صدى البلد:
2025-06-02@13:26:05 GMT

د.محمد عسكر يكتب: حتى لا يفوتنا قطار التكنولوجيا !

تاريخ النشر: 5th, January 2025 GMT

قبل أن تقرأ مقالى هذا، أرجوك أن تتأمل بدقة الجهاز الذي بين يديك والذي تقرأ من خلالة هذه الكلمات، سواءً أكان هاتفاً ذكياً أم حاسباً ألياً، أو أى جهاز أخر من الأجهزة الإلكترونية الحديثة بمختلف صورها و أشكالها. بل أرجوك أن تذهب بعيداً عن ذلك وتنظر حولك  قليلاً على كل ما يوجد فى منزلك أو فى مكتبك من أدوات وأجهزة إلكترونية مختلفة وما تستخدمة يومياً من برامج وتطبيقات تكنولوجية أيضاً،

وإسأل نفسك هل أياً منها هو صناعة عربية؟! وهل من بينها منتجاً واحداً عربياً؟! هل ترى أسماً لأى دولة أو شركة عربية مطبوعاً عليها؟! فإذا كانت إجابتك كما أتوقعها لا…ليس الأمر كذلك، فالسؤال المنطقى والبديهى إذاً هو أين تقع دُولنا العربية على خارطة التكنولوجيا العالمية؟! وإلى أين تتجة بُوصلتُها؟! وما هو موقف أمتنا العربية إزاء هذه التحديات الجسام التي يفرضها عصر التكنولوجيا والذكاء الإصطناعى؟ هذا هو السؤال المحوري.

 

هل يمكننا أن نظل هكذا على وضعنا الحالي مجرد مستوردين للتكنولوجيا وليس مطورين لها، مستخدمين ومستهلكين ننفق أموالنا دولاً و أفراداً للحصول على ما أنتجة العالم المتقدم في الغرب والشرق؟! فما هي أسباب هذا التأخر والتراجع التكنولوجي وعواملة؟! وأين يكمن الخلل الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه من تأخر وتراجع على المستوى التقنى؟ وكيف هو السبيل للخروج من هذه الهوة العميقة التي سقطنا فيها لنصبح مارداً عالمياً في عالم التكنولوجيا؟

إن ما نشهدهُ اليوم من تطورات متلاحقة في عالم التكنولوجيا الحديثة وما يصاحبة من تنافس دولى محموم لتطوير قدرات الذكاء الإصطناعي وتقنياتة يمثل ثورة حقيقة ستؤدى حتماً إلى فرض واقع جديد قادرعلى تغير المشهد تماماً وإحداث تغيرات كبيرة في مختلف نواحى الحياة الإقتصادية والإجتماعية ، وهذا بلا شك سيؤثر بشكل مباشر على سوق العمل وإلى ظهور أنماط جديدة من الأعمال تختلف تماماً عما نعرفة ونراه اليوم  سواءً من حيث طبيعة العمل نفسة أوأسلوبة ونوعيتة.

 لقد أضحت التكنولوجيا من أهم الأدوات اللازمة للتطور والتقدم، ولا أبالغ إذا قُلت أننا نعيش حقاً فى عصر التكنولوجيا التي أحدثت تحولاً كبيراً في حياة الناس، فنحن جميعاً نشهد رأى العين التطورات المذهلة على الصعيد الرقمى وإستخدام الآلة والذكاء الإصطناعى· التكنولوجيا باتت عنصر ضرورى ومهم جداً فى حياتنا اليومية،  بل إنة لم يعد بمقدورِنا الإستغناء عنها في الوقت الراهن وينطبق ذلك على أبسط أمور حياتنا وعلى أكثرها تعقيداً على حدٍ سواء·

 لقد عمَت التكنولوجيا لتغطي كل جوانب حياتنا: في المنزل والمدرسة ومكان العمل والمستشفى وأماكن الترفيه والسوبر ماركت،… الخ، فلم يعد بإستطاعتنا إنجاز الكثير من الأعمال بدونها، ولو حدث عطل مثلا في جهاز من الأجهزة لتعطل الإنتاج وربما لتوقف العمل و لخسرت الشركات خسائر مادية فادحة· 

