الفلسطيني فتحي عبد الرحمن في يوم المسرح العربي بمسقط
تاريخ النشر: 9th, January 2025 GMT
تزاحمت الصور والمشاهد في ذهنه، فلم يدر بمن يبدأ، والمنادي ينادي على صاحب كلمة يوم المسرح العربي، في مهرجان المسرح العام في العاصمة العمانية مسقط. لعله ترك تداعيات الذاكرة، وتداعيات الوطن الذي يحمله، لمنح صوته التركيز في قراءة النص. لكن هل سيكون ذلك ممكنا فعلا أم ستخرج مع كلماته مشاعر الفنان والإنسان، القادم من فلسطين، المتعرضة للاستباحة كما لم تتعرض من قبل؟!
بدايات نور العين والسمع، ذلك الطفل الذي ولد في مخيم للاجئين ودرس في مدارس الأونروا، والمسرحية الأولى التي شاهدها في حياته كانت في مخيم فلسطيني.
يستذكر فتحي عبد الرحمن رحلته بعبارات قليلة، تاركا لنا تتبع مراحل حياته المسرحية، التي عايشنا جزءا منها بعد عودته إلى فلسطين منتصف التسعينيات، بعد طول نفي وتشرد. ولنا أن نشهد على فتحي عبد الرحمن «سيزيف من سيزيفات» المسرح العربي والعالمي، وهو يحمل الصخرة إلى أعلى الجبل، لا ليرتاح بل ليبدأ من جديد.
قلت له، ونحن مرة في المسرح الشعبي، الذي أعاد بناءه في مخيم الأمعري: أما تعبت أستاذي وأنت في كل عرض تحمل أعباء كثيرة، وتتابع التفاصيل؟ هل يبقى لك وقت تتفرغ فيه فعلا للإخراج؟ يبتسم «أبو كرم». تكفينا ابتسامته، لكن يفاجئنا في كل عرض جديد بالإبداع. وفتحي عبد الرحمن، الذي أضاف للمسرح الأردني والفلسطيني، له فضل على كثيرين، ولعل واحد منهم. كنت محررا ثقافيا ناشطا في الكتابة عن المسرح، حين جاء من عمان، وأشرف على عدة دورات وورش في الكتابة والنقد قبل 3 عقود، صحيح أنه كان يتفهمني عندما أغفو قليلا، كوني قادما من عملي في التعليم والتحرير، لكنه كان يؤمن بضرورة الاستثمار بتطوير النقد المسرحي، فغرفت من خبراته، وخبرات آخرين أجلهم جميعا، فلم نكن لنصل إلى هذا المستوى لولا الدعم والتشجيع، والفنان عبد الرحمن كان حجر الزاوية، حيث استضافني في الفرقة كأنني عضو بها، وهناك صرت أعيش عوالم المسرح قبل اكتمال العرض.
لعلها الأمانة فمن يحملها؟!
واليوم يخاطب فتحي عبد الرحمن المسرحيين العرب في الاهتمام بالمضامين التي تحتاجها أمتنا لأنه يؤمن بالغد المشرق:
المسرحيون الشباب، المندفعون الشغوفون الحالمون بتوحيد المجتمع الإنساني والانتصار للحقيقة والعدالة والجمال، هل يكفي أن أدعوهم للقتال في سبيل تحقيق أحلامهم، وهم يشاهدون منذ أشهر طويلة كيف تتحكم مجموعة من المجانين المتطرفين بمصائر الشعوب...؟ هل أدعوهم للتمسك بالمثل الأعلى والمبادئ وقد بات العالم أكثر غموضا؟! إلام أدعوهم وقد اكتشفوا أن التربية في أوطاننا تكرس الأمراض وتحولهم إلى عجزة؟ إلام أدعوهم وقد شاهدوا بأم أعينهم ملايين الشباب في العالم العربي كيف ينتفضون ويصرخون ضد التمييز والعنصرية والحروب الظالمة، وهم غارقون بمشاعر اليأس والعجز والصمت؟ ماذا أقول لهم وهم يشاهدون آلاف الرجال وقد خرجوا من السجون أشبه بالكهول بعد أن خطف الاستبداد والدكتاتورية زهرة شبابهم لأنهم نادوا بالحرية؟ خبرتنا تقول ونحن نقترب من نهاية القوس: لا خيار لكم ولنا، لا تتراجعوا ولا تتخلوا عن أحلامكم وعن إصلاح العالم، فأنتم ونحن لسنا عميانا، ما زلنا نبصر الكوارث والبؤس والآلام في العالم وفي أوطاننا، لا تتركوا البشاعة والخوف تثنيكم عن الدفاع عن الإنسان، عن الأوطان، عن الأحلام، فحياةٌ قصيرة، مفعمة بالحرية والكرامة والحب، أفضل من حياة لا نهاية لها ولا طعم، المهم أن نحاول وإن كان في ذلك المستحيل».
