وكيل الأزهر: الصهاينة عصابة إرهابية يسكت عن جرائمها الضمير العالمي النائم
تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال فضيلة أ.د/ محمد الضويني، وكيل الأزهر، إن ماضي أمتنا أساس نعتمد عليه، وأصل ننطلق منه، دون أن نتقوقع فيه، مع ضرورة الانتباه لكثرة المحاولات التي يحاول المغرضون فيها إيجاد قطيعة بيننا وبين ماضينا وتراثنا، وأما الحاضر فلا بد من الاستجابة لحراكه بما يضمن المعاصرة الرشيدة، ومن لم يتحصن بماضيه وينقل منه أنواره لضبط الحاضر صار أسيرًا لكل جديد مهما كان مسلوب القرار، محروم الإرادة، وأما المستقبل فمما يجب على العقلاء أن يُخططوا له، وإذا لم نحسن التخطيط له لم نحسن إدارته.
وأضاف وكيل الأزهر خلال كلمته بمؤتمر الأزهر العالمي الأول لطب الأسنان، والذي جاء تحت شعار ( ماضٍ عريق وحاضر رائد ومستقبل مشرق)، أن ماضي أمتنا ومؤسساتنا وعلمائنا مشرق، يحتاج أحيانًا إلى من يكشف عن جوانب العظمة فيه، لكن واقع أمتنا مؤلم، وخاصة هذا الإرهاب الصهيوني الذي يهدم ولا يبني، ويُخربُ ولا يُعمِّر، وما زال يتمادى في اعتداءات دموية وحشية لم تعرف البشرية لها مثيلا، وإنَّ هذه الجرائم المنكرة لتؤكد للجميع أن الصهاينة ما هم إلا عصابة إرهابية، يسكت عن جرائمها الضمير العالمي النائم أو المخدر باعتبارات لا إنسانية.
وتابع أنه تأكد لدينا ونحن نشاهد كل يوم مشاهد القتل والترويع للعُزَّلِ والضعفاء والأبرياء من العَجَزَةِ والأطفال والنساء تأكد لدينا أن ضمير الحضارة المعاصرة قد مات ودفن، وأنَّ الإنسانية التي تدعيها الحضارة الغربية قد ماتت، أو أنها إنسانية زائفة، وأما المستقبل فعلى مرارة الواقع ما زال الرجاء في الله أن يكون أكثر إشراقًا وأملا بكم أيها العلماء.
وأردف الضويني أنَّ كلية طب الأسنان تستهدف بهذا المؤتمر إجراء نوع من التقييم الضروري لتجربتها من خلال خبرات مختلفة وعقول متنوعة، وهل تستغني مؤسسة رشيدة عن التقييم؟ وتستهدف بما يُعقد على هامش المؤتمر من ورش تدريبية الوقوف على آخر ما وصل إليه العلم من تقدم تقني وبحثي، وهل تتقدم المؤسسات الناضجة إلا بمتابعة الإنجازات العلمية المتلاحقة ؟ كما تستهدف فتح أبواب التنمية المهنية لأساتذتها وأطبائها وطلابها، فتعقد توأمة مهنية مع المدارس العلمية الأخرى داخل مصر وخارجها، وهل تظل المؤسسات الطموح منغلقة على نفسها؟
وأوضح أن الكلية تفتح بهذا المؤتمر باب التلاقح العلمي مع الجامعات العالمية للتبادل العلمي والبحثي والطلابي، ومن جميل ما يحمله هذا المؤتمر هذه الآليات الجديدة التي اعتمدتها الكلية، والتي ترجع بالفائدة على طلابنا أطباء المستقبل، ومن ذلك هذه المنافسات العلمية بين أطباء الامتياز من جميع الجامعات المصرية، وكذلك للطلاب الوافدين، ولا عجب في ذلك؛ فكلية طب الأسنان تشهد نهضة علمية كبيرة توجت بتجديد الثقة بها للمرة الثانية، وحصولها على شهادة تجديد الاعتماد من الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد.
وبيّن الضويني أنَّ هذا المؤتمر العلمي المتخصص الذي يشارك فيه محاضرون دوليون، أساتذة من الجامعات المصرية والعربية والدولية، وتُوقَّع فيه بروتوكولات تعاون مع عدد من الجامعات الأوروبية والأسيوية، ويشهد شراكات استراتيجية مع مؤسسات متعددة؛ ليُؤَكِّد ضرورة الفكر الشمولي الذي يُفضي إلى حقيقة قرآنية، هي أن تنوع البشر في عقولهم وأفكارهم وتخصصاتهم إرادة ربانية الغاية منها التعارفوا.
