تآكل الدماغ مصطلح أكسفورد الذي يكشف تأثير العصر الرقمي في عقولنا
تاريخ النشر: 8th, January 2025 GMT
في زمن أصبحت فيه أطراف أصابعنا تجدّف بلا وجهة في بحر المحتوى الرقمي، ابتلعنا تيار السطحية وغرقنا في قاع موحل من التفاهة.
تبدأ الرحلة بمقطع قصير، ربما "ريل" عابر لا تتجاوز مدته ثواني معدودة، لكن ما تلبث أن تجد نفسك غارقا في دوامة لا تنتهي من مئات المقاطع المختزلة، تُطالع عينيك لكن لا تُغني فكرك بأي شيء.
إنه الإدمان الناعم، وبخة الدوبامين المزيفة، التي تسلب منك الوقت، وتسرق منك التركيز حتى تصبح عاجزا عن تأمل نص عميق، أو تذوّق فكرة ناضجة.
ليس غريبا إذن أن تعلن جامعة أكسفورد "تآكل الدماغ" مصطلح العام لسنة 2024. إنه اعتراف ضمني بحجم الانهيار الفكري الذي تسببه حفلة التفاهة الصاخبة على مواقع التواصل الاجتماعي.
هذا التآكل لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة محكمة لوتيرة الاستهلاك السريع والمفرط التي تحدث عنها الكثير من الخبراء والكتّاب. ففي كتاب "لا تغذِّ عقل القرد"، حذرت جينيفير شانون من ترك عقولنا رهينة للملهيات السطحية.
بينما ينبهنا كارل أونوريه في كتابه "في مديح البطء" إلى خطورة العيش في عجلة لا تتيح لنا فرصة التوقف والتفكير. أما في كتاب "دماغك تحت تأثير الإباحية" فيسلط غاري ويلسون الضوء على كيف يمكن للعقل البشري أن ينحرف بسهولة أمام محفزات الإدمان السريعة، مشيرا إلى أن الإغراق في المتع السطحية يعيد برمجة أدمغتنا لتصبح أقل قدرة على التركيز، وأكثر انجذابا إلى التفاهة.
إعلانفي العصر الحديث، أصبحت الأجهزة الذكية جزءا أساسيا من حياتنا اليومية، ولكن هل تعلم أن هذه الأجهزة قد تهدد صحة أدمغتنا؟
أعلنت جامعة أكسفورد بداية هذا الشهر أن مصطلح "تآكل الدماغ" هو كلمتها لعام 2024، وذلك بعد تصويت عام شارك فيه أكثر من 37 ألف شخص. وجاءت هذه الكلمة في مقدمة قائمة مختصرة أعدتها اللجنة اللغوية لتعكس المزاجات والمحادثات التي تشكلت العام الماضي.
وبعد مراجعة مدخلات الجمهور ونتائج التصويت، بالإضافة إلى البيانات اللغوية، تم اختيار هذا المصطلح بشكل نهائي.
لكن لماذا اختير "تآكل الدماغ" تحديدا؟وفقا لتقرير جامعة أكسفورد، يشير المصطلح إلى التدهور التدريجي للحالة العقلية أو الفكرية للفرد، والذي غالبا ما يعزى إلى الاستهلاك المفرط لمحتوى يعتبر سطحيا وتافها أو غير محفز، خاصة عبر الإنترنت. كما يستخدم المصطلح للإشارة إلى أي نشاط أو محتوى يعتقد أنه يسهم في هذا التدهور.
وقد رصد خبراء الجامعة ارتفاعا ملحوظا في استخدام مصطلح "تآكل الدماغ" خلال العام الماضي، حيث أصبح يعبر عن القلق المتزايد من تأثير الإفراط في استهلاك المحتوى ذي الجودة المنخفضة، خاصة على منصات التواصل الاجتماعي.
وفي الواقع ارتفعت نسبة استخدام المصطلح بنسبة 230% بين عامي 2023 و2024، مما يعكس الوعي المتزايد بتأثير هذا النوع من المحتوى على الصحة العقلية.
من ثورو إلى العصر الرقمي.. تاريخ استخدام مصطلح "تآكل الدماغ"كان أول استخدام مسجل لعبارة "تآكل الدماغ" في عام 1854 في كتاب "والدن" (Walden) للكاتب هنري ديفيد ثورو، الذي يروي فيه تجربته في العيش بأسلوب حياة بسيط وسط أحضان الطبيعة.
وفي استنتاجاته، انتقد ثورو ميل المجتمع إلى التقليل من قيمة الأفكار المعقدة، أو تلك القابلة للتفسير المتعدد، مفضلا الأفكار البسيطة، واعتبر ذلك مؤشرا على تراجع عام في الجهد العقلي والفكري.
