بوابة الوفد:
2025-07-03@16:43:03 GMT

الأمن والتنمية في العالم العربي

تاريخ النشر: 11th, January 2025 GMT

وسط التحديات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية المتشابكة، يجد العالم العربي نفسه أمام معضلة استراتيجية تتداخل فيها أولويات وضرورات الأمن القومي مع الرؤى التنموية. فمع تصاعد الإنفاق العسكري على نحو غير مسبوق، تبرز التساؤلات حول جدوى هذا النهج في ضوء احتياجات الشعوب المتعطشة لتحسين مستويات المعيشة وفرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية.


سباق التسلح العربي
تشير تقارير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إلى أن منطقة الشرق الأوسط تستحوذ على حوالي 32% من واردات الأسلحة العالمية، وهو ما يجعلها من أكثر المناطق استيرادًا للسلاح. خلف هذه الأرقام تختبئ دوافع جيوسياسية معقدة تتراوح بين النزاعات الإقليمية والمنافسات الاستراتيجية، وهو ما يدفع العديد من الدول العربية إلى التركيز على التسلح كأداة رئيسية لضمان أمنها القومي. ومع ذلك، فإن الاعتماد المفرط على هذا النهج قد يعكس رؤية تتجاهل الأدوات البديلة كالتركيز على التنمية البشرية، وبناء المؤسسات الوطنية القوية والمستقلة، وموازاتها مع السياسات التنموية والاعتماد على الدبلوماسية الناعمة والتعاون الإقليمي والدولي.
التداعيات الاقتصادية والاجتماعية
الإنفاق العسكري بطبيعة تكاليفه الباهظة يفرض أعباء ثقيلة على الموازنات العامة للدول العربية، حيث يتجاوز في بعض الحالات 7% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ 2.2%. هذه النسب تعني استنزاف موارد مالية كان يمكن توجيهها نحو قطاعات أكثر أهمية كالتعليم والصحة والبنية التحتية.
المفارقة هي أنه في المقابل، تعاني معظم الدول العربية من فجوة كبيرة في الإنفاق على التعليم، حيث لا تتجاوز نسبته 3.2% من الناتج المحلي الإجمالي في كثير من الأحيان، مقارنةً بمعدل عالمي يبلغ 4.3%. هذا التفاوت ساهم وكما يبدوا في إضعاف القدرات التنافسية لكثير من الدول العربية وزيادة الضغوط الاجتماعية المتمثلة في البطالة والفقر وانعدام الاستقرار الداخلي. وإضعاف فرص تحقيق التنمية المستدامة.
أما على المستوى الاجتماعي، فإن التركيز على التسلح من شأنه أن يؤدي إلى تضييق الخناق على الخدمات الأساسية، ويزيد من الضغوط على الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع، لا سيما في ظل تقلص الموارد المتاحة لتلبية احتياجاتهم. ويتزامن ذلك مع الأوضاع الاقتصادية المتردية في كثير من الدول العربية، حيث ترتفع معدلات الدين العام وتتراجع معه مستويات النمو الاقتصادي. أضف إلى ذلك، فإن المناخ السياسي المشحون في المنطقة غالباً ما يُثني المستثمرين الأجانب عن دخول الأسواق العربية، ليزيد من تعقيد المشهد التنموي.
التجارب الدولية
قد يكون من الممكن للدول العربية الاستفادة من التجارب الدولية في تحقيق التوازن المطلوب بين الأمن والتنمية، كدول جنوب شرق آسيا مثل ماليزيا وسنغافورة التي ترتكز سياستها الوطنية على بناء اقتصادات قائمة على المعرفة والابتكار، والذي ساعدها على تنويع اقتصاداتها بعيدًا عن القطاعات التقليدية، وجذب الاستثمارات الأجنبية الدولية، واندماجها بشكل أعمق في سلاسل القيمة العالمية، وتعزيز مكانتها في الاقتصاد الدولي.
كم أن تجربة الصين في إعادة توجيه استراتيجياتها نحو التنمية والاقتصاد تستحق التأمل. فقد أعادت هيكلة جيشها وتقليص العدد الكلي للقوات المسلحة إلى نحو 2 مليون جندي، لتقلل بذلك من النفقات العسكرية المباشرة، وبالتوازي، ركزت على الابتكار التكنولوجي في قطاع الدفاع، وهو ما أتاح لها تحقيق كفاءة أعلى بتكلفة أقل، وتوجيه الفائض من الموارد نحو القطاعات الإنتاجية والصناعات الاستراتيجية والتي أوجدت مصادر جديدة للدخل القومي. 
علاوة على ذلك، ارتكزت السياسات الصينية على تحسين العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع الدول الأخرى من خلال مبادرات مثل "الحزام والطريق"، والتي ساهمت في فتح أسواق جديدة وتعزيز التجارة الدولية. مكنت هذه الخطوات الصين ودول جنوب شرق آسيا من تحقيق توازن بين الأمن والتنمية، وإنماء قدرتها على تأمين حدودها وحماية مصالحها الاستراتيجية وتحقيق معدلات نمو اقتصادي عالية ومستدامة، وجعلها نماذج ناجحة في كيفية إعادة صياغة الأولويات الوطنية بما يخدم التنمية الشاملة.
الأولويات الوطنية العربية
لتحقيق التوازن المنشود، لا بد للدول العربية من إعادة صياغة أولوياتها الوطنية بشكل يُعطي الأولوية للاستثمار في بناء القدرات البشرية، كمدخل تقوم عليه القطاعات الصناعية، والسياسات الاقتصادية المستدامة. تطوير منظومة التعليم، على سبيل المثال، هو أكثر من مجرد غاية في حد ذاتها، بل الوسيلة الاستراتيجية لتحقيق الاستقلال الاقتصادي والتقدم التكنولوجي، وتدعيم القدرات الوطنية لمواجهة البيئات الأمنية والاقتصادية المتغيرة.
كما أن الاستثمار في البحث العلمي، وتطوير الصناعات الدفاعية المحلية هي أيضاً محاور أساسية لبناء أمن قومي مستدام. الصناعات الدفاعية المحلية، على وجه الخصوص، يمكن أن تسهم في تقليل الاعتماد على الواردات الأجنبية وخلق فرص العمل في الداخل المحلي. ويمكن للدول العربية أن تحقق مكاسب استراتيجية طويلة الأمد من خلال التعاون الإقليمي والتحالفات الأمنية التي تخدم المصالح المشتركة، وهو ما قد يسهم في تقليل التوترات الجيوسياسية وخفض سباق التسلح بل وفي فتح آفاق جديدة للتنمية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمشاريع الاقتصادية المشتركة ومناطق التجارة الحرة أن تخلق بيئة داعمة للنمو الاقتصادي، ويُعيد تشكيل العلاقات السياسية مع دول الجوار والمحيط العالمي على أسس أكثر استدامة.

