اليمن ومعادلة القوة .. قراءة في إسقاط 18 طائرة إمريكية MQ-9
تاريخ النشر: 3rd, January 2025 GMT
يمانيون../
في واحدة من أبرز التحولات في الصراع اليمني، أعلنت قوات الدفاع الجوي اليمنية عن إسقاط 18 طائرة أمريكية من طراز MQ-9 Reaper، وهي إحدى أكثر الطائرات بدون طيار تقدمًا في العالم.
هذا الإنجاز يعكس تغييرًا جذريًا في موازين القوى، ويشير إلى قدرات عسكرية يمنية متنامية رغم الحصار والتحديات.
يعتبر طراز MQ-9 جزءًا من ترسانة الولايات المتحدة الجوية المتقدمة، صمم ليكون سلاحًا استراتيجيًا للتجسس والهجمات الدقيقة.
إسقاط هذا العدد الكبير يمثل انتكاسة تكنولوجية وعسكرية للولايات المتحدة، ويطرح تساؤلات حول التطور العسكري اليمني وآثاره الإقليمية والدولية.
أولًا: دلالة إسقاط الطائرات MQ-9 التطور التكنولوجي اليمني:
طائرة MQ-9 تُعتبر من أحدث الطائرات الأمريكية، مزودة بتقنيات متقدمة تشمل أنظمة مراقبة واستهداف دقيقة.
إسقاطها يشير إلى أن اليمنيين تمكنوا من تطوير منظومات دفاعية فعالة قادرة على اختراق هذه التقنية.
استخدام اليمنيين لأنظمة دفاع جوي محلية الصنع يعكس نجاحًا في الاعتماد على الذات رغم الحصار الدولي المفروض.
كسر الهيمنة الجوية الأمريكية:
الهيمنة الجوية تُعد واحدة من أبرز أدوات الولايات المتحدة في إدارة الصراعات.
إسقاط طائرات MQ-9 يضعف هذا التفوق، ويمنح اليمن قدرة على التصدي لأي تهديد جوي.
إسقاط هذه الطائرات يرسل رسالة مفادها أن السماء اليمنية لم تعد مفتوحة للخصوم، بل أصبحت مجالًا محفوفًا بالمخاطر.
تعزيز الردع:
هذه العمليات ترسخ معادلة الردع الإقليمي وتثبت قدرة اليمن على مواجهة أكبر القوى العسكرية. تعزز هذه العمليات ثقة الشعب اليمني بمقاومته، وتزيد من عزيمة المقاتلين في التصدي لأي عدوان خارجي.
ثانيًا: الأبعاد الإقليمية والدولية لإسقاط MQ-9 تأثير على الاستراتيجية الأمريكية:
الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على الطائرات بدون طيار في تنفيذ العمليات الاستخباراتية والهجومية.
إسقاط طائرات MQ-9 يجبر واشنطن على مراجعة استراتيجيتها في اليمن والمنطقة.
هذه الحوادث تكشف عن ثغرات في التكنولوجيا الأمريكية، مما قد يؤثر على سمعة صادراتها الدفاعية عالميًا.
الرسائل الإقليمية:
نجاح اليمنيين في استهداف هذه الطائرات يرسل رسائل قوية لدول التحالف بقيادة السعودية والإمارات بأن المعركة الجوية ليست في صالحهم. هذه الإنجازات قد تشجع حركات مقاومة أخرى في المنطقة على تطوير قدراتها الدفاعية استنادًا إلى النموذج اليمني.
الدلالات السياسية:
إسقاط الطائرات يعزز موقف اليمن سياسيًا، ويدفع الخصوم لإعادة حساباتهم بشأن التصعيد العسكري. يكشف عن فشل الرهان على القوة الجوية لتحقيق الأهداف السياسية والعسكرية في اليمن.
ثالثًا: قراءة في الأرقام والإنجازات
وفق البيانات، تم إسقاط 18 طائرة أمريكية من طراز MQ-9، منها 14 طائرة خلال معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”.