إعلانوقال في هذا السياق: "بينما تسعى إنجلترا لمعالجة تعفّن البطاطس، ألن يسعى أحد لمعالجة تعفن الدماغ الذي ينتشر بشكل أوسع وأكثر فتكا؟".
لكن المصطلح سرعان ما اكتسب دلالة جديدة في العصر الرقمي، حيث بدأ في الانتشار على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة على "تيك توك" بين مجتمعات الجيل "زد" (Generation Z) وهم المواليد من عام 1997 إلى 2012، والجيل "ألفا" (Generation Alpha) وهم مواليد عام 2012 وما بعده.
وخلال الأشهر الـ12 الماضية، أصبح "تآكل الدماغ" يستخدم بشكل أوسع في الصحافة السائدة وفي النقاشات العامة، مما يعكس القلق المجتمعي المتزايد بشأن التأثير السلبي للاستهلاك المفرط للمحتوى عبر الإنترنت.
ففي هذا العام، أصبح المصطلح يستخدم لوصف كل من السبب والنتيجة، حيث يشير إلى المحتوى المنخفض الجودة وذي القيمة المنخفضة الموجود على مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت. بالإضافة إلى التأثير السلبي اللاحق الذي يعتقد أن استهلاك هذا النوع من المحتوى يتركه على الفرد أو المجتمع.
كما تمّ توظيفه بشكل أكثر تحديدا وانتظاما في الإشارة إلى الثقافة الرقمية، وغالبا ما يستخدم بطريقة فكاهية أو ذاتية الانتقاد من قبل المجتمعات الإلكترونية.
وهو مرتبط بقوة بأنواع معينة من المحتوى، مثل سلسلة الفيديوهات الفيروسية "مرحاض سكيبيدي" (Skibidi Toilet Video) للمنشئ أليكسي جيراسيموف، وميما "فقط في أوهايو " (Only in Ohio memes) التي أنشأها المستخدمون، والتي تشير إلى حوادث غريبة.
هذا المحتوى أدى إلى ظهور لغة تآكل الدماغ الناشئة مثل "سكيبيدي"، التي تعني شيئا غير منطقي، و"أوهايو" التي تعني شيئا محرجا أو غريبا. وهذا ما يعكس كيف يمكن أن تترجم الظواهر الفيروسية في الإنترنت إلى تعبيرات تخرج من إطارها الرقمي إلى الحياة الواقعية.
في سياق متصل، بدأ يتصاعد نقاش أوسع وأكثر جدية حول التأثيرات السلبية المحتملة للاستهلاك المفرط لهذا المحتوى على الصحة العقلية، خاصة بين الأطفال والشباب.
إعلانففي وقت سابق من هذا العام، نشر مركز للصحة العقلية في الولايات المتحدة نصائح على الإنترنت حول كيفية التعرف على "تآكل الدماغ" وتجنبه.
وفي تعليقه على عملية اختيار مصطلح "تآكل الدماغ" لعام 2024، قال كاسبر غراوثول، رئيس أكسفورد للغات: "عند النظر إلى كلمة أكسفورد على مدى العقدين الماضيين، يمكننا رؤية انشغال المجتمع المتزايد بكيفية تطور حياتنا الافتراضية، وكيف أن ثقافة الإنترنت تغزو الكثير من هويتنا وما نتحدث عنه".
وأضاف: "كانت كلمة العام الماضي "ريز" (rizz) مثالا مثيرا للاهتمام على كيفية تشكيل اللغة وتبادلها ضمن المجتمعات الإلكترونية. أما "تآكل الدماغ"، فتحدث عن أحد المخاطر المحتملة للحياة الافتراضية، وكيف نستخدم وقت فراغنا. يبدو أنه فصل مستحق في المحادثة الثقافية حول الإنسانية والتكنولوجيا".
كما أشار إلى أنه من المثير للاهتمام أن مصطلح "تآكل الدماغ" قد تم اعتماده من قبل جيل "زد" وجيل "ألفا"، وهما المجتمعان المسؤولان إلى حد كبير عن استخدام وإنشاء المحتوى الرقمي الذي يشير إلى هذا المصطلح.
وأوضح أن هذه المجتمعات قد عززت التعبير من خلال قنوات وسائل التواصل الاجتماعي، المكان الذي يقال إنه يسبب "تآكل الدماغ"، وهذا يظهر نوعا من الوعي الذاتي الماكر في الأجيال الشابة حول التأثير الضار لوسائل التواصل الاجتماعي الذي ورثوه.