ومن منطلق شكل المسرح ومضمونه، يرى عبد الرحمن: المسرح مخيالنا، وإبداعنا، ومتعتنا، وجنوننا، وشرفتنا التي نطل منها على العالم لنطرح الأسئلة، ولنتعلم الحكمة والحب ونقرأ التاريخ ونستشرف المستقبل. أما الهدف عبر المسرح فهو لتضميد جراح أرواحنا، وأرواح المكلومين المتألمين المحرومين المخذولين، ننتصر لحريتهم وكرامتهم وحقوقهم، ننتصر لكل ما هو جميل وأصيل وعادل، ونزرع بذور الأمل.
في كلمته لنا، نحن المسرحيين العرب، يذكرنا بعالمية الفنون والمسرح: ممتنا لمنفاي الذي أتاح لي فسحة التعلم والاكتشاف والتجريب، وأتاح لي كذلك أن أعرف أكثر عن: ستانسلافسكي وبرخت وارتو وجروتوفسكي، ومن بعدهم بيتر بروك وكانتور وباربا وتشاينا. وفي كلمته يتعمق لدينا الوفاء لجهود السابقين: ممتن للمخرجين والممثلين والمسرحيين المبدعين العرب، الذي جايلتهم أو تتلمذت على أيديهم وهم كثر، الذين ساروا في ذات الدروب الشيقة والشاقة، حاملين مشاعل الإبداع، الذين أناروا أمام جيلنا الدروب وارتقوا بذائقتنا وحرفتنا وعلومنا المسرحية، ومنحونا الثقة والقدرة على الاستمرار، وحفزونا على تجديد أفكارنا ورؤانا وأدواتنا الفنية. أولئك الذين ضحوا كثيرا من أجل فنهم وقضايا شعبهم، ومن أجل الجمال.
فتحي عبد الرحمن منظمة وفاء، لذلك لم ينس الجمهور المسرحي: ممتن لجمهور مسرحنا العربي، الذي كان حضوره وتفاعله وتقديره للمسرح، يبعث الدفء في قلوبنا ويسعدنا مثلما نسعده، يشاركنا الأمل والتأمل في أحوالنا، يشاركنا الاحتجاج والغضب على انتكاساتنا وتراجعنا وتخاذلنا عندما تتراجع أمتنا،.. الجمهور الذي يرفض القبح والإسفاف والظلم والأفكار الظلامية وكذب السياسيين.
ومن دلالات كلمته في المسرح العربي، يركز عبد الرحمن على الدور الإنساني من خلال التربية العميقة لا الوعظ قائلا: «المسرح علمنا الإصغاء والتأمل، علمنا التحاور وقبول النقد وتنظيم الاشتباك. ليس مسرحا ذلك الذي لا ينتصر لقضية الإنسان، لقضية الجمال وقبول الاختلاف والتنوع والتعددية».
ولم ينس الفنان الفلسطيني فتحي عبد الرحمن الحديث عن تطوير الفن المسرحي، كون الرسالة تحتاج له، وتحتاج لمواكبة العصر دون الزهد بخبرات من سبقونا: «علينا أن نجدد ونبتكر في أفكارنا ونصوصنا وعروضنا وتقنياتنا المسرحية،.. والتجديد لا يعني أن نقتل آباءنا ومعلمينا ومن أخذنا عنهم المسرح، فأولئك من أضاءوا مشاعل المسرح، من ضحوا وقدموا ومهدوا الطريق أمام من أبدعوا وأكملوا من بعدهم».
وقد ركز على التكنولوجيا: «تمكّن المسرح الذي ابتكره الإنسان منذ خمسة وعشرين قرنا من التأقلم مع الشروط الجديدة التي أوجدتها هذه التكنولوجيا، وهو يستغلّ الكثير من وسائطها في تقنياته، كاستبدال الديكور بالإضاءة، وتحديد مداخل الممثل ومخارجه دون وجود الكواليس، واستخدام الخرائط والصور والتسجيلات الصوتية والمرئية وغيرها من عشرات الاستخدامات الجمالية والوظيفية. إن المضيّ في المسرح يتطلب مواكبة هذه الاكتشافات وتجريبها في المسرح وعدم تجاوزها وإهمالها».