الأمن في عصر التحديات الجديدة
تظهر الحقائق بأن المفهوم التقليدي للأمن القومي لم يعد كافيًا لمواجهة التحديات الراهنة. فالأمن اليوم لا يمكن قياسه بحجم القوة العسكرية أو عدد الأسلحة فقط، بل بقدرة الدولة على بناء مجتمعات تمتاز بالمرونة والقدرة على التكيف والتأقلم مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. إذا، فالعالم العربي بلا شك أمام مطلب واضح لإعادة تعريف أولوياته الوطنية بما يضمن تحقيق توازن مستدام بين الأمن والتنمية. الأمر الذي لا يقبل الجدال، هو أن الاستثمار في المعرفة والابتكار سيبقى المفتاح لتحقيق هذا التوازن، والوصول إلى مستهدف الاستقرار في المجتمعات العربية، وهو الخيار الوحيد الذي سيضمن للدول العربية موقعاً تنافسياً في النظام العالمي الجديد، ويمنحها القدرة على تحقيق طموحات شعوبها.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الأمن والتنمیة الدول العربیة للدول العربیة وهو ما

إقرأ أيضاً:

بدر بن حمد من القاهرة: "الأمن القومي العربي كلٌ لا يتجزأ".. وعُمان تؤكد الرفض القاطع لتهجير الفلسطينيين

 

القاهرة- العُمانية

عُقدت بالقاهرة مساء اليوم أعمال الدورة الـ16 للجنة العُمانية المصرية المشتركة على مستوى وزيري خارجية البلدين.

وترأس الجانب العُماني معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية، فيما ترأسها من الجانب المصري معالي الدكتور بدر عبدالعاطي وزير خارجية جمهورية مصر العربية. وفي كلمته خلال الجلسة الافتتاحية، أعرب معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي عن بالغ شكره وتقديره للجانب المصري على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، مؤكّدًا على ما تمثله العلاقات العُمانية المصرية من عمق تاريخي وصِلات حضارية راسخة، قائلاً: "ما هذه الدورة للجنة العُمانية المصرية إلا إضافة جديدة ومباركة لسجل التعاون الإيجابي بيننا، وإسهام في ترسيخ الوشائج التي ارتسمت معالمها وتكوّنت خصوصيتها عبر التاريخ، واليوم ننعم بثمار هذه العلاقات لما فيه خير وصالح شعبينا الشقيقين".


 

ونوّه معاليه بما تشهده العلاقات الاقتصادية بين البلدين من تطور ملحوظ، مشيرًا إلى أهمية تنمية الشراكات الاستثمارية في قطاعات العقار، والسياحة، والطاقة المتجددة، والصناعات التحويلية، والخدمات اللوجستية، والأمن الغذائي، والصناعات الدوائية.

ودعا معاليه إلى تفعيل دور مجلس الأعمال العُماني المصري والقطاع الخاص، وإلى توجيه الاهتمام بالمشروعات الناشئة والرقمنة والابتكار، مؤكّدًا أن “ذلك من شأنه أن يعزز من استدامة الاقتصاد ويواكب المتغيرات العالمية”.