هذا الإنجاز يعكس تطورًا نوعيًا في الأداء الميداني والدفاعي، ويبرز:
الاستراتيجية الدقيقة: العمليات لم تكن عشوائية، بل جاءت وفق خطة منظمة استهدفت تعطيل الهيمنة الجوية.
توقيت العمليات: معظم الحوادث تزامنت مع معارك كبرى، مما يشير إلى تكامل الدفاع الجوي مع العمليات البرية.
التوزيع الجغرافي: تمت العمليات في مختلف المناطق، من مأرب وصعدة إلى البيضاء والجوف، ما يعكس تغطية واسعة وشبكة دفاع جوي متقدمة.
رابعًا: التحديات المستقبلية والتحولات المتوقعة التصعيد الأمريكي المحتمل:
قد تلجأ الولايات المتحدة إلى تكثيف الضغوط العسكرية والدبلوماسية لتعويض هذه الخسائر.
يمكن أن تعمد إلى تعزيز تقنياتها الجوية أو إدخال طائرات أكثر تقدمًا للتعامل مع التهديد اليمني.
تطور الدفاعات اليمنية:
نجاح إسقاط MQ-9 يفتح المجال أمام مزيد من التطوير في أنظمة الدفاع الجوي، مما يعزز القدرات الردعية لليمن. قد تظهر أسلحة جديدة تستهدف طائرات الشحن أو المقاتلات التقليدية، مما يزيد من تكلفة الحرب على الخصوم.
تأثير على ميزان القوى الإقليمي:
استمرار الإنجازات اليمنية قد يغير موازين القوى في المنطقة، ويدفع دول التحالف لإعادة تقييم سياساتها.
الدعم الشعبي للمقاومة في المنطقة قد يزداد، مستلهمًا من النجاحات اليمنية في التصدي للقوى الكبرى.
خامسًا: دروس مستفادة أهمية الإرادة الوطنية:
الإنجازات اليمنية تؤكد أن الإرادة والتصميم يمكن أن يتغلبا على الفجوة التكنولوجية الكبيرة.
التكامل بين الميدان والتكنولوجيا: نجاح الدفاعات الجوية اليمنية يعكس تنسيقًا بين المعرفة التقنية والتخطيط الميداني.
إعادة تعريف القوة: لم تعد القوة تعتمد فقط على الحجم العسكري أو التقنية المتقدمة، بل أصبحت مرتبطة بقدرة الدول على تحقيق أهدافها رغم التحديات.
خاتمة:
إسقاط طائرات MQ-9 يمثل نقلة نوعية في الصراع اليمني ويعيد تشكيل معادلات الردع في المنطقة.
هذا الإنجاز ليس مجرد نجاح تقني، بل يعبر عن إرادة شعب يرفض الهيمنة ويصر على الدفاع عن سيادته. يبقى السؤال: كيف ستتعامل القوى الكبرى مع هذا التحول؟ وهل ستكون السماء اليمنية مفتاحًا لإعادة صياغة موازين القوى في الشرق الأوسط؟
تقرير هاني الخالد
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
من الدعوة إلى الدولة: قراءة هادئة في مسار الحركة الإسلامية في اليمن.
"عن اليمن بودكاست والحلقة الاستثنائية مع الصحفي والباحث سعيد ثابت"
في زمن تزدحم فيه المنابر بالصخب والادعاء، وتُختزل الحركات الكبرى في سرديات متعجلة، جاءت حلقة “من الإخوان إلى الإصلاح: قصة الحركة الإسلامية في اليمن” التي قدّمها “اليمن بودكاست” وأدارها الإعلامي أسامة عادل، لتقدّم مادة مختلفة في شكلها ومضمونها، وتفتح نافذة موثّقة على واحدة من أكثر التجارب السياسية اليمنية جدلًا وإثارة للتأمل.
لم تكن الحلقة مجرد إضافة أرشيفية إلى محتوى سياسي متكرر، بل بدت وكأنها عمل توثيقي نادر يعيد ترتيب الذاكرة السياسية اليمنية، ويخوض بأسلوب هادئ ومتماسك في ملف غالبًا ما عُولج بخفة أو عدائية أو اختزال.
