الإبادة العاديّة.. لماذا يتفنن الإسرائيليون في إبادة الفلسطينيين؟!
تاريخ النشر: 31st, December 2024 GMT
أكثر الأسئلة التي تظهر محتارة بخصوص الممارسة الإبادية التي انتهجها الإسرائيليون بخصوص الفلسطينيين في قطاع غزّة؛ لا يمكن الإجابة عليها. فقط الإسرائيلي يمكنه الإجابة عليها، وليس من الممكن لأيّ أحد أن يجمع خياله وقواه العصبية والذهنية ليضع نفسه مكان الإسرائيلي متصوّرا ذاته تمارس تلك الأنواع التي لا تبدو متناهية من الإبادة على الفلسطينيين، وعلى الأرجح ولا حتى الإسرائيلي يمكنه الإجابة، لأنّه من حيث الأصل لا يرى ما يقتضي السؤال ليكون ثمّة إجابة، أي هو لا يرى ما يفعله مستنكرا ليبحث في الدافع بقصد الفهم أو بقصد التسويغ، فما هو عادي وطبيعي لا يُسأل عادة عن سببه، والفعل الإبادي بتنويعاته الهائلة كيفا وكمّا يبدو شيئا طبيعيّا بالنسبة للإسرائيليين، حتى أنه لن يخطر على بال أكثرهم السؤال: لماذا نفعل كلّ هذا بالفلسطينيين؟!
مثلا.
الأمر في حقيقته على وحشيته ولا معقوليته، يبقى أخفّ وطأة من إبادة الأطفال. لماذا يقرّر الإسرائيلي إبادة عائلة كاملة؛ وطائراته تغطي سماء قطاع غزّة بالكامل، و"الكواد كابتر" ترافق من تشاء فوق رأسه، ويمكنها أن تتسلل إلى ما بقي من بيوت، أو إلى خيام النازحين ومدارس إيوائهم؟! يمكن للإسرائيلي أن يقتل من يشاء بدقة، فلماذا ينتظر هدفا حتى يدخل بيته فيقتله مع زوجه وأطفاله؟! لا يمكن تفسير فعل كهذا بالحاجة الأمنية. هو يريد إبادة هذه العائلة وفقط. لماذا؟ لا تدري. حتى هو لا يدري، وهو لا يهتمّ أصلا أن يعرض السؤال على نفسه، أو بنحو أدقّ لا يمكن أن يخطر على باله سؤال كهذا. فكلّ ما فعله في قطاع غزّة كاف لتحقيق أغراضه الثأرية والانتقامية ولتحويل القطاع إلى مكان غير قابل لاستمرار الحياة فيه، وبعد 14 شهرا من الإبادة المروّعة المتسمة بأعلى درجات العنف والإزاحة السكانية ينبغي أن تكون غريزة الثأر والانتقام قد هدأت، لا سيما والحديث ليس عن إمبراطورية مترامية الأطراف يمكنها استيعاب كلّ هذا الهول من جحيم النار الإسرائيلية، بل عن مساحة لا تزيد على حارة في أي مدينة كبيرة في هذا العالم. قارن فلسطين كلّها لا قطاع غزّة فحسب، بأيّ محافظة في بلد عربي كبير، فكيف بقطاع غزّة؟!
لكن حينما لا يجد الإسرائيلي وجاهة في السؤال الذي يُطرح عليه: "لماذا لا يكتفي بهذا الحدّ من القتل والتدمير والتجويع وملاحقة الناس بالبرد والنار في الوقت نفسه؟!"؛ فذلك يعني أنّه يمارس طبيعيته، عاديّته، أي يُعبّر عن نفسه بنحو طبيعي وتلقائي، وهو ما يُذكّر بشرح جابوتنسكي، الأب الروحي لبنيامين نتنياهو، لأخلاقية الحركة الصهيونية، بقوله: "إنه ليس علنا أن نتساءل إذا كانت الحركة الصهيونية أخلاقية، فطالما رضينا أن نكون صهاينة فهذا يعني أنّها أخلاقية". وهو ما يعني أنّ القيمة الأخلاقية تُستخلص من الفعل الإسرائيلي، وأنّ هذا الفعل لا يستمد أخلاقيته من قيم أخلاقية متعالية أو مشتركة بين البشر، فحينما يصف الإسرائيليون جيشهم بأنه "الأكثر أخلاقية في العالم" فإنّهم يعنون هذا تماما، فأيّ شيء مستغرب في الفعل الإسرائيلي إذا كان الكيان الإسرائيلي كلّه قام على سياسة التطهير العرقي المدفوع بالمجازر المروعة؟! اقتلاع شعب من أرضه بالكامل وإحلال مجموعات بشرية أخرى مستقدمة من أصقاع العالم كلّه مكانه، وتحويلها بدورها إلى شعب يملك سردية متخيلة تسوّغ له فعله!
