مساحة للأمل في العام الجديد
تاريخ النشر: 31st, December 2024 GMT
«لا جديد يذكر.. ولا قديم يعاد»، هذه العبارة التي ينسبها البعض إلى الشاعر والمفكر العربي أبي العلاء المعري، تصلح تمامًا للتعبير عن مشاعرنا ونحن نودّع عام 2024، الذي كان -في تقديري- من أشد الأعوام قسوة على البشرية بوجه عام، والإنسان العربي على وجه الخصوص.
من مشاهد الحرب الإسرائيلية الهمجية على غزة والضفة الغربية، المستمرة حتى الآن، والتي راح ضحيتها نحو خمسين ألف شهيد فلسطيني، ومحاولات إخضاع المقاومة وجبهات الإسناد في لبنان، واليمن، وإيران، إلى الكوارث التي خلّفها نظام الأسد في سوريا، مرورا بما يحدث في السودان، نستطيع أن نقول للعام الذي حمل عصاه أمس ورحل «لا أعاد الله عاما مثلك مرة أخرى».
عاش العرب عاما صعبا شديد الوطأة.. عاما لم يتميز عما سبقه سوى في زيادة حجم الدماء العربية التي سفكت خلاله في غزة والضفة الغربية وبيروت وجنوب لبنان وصنعاء ودمشق، من عدو واحد وحلفائه الأوروبيين. حجم المعاناة الذي عاشته وما زالت تعيشه شعوب عربية عديدة بسبب صراعات وحروب إقليمية ودولية لم تكن لها يد في إشعالها أو إثارتها، لا يمكن تقديره أو وصفه.
كشف حساب العام الذي انتهى أمس يؤكد أن العالم أصبح بلا قلب، وأن المصالح غلبت المشاعر الإنسانية، وأننا لا نعيش في عالم واحد، بل عوالم متعددة منفصلة ومتناقضة ومتصادمة. كل الصور التي نقلتها وسائل الإعلام طوال العام الفائت عن الوضع الإنساني المتردي في غزة بسبب حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان الصهيوني على البشر والحجر، لم تحرّك معظم دول وحكومات هذا العالم، ليس فقط الحكومات الغربية التي تسيطر على النظام العالمي، بل إنها ربما زادت من إصرارها على دعم التطهير العرقي الذي تقوم به إسرائيل في القطاع المنكوب بالمال والسلاح والدعم الدبلوماسي في المحافل الدولية، بل أيضا حكومات إقليمية أيضا تدفع بكل ثقلها لضمان نجاح العدو الإسرائيلي في القضاء على المقاومة، ليس في غزة فقط ولكن في جميع جبهات المواجهة.
ولولا بقية قليلة من دول عربية ما زالت تدعم المقاومة وتدين الهمجية الصهيونية وتسمح لشعوبها بجمع التبرعات لإغاثة أهل غزة، لقلنا إن العرب جميعا كانوا غائبين أو مغيبين عن ساحات الصراع مع العدو الإسرائيلي خلال عام 2024. اللاعبون الرئيسيون في هذه الحرب الهمجية إلى جانب الكيان الصهيوني، هم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا بالإضافة إلى الأنظمة الإقليمية التابعة لهم، بذلوا كل ما يستطيعون من جهدٍ ومالٍ وعتادٍ حربيٍ وسلاح خلال العام، وما زالوا؛ لضمان استمرار الحرب على غزة ولبنان لأطول فترة ممكنة أملًا في القضاء على كل أشكال المقاومة العربية، وإفشال كل محاولات وقف العدوان الصهيوني الذي طال كل شيء في غزة.
ما الذي يمكن توقعه في عام 2025 الذي بدأ للتو؟ وهل يمكن أن يشهد انفراجة في الأزمات العربية المزمنة؟
واقع الأمر أن العام العربي الجديد يحمل من التحديات أكثر مما يحمل من الفرص. يعزز هذا الاستخلاص مجموعة من العوامل قد تسهم جميعا في بقاء الأوضاع العربية على ما هي عليه دون حدوث تغيير ملموس. يأتي على رأس هذه العوامل استمرار الدعم الأمريكي-الغربي لإسرائيل، بل وتوقع زيادة هذا الدعم بعد تولي الرئيس الأمريكي العائد دونالد ترامب مهام منصبه رسميا في 20 يناير الجاري.
العامل الثاني هو استمرار عجز منظمات المجتمع الدولي خاصة مجلس الأمن الدولي عن ردع إسرائيل، بسبب الفيتو الأمريكي المستمر على كل قرار يحاول المجلس اتخاذه لوقف الحرب على غزة.
