دبلوماسية نجيب ميقاتي سفينة العهد الجديد
تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT
كتب المحامي احمد مكداش في" اللواء": مع بداية العهد الجديد الذي استهلّه رئيس الجمهورية جوزاف عون بخطاب استثنائي لرجل وطني من الطراز الأول، لامس فيه القلوب والعقول في الداخل والخارج، وكان جامعاً بين اللبنانيين تحت سقف القانون وفي حمى الوطن، ومع دعوته السريعة لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس حكومة قديم - جديد (كما يبدو دولة الرئيس نجيب ميقاتي) أو جديد (كمرشّح المعارضة النائب فؤاد مخزومي) يوم الإثنين ١٣/١/٢٠٢٥، لا تزال أسهم البحّار الشمالي الإرتوازي مرتفعة وأكثر ثباتاً وقدرة عبر سفينته الدبلوماسية بمحركاتها الدولية وأخشابها السُّنية والوطنية التي ركبت أمواجاً عاتية من الفراغات الدستورية في موقع الرئاسة الأولى وصلاحيات هشّة وهجينة لحكومة تصريف الأعمال والمصائب.
دبلوماسية الرئيس نجيب ميقاتي، ولسنوات مضت في عهد حكومتيه المضرّجتين بدماء حكومة الرئيس حسان دياب الهالكة بتفجير المرفأ، ومسار نهب أموال المودعين في العهد القديم، أرضت وأغضبت، هادنت وصبرت ومالت مع الريح البرتقالية التي أغبرت النصوص والأصول الدستورية عبر امتهان التعطيل لمهمات الرئيس المكلف، وعرقلة التأليف، وابتداع ميثاقية فراغية سوداء إمعاناً في نحر الميثاق ووثيقة الوفاق الوطني وضرب دولة القانون والمؤسسات. ولم تنجُ من ذلك حكومتا الرئيس سعد الحريري الأولى والثانية في عهد الرئيس السابق ميشال عون، ولا حكومة دياب المتفجّرة بنترات الأمونيوم، ولا الرئيس المكلف السفير مصطفى أديب الذي اعتذر بعد شهرٍ على تكليفه بعد منعه من تشكيل حكومة مهمة وفق المبادرة الفرنسية، وكذلك الرئيس المكلف سعد الحريري الذي اعتذر بعد تسعة أشهر لرفضه الشروط الرئاسية المخالفة للدستور ولبنود المبادرة الفرنسية. وبعد ذلك لم يكن من خشبة خلاص سوى دبلوماسية الرئيس نجيب ميقاتي الذي تمكّن من تشكيل الحكومة الرابعة في العهد السابق بعد القبول بشروط بعبدا وتوجيهات الإليزيه وإفراغ بنود المبادرة الفرنسية من مضمونها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والإنتقال من حكومة الذئاب الهالكة ولو إلى حكومة نعاج دستورية تمهيداً لإجراء الانتخابات النيابية.
بتاريخ ٢٢ حزيران ٢٠٢٢ أعيد تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي أعلن هذه المرّة عن رفضه للاستمرار في النهج اللادستوري في التعامل مع موقع رئاسة الحكومة وشخص رئيسها وجعلهما مادةً للتسويات. ومع أنه واجه صعوبات مستعصية على التغيير في عملية التشكيل إلّا أنه تمكّن بدبلوماسيته النجيبة والعجيبة من عبور دقائق ومضائق البِحار بأقل الأضرار الممكنة لحين الخلاص من إعصار العهد الأسوأ بتاريخ الجمهورية اللبنانية. وعلى قدر دبلوماسية الرجل المدهشة والمفرطة أحياناً، لم يكن القبطان قادراً على اجتراح العجائب في زمن تصريف الأعمال المستجد بعد أن قام العهد السابق بإعادة تسليم البلد إلى الفراغ الرئاسي الذي منه أتى وفيه مضى وقضى!