في بداية الحرب على غزّة كان الإسرائيليون يسألون باستهجان حقيقيّ وصادق يُعبّر عنهم تماما: "لماذا لا يستقبل العرب سكان غزّة جميعهم؟!"، التفسير الإسرائيلي لذلك هو أنّ العرب يكرهون الفلسطينيين. قد تكون هذه حقيقة، ولكن ليس لأنّ العرب لم يقبلوا بتغريبة فلسطينية جديدة تحطّ في بلادهم، ولكن لأنّهم سمحوا بإبادة الفلسطينيين في هذه الحارة الصغيرة التي تُدعى قطاع غزّة. لم يكن الإسرائيليون وحدهم الذين يسألون باستغراب عن السبب الذي يحول دون استقبال العرب لسكان قطاع غزّة، فقد صار هذا السؤال يوميّا في جميع البرامج الإخبارية الغربية، ولا معنى لهذا السؤال إلا: "إمّا أن نقتلهم جميعا، أو تستقبلوهم جميعا". الإسرائيلي وشريكه الغربي في الإبادة؛ لا يرى انحطاطا أخلاقيّا في هذا السؤال، لأنّ الأخلاق تنبثق عن الفعل الإسرائيلي. الفعل الإسرائيلي هو مرجعية أخلاقية، حتى لو كان فعل إبادة وتهجير وقتل للأطفال ورمي للجثث لتأكلها الكلاب! جابوتنسكي في تفسيره لعقيدة التهجير قال: "اليهود ليس لهم إلا هذه الأرض الصغيرة (فلسطين)، وأمّا العرب فبلادهم كبيرة واسعة، فتهجير عرب فلسطين إلى البلاد العربية الأخرى فعل أخلاقيّ بامتياز".
قد يُعبّر التهجير عن حاجة، حاجة غير أخلاقية وغير مبررة، ولكنها حاجة لتهويد فلسطين بالكامل بشرا وحجرا وشجرا. ولكن أيّ حاجة للزيادة في أنواع الإبادة ونزع الكرامة الآدمية عن الفلسطينيين، حتى عن جثثهم؟!
الغفلة عن هذه الحقيقة، أي عقيدة الإبادة، واعتيادها إسرائيليّا، لا تنجم عنها تصوّرات خاطئة فحسب في تقييم حرب الإبادة الجارية، كالتبرئة الضمنية لـ"إسرائيل" بجعل ممارستها الإبادية في حربها على غزّة مجرّد ردّ فعل على "خطأ فلسطيني" (أي عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر)، ولكنّها تَحول دون الفهم الحقيقي للخطر الإسرائيلي على المنطقة وشعوبها
إذا قلنا إنّ الإسرائيلي لا يرى وجاهة في هذا السؤال، وقلنا إنّ هذا يعني عادية وطبيعية الممارسة الإبادية، فذلك يعني أنّه يكشف عن عقيدة ضمنية، منبثقة عن وعي جماعي وموقف نفسي تأسيسيّ من السكان الأصليين للبلاد، ومتبلور في أصله من استيعاب التاريخ المتخيل للإسرائيليين وفق ذاكرتهم القومية المصطنعة عن تاريخ "شعب إسرائيل" في العصور القديمة، سواء جرى التعامل مع النصوص التاريخية بوصفها نصوصا دينية مقدسة، إم إرثا قوميّا وذاكرة جماعية لتاريخ "إسرائيل القديم"، وهو المشبّع بالإبادة المقدسة دعوة وتأصيلا وممارسة.
