أحاديث في السياسة.. الهزيمة
تاريخ النشر: 11th, January 2025 GMT
يوسف عوض العازمي
@alzmi1969
"تعوَّدنا في العالم العربي- مع الأسف الشديد- على إلقاء أي هزيمة تواجهنا على الآخرين" غازي القصيبي.
**********
الهزيمة يتيمة وللنجاح مليون أب، عبارة كتبت وكتبها الكثيرون، من منا يحب الهزيمة، من منا يكره الانتصار، من منا يحب الفشل، من منا يكره النجاح، تناقضات النفس البشرية تجدها في كل منطقة حسيه إلا في خاصية الهزيمة والانتصار والنجاح والفشل، ستكون نرجسية النفس هي السائدة، ولا عليك ممن يدعي حب الهزيمة، لا يوجد واعٍ يحبها، تأكد من ذلك، وتيقن.
لكنْ، (وليس لاكن!) وأنا هنا لست معلمًا للغة العربية حتى أعلمك الإملاء وكيف تكتب الكلمة كتابة صحيحة، لكني معلم للتاريخ وأعلمك معنى أن تتقبل التاريخ وتتحدثه بصدق، وتعترف بالهزائم وتفتخر بالانتصارات، تتعلم من الهزائم وتنطلق بعدها للأفضل لتحقيق الانتصارات، وتتعلم من الانتصارات أن بقاء الحال محال، و البقاء في القمة أصعب من الوصول إليها، لا أعلمك التاريخ كي تحفظ و تقدم إداء جيدا في الاختبار، وبعدها تنسى كل المعلومات.
التاريخ أن تتعلم، تتعظ، تفهم، تتحلى بالوعي، حتى تكون خطواتك واثقة، ثابتة، محتفظة باليقين الذي يجعلك في المقدمة، وليس بالتيه الذي تتعثر على دروبه.
الهزيمة هي هزيمة، لا يوجد تعبير للهزيمة سوى إنها هزيمة، والانتصار كذلك هو انتصار، لا تعريف له سوى أنه انتصار، في مباريات كرة القدم تحسب النتائج كما هي وبشفافية تامة تسجل النتيجة، قصة أن التحكيم فيه ما فيه أو الظروف أثرت أو كذا وكذا، لا تؤثر أبدًا في النتيجة الرسمية هزيمة كانت أم انتصارًا.
إذن.. كيف تقلب الهزيمة لانتصار؟ سهلة وليست صعبة، لكن من يفهم ذلك؟!
تَقلب الهزيمة لانتصار عندما تعترف أولًا بها ولا تكابر، تتحلى بالصدق ولأتكذب، تقول الحقيقة وبشجاعة ولا تتوارى وراء وسائل إعلام كاذبة تجمل الهزيمة وتجعلها انتصارًا.
تقلب الهزيمة لانتصار عندما لا تبكي على الأطلال، وتمارس جدالات بيزنطية لا تقدم ولا تؤخر، ولا تُسمن ولا تغني من جوع، البكاء والنحيب لا يقلبان الهزيمة لانتصار، لكنهما يقدمان مشهد تراجيدي في فيلم عنوانه الحزن والبكاء، ولا تسأل عن عمل ولا تنشد عن همة.
تصور في إحدى البلدان، مناطق كاملة تدمر، آلاف من القتلى، ومع هذا يخرج من بين الأنقاض من يهتف: انتصرنا! ومن يقول الحقيقة ويقر بالهزيمة يكون متخاذلًا جبانًا، مُثبطًا للهمم! ومن يكذب ويُغرر بالناس هو المناضل والبطل الصنديد، ويا أمة ضحكت من جهلها الأمم!
الضعف شيء والهزيمة شيء آخر، إذ من الممكن أن تكون ضعيف الإمكانات، لكنك شجاعًا تواجه الموقف بشجاعة وجدية وتفهم قدراتك وتتصرف بحيث تحمي نفسك وتحفظ بلدك بأية طريقة تحفظ مكانتك ومكانك عن طريق إبرام اتفاقيات، وتشجيع الناس على العلم و دعم العلماء، وبناء مجتمع متمكن من الخبرات يملك مهارات تساعد في بناء الدولة، ولديك مستشارين مهرة مخلصين صادقين النية والقول، يملكون سعة أفق، يفهمون قواعد اللعبة، وتقوم ببناء جيش تسليحه نوعي، ذي عقيدة قتالية واضحة للدفاع عن البلاد، يتدرب مقاتلوه لحماية البلاد تدريبًا متقدمًا متطورًا.. جيش- وإن كان عدده قليلًا- لكن فاعليته المستمدة من عقيدته وقيادته الواعية تجعله جدارًا حصينًا لأمان وأمن البلاد. أما بناء جيش عندما تضرب مناطق بلاده لا يرد، وتصرخ قيادته بالعبارة المضحكة: "نحن من يحدد مكان ووقت المعركة"، هنا أعرف أن الذي أمامك ترسانة عسكرية قد تستخدم لأي شيء إلّا حماية بلادها.
الهزيمة مُرَّة، وصعبة على الأحرار، لا يتقبلها إنسان حر، وإن وقعت- لا سمح الله- تتبين معادن الرجال وقتها، ويعترفون بها، ويقتفون أثرها، ويتعاملون مع أسبابها بصدق ومسؤولية، حتى تكون درسًا للقادم من الأيام، هكذا تفعل وتعمل الأمم الواعية، تعتبرها كبوة جواد وتنهض، لا ان تشغل العالم بالأعذار الواهية وتبكي على لبن مسكوب.