آثار "تآكل الدماغ" على الصحة العقلية والعاطفيةتتجاوز عواقب "تآكل الدماغ" مجرد التشتت السطحي، إذ تمتد آثارها لتطال تفكيرنا وتركيزنا وعواطفنا بطرق عميقة وطويلة الأمد.
وبحسب تقرير نشره موقع "فوربس" (Forbes)، توجد 5 طرق رئيسية تؤثر بها الوسائط الرقمية علينا:
انخفاض القدرة على التركيز: يؤدي التعرض المفرط إلى المحتوى السطحي إلى إضعاف القدرة على التركيز، إذ إن هذا النوع من المحتوى المقتضب يدرب الدماغ على البحث عن الإشباع الفوري، وهو ما يجعل من الصعب التركيز على المهام التي تتطلب انتباها مستمرا، مثل القراءة أو حلّ المشكلات المعقدة. تقلص التفكير النقدي: يؤدي التمرير المستمر عبر المحتوى السطحي إلى تآكل القدرة على التفكير العميق والمهارات التحليلية، حيث وجدت دراسة أجريت في عام 2023 في مجلة الطب النفسي (BMC Psychiatry) أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين يعانون من "الخوف من فقدان الفرص" (FOMO) كانوا أكثر عرضة للتشتت، خاصة عندما يفرطون في استخدام هذه المنصات. زيادة القلق والتوتر: وجدت دراسة نشرها موقع "تايلور أند فرانسيز" (Taylor & Francis) في عام 2022 أن استهلاك الأخبار المفرط يرتبط ارتباطا وثيقا بتدهور الصحة العقلية والبدنية، حتى عند أخذ الشخصية والعادات بعين الاعتبار، كما ترهق وتيرة الحياة السريعة الجهاز العصبي، مع تضخيم دوائر الأخبار المستمرة ووسائل التواصل الاجتماعي وثقافة المقارنات الضغط والقلق. إعلان الإرهاق العاطفي: وجدت دراسة نشرتها منصة "ساينس دايركت" (Science Direct) في عام 2023 أن عوامل وسائل التواصل الاجتماعي مثل تجاوز المعلومات ومخاوف الخصوصية، إلى جانب التنمر الإلكتروني، تؤدي إلى الإرهاق العاطفي، ويمكن أن يسبب ذلك الشعور بالتخدر العاطفي أو الانفصال، مما يجعل من الصعب معالجة المشاعر أو الشعور بها بعمق. العزلة الاجتماعية: أظهرت دراسة نشرتها المكتبة الوطنية للطب في الولايات المتحدة (NLM) عام 2018 أن الاستهلاك السلبي المفرط أو التجارب السلبية على الإنترنت تسهم في مشاعر العزلة. فرغم أننا متصلون بشكل مفرط، يمكن أن يتركنا الاستخدام المفرط للإنترنت نشعر بالوحدة، حيث إن التفاعلات السطحية على وسائل التواصل الاجتماعي غالبا ما تفتقر إلى عمق العلاقات الحقيقية في العالم الواقعي. عقلك يستحق الأفضل.. خطوات فعالة لحماية دماغك من التآكلإن إدراك التأثيرات المقلقة التي تفرضها الوسائط الرقمية على طريقة تفكيرنا ومشاعرنا هو الخطوة الأولى لاستعادة وضوح العقل والتوازن العاطفي في عالم رقمي مصمم لجذب انتباهنا وإغراقنا بمحتواه. لكن كيف يمكننا استعادة السيطرة على عقولنا؟
إليك 4 إستراتيجيات فعالة من موقع "فوربس" تساعدك في تنظيم نظامك الغذائي العقلي بهدف التحكم في عاداتك الرقمية:
1- النظام الغذائي العقلي الصحي.. فن اختيار المحتوى بوعي
تماما كما يعتمد جسمك على نظام غذائي متوازن للصحة البدنية، كذلك يزدهر عقلك بناء على نوعية المعلومات التي تستهلكها. لذلك من المهم إعداد حمية ذهنية بهدف التحكم في عاداتك الرقمية. إليك من أين يمكنك البدء:
قم بمراجعة حساباتك: ألقِ نظرة فاحصة على الحسابات والفيديوهات أو المقالات التي تتفاعل معها أكثر. هل تمنحك طاقة وإلهاما، أم تجعلك تشعر بالإرهاق والسلبية؟ نظم خلاصتك لتكون ملهمة وتضيف قيمة لحياتك، تماما كما تقوم بتخزين خزانة طعامك بالأطعمة المغذية. أنشئ هرما للمحتوى: يجب أن تقوم ببناء هيكل هرمي لاستهلاكك الرقمي، بحيث يكون أساس "طعام الدماغ" هو المواد التعليمية والمحتوى الذي يثير التفكير. ويمكن أن تشمل الطبقة الوسطى خيارات ترفيهية ولكن غنية مثل الأفلام الوثائقية أو السرد الإبداعي. أما في القمة، فخصص "المحتوى الخفيف" مثل الميمات أو الفيديوهات الفيروسية للاستمتاع العرضي. يضمن هذا الهيكل أن دعمك العقلي يسهم في النمو بدلا من مجرد ملء الوقت. إعلان طبق قاعدة 20/80: خصص 80% من وقتك على الشاشة للمحتوى المغذي، و20% للترفيه الخفيف، حيث تتيح لك هذه الإستراتيجية مجالا للاسترخاء مع حفاظك على تركيزك على المحتوى الذي يضيف قيمة طويلة الأمد.2- النظافة الرقمية لاستخدام التكنولوجيا بشكل مستدام
تشير ممارسة النظافة الرقمية إلى وضع حدود تتيح لك استخدام التكنولوجيا كأداة للإنتاجية والتواصل دون أن تهيمن على حياتك.
