فترة من الخمول المقلق، كانت كفيلة بالترحُم على هذا المبنى العريق الذي طالما استنارت به العقول وتربّت عليه أجيال، وتكوّنت معه ذكريات عظيمة، وتخرجت في مدرسته شيوخ الإعلام وارباب الكلمة والفصاحة. 

إنه «ماسبيرو» بكل ما تحمل الكلمة من ثُقلٍ ناعم، وقوة تأثيرية في الوجدان القومي العربي، المنارة التي تشعبت منها كل الأصوات في الأثير، والقبَس الذي استنارت منه أضواء الشاشات من المحيط إلى الخليج.

ماسبيرو، الذي علّم الجميع.. من نال شرف العمل به، ومن عاش سنوات عصره الذهبي أمام شاشاته المعدودة وإذاعاته العتيقة الأصيلة .. قد آن لماسبيرو اليوم أن يعود إلى مجده الأول، أن يسبق إلى نزع الخرافات وزرع القيم، أن ينطق فيستمع الجميع، أن يقرر فيلقى الإجابة والثناء.

أيام معدودات مرت علي تولي المجلس الجديد للهيئة الوطنية للإعلام، بكوادر عدة على رأسها الكاتب أحمد المسلماني، الذي يعرف بحق قيمة ما آلت إليه مسؤولياته وتكليفه، وقيمة ما يحمله هذا المبنى من عبقٍ من ماضٍ عريق، وما يجابهه من تحديات في حاضرٍ تبدلت فيه المعطيات والوسائل والقنوات التأثيرية واللغة التثقيفية حتى بات الأخذ بأسباب الحداثة فرضًا وجوبيًا لكنه في ذات الوقت لا يمنع من التمسك بالأصالة والقيم المجتمعية الثابتة التي لن تهدمها متغيرات العصر ولا تقلُب الأزمنة.

إنها حربٌ ليست سهلة، أن تتمسك بتلابيب القيم والعادات وتتشبث بما بقي من أُطر إعلامية سوية، وتجابه وسائل إعلامية حطمت كل المعقول واللامعقول من أجل زيف التريندات وتحصيل المشاهدات، بلا انتقاء ولا هدف .. هي بالتأكيد مهمة ليست سهلة.

قال لي أحدهم، إن الفرق بين الهادف والهايف ليس حرف وحيد فحسب، إنها مسافة بعيدة من العمل والتحدي والمثابرة للوصول إلى من يستحق الرسالة، وبناء وعي جمعي وذوق اجتماعي يتعاطى مع ما يُقدم بانتقاء سليم وفطرة سوية، أما الكثيرون كالذباب حول اللاشيء فهي ظواهر مثواها إلى زوال لا مناص.

ماسبيرو في خلال شهر، فرض نفسه كقائد حقيقي لمنظومة إعلامية وطنية، لم يحتاج لذلك أدوات مادية أو إمكانيات ضخمة، احتاج فقط رؤية متعقلة من زاوية ثالثة غير منظورة للكثيرين، احتاج فقط قرارًا صائبًا وعقلية توازن أخلاقيات المجتمع المصري وعاداته وتقاليده، احتاج فقط رؤية سياسية اختارت فأحسن، وكلّفت فأصابت.

البداية كانت من نبذ هذا التخلُف والرجعية باسم الفلك التنبؤات والتاروت، والذي يستند إلى خرافات دجلية ليس لها أسس او رؤى تبنى عليها، فما كان من ماسبيرو إلا أنه دق الناقوس، وقال لا في الوقت الذي كادت القصة أن تبدو اعتيادية من التعوُد، لكن التعوُد وإن طال لا ينفي الحقيقة ولا يزدان رغم مساوئه.

ولم تكن النهاية، لكنها الاستمرارية والنزول على رغبة عشرات الملايين من المستمعين والإعلان عن وقف بث الإعلانات على إذاعة القرآن الكريم، وهي رسالة واضحة المعنى وجلية المقصد، بأن الإعلام الوطني المُوجه إلى قلوب وعقول المصريين، أسمى من فكرة التربح والعوائد، وأن قدسية المحتوى الذي تبثه إذاعة القرآن الكريم تترفع عن ألوف أو ملايين الجنيهات.