القائد البريطاني الشهير ونستون تشرشل واجه أثناء رئاسته للوزراء هزائم وانتصارات، كان مُلهمًا للبريطانيين، ومن إحدى عباراته: "لا جدوى من قولك أنا أبذل قصارى جهدي؛ عليك أن تنجح في فعل ما هو لازم".
الهزيمة والانتصار والنجاح الفشل، والفرح والحزن، والضحك والبكاء، من سمات الحياة ومن تفاصيلها، ومن يلملم جراحه وينهض من جديد أفضل بكثير من يقوم بحفلات البكاء، وإلقاء الخطابات الصوتية الفارغة، وتوزيع الاتهامات الكاذبة.
تعمدت في هذه الكلمات البسيطة ألّا ضع نموذجًا، حتى يكون الكلام عامًا، ويسهل الفهم، وتعم الفائدة، إن وجدت.
قال تعالى: "وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" (آل عمران: 186).
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
كاتب إسرائيلي: السياسة تجاه غزة انهارت والحرب عالقة
أكد كاتب إسرائيلي أنّ سياسة تل أبيب تجاه غزة انهارت والحرب عالقة، موضحاً أنه "في الأيام الأخيرة نشهد انهياراً وطريقاً مسدوداً في ثلاثة جوانب: مسألة المخطوفين والجبهة العسكرية وتوريد الغذاء إلى غزة".
وقال الكاتب أرئيل كهانا في مقال نشرته صحيفة "إسرائيل اليوم"، إنّ "الجبهة العسكرية تجاه غزة عالقة، رغم أن قواتنا تواصل ضرب البنى التحتية لحركة حماس من فوق ومن تحت الأرض"، مبيناً أنّ "الجيش لم يدخل بعد الـ25 بالمئة من أراضي غزة التي لا تزال حماس تحكمها، وعمليات نقتل البعوض لكننا لا نجفف المستنقع"، وفق وصفه.
وتابع كهانا قائلا: "انهيار آخر في السياسية وقع بالنسبة للغذاء، والذي يسمى خطأ مساعدات إنسانية"، موضحا أن "الخطة الأصلية كانت هي التحويل إلى الصندوق الأمريكي- الإسرائيلي لتوزيع الغذاء في غزة، ومن خلاله أيضا يتم فرز الفلسطينيين لكن الجيش الإسرائيلي لم يرغب في القيام بهذا الفرز".
وانتقد بشكل كبير الحديث عن المجاعة في غزة والسماح بإلقاء المساعدات وإدخال كمية من الشاحنات، منوها إلى أن هناك تضارب في سياسة الإغلاق التي قررها الكابينيت قبل بضعة أشهر، وهذا ما يسمى "انهيار السياسة".
ولفت إلى أن جلسة الكابينيت الأخيرة شهدت جدالا بين وزير المالية سموتريتش ورئيس الأركان إيال زامير الذي طلب تعليمات صريحة من المستوى السياسي بالدخول للمناطق الـ25 بالمئة "الحساسة" في غزة، فرد عليه سموتريتش: "الحكومة لم تأمر الجيش أبدا بالامتناع عن العمل في هذه المناطق، وهذه سياسة قررها الجيش لنفسه".
وأثار هذا الرد غضب زامير الذي اتهم سموتريتش بأنه "يعرض المخطوفين للخطر"، ووفق الكاتب فإنّ "نتنياهو لا يريد أن يصدر أمرا صريحا بالدخول إلى هذه المناطق، بسبب النقد المتوقع من بعض عائلات الأسرى".
وذكر كهانا أنه "لا يهم من المحق في هذا الجدال، لكن النقطة الأساسية هي أن رئيس الأركان لا يعرف خطة من جانبه لكيفية الانتصار في الوضع الحالي أو جلب المخطوفين".
وتابع: "الفجوات تتسع لاعتبارات سياسية وللخوف من الرأي العام، والتوترات تشجع ولا تحل أي مشكلة، رغم أن هيئة أركان زامير أكثر قتالية واندفاعا من سلفها"، مضيفا أن "جيش اليوم يؤمن بأن مزيدا من الضغط في النهاية سيكسر حماس".
وشدد على أن "ذنب الجمود لا يقع بأي حال على الجيش فقط، فنتنياهو هو الذي افترض بأن صفقة الأسرى قريبة، وكتحصيل حاصل لم يطلب أيضا من الجيش حسما فوريا لحماس، ويعود السبب في ذلك على أن نتنياهو يعطي الأسرى أولوية على النصر"، وفق تقديره.
وأشار إلى أن "الخسارة الإعلامية في تل أبيب أدت إلى الذهاب لخطوة توريد الغذاء إلى غزة"، متسائلا: "هل لنتنياهو خطة خروج من هذه الورطة؟".
واستدرك بقوله: "السياسة التي يتخذها نتنياهو صعبة على الهضم لدرجة أنه ملزم أن يكون لها تفسير، لأنه إذا لم يكن تفسير ففي يوم أو يومين ستتفكك حكومته، وإسرائيل بوضعها الحالي ليست بحاجة لانتخابات مبكرة".