وفي وقت يشهد فيه العالم بأثره ثورة الذكاء الإصطناعى والتطور التكنولوجى الهائل والسريع فى مختلف جوانب الحياة، وما صاحب ذلك من ظهور حلول وتقنيات حديثة تسهل سُبل الحياة مثل أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والبرمجيات وشبكات الإتصالات والأنترنت والمواقع الإلكترونية وغيرها من تطورات تكنولوجيه متلاحقه تتسارع وتيرتُها يوماً بعد يوم، لا يزال العالم العربي للأسف الشديد في سُبات نومٍ عميق، يعتمد إعتماداً كلياً على ما تقدمة الدول المتقدمة من أنظمة وبرمجيات وحلول تقنية باهظة الثمن نستهلكها في حياتنا وصناعاتنا وتجارتنا بل وفى أمننا. 

لقد أدت القفزات التكنولوجية التي شهدها العالم مؤخراً إلى ظهور فجوات عميقة بين البلدان النامية لا سيما العربية منها وبين البلدان المتقدمة التي تحتكر التقنيات والبرمجيات والتكنولوجيا الحديثة إنتاجاً وإستخداماً، وذلك بفضل التوسع الدائم في الإنفاق علي البحث العلمي ومراكز الأبحاث المتخصصة فى المجال.

إن الأمن التكنولوجى بات يُشكّل قضية حيوية تهدد أمن الدول والمؤسسات والأفراد على حدٍ سواء. ففي عالم يتزايد فيه الإعتماد على التكنولوجيا الرقمية والذكاء الإصطناعى فى شتى المجالات، تسعى معظم الدول جاهدة لمواكبة التطورات المتسارعة وحماية بياناتها وأمنها القومي وتطويرمؤسساتها وبناها التحتية، ولكن ما هو واقع الحال العربي إذاً على مضمار التسلّح التكنولوجى؟ خاصةً فى ظل سباق محموم لتطوير أليات وتقنيات الذكاء الاصطناعى وإستخدامها على نطاق واسع، فالحروب الآن أصبحت حروباً إلكترونية أكثر منها بشرية، تدار بنظام التحكم عن بعد، ومن يمتلك الآلة الأكثر تطوراً هو غالباً من يستطيع التحكم في المعركة. ولكن يبدو أن الدول العربية لا تزال بعيدة عن هذا السباق، تتخلف عنه بخطوات كبيرة. 

أتساءل دوماً عن أسباب عدم توطين صناعة التكنولوجيا فى بلادنا العربية ؟ وعن أسباب عدم تطور وتقدم العرب تكنولوجياً ؟! وحين أتحدث عن التطور والتقدم هنا لا أقصد إنتاج وتصنيع المكونات المادية فحسب بل أيضاً تطوير البرمجيات والخوارزميات المرتبطة بالمجال ذاته. 

سؤالى هنا، لماذا يسود العالم العربي هذا الفقر المُدقِع والتراجع الشديد في إنتاج وتطوير التكنولوجيا الوطنية رغم الإستهلاك الكثيف لهذه المنتجات فى بلادنا العربية؟ ورغم إمتلاكنا لجميع مقومات النجاح من أموال ومواد خام وكفاءات فردية، فالمنطقة العربية تزخر برؤوس المال البشرية الشابة، فلماذا إذاً لم تتمكن أي دولة عربية بعد من نقل التكنولوجيا المتقدمة إليها، رغم إمتلاكنا لهذه الثروات الهائلة مادياً وبشرياً ؟ العديد من البلدان العربية هى دول غنية بالمال والموارد الطبيعية والكفاءات العلميه.

كما أن معظمها لدية إستثمارات ضخمة في جميع الدول الصناعية الكبرى، بل وحصص في أهم شركات التكنولوجية العالمية ، ولكنها للأسف الشديد رغم كل هذه الإستثمارات لم ننجح في نقل هذه التكنولوجيا المتطوره وتوطينها في الوطن العربى حتى الأن! وخير دليل على ذلك أنه لا يوجد جهاز حاسب ألى أو هاتف ذكى أو جهاز لوحى أو أي منتج آخر عربي رائد وعالي الجودة ينافس على الصعيد العالمي.