سألت العاملين في إذاعة القرآن الكريم عن شعورهم بالقرار، هل مبسوطين بعد إلغاء بث الإعلانات ومعها الكثير من الفلوس ومعها ربما أيضًا الكثير من المكافآت الإضافية، فأجاب جُلهم بلا تريث " دة فضل من الله ونعمة .. الثانية بتاعت الإعلانات القرآن أولى بيها والمستمعين أولى بيها".. والمتأمل للرد سيكشف صدق ونقاء وقسط ووفاء من يحمل الرسالة دون أن يركن لأي مغريات أخرى، فهنيئًا لإذاعة القرآن الكريم بالعاملين بها، وهنيئًا للهيئة الوطنية للإعلام بمجلسها الجديد.

ويبقى الأمل ويحيا الطموح ويعيش التمني.. وقد آن لماسبيرو أن يعود .. آن لماسبيرو أن يقود.         

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: ماسبيرو الهيئة الوطنية للإعلام أحمد المسلماني المزيد القرآن الکریم

إقرأ أيضاً:

عبدالله المري يهنّئ سالم صقر المري بدكتوراه «الرؤية الحاسوبية»

دبي: «الخليج»
هنّأ الفريق عبدالله خليفة المري، القائد العام لشرطة دبي، النقيب الدكتور المهندس سالم صقر المري، لتخرجه في «جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي»، أول إماراتي ينال الدكتوراه في تخصّص «الرؤية الحاسوبية» ضمن دفعة 2025.
منهجية علمية
ونوّه الفريق المري، بجهود النقيب سالم، وسعيه المتواصل للحصول على الدرجات العلمية حتى نالت الدكتوراه. مؤكداً أن شرطة دبي لن تألو جهداً في تطوير كوادرها البشرية، عبر سياسة تأهيل تسير وفق منهجية علمية، بما يتوافق مع الخطة الاستراتيجية للقيادة العامة لشرطة دبي.
انطلاقة جديدة
وأعرب الدكتور المري، عن شكره وامتنانه للفريق عبدالله المري، على دعمه للموارد البشرية، وتمكينهم من استكمال تحصيلهم العلمي والمعرفي.
عادّاً أن هذا اللقاء والدعم انطلاقة جديدة نحو مزيد من العطاء والتميّز في المجال الأمني والشرطي.
وأوضح «فخور بتخرجي بالدكتوراه في تخصّص الرؤية الحاسوبية أول أماراتي يتخصص في هذا المجال، لتكون بداية انطلاقه نحو مسيرة بحثية وعلمية لتطوير تقنيات أمنية وشرطية نوعية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. والدعم المتواصل من القيادة الرشيدة للكفاءات الوطنية دافع كبير للاستمرار. وإيمان الدولة بطاقات الشباب يضعنا أمام تحدٍّ مستمر لنكون على قدر الثقة».
ركيزة حيوية
ويُعد تخصّص الرؤية الحاسوبية من الركائز الحيوية في قطاع الذكاء الاصطناعي، حيث يهدف إلى تمكين الحواسيب من تحليل البيانات المرئية بطريقة تحاكي الإدراك البشري.
ويتضمن البرنامج موضوعات متقدمة تشمل الرؤية الثلاثية الأبعاد، وإعادة بناء الأشكال وتحليلها، وتطوير خوارزميات التعلم العميق، ومعالجة البيانات الهندسية الثلاثية، بما في ذلك الشبكات والطباعة الثلاثية.

مقالات مشابهة

  • في ذكرى ميلاده.. أحمد خالد توفيق العرّاب الذي غيّر وجه الأدب العربي
  • رئيس البرازيل يشيد بالدور الحيوي الذي تضطلع به الإنتربول برئاسة أحمد ناصر الريسي
  • الذهب الذي لا يصدأ.. رونالدو يكتب تاريخا جديدا في دوري الأمم الأوروبية
  • إعلان أسماء الفائزين في المسابقة السنوية لحفظ القرآن الكريم بمنطقة الجيزة الأزهرية
  • مؤلم أن يعود بعض الناس عن توبتهم.. مظهر شاهين ينتقد أحمد سعد بعد إحياء حفل غنائي
  • ما هو مرض مها الصغير الذي دمّر حياتها؟
  • إذاعة جيش الإحتلال: الأسطول يحاول مواصلة الإبحار نحو غزة
  • طلبة يعودون إلى مسقط رأسهم في العيد..يكرّمون شيخهم الذي علمهم القرآن الكريم
  • أحمد ياسر يكتب: مؤسسة غزة الإنسانية.. سلاح جديد قاس
  • عبدالله المري يهنّئ سالم صقر المري بدكتوراه «الرؤية الحاسوبية»