بعيدًا عن الشعارات الجاهزة والتصنيفات المقولبة، بدا الحوار وكأنه محاولة لاستعادة الفكرة من تحت ركام المعارك، وإعادة قراءتها في سياقها الزمني والاجتماعي، لا من خلال عدسة الاستقطاب الإقليمي أو صراع الهوية السياسية المعاصرة.
ضيف الحلقة الباحث والصحفي المعروف سعيد ثابت سعيد، لم يبدُ كضيف تقليدي يسرد ما حفظه من تواريخ، بل كمراقب عميق حمل ذاكرة جماعية عن الحركة الإسلامية في اليمن، وسعى بلغة هادئة ونبرة متزنة إلى إعادة تركيب تلك الذاكرة دون انفعال أو تبرير، فلم يتحدث كناشط حزبي أو كاتب منحاز، بل كمن عاش تفاصيل المشهد من الداخل، ورصد تحوّلاته عن قرب عبر محطات متعددة.
تناول سعيد ثابت التجربة الإسلامية في اليمن بوصفها مسارًا اجتماعيًا وفكريًا وسياسيًا معقّدًا، له جذوره المحلية وتحوّلاته الخاصة، فبدأ من البدايات الفكرية للحركة، ثم انتقل إلى لحظة التشكل التنظيمي، مرورًا بعقود من الحضور في السلطة والمعارضة معًا، حديثه، الذي امتد لأكثر من ساعتين، لم يكن مجرد عرض زمني للأحداث، بل مراجعة نقدية موثقة تسبر أغوار التجربة، وتضع كل مرحلة في سياقها، لتعيد التذكير بأن الحركات السياسية لا يمكن فهمها خارج بيئتها الأولى وظروف نشأتها
في هذا المقال، سنقترب أكثر من أبرز المحاور التي تناولتها الحلقة، ونفكك بعض ما طرحه سعيد ثابت من رؤى وسرديات، لا بوصفها شهادات عابرة، بل كوثيقة تسهم في بناء سردية يمنية أكثر توازنًا وعمقًا حول مسار لم يُروَ بعد كما يجب.
عودة إلى الجذور: حين كان المشروع يمنيًا بحتًا
من البداية، أعاد سعيد ثابت الحديث إلى نقطة الانطلاق، إلى ما قبل تأسيس حزب الإصلاح، حين لم تكن هناك أحزاب، ولا تعددية سياسية، بل فقط أفكار ومشاريع ورجال يحملون رؤاهم على أكتافهم، ويجوبون بها من عدن إلى صنعاء.
تحدّث عن البدايات الأولى للحركة الإسلامية في اليمن، حين تأثر بعض الطلاب اليمنيين في مصر بأفكار حسن البنا وسيد قطب، لكنهم ، كما أوضح الباحث سعيد ثابت، لم يعودوا إلى اليمن كمنفذين لتعليمات خارجية، بل عادوا بمشروع محلي يرون فيه مخرجًا لبلدهم من الاستبداد والفقر والجهل.
أسماء مثل عبدالمجيد الزنداني وعبده محمد المخلافي، كانت من أوائل من صاغوا هذا الاتجاه في نسخته اليمنية، لم يكونوا يطمحون لتأسيس “فرع” تابع لتنظيم دولي، بل كانوا يريدون أن يبنوا تجربة يمنية ذات خصوصية، ومن هنا جاءت فكرة المعاهد العلمية، التي رأى فيها ثابت أنها لم تكن أداة تجييش، بقدر ما كانت محاولة لبناء جيل جمهوري، متدين، ومحصن فكريًا في وجه الماركسية والطائفية معًا.
هذا التأسيس الذي تم في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي كان نقطة مفصلية، لأنه حدث بإرادة سياسية يمنية، لا بتدخل خارجي ولا تمويل مستورد، وهو ما حاولت الحلقة التأكيد عليه أكثر من مرة: أن الإسلاميين في اليمن لم يكونوا في يوم من الأيام مجرد نسخة محلية عن مشروع خارجي.