إن معظم بلدان المنطقة العربية تسير بخطوات بطيئة متثاقلة، وإن كانت بعض الدول الغنية منها إستطاعت أن تنقل أو تستورد جزءاً من التكنولوجيا المتطورة لكنها حتى الآن لم تتمكن من توطين صناعتها أو تطويرها وإبتكار الجديد فيها، فهي لاتزال مجرد مستخدم ليس أكثر لمثل هذه التقنيات التى تتطور يوماً بعد يوم. إن أغلب بلدان المنطقة العربية لا تزال مُتخلفة عن ركب الدول المتقدمة التي قطعت أشواطاً كبيرة في هذا المجال، نحن نعدُّ من أكثر الدول تراجعاً و فقراً على الصعيد التقنى والتكنولوجى، إنها الحقيقة! فحتى يومنا هذا لا تزال الفجوة التكنولوجية بيننا و بين العالم المتقدم في إتساع مرعب ومستمر.

ولعل من بين أهم العقبات التي تواجه عملية نقل التكنولوجيا من البلدان الصناعية الكبرى إلى بلادنا العربية، هو تفشي الأمية التكنولوجية، والعجز الواضح في الكوادر الفنية القادرة على التطوير والإبتكار، لأسباب كثيرة في مقدمتها هجرة العقول والكفاءات العربية، ناهيك عن حرص وإصرار الدول المتقدمة المالكة للتكنولوجيا فى أن تظل الدول النامية مجرد مستورد ومستهلك ليس إلا في حدود الدور المرسوم لها سلفاً كسوق رائجة لتسويق منتجاتها، وتنشيط صناعاتها، ورواج إقتصاداتها.

لا شك أن هناك قصوراً واضحاً يجب تدراكة سريعاً من خلال العمل على جذب الإستثمارات وتشجيعها، وتوطين الصناعات الإلكترونية والتكنولوجية وإنشاء مناطق حرة لها، وإقامة المختبرات ومراكز الأبحاث المتخصصة في المجال ذاتة وتوفير الموارد الضرورية لها كي لا يفوتنا القطار في هذه الثورة التكنولوجية كما فاتنا سابقاً في عصر الثورة الصناعية…!

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: التكنولوجيا الحديثة الذكاء الإصطناعي عالم التكنولوجيا المزيد

إقرأ أيضاً:

سلاسل الإمداد العالمية تحت المجهر.. من يسيطر على تدفق السلع حول العالم

في عالم مترابط كشبكة عنكبوت تمر المنتجات برحلة معقدة قبل أن تصل إلى المتاجر أو المنازل عبر منظومة ضخمة تعرف بسلاسل الإمداد.

هذه المنظومة تربط بين المصانع والموانئ والمخازن والمتاجر في شبكة عابرة للقارات تحرك الاقتصاد العالمي بصمت.

ورغم أن كثيرين لم يكونوا على دراية بهذه السلاسل فإن الأزمات العالمية الأخيرة من جائحة كورونا، مرورا بالحرب في أوكرانيا، وصولا إلى التوتر بين الصين والغرب سلطت الضوء على أهميتها وخطورتها، وأي خلل بسيط فيها قد يؤدي إلى نقص السلع وتعطل الإنتاج وارتفاع الأسعار.

لقد تحولت سلاسل الإمداد من شأن لوجستي إلى ورقة ضغط سياسية واقتصادية تستخدمها الدول الكبرى في صراعات النفوذ.

في هذا المقال نوضح طبيعة هذه السلاسل، من يسيطر عليها؟ ما الذي يعطلها؟ وكيف يمكن التعامل معها؟

من المصنع إلى العالم.. كيف تعمل سلاسل الإمداد؟

تخيل أن الهاتف الذي تستخدمه الآن لم يصنع في مكان واحد، شريحته جاءت من تايوان وبطاريته من كوريا وغلافه من الصين، ثم نُقل إلى مستودع في سنغافورة، ومنها شُحن على متن سفينة أو طائرة حتى وصل إلى رف المتجر في بلدك، كل هذا الطريق فقط لتشتريه في لحظة واحدة دون أن تفكر في الرحلة التي مر بها.

هذه الرحلة الطويلة لا تحدث من تلقاء نفسها، بل تمر عبر نظام عالمي معقد يعرف باسم "سلاسل الإمداد".

التحكم في الموانئ والمعادن يمنح بعض الدول نفوذا يتجاوز حدودها (غيتي) ما هي سلاسل الإمداد؟

سلاسل الإمداد هي المراحل التي تمر بها أي سلعة قبل أن تصل إلى يدك، وتبدأ من استخراج المواد الخام مثل الحديد أو القمح أو النفط، ثم تُنقل إلى المصانع عبر وسائل نقل مختلفة.