وأكد أن الأزهر الشريف عاش عبر تاريخه الذي يمتد لقرابة ألف عام ومائة، عاش على هذا التقارب والتلاقي بين العلوم والعلماء، فجمع العلماء من أماكن شتى، بل من أزمنة شتى، وجمع كذلك بين العلوم التي يظنُّ بعضُ النَّاسِ أنها متنافرة متفرقة، فترى في الأزهر الشريف العلماء القدامى ما زالت أصواتهم تصدح في أروقة العلم مع العلماء المحدثين، وترى العلماء من بقاع الأرض تطوف أفكارهم في رحاب ساحاته، وترى علماء الأزهر وقد جمعوا إلى جنب علوم الدين علوم الحياة من طب وتشريح وفلك وجغرافيا وغير ذلك؛ حتى استطاع الأزهر الشريف أن يُقدِّم من أبنائه نماذج فريدة جمعت بين العلوم المختلفة.
وشدد وكيل الأزهر على أن تحضر الإنسان وتقدمه مرتبط بالأخلاق؛ ولذا عنيت الأديان والحضارات بالأخلاق عناية بالغة منذ فجر الحضارات الأولى، وعماد الإسلام هذه المنظومة الأخلاقية التي تنقل الإنسان من الفوضى والعبثية إلى النظام والترقي، والمتأمل للحركة العلمية الطبية يجد مبحثا عريقا من مباحث علم الطب، اقترن به منذ نشأته، وهو الأخلاق الطبية»، ويكفي قسم أبقراط دليلا على هذه الأخلاقيات الراقية التي تضبط العلاقة بين الطبيب والمريض.
وتابع أنه لم يغب هذا النوع من التأليف والبحث عن علماء الإسلام، فقد عرفت الحضارة الإسلامية نمطا فريدا من التصنيف الطبي يُسمَّى «أدب الطبيب» يُعنى بكل ما يُجنب الطبيب الخطأ في ممارسة المهنة على ضوء القواعد الحاكمة، ومن أشهر الكتب في هذا الباب كتاب امتحان الأطباء» لابن إسحاق، وكتاب أخلاق الطبيب للرازي، وكتاب أدب الطبيب» لإسحاق الرهاوي، وغيرها من الكتب والرسائل، وهذه المصنفات على اختلافها تناقش قضايا متباينة تدور حول الأخلاق والآداب والحدود التي يعمل الطبيب في إطارها، وضوابط العلاقة بين الطبيب والمريض، وما يجوز فيها وما لا يجوز.
وأوضح فضيلته أنَّ وجود هذه النخبة من العلماء من بقاع مختلفة في هذا المؤتمر فرصة لتأكيد مكانة الأخلاق وضرورتها في عمل الطبيب، ونقل صورة الطبيب الأزهري المتخلق إلى الدنيا، فنحن أمَّةُ السَّلامِ والأخلاقِ، وَطِبُّنَا طِبُّ السَّلَامِ والأخلاق، كما أن التغيرات من حولنا تحاول أن تقتحم أفكارنا وعقائدنا واتجاهاتنا، وفي ظل هذا الاستهداف الطائش فإنَّ الواجب على مؤسسات التربية ومعاهد التعليم أن تتوخى الحذر وأن تحتاط بالثوابت والأصول والأُسس حَتَّى لا تتأثر الأمة بكل طرح جديد تُغري جدتُه الشَّباب، وبريقه الأحداث، فالواجب إذا أن يُبنى الإنسان على أرض صلبة من العقيدة والتاريخ واللغة والقيم والمكونات الهوية جمعاء.
وأردف أن هذا البناء يضع على المسؤولين أمانة كبيرة في إعداد الأجيال، وبناء العقول، وتهذيب الأخلاق، وتنمية القدرات، والتعرف إلى المهارات، واكتشاف الطاقات للاستفادة منها وحسن توظيفها، مع صيانة بعقيدة راسخة وفهم سديد وإيمان ثابت، وإتاحة لما يدور في العالم من خبرات وتجارب، إلى آخر الوظائف المهمة والضرورية لإخراج جيل محصن ومتميز دينيا وأخلاقيا وعلمياً.