إليك كيفية رسم هذه الحدود:
ضع حدودا زمنية: تمّ تصميم التمرير المستمرّ ليكون سببا للإدمان، ولكن يمكنك استعادة التحكم عن طريق وضع حدود واضحة.على سبيل المثال، استخدم التطبيقات أو الميزات المدمجة في الهاتف لتحديد وقت استخدامك اليومي على المنصات التي قد تؤدي إلى الإفراط في الاستهلاك، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، أو تطبيقات بث الفيديو. مثلا، حدد وقتك على "إنستغرام" بـ30 دقيقة، أو قم بحظر الوصول إلى التطبيقات غير الضرورية خلال ساعات العمل. جدول ساعات خالية من التكنولوجيا: ابدأ بالصباح، واستخدم الساعة الأولى بعد الاستيقاظ للتركيز على الأنشطة مثل التأمل أو الكتابة في دفتر الملاحظات أو ممارسة الرياضة، بدلا من الغوص مباشرة في الإشعارات.
بالمثل، خصص مساءك للاسترخاء من دون شاشات، حيث يساعد هذا الأمر على التحضير لنوم أفضل واسترخاء أكثر. يمكنك أيضا إنشاء أماكن خالية من التكنولوجيا في منزلك، مثل غرفة الطعام، حيث يتم تناول الوجبات من دون هواتف أو أجهزة حاسوب. الانخراط في العمل العميق: إن تعدد المهام والإشعارات المستمرة تعطل التركيز وتقلل الإنتاجية. بدلا من ذلك، خصص فترات زمنية مخصصة للعمل العميق، وفترات مكثفة وغير منقطعة حيث تتعامل مع المهام المهمة. أيضا قم بإيقاف الإشعارات، وأغلق علامات التبويب غير المتعلقة، واجعل هاتفك على الوضع الصامت.يمكن أن تساعدك أدوات مثل تقنية "بومودورو" (Pomodoro) في الحفاظ على تركيزك بينما توازن الجهد مع فترات راحة قصيرة.
3- استعد صفاء ذهنك عبر العودة للتجارب التناظرية
لا تعيدنا الأنشطة التناظرية إلى الحاضر فحسب، بل تتصدى أيضا للإرهاق العقلي الناتج عن الانخراط الرقمي المستمر. إليك بعض النقاط التي يجب أخذها بعين الاعتبار:
اكتشف الهوايات من جديد: تسهم الأنشطة غير المتصلة بالإنترنت مثل البستنة والرسم والنجارة والكتابة، أو العزف على آلة موسيقية في تجديد الإبداع والاسترخاء، حيث إنها تعزز الوعي الذهني من خلال غمرك في العملية دون تشتيت. وستلاحظ أن تعلم عزف أغنية جديدة على الجيتار، أو زراعة نبات الطماطم الأول يمنحك شعورا بالإنجاز يصعب أن تحققه التجارب الرقمية. أعطِ الأولوية للاتصالات الواقعية: صحيح أن التكنولوجيا تمكننا من التواصل الفوري، لكنها غالبا ما تفتقر إلى عمق التفاعلات وجها لوجه، لذلك من المهم تخصيص وقت للحظات ذات مغزى، سواء من خلال المحادثات الصادقة، أو ليالي الألعاب العائلية، أو الانضمام إلى مجموعات المجتمع.هذه التجارب الشخصية تعزز الروابط العاطفية، وتبني شعورا بالانتماء، وتذكرنا بأهمية الاتصال البشري. انغمس في الطبيعة: الطبيعة ترياق قوي ضد التوتر، إذ يمكن لمجرد السير في الحديقة، أو القيام برحلة في الغابة أن يخفض ضغط الدم، ويخفف القلق، ويعزز الوظائف المعرفية. كذلك الأنشطة مثل مراقبة النجوم، أو مراقبة الطيور تساعدك على إعادة الاتصال بالإيقاعات الطبيعية، وهو ما يوفر منظورا وهدوءا وسط الضوضاء الرقمية. الانغماس في الطقوس التناظرية: من المهم دمج ممارسات تناظرية بسيطة لاستعادة وضوح العقل. على سبيل المثال، اكتب في دفتر الملاحظات، واستمتع بفنجان قهوة من دون شاشات، أو اقرأ كتابا ورقيا. ستساعدك هذه الممارسات في خلق لحظات من التأمل والهدوء في يومك.4- التدريب المتنوع للعقل.. مفتاحك للتركيز والإبداع