إعلان

في المصانع تحوّل هذه المواد إلى منتجات نهائية باستخدام الآلات والتقنيات والأيدي العاملة، لتصبح جاهزة للاستهلاك، مثل الأجهزة أو المواد الغذائية أو الملابس.

وبعد التصنيع تُنقل المنتجات مرة أخرى عبر السفن أو الطائرات أو الشاحنات، لتخزّن في الموانئ أو المستودعات، ثم توزع على المتاجر، حيث يجهزها العاملون لعرضها وبيعها للمستهلك.

ويمكن تشبيه سلاسل الإمداد بقطار طويل، كل عربة فيه تمثل مرحلة، وإذا تعطلت عربة واحدة يتوقف القطار بأكمله، وهذا بالضبط ما يحدث عند خلل بسيط في أي مرحلة، فقد يؤدي إلى تأخير الشحنات أو نقص البضائع أو ارتفاع الأسعار.

كل من يشارك في هذه المراحل من استخراج المادة إلى التصنيع والنقل والتوزيع يعد جزءا من سلسلة الإمداد.

عصر الإمداد الذكي

مع ازدياد تعقيد سلاسل الإمداد وتشعب مراحلها حول العالم لم يعد ممكنا إدارتها بالطرق التقليدية، وهنا ظهرت ما تعرف بـ"سلاسل الإمداد الذكية"، أي استخدام التكنولوجيا لتحسين كفاءة كل خطوة في السلسلة.

وتعتمد هذه الأنظمة على أدوات مثل الذكاء الاصطناعي وأجهزة التتبع، لتوقّع الطلب ومراقبة الشحنات لحظة بلحظة واكتشاف الأعطال قبل أن تُعطل الحركة.

هذا التطور ساعد الشركات على الاستجابة بسرعة وتخفيف التأخيرات وتقليل الهدر في الوقت والتكاليف، لكن رغم كل هذا التطور فإن سلاسل الإمداد لا تزال عرضة للتعطل عند أول أزمة، مما يُظهر هشاشتها مهما بلغت درجة ذكائها، وهنا يبرز سؤالان حاسمان: من يتحكم فعليا في هذه السلاسل؟ ومن يملك القدرة على توجيهها أو تعطيلها حسب مصالحه؟

العوامل التي تؤثر على سلاسل الإمداد

سلاسل الإمداد نظام مترابط وحساس، ويمكن لأي خلل خارجي أن يربك حركته، ومع تغيّر شكل العالم لم تعد التجارة بمعزل عن المناخ أو السياسة، بل أصبحت عوامل كثيرة تؤثر مباشرة على حركة السلع وتدفقها بين الدول، ولم تعد هذه الشبكات مجرد عمليات نقل وتخزين، بل تحولت إلى ورقة ضغط تستخدم في لعبة النفوذ بين الدول.

الهجمات السيبرانية تكشف هشاشة الأنظمة الذكية في إدارة الإمدادات (رويترز)

وفيما يلي أبرز العوامل التي تعرقل سلاسة الإمداد وتسبب اضطرابات في الأسواق العالمية:

إعلان

الأزمات الصحية والكوارث الطبيعية

تعد من أكثر العوامل المفاجئة التي تضرب سلاسل الإمداد دون إنذار، وتربك كل مراحلها من الإنتاج إلى التوزيع، ومثال على ذلك جائحة "كوفيد-19" التي أدت إلى توقف المصانع وتعطل الشحن ونقص العمالة.

ووفقا لتقارير الأمم المتحدة، تراجعت حركة الشحن البحري بنسبة 4.1%، وانخفضت التجارة العالمية بنسبة 5.6% في عام 2020.

الأحداث الجيوسياسية

تعد الحروب والنزاعات والعقوبات الاقتصادية من أبرز العوامل التي تؤثر مباشرة على تدفق السلع الحيوية، خصوصا الغذاء والطاقة، ومثال ذلك الحرب الروسية الأوكرانية التي تسببت في اضطراب كبير بصادرات الحبوب والطاقة، وأثّرت على حركة الغذاء عالميا بشكل ملموس.