واختتم وكيل الأزهر كلمته بثلاث رسائل مهمة وهي:ـ
أولا : إِنَّ النَّظر الواسع الذي يتجاوز البقعة الجغرافية الضيقة مطلب شرعي، وضرورة عصرية وحضارية، فالله سبحانه وتعالى هو الذي أمر أن نستكشف الكون من حولنا، ولا يُعقل أن يكون السير لمجرد السير، ولا النظر لمجرد النظر، وإِنَّما هو للتأمل والاعتبار والتعلم والاستفادة ونقل الخبرات.
ثانيا: إنَّ إعداد الكوادر الطبية المؤهلة ليست فكرة مثالية تحلم بها بعض العقول، وليست أمنية شاعرية تهفو إليها بعض الأفئدة، وليست كذلك حبراً على ورق تسطره بعض الأقلام، ولكنه ركن ديني، وواقع تطبيقي، وثمرات نافعة.
ثالثا: إذا كان المؤتمر معنيا بالتلاقح العلمي والتواصل المعرفي؛ فإنَّ هذه الرؤية لا بد أن تضمن التوازن، فتُعلي من قيمة الانفتاح على العالم مع المحافظة على الهوية ومكوناتها، وأن تقرأ العالم مع قراءة الذات، وأن تنتفع بعطاء العصر من غير تهديد لخصوصية أو عبث بمكونات هوية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الحضارة الغربية قتل الأبرياء في غزة محمد الضويني وكيل الازهر وكيل الأزهر وکیل الأزهر هذا المؤتمر الذی ی
إقرأ أيضاً:
منبر الضمير.. من القيم إلى الفضائح
حين ماتت الرسالة واختفى الضمير تحت عجلات «اللايك» والمشاهدات، في زمنٍ صار فيه «الترند» هو الإله، ومؤشرات المشاهدة هي المعيار الأعلى، انحرفت بوصلة الإعلام عن مسارها الأخلاقي، وضاعت هيبة الكلمة بين هتافات الإثارة الرخيصة وركام الفضائح.
الإعلام الذي خُلق ليكون ضمير الشعوب ولسان الحق، أصبح اليوم منصة لتفريغ الخصوصيات، وتلميع الزيف على حساب القيم والمبادئ أحيانًا كثيرة، فهل انتهى عصر الإعلامي الذي يحمل همّ الناس؟ وهل ماتت مهنة كانت تُشبه رسالة الأنبياء؟
الرسالة التي ضاعت.. الإعلام ليس مهنة بل موقفلم يكن الإعلام يومًا وظيفة تُؤدى داخل الاستوديوهات فقط، بل كان صوتًا حيًا في الشارع، نبضًا في قلب الأزمات، ضوءًا يُضيء عتمة الجهل، ويدًا تمتد لتربّت على كتف المظلوم.
الإعلام الحقيقي هو الميثاق الأخلاقي للضمير الذي يرفض التزييف والتلميع على حساب المظلوم، هو الإعلام الذي يُحرّم التشهير، ويُلزم بالتحقيق الدقيق كي يرفع الحق وينصر المظلوم ويدافع بشرف عن أي قضية تقلق الجمهور.
هو من يفتح الملفات المسكوت عنها، لا من يتاجر في مشاعر الناس وحياتهم الخاصة، نشتاق لأيام أحمد سمير ووقاره، ولحكمة مفيد فوزي حين يسأل، ولرصانة طارق حبيب، ولثقل ليلى رستم حين تنظر بعين المثقف لا بعين الصيّاد.
من صالة التحرير إلى حلبة السيركصار بعض الإعلام اليوم أقرب إلى السيرك منه إلى منصة الوعي، نرى صراخًا لا نقاشًا، ودموعًا مصطنعة لا مشاعر، وموضوعاتٍ تافهة تحصد ملايين المشاهدات، بينما تُهمّش القضايا الحقيقية التي تحرق قلوب الناس.
تُعرض مشاجرات الأزواج على الهواء، وتُفتح ملفات الخيانة وكأننا في ساحة انتقام لا شاشة وطن، وبدل أن نُربي جيلًا يُفكر، نُقدّم له وجبة "ترفيه سامة" تجعله يستهلك لا يفكر، يتابع لا يشارك.
