الجزيرة:
2025-05-16@14:07:41 GMT

هل ينجح عون في حل التناقضات في لبنان؟

تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT

هل ينجح عون في حل التناقضات في لبنان؟

توجد ست قضايا على رأس المهام العاجلة للرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون، أولها تداعيات الحرب التي شنتها إسرائيل على حزب الله، والمرشحة للاندلاع من جديد في ظل تلويح إسرائيل بعدم الانسحاب من جنوب لبنان، وثانيها قطع الطريق أمام أي تصرفات تعمق الخلاف بين الطوائف، وتضعها على حافة حرب أهلية جديدة، ورابعها اتخاذ إجراءات ينتظرها الشعب اللبناني؛ بغية تحسين أوضاعه الاقتصادية الصعبة، وخامسها جعل الدولة تحتكر للسلاح، أما السادس فيتمثل في وجود مسائل دستورية عالقة.

لكن هناك مهمة دائمة وراسخة أمام أي رئيس لبناني، يزيد حضورها في الوقت الراهن، ألا هي "إدارة النخبة السياسية اللبنانية" ذات النزوع الطائفي المتعارف عليه، والذي يقره الدستور نفسه، إذ تقول المادة 95 منه: "بصورة مؤقتة والتماسًا للعدل والوفاق تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وتشكيل الوزارة دون أن يؤول ذلك إلى الإضرار بالمصلحة العامة".

هنا يلزم رئيس لبنان أن يتمتع بخبرة سياسية، ولياقة ذهنية، تمكنه من التعامل مع نخبة تبدو كالمسرح الشكسبيري الذي يجمع بين فرقاء يتآمرون أحيانًا في الخفاء، ويتصارعون في العلن، حول المطامح والمصالح والمناصب، متشرّبين ملامح المجتمع اللبناني الفسيفسائية المعقدة، فيأتون على شاكلته، متنقلين في تقارب وتباعد، وتجاذب وتنافر بين حالات من الغليان الذي لا يعرف للتهدئة سبيلًا، ولا إلى الراحة طريقًا.

إعلان

سيكون على الرئيس، أن ينظر خارج خلفيته العسكرية، ليدرك ما ترتبه "ذهنية الصفقة" التي تسيطر على الحياة السياسية، والتي لا يختلف فيها المستبحر في العقيدة، والمتفلت والعبثي الذي لا يؤمن بشيء، ولا ينكر اللبنانيون أنفسهم وجودها بقوة في حياتهم، فبعض الصحف تدير بوصلتها في اتجاه من يدفع، وبعض الناس يغيرون انتماءاتهم الطائفية مثلما تتبدل فصول السنة، ولبنان هو البلد الذي تضم فيه العائلة أحيانًا تحت أجنحتها المسلمين والمسيحيين، فالزواج مفتوح على مصراعيه.

وكما انقسمت العائلات، قسّمت المناصب السياسية أو وزعت، فرئيس الدولة مسيحي، ورئيس الوزراء مسلم سني، ورئيس مجلس النواب مسلم شيعي، وفي ذات الوقت توزع مقاعد البرلمان، وكراسي الوزارة، ووظائف الإدارة العليا على الطوائف حسب وزنها الاجتماعي. والحياة السياسية عامة يحكمها الزعماء، وهم قادة الطوائف ورؤوس المليشيات، ورؤساء الأحزاب، وكبار الملاك.

ولبنان الذي انفتح على العالم مبكرًا، نهل من الثقافات المختلفة حتى ارتوى، وتلونت خريطته الفكرية بشتى الألوان، فهناك التحديثي، وهناك التقليدي، وهناك الراديكالي في مقابل المحافظ، ويوجد من يفكر تفكيرًا لاتينيًا، ومن يسلك نهجًا أنجلوسكسونيًا، ويحيا فريق حياة دينية خالصة، وفريق آخر لا يرى للعلمانية بديلًا، وفي خضم هذا الانفتاح لا تزال العشائرية تعشش في العقل اللبناني.

هذه التركيبة اللبنانية المختلفة في العالم العربي، انعكست على النخبة اللبنانية، فجاءت حبيسة داخل الطوائف، وملونة بألوانها، فهي سواء كانت نخبًا سياسية، أم اقتصادية، أم اجتماعية، أم ثقافية، تظل بنت السياق الاجتماعي الذي أنتجها، وتمرّ آليات تجنيدها بالطائفة.

لا تقتصر مهمة الرئيس في إدارة الخلافات بين النخب على النخبة الرسمية التي تتبوأ مقاعد السلطة سواء في البرلمان أو الوزارة، لكن أيضًا على "النخبة المضادة" التي تضم أولئك الذين يخسرون في المنافسة الانتخابية على مقاعد مجلس النواب، والذين يتم تجاوزهم عند تشكيل الحكومات. وأولئك يشكلون نخبة قوية في وجه النخبة الحاكمة، حيث يمتلكون ذات المقدرات من التأييد والدعم المحلي، والتمرس في العمل السياسي العام، وامتلاك الثروة والتاريخ.

