في حدود المتاح من تصوراتنا عن الحياة، نسوق الرفض، والتذمر، ونستأنس الشكوى، وتعلو كلمة "لو".
ويسحبنا الفراغ إلى مناحيه، ومساحاته، كأن زمنًا توقف.
(1)
كان الأستاذ ياسر شورى مديرًا لتحرير إحدى الصحف الأسبوعية بوسط القاهرة، صيف عام 2009، حين طرقت بابها ضمن مجموعة متقدمين للعمل كمحرر صحفي.
حملت قصاصات أعمالي السابقة بصحف شهرية، ونصف شهرية، ودلفت إلى مكتب فسيح، بعد أن نادت السكرتيرة اسمي، وخلف بابه كان الأستاذ يجلس مندمجًا في مطالعة أوراقه، ولم تستغرق مقابلتي سوى دقيقة واحدة.
سألني عن اسمي، وبعدها طلب أن اتجه مباشرةً لإعداد موضوع للعدد القادم.
ومشيت من موقعها قبالة مجلس الوزراء إلى ميدان التحرير في حضرة سؤال اللحظة: أي موضوع، وأنا لا أعرف عن القاهرة شيئًا، ولا مصدر لي ولا دليل؟.
(2)
أن تعرف وجهتك، لا يعني بالضرورة أنك ستصل في موعدك المحدد.
ساقتني مقادير التجربة إلى آفاق رحبة، تضيق بالغرور، وتتسع بالسعي، وترك النتائج على رب السماء، وامتشقت قلمًا يتماهى مع أوراق الدشت، وأمضيت 4 أشهر داخل الصحيفة ذاتها.
وكان أن تساءل "الأستاذ" عن محرر ملف خاص بالشأن القبطي، فقيل: عبد الوهاب شعبان.
واندهش لدرجة أن استدعاني، وسألني بجدية: أين تعمل خارجًا؟..وقلت: هذه أولى تجاربي المهنية.
وابتسم، ابتسامة صافية معهودة، وقال: إنني أعد قسمًا للمتابعات الإخبارية بجريدة الوفد، وستكون معي.
(3)
اتبع حلمك، يتبعك.
رميت أمر وعد "الأستاذ" للسماء، وانتشيت متأملًا "مقر الوفد"، وهو لا يعلم أني دخلته ذات مرة قبل عام، بعد أن تحدد موعد لمقابلة حد كبار المخرجين الصحفيين لرسم ماكيت لصحيفة نصف شهرية كنت أعمل بها عام 2008.
تركت وقتذاك "مالك الصحيفة" في مكتب الإخراج الصحفي، وتنقلت بين مكاتبها زجاجية الجدران، ولحسن حظي كانت خالية تمامًا، وكان صحفيوها منشغلون بمتابعة مباراة كرة قدم.
ووقفت أمام لوحتها المتخمة بقرارات مكافآت التميز، وأضمرت أمنية متبوعة بتساؤل صامت "كيف؟".
(4)
صدق القاعدة: امض ولا تلتفت.
في الصحيفة الأسبوعية بوسط القاهرة، وبعد نحو 3 أشهر من وعد "الأستاذ"، علمت أنه حصل على إجازة مفتوحة، وانشغلت بما يلقى إلي من تكليفات متعاقبة، لحصد أعلى سقف في كشف الإنتاج.
وكان أن تفوقت لحد أنا شخصيًا لم أصدقه، لكن شيئًا ما يحدث، ولا أفهمه، الصحيفة في طريقها للإغلاق، الأجواء متوترة، المحررون يغادرون واحدًا تلو الآخر، حتى انتهى كل شيء.
ووجدتني أعود صفرًا إلى منزلي، محملًا بخيبة أمل، وكشف إنتاج متخم بالتحقيقات، والحوارات، دون جدوى.
(5)
وعند لحظة اليأس المكتمل، يشق طريق العبور.
ألجأت وجهي للحائط، متوسدًا خيبتي كابن أكبر وضعته الأقدار ذات فجأة في موضع المسؤولية، وأقامته كجدار تتكئ عليه أم، وأسرة.
ورن هاتفي الصغير على غير عادته، وفوجئت بصوت جنوبي يمزج بين وداعة الوادي، وصلابة الجبل، أنت فين يا عبدالوهاب؟.
قلت: في الشارع يا أستاذنا؟.. وفهم أني في صحيفة تسمى "الشارع"، حتى أعدت عليه إجابتي مفصلة: أنا بلا عمل، لقد عدت إلى بيتي بعد إغلاق الصحيفة.
وطلب بتفاؤل الواثق أن آتي إلى "الوفد".
(6)
وبلا ترتيب، ذهبت مصحوبًا برجفة القلق، وعكار التجارب.