سقوط أخلاقي تحت اسم «الجمهور عايز كده»«الجمهور عايز كده» أصبحت الشمّاعة التي تُعلّق عليها كل الخطايا المهنية، لكن الحقيقة أن الجمهور ليس غبيًا، بل هو ضحية إعلام يُغذّيه بما يُريد هو، لا بما يحتاجه الناس، الجمهور كان وما زال يُحب الحقيقة، يُقدّر الصدق، ويشتاق لإعلامي جريء يُسائل، لا مهرّج يُصفّق.
أين ذهب ميثاق الشرف؟في الماضي، كان الإعلامي يعرف أنه يقف أمام الكاميرا وكأنها محكمة ضمير، يُحاسب نفسه قبل أن يُحاسب الآخرين.
الميثاق الأخلاقي للإعلام.. يرفض التزييف، ويُحرّم التشهير، ويُلزم بالتحقق من المصدر.
أما اليوم، فالكثير لا يبحث إلا عن لقطة مثيرة تُقطع وتُوزّع على السوشيال ميديا، تُشعل الجدل ولو كانت كاذبة، وتُحطّم سمعة إنسان ولو كان بريئًا.
قيمة الكلمة.. الإعلامي الذي كانت كلمته سيفًافي زمن حمدي قنديل، لم تكن الكلمة مجرد جملة تُقال، بل كانت قنبلة وعي تُفجّر الصمت، حين كان يقول: "أقول لكم.. .لا"، كانت كلمته تُربك، تُحاسب، تُحرّك الرأي العام.
أما اليوم، فالكلمة أصبحت مفرّغة من معناها، تُقال بلا إحساس، وتُنسى بمجرد انتهاء الحلقة.
الفرق ليس فقط في الأشخاص، بل في الإحساس بالرسالة.
الإعلام الجديد.. فرصة ذهبية أم خنجر في الظهر؟لا شك أن المنصات الرقمية فتحت الباب للجميع، وأتاحت الفرصة لمواهب حقيقية أن تظهر، ولكنها أيضًا منحت المايكروفون لمن لا يستحق، والكاميرا لمن لا يعرف أبجديات المهنة، هناك من الشباب من بدأ يُعيد الأمل، ويُنتج محتوى نقيًا، ويُقدّم طرحًا ناضجًا، لكنهم يُدفنون تحت زحام التفاهة، في سوق تُسيطر عليه حسابات التسويق لا حسابات الضمير.
حين يسقط الإعلام.. .تسقط الأممالإعلام هو العمود الفقري لأي مجتمع، وإذا انكسر هذا العمود، انحنت الأوطان، وضاعت الحقيقة بين صخب الأكاذيب.
لسنا بحاجة لإعلام يُصفّق، بل لإعلام يُراقب، يُحاسب، يُنير العقول لا يُطفئها، فليت الإعلامي يسأل نفسه قبل أن يبدأ البث: «هل سأُخرج بحلقتي هذه إنسانًا أكثر وعيًا أم أكثر تيهًا؟ هل أُرضي ضميري أم أُرضي مؤشرات المشاهدة؟»
الإعلام ليس مهنة لمن لا ضمير له، الإعلام ساحة شرف، لا ساحة ترند.
الإعلامي الحقيقي.. تطهير الذات قبل تصدير الرسالةفي وسط هذا الانحدار، لا بد للإعلامي الحقيقي أن يبدأ معركته من الداخل: تطهير النفس من شوائب المصلحة، وتنقية الرسالة من دنس الاستعراض، الإعلامي الذي يؤمن بقدسية الكلمة، عليه أن يتطهّر من الانجراف وراء اللايك والترند، ويعود إلى ميدان الشرف والكلمة الحرة.
بلادنا اليوم لا تحتاج إلى مُعلّقين يُجيدون الصراخ، بل تحتاج إلى إعلاميين يُجيدون البناء، الإعلامي يجب أن يكون شريكًا في نهضة الأمة، لا عائقًا أمامها، حافرًا في الصخر لنشر الوعي، لا ناقلًا للفضائح باسم الترفيه، لقد جاءت لحظة الحقيقة، وعلى الإعلامي أن يختار: إمّا أن يكون لسانًا لنهضة وطن، أو أداة في هدم ضميره وضمير أمّته.