إعلان

ورغم أن الحكومات المشكّلة دائمًا كانت تراعي مسألة احتواء أصحاب النفوذ وترضية الطوائف، فإن الحياة السياسية اللبنانية ظلت مليئة بالمتذمّرين والمتمردين؛ لذا ليس من الغريب أو الجديد أن تجد عقب كل تشكيل وزاري مجموعة ترفض وتعارض بشدة، وهي ليست من أولئك الذين تم استبعادهم فقط، بل أيضًا من بين الوزراء أنفسهم الذين لا يرضون عن حقائبهم، وكانوا يطمحون في حقائب أعلى وأكبر.

فنشاط النخبة السياسية في لبنان سواء الحاكمة أو المضادة جعل الحياة السياسية هناك مليئة بالحركة، ومتيّمة بالتغيير، ففي نحو 72 سنة تم تشكيل 65 وزارة، ومجلس النواب ينتقل عدد أعضائه من 55 إلى 66 إلى 77، ثم يهبط إلى 44، ويرتفع إلى 66، ويقفز إلى 99، ويستمر هكذا من عام 1960، حتى بعد انتهاء الحرب الأهلية فيقفز إلى 108 أعضاء، ثم أخيرًا 128 عضوًا.

فالطوائف تزيد وتبرز قوة بعضها؛ ولذا لا بدّ من أن يتم التنفيس عن هذه القوة بتوزيع الأعداد والمناصب والأدوار، وإلا حدث الانفجار بل إن هذا الانفجار كان محتومًا فاندلعت الحرب الأهلية، وشوهت صورة لبنان الاجتماعية، ولطخت جدرانه بدماء أبنائه.

وبعد اتفاق الطائف عام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية كانت هناك ثلاث قضايا تدور حولها النخبة السياسية اللبنانية في أدائها، وتحسب حسابها في تنافسها، وهي: تحرير الأرض السليبة، وإعمار البلاد المخربة، والحد من صراع الطائفية المرذول.

وهي قضايا تعود بتمامها بعد 35 سنة، فالأرض التي انسحبت منها إسرائيل في مايو/ أيار 2000، تحت ضربات المقاومة، عادت لتحتل جزءًا منها، ومناطق عدة في لبنان تم تدميرها وتحتاج إعادة إعمار، والطائفية لا تزال تطل برأسها، وقد تكون محل أخذ ورد أكثر من أي وقت مضى.

هنا سيكون على الرئيس الجديد أن يتعامل بذكاء ومرونة مع قضية المحاصصة السياسية والمذهبية والطائفية، ومع التجليات الواقعية لشعار:"الجيش والشعب والمقاومة"، ويعرف جيدًا كيف يمكن له أن يتحرك بخفة، لكن بتأثير شديد، في ظل صلاحياته المتقلصة لحساب رئيس الوزراء، وحاجته الماسّة إلى تعاون الحكومة، ومجلس النواب، والقوى الشعبية والمدنية معه لتنفيذ القرارات.

إعلان

لكن الرمزية التي صار يشكلها "رئيس لبنان" بعد سنتين من شغور المنصب، وفي ظل سياقات إقليمية ومحلية ملتهبة، تجعل التعويل عليه من الناحية الواقعية، لا سيما عند الشعب اللبناني، أكبر بكثير مما ترتبه الصلاحيات، أو ما يحدد نفوذه السياسي في وجه تركيبة تحكمها عمليًا الطوائف والأحزاب السياسية، وتنعكس على المناصب الوزارية والبرلمانية.

هذه الرمزية يمكن أن تساعد عون، إن كانت لديه النية والعزم، على ألا يستسلم للتركيبة السياسية التقليدية في اختيار رئيس الحكومة والوزراء وقادة المؤسسات والإدارات الأساسية، لتكون عينه على من يقدر على أن يمد يده للبنان الآن، وهو يعيش لحظة حرجة من تاريخه المعاصر، عليه أن يعبرها بسلام.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

دوري النخبة السوداني.. ضبابية التنظيم وغياب اللائحة

يواجه دوري النخبة السوداني المنتظر انطلاقه أواخر مايو الحالي، تحديات كبيرة بسبب تردد الأندية الكبرى وعدم وضوح الرؤية التنظيمية.

الخرطوم: التغيير

أصدر الاتحاد السوداني لكرة القدم جدول مباريات بطولة النخبة السودانية، والتي ستقام في مدينتي القضارف وكسلا، وتبدأ البطولة في الحادي والثلاثين من مايو وستستمر لمدة شهر، بمشاركة ثمانية أندية، بما فيهم ناديي القمة (المريخ والهلال)، وسيؤدي كل فريق سبع مباريات، موزعة بين المدينتين.

ضبابية التنظيم

تبدو الأمور التنظيمية غير واضحة، خاصة فيما يتعلق باستضافة الأندية وملاعب التدريبات، حيث أن كل مدينة تضم ملعبًا واحدًا صالحًا للمباريات، مما يمثل صعوبة كبيرة للأندية في أداء التحضيرات.

