رجب طيب أردوغان قائد تركي تاريخي من الوزن الثقيل. نجح الرجل في إخراج تركيا من قبضة حكم العسكر المباشر أو غير المباشر مرة والي الأبد ووضع المؤسسة العسكرية التركية الأبوية الناتوية في علبها. وهنا تكون الديمقراطية التركية مدينة للسلطان إردوغان الإخواني بخطوة جبارة للأمام رغم إنها ككل الديمقراطيات تظل غير مكتملة.
ولو أثبت التاريخ في المستقبل أن إردوغان وضع لبنة في صرح صالح بين الإسلام السياسي ونوع من الديمقراطية فسيكون ذلك إسهاما تاريخيا بكل المقاييس يستحق جائزة نوبل للسلام ست مرات. ولكن هذه قضية سيحسمها تطور المسار السياسي في المستقبل. حاليا نلاحظ أن تركيا – تحت السلطان الأخواني – دولة ديمقراطية في أمس قريب ولت البنك المركزي، أهم مؤسسات الدولة، لشابة مليحة جات من أمريكا ويستطيع المسلم أن يحتسي بيرة تركية، نسيت إسمها، في أزقة إسطنبول لكن بصراحة نبيذ الخطوط الجوية التركية تافه.
أيضا شهد عهد السلطان إردوغان تحرر القرار الوطني التركي من التبعية لأي جهة مثل أمريكا والغرب وروسيا. وصار ديدن السلطان أن يتخذ القرار الذي يري فيه مصلحة تركيا (أو مصلحته) وليشرب بوتين وبايدن وشرودر البحر.
ومن بركات السلطان إردوغان إنه فرض علي المنظمات الدولية والإعلام العالمي إستعمال اسم دولته “تركيا” وليس “تيركى” كما يسميها الفرنجة وتيركى هو ديك الروم الشين ولكن هذه قضية جانبية.
وبلغت الجرأة بالسلطان أن طلب الإنضمام لمجموعة البريكس مع أن تركيا عضو شديد الأهمية الأستراتيجية في حلف الناتو الغربي. كيف سيزن بوتين وتشي جينبينغ طلب السلطان للإنضمام للمجموعة سيكون من ملفات العام الجيوسياسية التي تستحق المتابعة. ما يصعب من مهمة بوتين وتشي جينبينغ التقييمية بالذات ان السلطان حليف غير موثوق به دائما يلعب صالح ورقه ومستعد لبيع جميع الحلفاء أسفل النهر مثل ما باع بوتين وأسقط حليفه بشار الأسد بالضربة الداعشية القاضية.
في الملف السوداني، شغلت مبادرة السلطان إردوغان للصلح بين حكومتي الأمارات والسودان حيزا إعلاميا واسعا وتترت الفتاوي وتراوحت بين أقطاب المعقول واللا-معقول إياها.
من جانبي، بدت لي مبادرة إردوغان كبعد من أبعاد الصراع في المسرح السوري تم الزج بالسودان فيه ككرت ضغط لا أكثر ولا أقل.
رغم إن السيد إردوغان ابن حركة الإخوان المسلمين وزعيمها الأممي الأقوي شكيمة إلا إنه في الأساس قومي تركي يعلي إلتزامه التركي علي عطفه الطبيعي علي حكومة البرهان المستهدفة من أعداء الأخوان في الداخل والخارج.
شكلت عملية إسقاط نظام البعث الأسدي في سوريا بتحالف يقوده إسلاميون تابعون لإردوغان بلا شك إنتصارا هاما لحركة الإسلام السياسي الأقرب لايديلوجيا الأخوان. ولكن التحالف المنتصر ضم أيضا أكراد حلفاء لأمريكا وضباط علمانيين يعملون لصالح القوي الأقليمية المعادية للإخوان عن حق أحيانا وكسىتار لمحاربة الديمقراطية في أحيان أكثر تواترا.
لذلك كان من المتوقع بروز خلاف إستراتيجي حول ترتيب البيت السوري في مرحلة ما بعد الأسد. إذ يلقي السلطان كامل وزنه لصالح جماعة أبو محمد الجولاني بينما تسعي دولة الأمارات لترجيح كفة الكمبرادور العلمانيين البائعين خدماتهم لأعداء الأخوان.
تفسيري لمبادرة السلطان إردوغان للصلح بين حكومتي السودان والامارات إنها لا علاقة لها بالسودان إذ أتت كضربة تحت الحزام لتحذير الأمارات من معاكسة تركيا في المشهد السوري. إذ أن روح المبادرة تقول أن الحرب في السودان هي حرب الأمارات وبالتالي فإنها مسؤولة عن كل الخراب الذي يحدث في السودان بسببها. وفي هذا تحذير من السلطان للأمارات بان تركيا بإمكانها إستخدام الملف السوداني لكشف حال الأمارات وتشويه سمعتها إن هي عاكستها في سوريا لذلك فمن الأفضل أن “تخليها مستورة” كما قال الألماني علي الحاج.
وهذا يعني أنه إذا إرعوت الأمارات في سوريا لصالح الدولة التركية فان مبادرة صلح السودان سيطويها النسيان لكن أي شنكبة عنكبة لدينا ملف سوداني تعلمونه جيدا.
وهذا لا ينفي ميل إردوغان الطبيعي للإخوان واحبابهم في السودان ولكنه يظل أولا وفي الأساس قوميا تركيا يمارس السياسة بفقه الصفقة “الشي بالشي ذي ما قال حميدتى للإتحاد الأوروبي في ملف صيده للمهاجرين الأفارقة عبر الصحراء “. وهذا يعني أن السلطان عادة ما يتخذ مواقف صديقة للأخوان ولكن لو تعارضت الأخونة مع المصلحة القومية لتركيا كما يراها السلطان فان الأخونة تذهب لمكب زبالة خرسيس أدب سيس.