الأدب من الحياة ولها، والمسرح كذلك رسالة وقضية، ومن بينها قضية بلاده فلسطين، التي وجد نفسه يؤكد حضورها في كلمته بل ويختتم بأسئلته في ظل حرب الإبادة والتهجير، التي تعني إنهاء الاحتلال، عبر توعية الأجيال الجديدة، عمن يتحكم في هذا العالم وبأية وسيلة؟
رسالة نبيلة هي كلمته: «لا نريد أن تتراجع إرادتنا عن إصلاح العالم وإصلاح أنفسنا، فواجب الفنانين في أحلك الظروف أن يرفضوا الاستسلام للظلم، وأن يتمسكوا بجعل حرية الإنسان وكرامته في مركز العالم، وأن يسهموا في تأهيل بني البشر لرفض التمييز والعنصرية والحروب، ويعملوا على توحيد المجتمع الإنساني، بالدفاع عن الحقيقة والعدالة وحق الشعوب في الوجود».
منظومة فنية مسرحية وطنية وقومية وإنسانية جمعها في كلمته في يوم المسرح العربي، الذي يوحدنا هنا ثقافيا وإنسانيا. ولعلنا هنا نكرر الشكر دوما لراعي مسيرة الهيئة العربية للمسرح الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة وعضو المجلس الأعلى لاتحاد الإمارات العربية المتحدة، وهو المحب للمسرح والعروبة والإنسانية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فتحی عبد الرحمن المسرح العربی فی المسرح فی کلمته
إقرأ أيضاً:
الخبراء يناقشون في ندوة إقليمية بمسقط "تحسين ترتيب الجامعات العربية في التصنيفات العالمية"
مسقط- العُمانية
انطلقت في جامعة مسقط أمس، أعمال الندوة الإقليمية "حول تحسين ترتيب الجامعات العربية في التصنيفات العالمية، وآلية الدخول في التصنيف العربي للجامعات والاعتمادات الجامعية"، والتي تنظمها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار تحت رعاية معالي الدكتورة رحمة بنت إبراهيم المحروقية، وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وتستمر لمدة يومين.
الندوة التي عُقدت بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الألكسو"، واللجنة الوطنية العُمانية للتربية والثقافة والعلوم، هدفت إلى التركيز على تعزيز السمعة الأكاديمية للجامعات العُمانية، مع تعزيز مكانتها التنافسية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وتسعى الندوة إلى التعريف بالاستراتيجيات التي تُمكن من مواءمة ممارسات المؤسسات التعليمية مع المعايير العالمية، وتحسين المجالات الرئيسة للأداء مثل جودة العمل الأكاديمي، وفعالية المنهجيات التعليمية، وتأثير البحث العلمي، واستعراض رؤى حول أنظمة الترتيب العربي والعالمي وإطارات الاعتماد، مما يزوّد الجامعات بالأدوات والإجراءات اللازمة لتعزيز سمعتها ورفع ترتيبها.
وأكد يحيى بن سلام المنذري مدير عام البعثات بالندب بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار- في كلمته- أهمية بذل الجامعات والكليات الخاصة في سلطنة عُمان قصارى جهدها، لتعزيز مكانتها في التصنيفات العالمية حتى تُعزز من سمعتها الأكاديمية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، ويضمن مساهمتها القوية في تحقيق التوجهات والأهداف الاستراتيجية لرؤية "عُمان 2040"، وخاصةً فيما يتعلق بالأولوية الوطنية الأولى المتمثلة في أولوية التعليم والتعلّم والبحث العلمي والقدرات الوطنية.