وتساور الأندية المشاركة مخاوف بشأن مقرات الإقامة التي قد لا تكون كافية لاستضافة جميع الفرق.

معوقات إقامة البطولة

وتقف عدة معوقات في طريق إقامة البطولة، منها انقطاع التيار الكهربائي وغياب خدمات المياه في المدينتين المستضيفتين.

بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف بشأن الأوبئة التي تعاني منها المدينتان، والتي قد تؤثر على صحة اللاعبين والمدربين الأجانب.

غياب اللائحة التنظيمية

لم يتم إرفاق اللائحة التنظيمية للبطولة مع جدول المباريات، مما قد يسبب ربكة كبيرة للأندية المشاركة، وهو يثير مخاوف بشأن نجاح البطولة، خاصة مع ضيق الوقت المتبقي قبل انطلاقتها.

الدعم المالي للأندية

تظل الأمور مبهمة فيما يتعلق بالدعم المالي للأندية المشاركة،  حيث لم يتم أي تواصل بين الاتحاد والأندية المشاركة فيما يتعلق بجانب الدعم الذي سيقدم للأندية التي لم تتلق أي توضيحات بخصوص الأمر.

تحديات كبيرة

تبدو الأمور ضبابية لإقامة بطولة النخبة السودانية في مدينتي القضارف وكسلا، خاصة في ظل ضيق الوقت حيث تبقى أقل من أسبوعين فقط لموعد انطلاقة البطولة.

ويواجه الدوري المقرر إطلاقه في أواخر مايو الحالي بمدينتي كسلا والقضارف، تحديات كبيرة بسبب تردد الأندية الكبرى وعدم وضوح الرؤية التنظيمية.

الهلال.. الموقف غير محسوم

وكشف مصدر رفيع بنادي الهلال أن مجلس الإدارة لم يحسم موقفه بعد من المشاركة، نتيجة لحالة الغموض التي تكتنف البطولة وغياب التنسيق من جانب الاتحاد السوداني لكرة القدم.

وتعاني البطولة من غموض في اللوائح والتنظيم، مما يثير قلق الأندية ويجعلها مترددة في المشاركة.

كما لا يوجد تنسيق كافٍ من جانب الاتحاد السوداني لكرة القدم، مما يزيد من صعوبة اتخاذ قرار المشاركة.

وتفتقر المدن المختارة لاستضافة البطولة إلى الملاعب الكافية للتدريبات والفنادق المناسبة للإقامة، مما يزيد من تعقيدات المشاركة.

المريخ.. احتمال الرفض

ووفقا لتقارير صحفية رياضية، يتجه مجلس إدارة المريخ إلى رفض المشاركة في البطولة، ويرى أن المنافسة تفتقر إلى الحد الأدنى من التنظيم.

وينتقد المريخ الاتحاد السوداني لكرة القدم بسبب عدم التواصل بشأن الترتيبات الأساسية مثل الإقامة والملاعب والترحيل.

ويشير النادي إلى سوء البنية التحتية وتفشي بعض الأوبئة في المدن المختارة، مما يزيد من مخاوف المشاركة.

ويتمسك الاتحاد السوداني بإقامة البطولة، معتبرًا أن مشاركات الأندية في بطولات قارية مرهونة بإقامة دوري النخبة.

ويضع الاتحاد الأندية أمام خيار صعب: إما الغياب القاري أو القبول بالمشاركة في بطولة تفتقر إلى مقومات النجاح.

وطالب رياضيون بمواقع التواصل الاجتماعي الاتحاد السوداني لكرة القدم بالعمل على توضيح اللوائح والتنظيم، وتوفير الملاعب والفنادق المناسبة، وتحسين البنية التحتية في المدن المختارة، لضمان نجاح البطولة وضمان مشاركة الأندية الكبرى.

الوسومالاتحاد السوداني لكرة القدم السودان القضارف المريخ الهلال دوري النخبة كسلا

مقالات مشابهة

  • ترامب: الولايات المتحدة ستتمكن حتما من تسوية التناقضات مع إيران
  • كأس رئيس الدولة للخيول العربية.. ملتقى النخبة في أميركا
  • الجزيرة نت ترصد حالات سوء التغذية بين أطفال غزة
  • أرقام الجزيرة في الموسم الأسطوري ضد الكسر!
  • أبوظبي جراند سلام للجوجيتسو.. موعد مع النخبة
  • دوري النخبة السوداني.. ضبابية التنظيم وغياب اللائحة
  • جعجع: المشهد الذي انطلق من السعودية هو الطريق الصحيح لحل مشكلات المنطقة
  • ما الذي قد تفعله إيران بـسلاح حزب الله؟ تقريرٌ يكشف
  • متري اطلع الرئيس عون على نتائج اللقاءات التي عقدها في فرنسا وقطر
  • وزير الخارجية أسعد الشيباني: نشارك هذا الإنجاز شعبنا السوري الذي ضحّى لأجل إعادة سوريا إلى مكانتها التي تستحق، والآن بدأ العمل نحو سوريا العظيمة، والحمد لله رب العالمين. (تغريدة عبر X)