فكر في دماغك كأداة عالية الأداء تزدهر من خلال التحديات المتنوعة، وحافظ على حدة ذهنك من خلال موازنة المهام الفكرية بطرق تتطلب كلا من التركيز والإبداع. إليك بعض الطرق لكيفية فعل ذلك:
إعلان قم بتحويل تركيزك لإعادة شحن طاقتك العقلية: بعد استهلاك محتوى عشوائي مثل وسائل التواصل الاجتماعي، قم بتجديد طاقتك العقلية من خلال الأنشطة التي تتحدى العقل. على سبيل المثال، اقرأ مقالا معقدا، أو خذ دورة احترافية، أو العب لعبة إستراتيجية مثل الشطرنج أو محاكاة الأعمال. هذه المهام تحفز دماغك، مما يعزز التركيز والتفكير النقدي. التمارين الفكرية المتنوعة: أضف تنوعا إلى روتينك العقلي عن طريق تبديل المهام. مثلا، اقرأ تحليلات معمقة أو استمع إلى بودكاست يثير التفكير، ثم انتقل إلى كتابة تقارير موجزة، أو أخذ دورات قصيرة في مجالات مثل التصميم أو الفلسفة. ستجد أن التفاعل مع مهارات معرفية مختلفة المنطق والإبداع وحلّ المشكلات يوسع مرونتك العقلية. مدّ عقلك بالتفكير التأملي: انتقل من الاستهلاك السلبي إلى التعلم النشط من خلال التأمل في الأفكار المعقدة. مثلا، لخص الأفكار المستفادة من حدث تاريخي، أو اكتشاف علمي، أو توجه تجاري. هذه الممارسة التأملية تعزز الذاكرة وتعمق تفكيرك.لقد بات واضحا بالنهاية أننا أمام نوع جديد من الإدمان، ليس أقل خطورة من إدمان الكوكايين، أو إدمان السجائر. إنه إدمان السرعة، والمكافأة الفورية، الذي تسعى "المقاولة الرقمية" من خلاله إلى وضع أدمغتنا على كرسيّ متحرك، وجعلها عاجزة عن التخطيط والتركيز والشعور بقيمة الإنجاز الحقيقي.
بكلّ ما يحمله مصطلح "تآكل الدماغ" من رمزية وتحذير، فإننا نقف على مفترق طرق حاسم: هل نستسلم لسطحية العالم الرقمي أم نعيد بناء علاقة واعية مع التكنولوجيا تُعيد لأدمغتنا قدرتها على النمو والتأمل؟
ربما يكمن الحل في لحظة وعي بسيطة، حين نسأل أنفسنا في كل مرة تنجذب فيها إلى التمرير العشوائي، هل هذا يعزز نموّنا أم يقودنا نحو التدهور؟
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات وسائل التواصل الاجتماعی على الصحة العقلیة جامعة أکسفورد تآکل الدماغ من المحتوى من خلال یمکن أن فی عام
إقرأ أيضاً:
المغرب يعتزم تشديد الخناق على شبكات التواصل.. هل ينقلب المشهد الرقمي؟
"النص التشريعي المُرتقب يأتي استجابة لتزايد التحديات والإشكالات التي أفرزها التطور السريع للفضاء الرقمي، والذي أضحى، مجالا غير مضبوط تسري فيه المضامين بدون حواجز قانونية" هكذا انطلق وزير الشباب والثقافة والتواصل المغربي، محمد المهدي بنسعيد، في الكشف عن قرب عرض مشروع قانون لتأطير وتنظيم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
وخلال اجتماع لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب (أحد غرفتيّ البرلمان المغربي)، الأربعاء الماضي، أكد الوزير، أنّ الحكومة، تهدف لـ"التصدي للمخاطر المتنامية المرتبطة بالمحتوى الرقمي، مع ضمان عدم المساس بحرية التعبير".