الاعتياد الإبادي؛ يحوّل الإبادة إلى فعل متجاوز للسكان الأصليين للبلاد، لأنّه يصير سمة شخصية، ومكوّنا للهوية، واستحقاقا إسرائيليّا، وهو ما رأيناه في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، التي اتسمت بقصدية إبادة واضحة، وإن دنت في الدرجة عن الإبادة في غزّة لكوابح سياسية، إذ إرادة الإسرائيلي ليست حتمية النفاذ وقدرته ليست مطلقة، وهذا الذي جرى في غزّة ولبنان قابل للاستئناف في أيّ بلد عربي مجاور، كما أنّه قد يكون المصير الذي ينتظر بقية الفلسطينيين في عموم جغرافيا فلسطين، وفي الطليعة من ذلك الضفّة الغربية.
إنّ الغفلة عن هذه الحقيقة، أي عقيدة الإبادة، واعتيادها إسرائيليّا، لا تنجم عنها تصوّرات خاطئة فحسب في تقييم حرب الإبادة الجارية، كالتبرئة الضمنية لـ"إسرائيل" بجعل ممارستها الإبادية في حربها على غزّة مجرّد ردّ فعل على "خطأ فلسطيني" (أي عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر)، ولكنّها تَحول دون الفهم الحقيقي للخطر الإسرائيلي على المنطقة وشعوبها، لا بأبعاده السياسية والإستراتيجية فحسب، بل وبالمعنى المادي المباشر المتعلق بتعمّد الجريمة ضد إنسان المنطقة، بمعناها القانوني الصريح.
x.com/sariorabi
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيليون الفلسطينيين أخلاقية إسرائيل فلسطين غزة ابادة أخلاق مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك اقتصاد سياسة من هنا وهناك صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الفعل الإسرائیلی الفلسطینیین فی ر الإسرائیلی هذا السؤال قطاع غز ة یعنی أن ه لا یمکن الذی ی ة فحسب لا یرى
إقرأ أيضاً:
عامان على طوفان الأقصى| أرقام الإبادة في غزة تفضح فظائع الاحتلال.. ومحلل يكشف
أصدر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة تقريرا شاملا يكشف حجم الكارثة الإنسانية والدمار الشامل الذي ألحقه الاحتلال الإسرائيلي بقطاع غزة.
التقرير الذي تضمن أرقاما صادمة، يسلط الضوء على سياسة ممنهجة استهدفت الإنسان الفلسطيني ومقومات الحياة كافة، في جريمة وصفت بأنها إبادة جماعية موثقة بالأرقام والشهادات.
ومن جانبه، يقول الدكتور جهاد أبو لحية، أستاذ القانون الدولي والنظم السياسية، إن طوال العامين الماضيين، تكشف الوجه الحقيقي للاحتلال الإسرائيلي أمام الرأي العام العالمي.
وأضاف أبو لحية- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن توثيق الجرائم المروعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال، وانتشار الصور والفيديوهات القادمة من غزة، ساهم في إحداث وعي عالمي متزايد، وهذا الوعي، المدعوم بحراك شعبي متواصل، دفع منذ عدة أشهر بعض الحكومات الغربية إلى إعادة النظر في مواقفها المنحازة تقليديا لإسرائيل.
وأشار أبو لحية، إلى أن وفقا لبيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، وتقارير منظمات حقوقية دولية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، فإن حجم الخسائر البشرية والمادية في غزة كان كارثيا:
- أكثر من 67.000 شهيد، أغلبهم من النساء والأطفال وكبار السن.
- أكثر من 170.000 جريح، من بينهم ما يزيد عن 10.000 حالة بتر.
- نحو 20.000 مفقود، يعتقد أن كثيرين منهم ما زالوا تحت الأنقاض أو في المعتقلات الإسرائيلية.