ثالث العوامل التي تعزز التحديات وتقلل الفرص العربية في العام الجديد يتمثل في استمرار تراجع الدور القيادي للدول العربية الكبيرة، وإجبارها على الانكفاء على ذاتها، والانشغال بأزماتها وقضاياها الداخلية عن قضايا الأشقاء في فلسطين، ولبنان، وسوريا، واليمن، والسودان، وغيرها.
رغم التحديات المستمرة التي تواجه الأمة العربية في العام الجديد، فإن الأمر لا يخلو من العديد من الفرص المتاحة لتحسين الأوضاع العربية على أكثر من مستوى وبشكل إيجابي. في تقديري أن العام الذي بدأ اليوم يمكن أن يكون عام مداواة الجروح العربية النازفة في أكثر من بقعة جغرافية عربية وأهمها جرح غزة المفتوح منذ خمسة عشر شهرا، إذا ما تم استثمار الفرص المتاحة وحلحلة الخلافات والصراعات السياسية العربية-العربية بروح من الأخوة الصادقة كمقدمة ضرورية لتوحيد الرؤى والمواقف من الأحداث والقضايا العربية. تخيل مثلًا إذا اتفقت الدول العربية كلها في مطلع هذا العام على اتخاذ موقف واحد من الدولة الصهيونية، يقوم على وقف كل أشكال التطبيع والعلاقات الدبلوماسية والتجارية معها، ووقف كافة مساعي التطبيع، وكل محاولات توسيع التعاون الاقتصادي والتكنولوجي معها، وربط عودة كل ذلك بوقف فوري للحرب على غزة والانسحاب الكامل منها، وإعادة إعمارها؟ قرار عربي واحد مثل هذا القرار كان كفيلا بوقف الحرب منذ فترة طويلة، وما زلنا نأمل في صدوره مع بداية عام جديد لإجبار إسرائيل على وقف عدوانها الشامل على غزة، كونها لا تستطيع الاستغناء عن الدعم اللوجستي والأمني والغذائي الذي تتلقاه من دول عربية.
أعلم أن هذا التوافق والاتفاق يبدو مستحيلًا لكنه يمثل في رأيي فرصة أخيرة من الفرص المتاحة أمام العديد من الأنظمة العربية لغسل سمعتها أمام شعوبها واستعادة جزء، ولو بسيط، من التضامن العربي. تخيل أيضًا أن توقف الدول العربية التي تقوم بالوساطة في المفاوضات العبثية لوقف الحرب واستعادة الأسرى، التي تحرص إسرائيل على إفشالها على الدوام، كل اتصالاتها مع الكيان الصهيوني وتربط عودتها للوساطة بوقف فوري وغير مشروط للحرب يبدأ بعدها التفاوض؟ ويبدو أن هناك فرصة تاريخية أمام الدول العربية للاستفادة من تغير التحالفات الدولية وتعزيز دور القوى الدولية الصاعدة والمناهضة للغرب مثل الصين وروسيا، وهو ما يمكن أن يُحجّم الدور الأمريكي المساند للدولة اليهودية.
في اعتقادي أن عام 2025 يحمل في طياته فرصًا كثيرة للعرب على المستوى السياسي. ففي ظل الأوضاع الداخلية للدول العربية، والأوضاع الاقتصادية العالمية، والتحولات الإقليمية والدولية، يمكن أن نتوقع أن يشهد العام جهودًا أكبر لحل الصراعات المزمنة، مثل الأزمة اليمنية، واستقرار الأوضاع في سوريا ما بعد الأسد، وانتهاء الحرب في السودان. وقد شاهدنا في الأيام القليلة الماضية بوادر تفكيك الأزمة السودانية من خلال تدخل تركي لتقريب وجهات النظر بين الداعمين العرب للطرفين المتصارعين، وتزايد الضغوط الدولية والإقليمية للتوصل إلى إنهاء الأزمة بما يصب في صالح الشعب السوداني الشقيق.
ما زالت هناك مساحة للأمل يمكن لنا أن نتمسك بها في مطلع العام الجديد، الأمل في مستقبل عربي أفضل يتمتع فيه الشعب الفلسطيني بحريته، وتعود للشعوب العربية عزتها وكرامتها، وتضامنها في مواجهة عالم لا يفهم إلا لغة القوة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العام الجدید على غزة یمکن أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
تحذير إسرائيلي: مشاهد الجوع غير الأخلاقية في غزة أفقدتنا الشرعية الدولية التي نحتاجها
بينما يزعم الاحتلال أنه شرع بتنفيذ عملية "عربات عدعون" ضد الفلسطينيين في غزة، فإنه يفتقر لإجماع داخلي، والدعم الخارجي، بل إن الضغوط الدولية المتزايدة لإنهاء الحرب تشكل، قبل كل شيء، أخباراً سيئة للغاية بالنسبة للأسرى وعائلاتهم.