وفيما أبرز الوزير أنّ "منصات التواصل الاجتماعي أضحت من أبرز الوسائل المؤثرة في تشكيل الرأي العام وصناعة المحتوى، في ظل غياب معايير واضحة للمسؤولية والمساءلة الرقمية"، أثير نقاش متسارع بين رواد مختلف مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب، بين مستفسر عن فحوى مشروع القانون، وبين متخوّف من تقييد حرية التعبير.
ماذا نعرف عن مشروع القانون؟
بحسب وزير الشباب والثقافة والتواصل، فإنّ: "مشروع القانون يسعى إلى سد فراغ قانوني، قد شكّل نقطة ضعف في مواجهة الانفلاتات الرقمية"، مؤكّدا على: "ضرورة التفاعل مع التحولات التكنولوجية المتسارعة عبر إطار قانوني يحقق التوازن بين حرية التعبير وضرورة حماية المواطنين، لا سيما القاصرين، من التأثيرات السلبية للمحتوى الرقمي".
وسيمكّن النص القانوني المُرتقب، وفقا للوزير المغربي، الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (مؤسسة حكومية) من: صلاحيات موسّعة لضبط محتوى مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة عندما يكون موجها للجمهور المغربي أو يدر أرباحا داخل السوق الوطني، وذلك حتى في غياب مقر مادي لها بالمغرب.
وأكد بنسعيد أنّ: "القانون سيلزم المنصات الرقمية الأجنبية بتعيين ممثل قانوني معتمد داخل التراب الوطني، ليكون المخاطب الرسمي للدولة، ومكلفا بتقديم تقارير دورية تتعلق بأنظمة تعديل المحتوى، وآليات التعامل مع الشكاوى، والمعطيات الإحصائية الخاصة بالمضامين المحذوفة أو المثيرة للجدل".
كذلك، أوضح أنّ: "النص المقترح يسعى لتفعيل أنظمة فعالة لتعديل المحتوى (moderation) عبر خوارزميات ذكية ترصد تلقائيا المضامين المخالفة للقانون، مثل المحتويات المحرضة على العنف، الكراهية، الأخبار الزائفة أو تلك الموجهة بشكل غير ملائم للقاصرين".
"ضرورة تصنيف المحتوى حسب الفئة العمرية، وتفعيل الرقابة الأبوية، ومنع الإشهارات الضارة أو المخادعة الموجهة إلى الأطفال والمراهقين، بما في ذلك المحتويات التي قد تؤثر سلبا على النمو النفسي أو السلوكي" أضاف بنسعيد.
أكد وزير الشباب والثقافة والاتصال، محمد المهدي بنسعيد، أن الوزارة بصدد دراسة تنظيم مشاورات لتقديم حلول للإشكاليات المتعلقة بالتشهير الإلكتروني والعنف الرقمي عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وأوضح الوزير في رده على سؤال كتابي للنائبة البرلمانية عزيزة بوجريدة عن الفريق الحركي، أن… pic.twitter.com/B40XxllTbr — Hespress هسبريس (@hespress) October 19, 2024
وشدّد على أنّ: "مشروع القانون سيلزم المنصات باتخاذ إجراءات فورية لإزالة الأخبار الزائفة أو المحتويات التي تتضمن تحريضا على الإرهاب، العنف، التمييز العنصري أو الديني، مع التعاون الكامل مع السلطات الوطنية في تنفيذ قرارات الحجب أو التقييد".
ولفت أيضا إلى أن القانون المُنتظر، سيُلزم "المنصات الرقمية الأجنبية التي تحقق أرباحا من السوق الإشهاري المغربي، بالتصريح الضريبي الشفاف والتعاون مع مديرية الضرائب، بنك المغرب، ومكتب الصرف، خاصة في حال وجود مخالفات تستوجب تقييد أو منع تحويل الأموال".
إلى ذلك اعتبر الوزير، أنّ: "البعد المالي جزء أساسي من ضبط المنصات العابرة للحدود، بما يضمن إنصاف الفاعلين الوطنيين ويعزز مبدأ السيادة الرقمية للمغرب".
واختتم الوزير المغربي حديثه بالإشارة إلى أنّ: "التجربة الأوروبية، خاصة قانون الخدمات الرقمية الأوروبي الذي دخل حيز التنفيذ سنة 2023، تمثل مرجعية متقدمة في هذا المجال، ويمكن الاستئناس بها في صياغة التشريع المغربي بما يضمن التوازن بين حرية التعبير وواجب حماية المجتمع".