- انهيار شبه تام للقطاع الصحي، بما في ذلك تدمير مستشفيات محورية مثل الشفاء والقدس وناصر.
- تدمير آلاف المدارس والجامعات ودور العبادة والمراكز الثقافية، إضافة إلى البنية التحتية الأساسية.
- وفاة ما لا يقل عن 340 شخصا جوعا، نتيجة الحصار المطبق ومنع إدخال الغذاء والدواء والوقود.
وتابع: "تشير هذه الأرقام إلى أن العدوان استهدف بشكل مباشر مقومات الحياة اليومية للشعب الفلسطيني، في تجاوز فاضح لكل القوانين الإنسانية، وبعيدا تماما عن مزاعم "استهداف الأهداف العسكرية".
وأكمل: "في بداية الحرب، قدمت عدة دول غربية، إلى جانب الولايات المتحدة، دعما صريحا لإسرائيل، سواء عبر التسليح أو الدعم اللوجستي أو السياسي.. لكن مع استمرار العدوان واتساع رقعته، خرجت الملايين في مظاهرات عارمة في مختلف العواصم الغربية، منددة بالإبادة ورافضة لممارسات الاحتلال".
وأردف: "في فرنسا وبريطانيا وهولندا وإسبانيا، برزت دعوات سياسية قوية تطالب بوقف تصدير السلاح لإسرائيل، وفي برلين ومدريد ولندن وباريس، تحولت المظاهرات الأسبوعية إلى حدث منتظم ضاغط، طالب بوقف المجازر وتجويع المدنيين، كما بدأت بعض الحكومات الأوروبية بمراجعة مواقفها، سواء من خلال تخفيف خطابها السياسي المؤيد لإسرائيل، أو من خلال فرض قيود على صفقات السلاح، وهذا الحراك الشعبي لم يقتصر على الناشطين أو فئات محدودة، بل امتد ليشمل نقابات، وأحزاب سياسية، وبرلمانيين، وحتى أكاديميين وفنانين، مما زاد من الضغط على صناع القرار في الغرب لتغيير مواقفهم".
واختتم: "لقد أظهر هذا التحول في السياسات الغربية أن الرأي العام العالمي بات فاعلا حقيقيا ومؤثرا في صياغة المواقف الدولية.. فبفضل الإعلام المستقل، ومنصات التواصل الاجتماعي، والجهود الجبارة للنشطاء في توثيق الجرائم، أصبحت الحقيقة أوضح، ولم يعد بالإمكان تجاهلها أو تبريرها.. ما يحدث هو بداية لتحول أكبر في فهم الشعوب لما يجري في فلسطين، وإدراكهم أن صمت حكوماتهم أو دعمها للاحتلال يجعلها شريكة في الجريمة".
وسوف نرصد لكم، حصيلة الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة بالأرقام بعد عامين على طوفان الأقصى وفقا لـ المكتب الإعلامي الحكومي في غزة:
- 730 يوما على الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد المدنيين في قطاع غزة
- 90% نسبة الدمار الشامل الذي أحدثه الاحتلال في قطاع غزة
- %80 من مساحة قطاع غزة سيطر عليها الاحتلال بالاجتياح والنار والتهجير
- أكثر من 200 ألف طن من المتفجرات ألقاها الاحتلال على قطاع غزة
- 76639 مجموع أعداد الشهداء والمفقودين منذ بدء الإبادة الجماعية
- 9500 منهم شهداء مازالوا تحت الأنقاض، أو مصيرهم مازال مجهولا
- أكثر من 20000 طفل استشهدوا خلال الحرب
- أكثر من 450 طفلا رضيعا ولدوا واستشهدوا خلال حرب الإبادة الجماعية
- 254 من الصحفيين قتلهم الاحتلال الإسرائيلي
- بلغت الخسائر الأولية في القطاعات الحيوية أكثر من 70 مليار دولار
- دمر الاحتلال أكثر من 670 مدرسة وقتل أكثر من 13 ألفا و500 طالب وطالبة
- أعدم الاحتلال 193 عالما وأكاديميا في القطاع