ومع ذلك استطاع الرئيس ميقاتي أن يكون رجل المرحلة والأزمات. لم يقطع مع طرف، ولم يتوقف عند عتب. حتى أنه تعامل بحكمة وصبر مع الاتهامات الموجهة له بممارسة حكم الدويكا مع دولة الرئيس نبيه بري في ظل الشغور في سدة رئاسة الجمهورية. وبالنتيجة وازن رئيس الحكومة ما أمكنه بين صلاحياته وصلاحيات حكومة تصريف الأعمال، وبين صلاحيات رئيس الجمهورية المناطة وكالة بمجلس الوزراء بموجب المادة ٦٢ من الدستور اللبناني. وكان دوره أخيراً في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والعدو الإسرائيلي بارزاً ومسؤولاً بالتعاون مع الرئيس نبيه بري وقيادة الجيش التي كانت بعهدة العماد جوزاف عون، وليكون ذلك دليلاً على أن دبلوماسية نجيب ميقاتي تناسب كل المراحل والعهود وليست محصورة بمراحل إدارة المصائب والأزمات. ولا شك أن العلاقة الممتازة التي تجمع بين الرئيس ميقاتي ورئيس الجمهورية جوزاف عون، والتفاهم الكبير بينهما حول مندرجات خطاب القسم، كما علاقاته العربية والدولية الواسعة، ودعمه من غالبية القوى والمكونات الوطنية ستكون عوامل مرجّحة في تسمية النواب له لأجل تكليفه مجدداً بتشكيل الحكومة الأولى في استشارات الإثنين.
ساعاتٌ قليلة ويظهر مجدداً أنه لا مكان لعزل أو لكسر أي فريقٍ من أي طائفةٍ في لبنان. فلا غالب ولا مغلوب، ولا استقواء بالخارج ولا تضييع للوقت والفرص في الداخل، بل استثمار في لبنان. هو عهد الرئيس جوزاف عون انطلق، وهي دبلوماسية نجيب ميقاتي سفينة العهد الحديد.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: تصریف الأعمال نجیب میقاتی جوزاف عون
إقرأ أيضاً:
دبلوماسية التجارة لا المعونة.. إستراتيجية أميركية جديدة في أفريقيا
تشهد السياسة الأميركية تجاه أفريقيا تحولا مهما، يتجلى في إطلاق إستراتيجية جديدة تستبدل نموذج "المعونة" بنهج يرتكز على "الدبلوماسية التجارية". وتأتي هذه السياسة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب الثانية، التي تعيد ترتيب أولويات العلاقات الخارجية على أساس مصالح واشنطن الاقتصادية والتجارية.
ونشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية بعنوان "دبلوماسية التجارة لا المعونة.. الإستراتيجية الأميركية الجديدة والسيادة الاقتصادية بأفريقيا" للباحث النيجيري حكيم ألادي نجم الدين تناولت دلالات خفض أميركا مساعداتها لأفريقيا مع فرض رسوم جمركية جديدة على الصادرات الأفريقية، وما يعنيه ذلك من أن العلاقات الأميركية الأفريقية قد تتغير وفق أجندات الرئيس ترامب، فأفريقيا لم تعد مجرد متلقّ للمساعدات، بل "شريكا" في التجارة والاستثمار وإنعاش الشركات الأميركية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالميlist 2 of 2أحزمة الصين المتعددة.. هل حان وقت انطلاق المارد؟end of listوقد أطلقت وزارة الخارجية الأميركية هذه الرؤية رسميا في مايو/أيار 2025 على لسان مسؤول الشؤون الأفريقية تروي فيتريل الذي شدد في منتدى بأبيدجان على ضرورة تعزيز الروابط التجارية مع أفريقيا في سياق جديد أكثر نفعية بالنسبة للمصالح الأميركية.
تراجع في المساعدات التقليديةوتراجعت مكانة المساعدات الأميركية التقليدية في السياسة الجديدة، رغم أن أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى كانت لسنوات ثاني أكبر مستفيد من ميزانيات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية؛ إذ حصلت على 40% من ميزانيتها، خصوصا في مجالات الصحة ومكافحة الفقر والأوبئة.
ومن الأدوات الإستراتيجية للمشاركات الأميركية في أفريقيا أيضا "مؤسسة الولايات المتحدة للتنمية الأفريقية"، التي تأسست عام 1980 للاستثمار المباشر في الشركات الشعبية الأفريقية ورواد الأعمال الاجتماعيين. إضافة إلى "قانون النمو والفرص في أفريقيا" (AGOA)، والذي سُن عام 2000 بهدف معلن متمثل في السماح لدول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى المؤهلة بدخول السوق الأميركية معفاة من الرسوم الجمركية لأكثر من 1800 منتج.
إعلانوعلى الرغم من أهمية هذه البرامج، تعرضت للانتقاد بسبب فرضها شروطا تتعلق بالحوكمة والاقتصاد، ما اعتُبر تدخلا في السيادة الوطنية للدول الأفريقية.
وتُحمّل الدراسة برامج المساعدات الأميركية مسؤولية إدامة "التبعية الاقتصادية"، إذ غالبا ما تُصمم هذه البرامج بما يخدم المصالح الأميركية ويُضعف قدرة الدول الأفريقية على تبني سياسات تنموية وطنية. كما أن مبادرات كـ"قانون النمو والفرص في أفريقيا" واجهت انتقادات بسبب عدم شمولها دولا عديدة، وعدم استفادة الاقتصادات الصغيرة بسبب الشروط الصارمة المفروضة.