وزعمت دانا فايس محللة الشؤون السياسية في القناة 12، أنه "في كل مرة ينشأ لدى حماس انطباع بأن العالم سيوقف القتال في غزة، أو أن الأميركيين سيوقفون نتنياهو، تُظهِر مزيدا من التشدد في مواقفها في المفاوضات، وتصر على التمسك بها، وترسيخها، ولذلك فإن التقارير عن الخلافات بين الاحتلال والولايات المتحدة والدول الأوروبية تلعب على حساب الرهائن، لأن حماس تعتقد حقاً أن جهة أخرى ستقوم بالعمل نيابة عنها، وتضغط على الاحتلال لإنهاء الحرب".
وأضافت في مقال ترجمته "عربي21" أن "الوقائع الميدانية تؤكد ان الاحتلال لم تقم بعد بتحدي حماس بشكل حقيقي، وفي الوقت ذاته، لا يزال يرفض الدخول لغرفة إجراء مفاوضات حقيقية حول صفقة واحدة شاملة، تتضمن معايير إنهاء الحرب، رغم التوافق مع الولايات المتحدة على أن حماس لا يمكن أن تظل السلطة الحاكمة في غزة، لكن اتباع أسلوب الضرب وحده هو نتاج عدم رغبة رئيس الوزراء نتنياهو بإنهاء القتال بهذه المرحلة".
وأشارت إلى أن "الوزراء ونتنياهو نفسه يتحدثون فقط عن "الإخضاع" و"التدمير"، وهي تعبيرات غامضة للغاية وغير واضحة بشأن ما تشير إليه، لأن اليوم تحتاج الدولة لأن تسأل نفسها: ماذا تبقى من حماس، بعد أن تم القضاء بالفعل على معظم القيادات التي كانت في السابع من أكتوبر".
وتابعت، "لو أراد أحد أن يسوق ذلك على أنه "صورة النصر"، فإن بإمكانه الزعم أننا قضينا على آخر القادة الذين قاتلوا في الأنفاق، وهو محمد السنوار، وقضينا على معظم كتائب حماس، ومقاتلوها لم يعودوا يقاتلون الجيش، بل ينفذون فقط عمليات حرب عصابات".
وأكدت أن "أي إسرائيلي إن أراد الترويج "لإنجازات" استثنائية فبإمكانه أن يفعل ذلك في هذه المرحلة من الزمن، لكن هذا لن يحدث، لأن نتنياهو يعزز موقفه، ويريد مواصلة الحرب، مع الإشارة أن بيان الدول الأوروبية وكندا ضد الدولة يذكر "حكومة نتنياهو"، ولا يتحدث عن الدولة بذاتها، وكأنهم يفرقون بينهما".
وأوضحت أن "مناقشات مجلس الوزراء، شهدت تأكيد وزير الخارجية غدعون ساعر أن هناك ضغوطا دولية بشأن قضية المساعدات الإنسانية، وهو ما اعترف به نتنياهو نفسه من خلال ما وصله من مراسلات واتصالات من أصدقائه الكبار في الكونغرس الذين أكدوا له أن مشاهد المجاعة في غزة لا يمكن التسامح معها".
كما أكدت أن "الأميركيين ضغطوا على الاحتلال في موضوع المساعدات الإنسانية لأنه ثمن تحرير الجندي عيدان ألكساندر، رغم أن ذلك يطرح سؤالا أخلاقيا هاما حول عدم مشروعية أسلوب الحصار الذي تطبقه الدولة على الفلسطينيين في غزة، لأن التجويع ليس أداة مشروعة للحرب، ولا ينبغي أن يظل خياراً قائماً، ليس هذا فحسب، بل إنه طريقة غير حكيمة من الناحية التكتيكية أيضاً".
وختمت بالقول أن "حكومة الاحتلال تقود الدولة حاليا إلى حالة من القتال ببطارية فارغة من الشرعية الدولية، مع أنها لم تدخل حروباً وعمليات قط دون إجماع داخلي، ودون شرعية دولية، لكنها الآن تجد نفسها من دونهما على الإطلاق".