حزب الإصلاح.. كيان سياسي أم امتداد تنظيمي؟
في الجزء الأهم من الحلقة، تحدث سعيد ثابت عن نشأة التجمع اليمني للإصلاح بعد الوحدة، وكيف أن تأسيس الحزب لم يكن مجرد إعادة تموضع للإخوان المسلمين، بل كان استجابة طبيعية لتحوّل الدولة إلى العمل الحزبي التعددي.
أشار في حديثه إلى أن الإصلاح ضمّ في تركيبته منذ اللحظة الأولى مشايخ قبائل، وقادة عسكريين، وعلماء دين، وشخصيات اجتماعية، إلى جانب التيار الإسلامي التقليدي، وهذه الهُوية المركبة هي ما جعلته حزبًا سياسيًا بامتياز، يشتبك مع الواقع ويخوض الانتخابات، ويتحالف مع المؤتمر الشعبي، ثم يدخل في “اللقاء المشترك” مع خصومه الأيديولوجيين في مرحلة لاحقة.
لكن، وكما أوضح سعيد ثابت، فإن هذا التماهي مع الدولة "خصوصًا في فترة التحالف مع صالح" كان سيفًا ذا حدين، فقد منح الإصلاح نفوذًا واسعًا، لكنه في الوقت نفسه حمّله تبعات العلاقة بالسلطة، فحين انقلبت السلطة، كان الحزب هو أول من تلقّى الضربة، وأول من اتُّهم بكل شيء.
وهنا كان الطرح النقدي حاضرًا في كلام سعيد، دون مواربة: الإصلاح ارتكب أخطاء، نعم، لكنه لم يكن يومًا مشروعًا انقلابيًا أو عنفيًا، وإذا كان قد ضعف سياسيًا بعد 2015، فليس لأنه انهار تنظيميًا، بل لأن السياق كله تغيّر، وتحول المشهد من العمل السياسي إلى واقع مليء بالسلاح والتحالفات الإقليمية المعقدة.
تفكيك الأكذوبة: الإصلاح ليس مكتب بريد للإخوان
من اللحظات المهمة في الحلقة، تلك التي تناولت فيها النقاشات المتكررة حول اتهام الإصلاح بأنه فرع للإخوان، سعيد ثابت لم ينكر التأثر الفكري، لكنه شدد أن التنظيم لم يكن امتدادًا عضويًا للإخوان، لا تنظيميًا ولا سياسيًا.
بل على العكس، قدّم سردًا دقيقًا لمسارات الاستقلال المبكر، من رفض تأسيس خلايا تابعة، إلى بناء مشروع يمني داخلي، يشتبك مع الواقع المحلي ولا ينتظر التعليمات من الخارج.
قوة هذا الطرح أنه لم يُقدَّم كرد فعل دفاعي، بل كوقائع وسياقات تاريخية، من لقاء الزبيري مع البنا، إلى عودة المخلافي والزنداني إلى اليمن، إلى تأسيس الإصلاح بعد الوحدة، وكل ذلك جرى دون غطاء خارجي ولا وصاية فكرية.
في لحظة الانهيار… من بقي جمهوريًا؟
واحدة من أكثر المحاور إثارة في حديث سعيد كانت عند سؤاله عن موقف الإصلاح من سقوط صنعاء، ودوره بعد 2014. لم يُنكر أن الموقف كان مرتبكًا، لكنّه لفت إلى أن الإصلاح، ورغم الحملة الإعلامية الشرسة ضده، ظلّ الطرف الأكثر وضوحًا في التمسك بالجمهورية.
تحدّث عن ما أسماه “الخذلان المركّب”، حيث تخلّى الحلفاء، وهاجم الخصوم، واصطف بعض شركاء الأمس مع الإمامة الجديدة، أما الإصلاح، فرغم ضعفه وانكشافه، لم يكن جزءًا من الانقلاب، بل وقف في وجهه بقدر ما استطاع، وانخرط في معركة الدفاع عن الدولة من مواقع متفرقة، في السياسة والإعلام والجبهات.