جدل سابق
قبل ما يُناهز عاما كاملا، كان وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، قد كشف عبر تصريحات صحافية، مُتفرٍّقة، عن: "تنظيم استخدام تيك توك ويوتيوب، ووضع حد لفوضى مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، من خلال نصوص قانونية تنص على عقوبات سجنية"، وهو ما كان قد أثار نقاشا متسارعا وأشعل مختلف مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب.
وفي حوار مع الموقع الإلكتروني الإخباري للقناة المغربية الثانية (2M)، قال وهبي، إنّ: "الحل لتقنين تيك توك، ووضع حد للتشهير في مواقع التواصل الاجتماعي، هو إدراج نصوص في القانون الجنائي تعاقب على هذه الأفعال، وإنهم أدرجوا النصوص بالفعل في مشروع القانون الجنائي".
"سيدة لديها حياتها الخاصة، وسيد لديه حياته الخاصة، من أنت لكي تصورها، أو تصور باب منزل؟!" تابع وهبي، خلال حديثه آنذاك، مبرزا أنّ: كل هذه الأمور ستنظم من خلال القانون الجنائي، وأنهم ما زالوا يشتغلون عليها، وسيوسعون مجال التجريم في هذه الجرائم، وأنه لا يوجد في الوقت الحالي نص قانوني، وهناك الفوضى.
وتابع: "اليوتيوب، الذي يقول فيه شخص ما يريد في حق وزير، أو مسؤول، هل لدى ذلك الوزير الوقت ليهتم بهم، أو ليشتغل؟، مضيفا: "لن ندع الأمور تمر هكذا؛ من يقول ما يريد في حق وزير، أو مسؤول، على يوتيوب، سنضع نصّا خاصّا حول ذلك الموضوع، ونجرّمه" ما أشعل النقاش أكثر، وبعدها خفت الموضوع.
"أدعو جميع المغاربة ضحايا الابتزاز الالكتروني والتشهير في مواقع التواصل الاجتماعي إلى اللجوء إلى القضاء وطلب تعويض عن ذلك"(وزير العدل، عبد اللطيف وهبي)#برلمان #المغرب pic.twitter.com/KH5lf3OCxC — 2M.ma (@2MInteractive) December 10, 2024
ما رأي المغاربة؟
بتاريخ في 19 آذار/ مارس 2020، كان مجلس الحكومة قد وافق على مشروع القانون رقم 22.20 بشأن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، والذي قدمه وزير العدل.
وبحسب وزير العدل المغربي، فإنّ: "النص يهدف إلى سد ثغرة قانونية من أجل مكافحة المعلومات الخاطئة بشكل أكثر فاعلية، ومواءمة التشريعات المغربية مع اتفاقية بودابست بشأن الجرائم السيبرانية، التي صادق عليها المغرب، على الرغم من أن الاتفاقية المذكورة لا تتضمن أي حكم بشأن حرية التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي".
غير أنّ مواقع التوصل الاجتماعي قد اشتعلت نقاشا ورفضا لمشروع القانون بوصفه "تكميما للأفواه" في إشارة إلى قدرته على تضييق حريات التعبير. كما استنكرت عدّة منظمات للمجتمع المدني، غياب المشاورات قبل اعتماد مشروع القانون، وكذلك عدم الشفافية فيما يتعلق بمحتوى الأحكام، مبرزين أنّ: "الحكومة استغلت جائحة كوفيد-19 لوضع تدابير تقيد الحريات المدنية".
#يسقط_قانون_2220
لم يبقى لهم إلا إضافة قانون بحظر التغريد والتدوين بعد اذان المغرب وربما في المستقبل يضاف أيضا منع الدخول إلى منصات التواصل الإجتماعي في أيام العطل هزلت #لا_لتكميم_الأفواه pic.twitter.com/CqXmfKGoml — حُسَام ???? بربروس ???????? (@2barbaros) April 27, 2020
أي مُقتضيات؟
خلال عام 2020 تم تسريب المواد التي يشملها مشروع القانون المرتبط بمواقع التواصل الاجتماعي، ما خلّف آنذاك موجة غضب جماعية بين رواد التواصل في المغرب؛ وهذه بعضا من مواده:
كانت المادة 8 من مشروع القانون، تمنح سلطات رقابية واسعة النطاق لـ "مزودي الخدمات" ، المكلفين بـ "حذف أو محظر أو توقيف أو تعطيل الوصول يظهر بشكل جلي أنه يشكل تهديدا خطيرا على الأمن والنظام العام أو من شأنه المساس بثوابت المملكة المغربية أو بمقدساتها ورموزها، وذلك داخل أجل أقصاه 24 ساعة... ".