الاعتماد على مورد أو دولة واحدة 

عندما تعتمد سلاسل الإمداد على دولة واحدة أو مورد رئيسي لتوفير سلعة أساسية تصبح أكثر عرضة للخطر عند حدوث أي خلل في هذا المصدر.

ومثال ذلك أزمة الرقائق بين 2020 و2023 حين تركز الإنتاج في دول آسيوية، مما أدى إلى تضرر 169 صناعة وخسارة تجاوزت 210 مليارات دولار.

السياسات التجارية المفاجئة

قرارات مثل فرض قيود على التصدير أو تعديل الرسوم الجمركية كما يحدث في الحرب التجارية القائمة حاليا قد تربك حركة السلع وتوقف الإمدادات وتعطل خطط الشركات فجأة.

التغيرات المناخية

تعد ظواهر مثل الجفاف والفيضانات وحرائق الغابات من أبرز العوامل التي تربك الإنتاج وتعطل الشحن وتضعف البنية التحتية.

ووفقا لتقديرات معهد إعادة التأمين السويسري، قد يخسر الاقتصاد العالمي نحو 18% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050 بسبب هذه الاضطرابات.

الهجمات السيبرانية 

تعتمد سلاسل الإمداد الحديثة اعتمادا كبيرا على الأنظمة الرقمية والتكنولوجية لإدارتها، مما يجعلها أكثر كفاءة، ولكن في الوقت ذاته أكثر هشاشة أمام الهجمات السيبرانية، فبمجرد اختراق أحد الأنظمة أو تعطيله يمكن أن تتوقف سلسلة الإمداد بالكامل أو تتعطل لأيام، مما يؤدي إلى خسائر ضخمة وتأخير في حركة البضائع.

إعلان

ومثال ذلك ما جرى عام 2021 حين تعرضت شركة كولونيال بايبلاين الأميركية لهجوم عطّل شبكة توزيع تغذي 45% من الساحل الشرقي للولايات المتحدة، مما أدى إلى نقص في الإمدادات وارتفاع الأسعار.

نقص العمالة والاضطرابات العمالية

رغم التقدم في إدارة سلاسل الإمداد بالتكنولوجيا فإن العنصر البشري يظل أساسيا، خصوصا في مراحل النقل والتخزين.

ويؤدي نقص العمالة -خاصة سائقي الشاحنات وعمال المستودعات- إلى تباطؤ العمليات وتأخير الشحن، وفي بعض الحالات تسبب الإضرابات شللا جزئيا أو كليا لحركة السلع، مما ينعكس مباشرة على تدفق الإمداد.

ضعف البنية التحتية والازدحام 

تعتمد سلاسل الإمداد على موانئ وطرق فعالة لضمان حركة السلع بسلاسة، لكن عندما تكون البنية التحتية قديمة أو غير مؤهلة للتعامل مع أحجام الشحن المتزايدة تظهر الاختناقات ويزداد الازدحام، مما يؤدي إلى تأخيرات كبيرة.

من يسيطر على سلاسل الإمداد العالمية؟

السيطرة على سلاسل الإمداد تعني القدرة على تسريع أو تعطيل حركة السلع، وتتحقق من خلال امتلاك أدوات نفوذ حقيقية، مثل الإنتاج او التصنيع او الموانئ وأنظمة الدفع والتكنولوجيا.

المعادن النادرة تعد عنصرا حاسما في الصناعات التكنولوجية وتمثل أداة نفوذ جيوسياسي في سلاسل الإمداد العالمية (رويترز)

فالجهة التي تسيطر على جزء من إنتاج او تصنيع سلعة أو على ميناء رئيسي يمكنها التأثير في تدفق السلع حتى خارج حدودها، ولهذا لا أحد يملك السيطرة الكاملة، بل يتوزع النفوذ بين دول وشركات، ويملك كل منها جزءا من مفاتيح الإمداد.

وفي عالم مترابط قد تربك خطوة واحدة من طرف مؤثر سلاسل بأكملها، مما يمنح بعض الفاعلين قدرة غير مباشرة على التأثير في اقتصادات لا تخصهم مباشرة.

نماذج من أبرز الفاعلين الدوليين الولايات المتحدة 

تعد من أبرز الفاعلين في سلاسل الإمداد بفضل سيطرتها على التكنولوجيا المتقدمة وأنظمة الدفع العالمية وشركات متعددة الجنسيات تتحكم في الإنتاج والتوزيع.