وقال المنذري إنّ اكتساب مكانة إقليمية ودولية مرموقة من خلال تحقيق تصنيفات مؤسسية قوية يتيح للمؤسسات التعليمية الفرصة للحصول على العديد من المزايا، بما في ذلك زيادة قدرتها على استقطاب أكاديميين عالميين وطلاب محليين ودوليين ذوي مواهب عالية، والتنافس بنجاح على المنح البحثية والاستشارات، وضمان توظيف خريجيها في وظائف تتطلب مهارات عالية، وحصول هؤلاء الخريجين الموظفين على امتيازات مهنية خاصة. وأشار إلى تصنيف "QS" بجميع مستوياته الذي يُعدُّ من أكثر التصنيفات تأثيرًا على مستوى مؤسسات التعليم العالي الدولية؛ حيث يتجلى الأداء في تصنيفات QS في أهداف رؤية "عُمان 2040"، المتمثلة في السعي لزيادة عدد الجامعات العُمانية المدرجة في هذه التصنيفات. وأفاد بأنّ سلطنة عُمان تسعى إلى دخول 4 جامعات محلية ضمن أفضل 500 جامعة في تصنيف QS العالمي بحلول عام 2040، وترجمةً لهذا التوجّه الاستراتيجي، فقد تمكّنت جامعتان عُمانيتان في الدخول في هذا التصنيف؛ إذ حصلت جامعة السُّلطان قابوس الترتيب 362، وجامعة صحار ضمن مجموعة (1200-1001) على المستوى العالمي، وعلى مستوى الوطن العربي؛ حيث توجد حاليًّا 7 جامعات في تصنيف QS، منها جامعة حكومية واحدة و6 جامعات خاصة.
وقال الأستاذ الدكتور محمد سند أبو درويش مدير إدارة العلوم والبحث العلمي بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم- في كلمته- إنّ تنفيذ هذه الندوة يأتي في إطار الإيمان المطلق بأهمية الاستراتيجية العربية للبحث العلمي والتكنولوجي والابتكار، وسعيًا حثيثًا لتنفيذ آلياتها، وإيمانًا بأنّ جامعاتنا العربية هي منارات علم وإشعاع، لديها الكثير من المقومات التي تجعلها مكانًا فريدًا لبناء الفرد المؤمن بواجبه أينما وجد وحيثما كان. وأضاف أنّ ذلك يمكّن الجامعات من خلال مواكبة متطلبات التصنيفات والاعتمادات سواء كانت عربية أو عالمية أن تطور من منهجياتها العلمية والتعليمية، والإسهام في بناء الحضارة الإنسانية، ورفد المجتمع العلمي بنتاج واسع من منتوج علمي قابل للتطبيق يُسهم فعليًّا في مواجهة التحدّيات التي تواجه المجتمع.
وأوضح الدكتور محمود بن عبد الله العبري أمين اللجنة الوطنية العُمانية للتربية والثقافة والعلوم- في كلمته- أنّ موضوع تصنيف الجامعات لم يُعدُّ مجرد مؤشّر للسمعة الأكاديمية أو ترتيب على جداول عالمية، بل أصبح أداة استراتيجية تستند إليها الدول في رسم سياساتها التعليمية، وتحسين جودة المخرجات، واستقطاب الطلبة الدوليين، وتحفيز البحث العلمي، وبناء الشراكات الدولية.
وأكّد أنّ انعقاد هذه الندوة بمشاركة نخبة من الخبراء والأكاديميين يُمثل منصة حيوية لتبادل الرؤى والخبرات، واستكشاف سُبل تعزيز الأداء المؤسسي للجامعات العربية بشكل عام والعُمانية على وجه الخصوص، في ظل المعايير العالمية المتسارعة التغير.
ويتضمن البرنامج العلمي للندوة تقديم أوراق عمل ثرية على مدى يومين، ويشارك فيها خبراء من مؤسسات تصنيف دولية وأكاديميون من جامعات عربية مرموقة، وتغطي الجلسات محاور متعددة تشمل: استراتيجيات الارتقاء بالتصنيف الجامعي، وجودة البحث العلمي، والنشر الأكاديمي، والحوكمة المؤسسية، والشراكات الدولية، والابتكار في التعليم العالي.
واشتملت أعمال اليوم الأول عقد جلسة حوارية، وجلستي نقاش؛ حيث ركّزت الجلسة النقاشية الأولى حول معايير التقييم في تصنيف QS، وتناولت أبرز الاستراتيجيات الفعالة لتعزيز السمعة الأكاديمية للجامعات العُمانية، فيما تطرّقت الجلسة الثانية إلى مقدمة في كيفية المشاركة في التصنيفات الأخرى، وشرح مسارات الاعتماد الدولي، إضافة إلى أهمية التبادل الأكاديمي والعولمة في التعليم العالي.