وهذا يعني أن صانع السياسة الحصيف في السودان أو أي مكان لا يستطيع تجاهل السلطان الشكيم، فهذا ترف تجنبه بوتين وبايدن، ولكنه في نفس الوقت لا يستطيع أن يثق في سلطان دائما راقد ليهو فوق راي ومستعد للبيع بالسعر المناسب.
والله أعلم.
معتصم أقرع
معتصم اقرع إنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: السلطان إردوغان فی السودان
إقرأ أيضاً:
الطاهر ساتي يكتب: لاتخبروهم .. !!
:: فاشر السلطان تنتصر في المعركة رقم (227)، بلسان حال قائل للجنجويد : ( هل من مزيد ؟)..وتحليل الوضع السياسي الراهن – على خلفية الانتصارات العسكرية – لم يعد كما لخّصه شاعر البطانة إبن عوف في بدايات معركة الكرامة :
جيشنا الجسور العاتي
بالّي الهوان يوماتي
الطلقة في الدعامي
والآهة من قحّاتي
:: لقد تطور الواقع السياسي، بحيث الآهة صارت تخرج من مشيخة أبوظبي أيضاً، أي ليست فقط من (قحاتي)، كما قال إبن عوف..مع كل نصر تتأوه أبوظبي، بحيث تغلق مطاراتها في وجه طائراتنا، ثم موانئها في وجه بواخرنا، وهكذا.. فالمواجع بدارفور و كردفان، بيد أن الآهة مصدرها الكفيل ..!!
:: و الفرسان يصلون الجنجويد سعيراً بكل المحاور، و ليس فقط بالفاشر.. ولكن بهدوء، وبعيداً عن تنظير القاعدين و صخبهم و ( شفقتهم)، وبعيداً عن الضغط الاعلامي غير المهني و الجاهل بعلوم العسكرية و طبيعة المعارك وخُططها و مراحل العمليات و غيرها ..!!
:: و لمن يُحزنه إنشغال الإعلام بالحكومة و قضايا المدن الآمنة، وعدم رصده ومتابعته للمحاور العسكرية بذات الحماس و الإندفاع، فليطمئن، إذ خيرٌ للجيش أن ينشغل عنه صخب الإعلام الأشتر، و ما ضره بالخرطوم و الجزيرة وغيرها إلا حماقات بلغت مداها كشف تحركاته، بمظان الدعم و التشجيع ..!!
:: و المهم، الفاشر تنتصر..وقد سألوا إبن سيناء إن كان للحرب خيراً، فأجابهم، يصطفي الله الشهداء، يُريح الناس من أشرار، يفضح الخائن، وتنجلي معادن البعض ..وهذا ما يحدث في المعركة التي يخوضها الشعب لينتصر في كل ربوع السودان ..وقد ظن آل دقلو بأن انسحابهم من الخرطوم يعني أن تُدّثرهم ما يسمونها بحواضنهم وتُزمّلهم، ولكن هيهات ..!!
:: حواضن الحب و الحق و الخير والجمال بدارفور وكردفان لن تحتضن نفايات أبو ظبي ومرتزقة كولمبيا.. و لو قُدّر لإبن سيناء أن يكون شاهداً على معركة المصير التي يخوضها شعب وجيش السودان ضد الأطماع الإماراتية، لأضاف لتلك الخيرات ما يحدث للوجدان السوداني حين ينتصر فرسان الجيش ومورال على الجنجويد و مرتزقة كولمبيا و ضحايا الطاهر حجر و الهادي إدريس..!!
:: فالشاهد أن حجر وإدريس جمعا جيشاً من الأطفال حول الفاشر، ليتم توزيعهم – بواسطة نخب الماهرية – في المداخل، ليؤمنوا أهل الفاشر بعد خروجهم من ديارهم إلى مناطق إنتشار الجنجويد، أو كما يشتهون، أي يُريدون لأهل الفاشر أن يستجيروا من رمضاء الحصار بنار الجنجويد، ولكن فرسان الجيش وموراك حصدوا قوات التأمين التي تقدمت أولاً، ثم الأفاعي لاحقاً..!!
:: (543) عربة قتالية،جهزتها مشيخة أبوظبي لتهاجم فاشر السلطان بالأمس، ولكن فرسان الجيش وموال و المستنفرين والميارم كانوا كالعهد بهم دائماً، خفافاً عند الفزع، ثم نبالاً في نحور الجنجويد وسهاماً في صدورهم و سيوفاً على أعناقهم .. صدوهم، ليتفرقوا ما بينى هلكى وجرحى وأسرى و( مٌعردين)، وغنم الفرسان ( 34) عربة قتالية وصرار بكامل عتادها، فشكراً للمشيخة..!!
:: لو كان السلاح فقط من ينتصر، لما صمدت الفاشر يوماً، ولكن النصر بحاجة لقلوب تنبض بالوطن و نفوس تؤمن بالقضية، وسواعد غير معتادة على النهب و (الشفشفة)، وهي العناصر المفقودة في جنجويد أبوظبي، و لذا يتجرعون كؤوس الهزائم.. !!
:: و لاتخبروا الجنجويد بإن محاولة غزوهم لفاشر السلطان هي تذكرة ذهاب بلا عودة إلى السماء ذات البروج، كما قال مناوي .. لاتخبروهم، بل دعوهم حتى يستوعبوا بانهم يُساقون إلى المحارق لصالح أبو ظبي و آل دقلو، أو لحين تنظيف الأرض منهم، ليتعافى الحاضر و يزدهر المستقبل ..!!