كما تمتلك شبكات تسليح واسعة، وتهيمن على النقل الدولي، إضافة إلى دورها المحوري في تأمين الممرات البحرية، مما يمنحها قدرة مباشرة على تسهيل الإمدادات أو تعطيلها.

إعلان الصين 

تُعرف بـ"مصنع العالم"، وتهيمن على إنتاج مكونات أساسية مثل الإلكترونيات والبطاريات والمعادن والألواح الشمسية، إلى جانب دورها الكبير في الصناعة عموما.

كما تسيطر على 7 من أكبر 10 موانئ شحن عالميا، وتدير استثمارات ضخمة في ممرات النقل ضمن مبادرة الحزام والطريق، مما يمنحها نفوذا عابرا للحدود في سلاسل الإمداد العالمية.

الاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية وتايوان

تبرز هذه القوى في الصناعات الدقيقة، خصوصا أشباه الموصلات، فتنتج تايوان وحدها أكثر من 60% من الرقائق الإلكترونية المتقدمة.

سنغافورة وهولندا

تعدان من أبرز المراكز اللوجستية في التجارة العالمية بفضل بنيتهما التحتية المتقدمة وموانئ مثل سنغافورة وروتردام، مما يجعلهما نقاط عبور رئيسية للسلع حول العالم.

روسيا

تمتلك موارد ضخمة من النفط والغاز، وتعد من أكبر المصدرين عالميا، مما يمنحها نفوذا كبيرا في سلاسل الطاقة والإمداد الصناعي.

أوكرانيا

تعد من أبرز مصدري الحبوب والزيوت النباتية والأسمدة، مما يجعلها لاعبا مهما في سلاسل الغذاء رغم التحديات الأمنية والبنية التحتية المحدودة.

اليابان

تتميز بتصنيع المكونات عالية الدقة والآلات الصناعية والروبوتات، مما يمنحها وزنا في سلاسل الإمداد التقنية والصناعية.

الهند

لاعب صاعد في الأدوية والبرمجيات، وتعد من كبار منتجي المكملات الدوائية على مستوى العالم.

الدور العربي.. بين التأثير والحاجة للتكامل

تلعب الدول العربية أدوارا متفاوتة في سلاسل الإمداد -سواء على المستوى العالمي أو الإقليمي- من خلال نفوذ مباشر في قطاعات الطاقة والموانئ والشحن، إلى جانب مساهمات ملموسة في مجالات الزراعة والصناعة.

وفيما يلي بعض النماذج البارزة:

السعودية وقطر والإمارات

تعد من أبرز الفاعلين في سلاسل الطاقة بفضل هيمنتها على حصة كبيرة من إنتاج وتصدير النفط والغاز، مما يمنحها تأثيرا مباشرا في وفرة إمدادات الطاقة عالميا وأسعارها.

المغرب

يلعب دورا فعالا في تزويد الأسواق الأوروبية والعربية بالمنتجات الزراعية، إلى جانب تطوره في الصناعات التحويلية مثل السيارات والطيران.

إعلان مصر

تستفيد من موقعها الجغرافي عبر قناة السويس التي تمر منها نسبة كبيرة من التجارة العالمية، مما يجعلها نقطة عبور حيوية في سلاسل الشحن الدولية.

الجزائر

تبرز كجهة مهمة في تصدير الغاز نحو أوروبا والدول العربية، مما يمنحها دورا ملحوظا في سلاسل الطاقة.

الأردن وتونس

يشاركان بأدوار نوعية في بعض الصناعات الدوائية والغذائية ضمن شبكات التوريد الإقليمية في محيط البحر المتوسط.

 تحديات عربية في سلاسل الإمداد

تواجه الدول العربية تأثيرات مضاعفة من اضطرابات سلاسل الإمداد، نظرا لاعتمادها الكبير على استيراد الغذاء والدواء والمواد الخام، مع محدودية التصنيع المحلي وضعف التنسيق الإقليمي في أوقات الأزمات.