وفي حالة عدم الامتثال للمادة 8، تنص المادة 10 على أن تكون الإدارة مختصة بإرسال إشعار رسمي إلى مزود الخدمة المتخلف في المقام الأول حيث لا يمتثل على الفور للطلبات المقدمة من الإدارة ولا يتابع مع إزالة أي محتوى يعتبر غير قانوني أو ضار بشكل واضح للسلامة العامة والنظام العام، بعد خمسة أيام من تاريخ الاستلام.
وإنّ عدم الامتثال لهذا الأمر، قد يؤدي إلى: عقوبة إدارية بقيمة 500.000 درهم، والتي قد تكون مصحوبة بتعليق مؤقت. في حال ما استمر مقدم الخدمة في عدم الامتثال لطلب الإدارة في غضون خمسة أيام، تسمح المادة 11 للإدارة بسحب تفويضهم أو رخصة التشغيل الخاصة بهم وتمنعهم من العمل على الأراضي المغربية.
وتمنح المواد 10 و 11 و 12 من مشروع القانون نفسه الذي خلّف غضبا عارما بين المغاربة، صلاحيات واسعة للإدارة أو "هيئة الرقابة"، وذلك دون تقديم مزيد من التفاصيل حول إنشاء هذه الهيئة.
وتنص المادة 14 من مشروع القانون على "الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 5000 إلى 50.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، من قام عمداً عبر شبكات التواصل الإجتماعي أو عبر شبكات البث المفتوح أو عبر الشبكات المماثلة بالدعوة إلى مقاطعة بعض المنتوجات أو البضائع أو الخدمات أو القيام بالتحريض علانية على ذلك".
وأكّد عدد من الرّافضين لهذه المقتضيات، قبل سنوات، أنّ: "حظر المواقع دائما ما يكون غير متناسب بموجب المادة 19 (3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه المغرب، لأنه يمنع الوصول إلى محتوى شرعي آخر على الإنترنت".
مشروع قانون في المغرب لفرض الوصاية على وسائل التواصل الاجتماعي .. حرية التعبير وحرية الرأي ستصبح متحكم فيها ومسيرة
بالنسبة لاصحاب شعار العام زين ماتخافوش انتم هم مثال لما يراد به ان تكون وسائل التواصل الاجتماعي في المغرب pic.twitter.com/96YFHWIXiw — Mohamed Bouarbi (@MohamedBouarby) April 24, 2020
جرّاء ذلك، تم تعليق مشروع القانون؛ ليعود بعد سنوات النقاش بخصوص مشروع قانون آخر يخص كذلك مواقع التواصل الاجتماعي، ليشتعل النقاش المتسارع من جديد. رغم عدم الكشف عن وثيقة مشروع القانون بعد، للاطّلاع على فحواها.
تجدر الإشارة إلى أنّ عدد سكان المملكة المغربية هو: 33 مليونا و848 ألفا و242 نسمة، بحسب الإحصاء العام للسكان والسكنى، الذي تمّ أواخر عام 2014. فيما كشفت دراسة حديثة لشركة "سونرجيا" المُتخصصة في أبحاث السوق، أن 80 في المئة من سكان المغرب يستعملون مواقع التواصل الاجتماعي في عام 2024، وذلك بزيادة تبلغ 7 في المئة مقارنة بعام 2020.
وأوضحت الدراسة نفسها أنّ: "واتساب، وفيسبوك، وإنستغرام، هي التطبيقات الثلاثة الأكثر استعمالا من قِبل المغاربة، بنسب 76 في المئة، و65 في المئة، و40 في المئة على التوالي، بينما يأتي تيك توك في المركز الرابع بـ19 في المئة، وسناب شات في المركز الخامس بـ8 في المئة، ثم لينكدإن في المرتبة السادسة بـ6 في المئة، وفي المركز السابع تويتر بـ4 في المئة".
أمّا فيما يخص يوتيوب، فقد أورد تقرير "Digital 2023 Global Overview Report"، الذي صدر في شباط/ فبراير 2023، أن: "عدد مستعملي المنصة في المغرب قد بلغ بحلول عام 2023 21,30 مليون مستخدم".
إلى ذلك، يظل مشروع القانون المغربي لتنظيم مواقع التواصل الاجتماعي إشكالية متعددة الأبعاد، تحاول البحث عن توازن بين حماية المجتمع من المخاطر الرقمية، وضمان حرية التعبير.
وبينما تؤكد الحكومة على ضرورة "سد الفراغ التشريعي" في مواجهة المحتوى الضار، لا يزال رواد التواصل الاجتماعي متخوّفين مما يصفونها بـ"انزلاقه نحو تقييد الحريات". فهل سيكشف النص القانوني مستقبلا قادرا على تجاوز إرث الجدل السابق، واستيعاب تطلعات مجتمع رقمي نشط؟