الإستراتيجية الجديدة: "التجارة لا المعونة"تركز الإستراتيجية الجديدة على 6 محاور رئيسة، أبرزها:
الدفع بالتجارة والاستثمار بدلا من المعونة. إعطاء القطاع الخاص دورا محوريا في التنمية. تنشيط "الدبلوماسية التجارية" وتقييم سفراء أميركا في أفريقيا بناءً على نجاحهم التجاري. تشكيل "فرق صفقات" في السفارات الأميركية لرصد الفرص التجارية وربط الشركات الأميركية بالشركاء الأفارقة. تركيز الاستثمارات على مشاريع البنية التحتية واحتواء نفوذ منافسي واشنطن في القارة، وخاصة الصين. السعي لإصلاح مبادرة "قانون النمو والفرص في أفريقيا" لتكون قائمة على تبادل المنافع والمعاملة بالمثل. ماذا تعني الإستراتيجية الجديدة للسيادة الاقتصادية الأفريقية؟ قد تكون الإستراتيجية الأميركية الجديدة جهدا حقيقيا للتراجع الأميركي عن تعاملاتها القديمة، والتحول إلى الشراكة مع الدول الأفريقية. الإستراتيجية تتماشى مع رغبة أفريقيا في الاعتماد على الذات بدلا من انتظار المساعدات لتلبية احتياجاتها التنموية. تركيز الإستراتيجية الجديدة على النمو الذي يقوده القطاع الخاص قد يسهم في تحقيق الاستقلال الاقتصادي على المدى الطويل. الاستثمارات الأميركية في مشاريع البنية التحتية قد تصنع تحولا إيجابيا لأفريقيا بما يعزز مكانتها التنافسية في الأسواق العالمية. تدعو الإستراتيجية الأميركية إلى التعاون مع الحكومات الأفريقية بشأن إصلاحات السوق، بما قد يُحسّن بيئة الأعمال العامة ويجذب استثمارات متنوعة ويعزز التنافس بين القوى العالمية لصالح أفريقيا. فرصيرى الباحث أن الإستراتيجية الجديدة قد تُتيح فرصة لأفريقيا لتحقيق مزيد من الاعتماد على الذات إذا ما نجحت الدول الأفريقية في:
فرض شروطها الوطنية في التفاوض مع واشنطن. استخدام التنافس الدولي (الصيني- الأميركي) لصالحها. التركيز على تنمية القطاعات الإنتاجية وبناء صناعات محلية قادرة على الاستفادة من فرص التجارة. تحديات ثمة تناقض في الخطاب الأميركي؛ فمن جهة، تتحدث الإستراتيجية عن شراكة متكافئة، ومن جهة أخرى، تُبقي واشنطن على ممارسات تعكس عقلية فوقية، مثل حظر السفر على مواطني دول أفريقية بزعم الأمن، وخفض ميزانية المساعدات، وتعزيز التدخل غير المباشر في الشؤون الداخلية عبر تمويل منظمات مدنية محددة. كما تشير إلى خشية من أن تتحول الإستراتيجية الجديدة إلى مجرد أداة لتعزيز النفوذ الأميركي في مواجهة الصين، لا لتحقيق تنمية حقيقية في القارة. احتمال أن تُعيد واشنطن إنتاج علاقات تبعية جديدة تحت شعار التجارة، عبر تركيزها على القطاعات ذات الربح السريع، وتوجيه الاستثمارات نحو مصالحها الخاصة من دون مراعاة أولويات التنمية المحلية في أفريقيا، مثل الزراعة والتعليم والخدمات الاجتماعية. إعلان خاتمةخلصت الدراسة إلى أن "الدبلوماسية التجارية" الأميركية الجديدة تمثل تحولا لافتا في السياسة الأميركية تجاه أفريقيا، وقد تمنح الدول الأفريقية فرصة تاريخية لإعادة رسم علاقاتها الخارجية على أساس المصالح المتبادلة، شرط أن تُحسن استخدام موقعها التفاوضي وتصرّ على حماية سيادتها الاقتصادية.
لكنها في الوقت ذاته، تُحذر من خطر استبدال التبعية للمساعدات بتبعية تجارية واستثمارية، خاصة في ظل تركز القرار الأميركي في مصالح "أميركا أولا"، ما يجعل من هذا التحول أقرب إلى "إعادة تغليف" السياسات القديمة بمصطلحات جديدة، بدلا من بناء شراكة قائمة على الندية والاحترام المتبادل