ورغم امتلاك بعض الدول مزايا واضحة في الطاقة والموقع والموارد الزراعية فإن غياب التعاون المشترك يضعف الاستفادة منها، ولذلك تبدو الحاجة ملحة إلى شراكة عربية فعالة تعزز الأمن الغذائي وتطور النقل والتخزين وتسرّع الاستجابة للأزمات، مثل النماذج الناجحة مثل الاتحاد الأوروبي، فالاستعداد الجماعي لم يعد رفاهية، بل ضرورة لحماية الاستقرار ومواجهة التقلبات المستقبلية بثبات أكبر.

قطر تعد فاعلا محوريا بسلاسل الطاقة العالمية بفضل استثماراتها الضخمة في تصدير الغاز المسال والبنية التحتية الحديثة (غيتي) اللاعبون الصامتون في سلاسل الإمداد

إلى جانب القوى الكبرى والدول العربية هناك دول أخرى تمتلك نفوذا مهما في سلاسل الإمداد بفضل سيطرتها على مواد خام حيوية لا غنى عنها، فمثلا:

الكونغو الديمقراطية تنتج أكثر من 70% من الكوبالت العالمي، وهو مكون أساسي في بطاريات السيارات الكهربائية. تشيلي تعد من كبار موردي النحاس والليثيوم عالميا. تهيمن إندونيسيا على نحو 50% من إنتاج النيكل عالميا.

ورغم محدودية نفوذ هذه الدول سياسيا فإن امتلاكها هذه الموارد يمنحها تأثيرا متزايدا في سلاسل المعادن والتقنيات النظيفة.

مستقبل سلاسل الإمداد.. بين التكلفة والسيطرة

كشفت الأزمات المتلاحقة منذ عام 2020 هشاشة النظام التجاري العالمي، وأظهرت أن الاعتماد على سلاسل إمداد طويلة ومعقدة لم يعد خيارا آمنا.

إعلان

ويشهد العالم اليوم تحولا تدريجيا نحو نموذج أكثر حذرا ومرونة، حيث لم تعد التكلفة المنخفضة هي الأولوية المطلقة كما كان الحال عند اللجوء المكثف إلى الصين كمركز للإنتاج الرخيص.

ذلك الخيار رغم فعاليته في خفض التكاليف فإنه أفضى إلى تمركز هائل للنفوذ الصناعي واللوجستي بيد بكين، وتدفع الدول ثمنه الآن.

ورغم محاولات تعزيز التصنيع المحلي فإن الوصول إلى الاكتفاء الذاتي الكامل غير واقعي، مما يجعل التعاون الاقتصادي الحقيقي ضرورة الرفاهية.

والرهان اليوم على بناء سلاسل إمداد مرنة وقابلة للتكيف قادرة على امتصاص الصدمات والتعامل مع تشابك التجارة بالسياسة، ولم يعد تأمين الإمداد مجرد مسألة اقتصادية، بل تحول إلى ملف سيادي يمس استقرار الدول.

ومن لا يحسن الاستعداد لهذا الواقع الجديد يعرّض اقتصاده لمخاطر متزايدة، ويجد نفسه أقل قدرة على الصمود أمام تقلبات السياسة والمناخ والأسواق، وفي عالم سريع التغير لا مكان للانتظار، بل للجاهزية والقرار المبكر.

مقالات مشابهة

  • عُمان تتصدر أوائل الدول العربية في تصنيف مؤشر الحقوق العالمي
  • عاجل|الدول العربية تهيمن على أكبر صفقات الغاز المسال في مايو 2025
  • سلاسل الإمداد العالمية تحت المجهر.. من يسيطر على تدفق السلع حول العالم
  • إدمان التكنولوجيا .. 7 طرق لحماية الأطفال من مخاطر الهواتف الذكية
  • أبو الغيط: اجتماع اللجنة العربية مع القيادة الفلسطينية كشف مواقف جديدة وإيجابية
  • تجسيد "روح باندونغ" في العلاقات الصينية العربية
  • الأعلى للجامعات يحدد الأعداد المقبولة في كليات التكنولوجيا والتمريض والجامعات التكنولوجية
  • ترتيب صادم للدول العربية في سرعة الإنترنت 2025.. بأي مركز حلت اليمن؟
  • الهباش ونجم يستقبلان رئيس مؤسسة مطوفي حجاج الدول العربية
  • ثورة التكنولوجيا.. ذكاء اصطناعي يكشف النووي وهاتف تكنو ومتصفح أوبرا يذهلان العالم