وفي الشأن الإقليمي، أكد معالي السيد وزير الخارجية على دعم سلطنة عُمان الكامل للجهود المصرية في وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مشددًا على الرفض القاطع لخطط تهجير الشعب الفلسطيني، والدعم التام للخطة العربية لإعادة إعمار غزة، مؤكدًا موقف سلطنة عُمان الثابت في دعم قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفقًا للشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.

كما شدد معاليه على أن “الأمن القومي العربي كلٌ لا يتجزأ”، مؤكدًا دعم سلطنة عُمان لحقوق جمهورية مصر العربية في مياه نهر النيل استنادًا إلى قواعد القانون الدولي ومبدأ الاستخدام العادل والمنصف، وبما يعزز فرص التعاون القائم على التفاهم والحلول السلميّة.


 

وأكّد معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي، أن سلطنة عُمان، تحرص على الإسهام الدائم في إرساء الاستقرار، والنأي بشعوب المنطقة عن كل ما يعيق مسيرتها نحو التنمية، مشيرًا إلى أهمية استئناف الجهود الرامية إلى التوصّل لاتفاق عادل ودائم بشأن الملف النووي الإيراني، استنادًا إلى قواعد القانون الدولي ومعاهدة عدم الانتشار، والابتعاد عن فرض الحلول بالقوة، التي لا تخلّف سوى الدمار وزعزعة استقرار الشعوب. مؤكدًا أن نهج الحوار والتفاوض يبقى السبيل الوحيد لحل الخلافات واحتواء المخاطر.

وأشاد معاليه بالجهود التي بذلها كبار المسؤولين من الجانبين في الإعداد لهذه الدورة، معربًا عن تطلعه لأن تكون مخرجاتها “إضافة نوعية تعزز من روابط التعاون وتحقق تطلعات قيادتي وشعبي البلدين”.

من جانبه، أشاد معالي الدكتور بدر عبدالعاطي وزير خارجية جمهورية مصر العربية بعمق العلاقات المصرية العُمانية وما تشهده من تطور ملموس بفضل توجيهات قيادتي البلدين، وسعيهما للارتقاء بالتعاون إلى آفاق أرحب.

وأوضح معاليه أن انعقاد الدورة الحالية يعكس الحرص المشترك على البناء على نتائج الزيارات المتبادلة بين قائدي البلدين، لافتًا إلى أن المباحثات مع نظيره العُماني تناولت سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية. وعلى الصعيد السياسي أشاد معاليه بمستوى وعمق المباحثات التي جرت بين الجانبين وتطابق وجهات النظر حول مجمل القضايا الإقليمية وسبل معالجتها بالوسائل السلميّة.

وقد تخللت أعمال الدورة التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية في مجالات الاستثمار والعمل والتدريب، والتعاون الإعلامي، وسلامة الغذاء، والأوقاف، والثروة المعدنية، وتطوير رأس المال البشري، بالإضافة إلى التوقيع على محضر الدورة الـ 16 للجنة العُمانية المصرية المشتركة.

واختتمت أعمال الدورة بتأكيد الجانبين على أهمية مواصلة التنسيق والتشاور في مختلف المجالات، وتعزيز الشراكة العُمانية المصرية بما يعود بالنفع على البلدين والشعبين الشقيقين، ويسهم في ترسيخ الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • اختتام الاجتماع العربي الإقليمي في تونس.. إعلان الأولويات العربية لمؤتمر القمة العالمي الثاني
  • الإصلاح والتنمية لـ صدى البلد: نشارك في القائمة الوطنية لانتخابات الشيوخ
  • وزراء الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية والتخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي والتنمية المحلية ومحافظ مطروح يفتتحون المركز التكنولوجي لخدمة المواطنين والمستثمرين بجهاز مدينة العلمين الجديدة
  • لقاءات مصرية خلال مؤتمر الأمم المتحدة لتمويل التنمية لتعزيز العلاقات الاقتصادية
  • وزير الزراعة: نتطلع للاستفادة من التجربة الهولندية في تحقيق الأمن الغذائي
  • المملكة تختتم رئاستها للسنة الدولية للإبليات 2024 وتؤكد أهمية القطاع في تحقيق الأمن الغذائي
  • الوزراء يوافق على تعديل اسم اللجنة الوطنية العليا للاستثمار بمجلس الشؤون الاقتصادية
  • بدر بن حمد من القاهرة: "الأمن القومي العربي كلٌ لا يتجزأ".. وعُمان تؤكد الرفض القاطع لتهجير الفلسطينيين
  • دعم خليجي متجدد للبنان.. تأكيد على الأمن والاستقرار والتنمية
  • نائبة وزيرة التضامن الاجتماعي تترأس وفد مصر في الاجتماع العربي التحضيري لقمة التنمية الاجتماعية بتونس