وهناك، وجدت رهانًا معقودًا عليّ، وإيمانًا لا ينفصل عن يقينه بقدرتي على الإجادة، وكنت وحدي وقافًا على رهبة البداية، وقلة الخبرة.
لكن، على أية حال بدأت، وصاحبتني مراحل أفول كبرى، وعثرات، ونكبات، علقتها على دعائم الصبر الجميل، ودعم الأصدقاء، وكنت آتيه شاكيًا: فيحيطني بذراعيه، وهو يقول: عد على يدك عامين/ ثلاثة على الأكثر، وستصبح عضوًا بنقابة الصحفيين.
وكل وعد "ياسري" ألقي به في فضاء الله، دون تشبت بـ"متى؟".
(7)
وغربتنا بعد أجواء طارئة على "الوفد"، من تجربة إلى أخرى، كل واحدة تسير بممحاة على أختها.
و"الأستاذ" يداعب أحلامه كل مساء، لتزهر في صباحه، ويحدثني كلما التقينا: لا تقلق.. سأقود دفة "الصحيفة" ذات يوم قريب.
وانتظر..، فلا يصح في الآفاق ضوء.
(8)
ولا ينطلق يقيني من مهارته في إدارة العنصر البشري، وقدرته الفائقة على تحريك مكامن الأفكار الخلاقة، من كوني ممتنًا لآخذ بناصيتي إلى عالم الصحافة الجادة، وفقط.
فأنا واحد من مجموعة تلاميذ أمضوا سنوات تحت رئاسته في أقسام مختلفة، وتجارب أخرى، وأشهد أنه واحد من "صنايعية المهنة"، وصناعها المهرة، يتذوق العبارات، ويصوب بصره بعناية تجاه موهوبيها.
(9)
لا شيء يأتي متأخرًا.
فالأستاذ يجلس على مقعد قيادة "بوابة الوفد"، جنبًا إلى جنب مع رفيق دربه الأستاذ "عاطف خليل"، ومن خلفهما أول من علمني فنون الكشف عما ورائيات الخبر "مجدي سلامة".
بهؤلاء يزيح ضوء جديد غبارًا عن المكان، ويهيئ الوجدان.
وأنا الحالم فقط بدخول "الوفد"، أكتب مقالًا ثابتًا، وأقود قسمًا..
وللتجارب أن تفرز نتائجها وقتما تشاء، ولا ينقطع الرجاء.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
انطلاق المرحلة النهائية للمسابقة الوطنية في نمذجة الذكاء الاصطناعي في عمان الاهلية
صراحة نيوز ـ انطلقت المرحلة النهائية للمسابقة الوطنية في نمذجة الذكاء الاصطناعي
(IEEE Jordan AI Modeling Hackathon 1.0)
في جامعة عمان الاهلية والتي تعقد بالتعاون مع فرع IEEE الأردن وبمشاركة واسعة من مختلف الجامعات الأردنية.
ورعى حفل الافتتاح رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور ساري حمدان، بحضور الدكتور موسى الأخرس رئيس فرع IEEE الأردن، والأستاذ الدكتور بشار الطراونة عميد كلية الهندسة وعميد كلية التعليم التقني، والأستاذ الدكتور محمد القطاونة عميد كلية تقنية المعلومات وعدد من أعضاء الهيئة التدريسية في جامعة عمان الأهلية والجامعات الأردنية.
وفي بداية الحفل رحب عميد كلية الهندسة الأستاذ الدكتور بشار الطراونة بالمشاركين والحضور، مؤكدًا أهمية هذه المسابقة في تعزيز مهارات الطلبة في مجالات الذكاء الاصطناعي والنمذجة الحاسوبية، وأشاد بدور IEEE في دعم الأنشطة الطلابية التي تساهم في صقل المواهب التقنية وتعزيز روح الابتكار.
وأشار الدكتور الطراونة إلى أن هذه المسابقة تمثل منصة متميزة لتبادل الخبرات والمعارف بين الطلبة من مختلف الجامعات، مما يعزز من روح التنافس الإيجابي والعمل الجماعي.
من جانبه، عبّر الدكتور موسى الأخرس عن سعادته بالمستوى المتميز الذي أظهره الطلبة المشاركون، مشيرًا إلى أن المسابقة شهدت هذا العام تطورًا ملحوظًا في جودة المشاريع المقدمة، مما يعكس التقدم الكبير الذي تحرزه الجامعات الأردنية في مجال الذكاء الاصطناعي.
كما ألقى الأستاذ الدكتور ساري حمدان كلمة عبّر فيها عن فخره باستضافة جامعة عمان الأهلية لهذا الحدث العلمي المميز، مؤكدًا التزام الجامعة بدعم المبادرات التي تعزز من قدرات الطلبة في مجالات التكنولوجيا الحديثة.