أكثر من مجرد سرد.. الحلقة التي أعادت كتابة الملف
ما يجعل هذه الحلقة استثنائية حقًا، أنها ليست مجرد استرجاع لتاريخ الإسلاميين في اليمن، بل كانت أشبه بمحاولة لتقديم “سيرة وطنية بديلة” تُنصف التيار الإسلامي دون أن تبرّئه، وتنتقده دون أن تُشيطنه، وهو ما نجح فيه سعيد ثابت بامتياز: لم يكن منحازًا، لكنه كان صادقًا. لم يكن مدافعًا، لكنه أنصفها في حديثه فنظر إلى الداخل، وراجع الذات، وتحدث بلغة لا تحرض ولا تبرر، بل تشرح وتفكك.
إدارة الحوار من قبل أسامة عادل أضفت على الحلقة طابعًا احترافيًا هادئًا، فقد غاب صوت المذيع في اللحظة التي يجب أن يغيب فيها، ليعلو صوت الذاكرة والمعلومة والتحليل.
حين يصبح التاريخ ملكًا للجميع.
ختامًا، قد تكون هذه الحلقة أكثر من مجرد توثيق شفهي لمسار تيار سياسي، فالحلقة في جوهرها، تمثل محاولة نادرة لإعادة اليمنيين إلى أرشيفهم المنسي، إلى تاريخ لم يُكتب بيد الغالب وحده، بل بصوت شاهد أراد أن يفهم لا أن يدين، وأن يروي لا أن يوجّه، فليست “قصة الإسلاميين” في هذه الحلقة سوى بوابة لفهم اليمن نفسه، حين كانت الفكرة سلاحًا، والكلمة جبهة، والمشروع الوطني هو المعركة الأهم.
فمن الطليعة إلى الإصلاح، ومن الزبيري الحالم بوطن عادل إلى الزنداني المثير للجدل، ومن المعاهد العلمية في زمن الحمدي إلى دهاليز السياسة في عهد صالح، ومن صناديق الاقتراع إلى جبهات مأرب وتعز، كانت التجربة الإسلامية في اليمن تتحرّك في قلب الأحداث، لا على هامشها، نعم، لم يكن مسارًا مستقيمًا، بل متعرجًا بين الإيمان والفعل، بين التديّن والسياسة، بين المبادرة والخطأ، لكنه كان، وسيبقى، جزءًا لا يمكن فصله من سيرة هذا الوطن الذي لم يكتب تاريخه بعد كما ينبغي.
وإذا كانت كثير من الحلقات الإعلامية تمرّ مرور العابرين، فإن هذه الحلقة ، بما احتوته من رصانة في الطرح وهدوء في النبرة ، قد تبقى عالقة في ذاكرة من سمعها، لا لأنها تبحث عن الإثارة، بل لأنها سعت إلى الفهم، لم تُروَ القصة بلون واحد، بل بأطيافها وحوافها وتناقضاتها، كما تُروى الحكايات التي يُراد لها أن تبقى، خاصةً ونحن في زمن ضياع الحقائق وتزاحم الأصوات المرتبكة، حيث تمزّقت السرديات وتكاثرت محاولات التزوير والتسطيح، بدا الإنصاف لا الولاء، هو السبيل الوحيد لفهم التاريخ، وإعادة بناء الوعي، فالتاريخ لا يُكتب على عجل، ولا يُفهم بالاصطفاف، بل بالاقتراب من الحقيقة كما هي، بظلالها لا بضجيجها.
وهكذا، تصبح هذه الحلقة أكثر من مجرد شهادة.. بل مفتاحًا صغيرًا لبوابة أكبر: بوابة الفهم، التي لا يُفتح المستقبل من دون عبورها، ولا تُصان الذاكرة من دون إنصافها