذين يبحثون عن رغيف خبز فيقتل العشرات ويصيب المئات من أبناء الشعب الفلسطيني عند ما يسمى مراكز توزيع المساعدات في غزة ورفح في جريمة متجددة ومتواصلة .
وأضافت، أن 20 شهراً متواصلة من القتل والمجازر والتطهير العرقي الممنهج والحصار والتجويع والبطش بينما يقف العالم متفرجاً مكتفياً بالصمت في تواطؤ دولي مخز لا يمكن تبريره .
وقالت: إن العدو الصهيوني يكرر من جديد قتله للمسعفين ليثبت أنه لا يجيد سوى سفك دماء الأبرياء ومواصلة حربه القذرة في مشاهد تفوق كل وصف تحت وطأة سياسات إجرامية مستندة إلى غطاء سياسي وعسكري من الإدارة الأمريكية المجرمة .
ووجهت اللجان نداء إلى كل الأحرار في العالم للاستنفار عالمياً لنصرة الشعب الفلسطيني عبر المظاهرات والفعاليات والمسيرات في كل العالم ومحاصرة السفارات الأمريكية والصهيونية رفضاً للتوحش والإجرام الصهيوني.
وأكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة ارتفاع عدد شهداء «مراكز التوزيع المساعدات الإسرائيلية-الأمريكية» منذ صباح أمس الثلاثاء إلى 36 شهيداً، وأكثر من 208 إصابات، ما يرفع الحصيلة الإجمالية لضحايا «مراكز التوزيع المساعدات الإسرائيلية-الأمريكية» إلى 163 شهيداً و1,495 إصابة، وكلهم من المدنيين المُجوَّعين الباحثين عن لقمة العيش تحت الحصار والتجويع.
وجدد إدانته «للجرائم المتواصلة بحق المدنيين»، محملاً «الاحتلال «الإسرائيلي» المسؤولية الكاملة عن هذه المجازر»، مطالباً «المجتمع الدولي بوقف صمته المُخزي، والعمل فوراً على إيقاف عمل مؤسسة غزة الإنسانية داخل قطاع غزة، نظراً لسلوكها الإجرامي».
وقال، في بيان أصبحت ما تعرف بمؤسسة غزة الإنسانية أداة حقيقية للقتل والإبادة، كما نطالب بفتح جميع المعابر فوراً لإدخال المساعدات من خلال المؤسسات الأممية المعروفة والمُعتمدة، إضافة إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية في جرائم قتل المدنيين عند نقاط الموت.
وأضاف: كمائن الموت تتواصل ضد آلاف المُجوَّعين: 36 شهيداً و208 إصابات اليوم يرفع إجمالية ضحايا «مراكز التوزيع المساعدات الإسرائيلية-الأمريكية» إلى 163 شهيداً و1,495 إصابة.
وأكد البيان أن هذه المؤسسة، بقيادتها «الإسرائيلية» والأمريكية، وتنسيقها الكامل مع جيش الاحتلال، تفتقر إلى كل معايير الحياد والاستقلالية والإنسانية، وهي غطاء واضح لجرائم إبادة جماعية تُرتكب بحق السكان المُجوّعين يومياً.
إلى ذلك قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، فيليب لازاريني، إن يوم آخر من توزيع المساعدات في غزة هو يوم آخر من مصائد الموت.
وأوضح لازاريني في تصريح، أمس، أنه يومًا بعد يوم يتم الإبلاغ عن قتلى وعشرات الجرحى يسقطون عند نقاط التوزيع التي تديرها «إسرائيل» وشركات الأمن الخاصة. وأضاف أن هذا النظام المُهين يواصل إجبار آلاف الجياع والمحتاجين للمساعدة على السير عشرات الكيلومترات مُستثنيًا الفئات الأشد ضعفًا ومن يعيشون في مناطق بعيدة، مؤكداً أن هذا النظام لا يهدف إلى معالجة الجوع.
وأكد لازاريني أنه يجب على «إسرائيل» رفع الحصار والسماح للأمم المتحدة بوصول آمن ودون عوائق لإدخال المساعدات وتوزيعها بأمان وهذه هي الطريقة الوحيدة لتجنب التجويع واسع النطاق بما في ذلك مليون طفل.
وأشار إلى أن أكثر من 12 ألف موظف من أونروا يقدمون الخدمات الصحية وخدمات الصرف الصحي والخدمات النفسية والاجتماعية في واحدة من أقسى البيئات وأشدها قسوة.
وكشف عن أن مستودعات الأونروا خارج غزة مليئة بكمية من المساعدات تعادل 6 آلاف شاحنة، معتبراً ترك الطعام يفسد والأدوية تنتهي صلاحيتها عمدًا، أمرٌ شنيع.