بين التجويع والإقصاء.. وثائق تكشف مجزرة حوثية تعمّق معاناة عشرات آلاف التربويين
تاريخ النشر: 17th, January 2025 GMT
كشفت وثائق عن ارتكاب مجزرة حوثية بحق عشرات الآلاف من الموظفين التربويين في ست محافظات فقط، من خلال إسقاط أسمائهم من كشوف "نصف الراتب"، بينهم 18 ألف موظف في صنعاء، وعمران، وإب، مما يعكس عمق الكارثة في بقية المحافظات.
يأتي ذلك وسط دعوات نقابية للموظفين الحكوميين لتنظيم وقفات احتجاجية والإضراب عن العمل حتى استعادة حقوقهم القانونية، إضافة إلى إدانات واسعة لمخطط حوثي يهدف إلى تقسيم موظفي الدولة إلى ثلاث فئات، في خطوة تمهيدية لاستكمال السيطرة على مؤسسات الدولة.
وأعلنت مليشيا الحوثي صرف نصف راتب بدءًا من يناير الجاري للموظفين الحكوميين، مع تقسيمهم إلى ثلاث فئات: الفئة الأولى تتسلم نصف راتب شهريًا، الثانية نصف راتب كل ستة أشهر، والثالثة كل ثلاثة أشهر. تقارير عديدة أكدت استبعاد 250 ألف موظف من قوائم الرواتب بالكامل.
وثائق مُسربة
الوثائق تضمنت مذكرات وجهها مديرو مكاتب التربية في محافظات إب، وعمران، وصنعاء، والحديدة، والبيضاء، إلى وزير التربية في حكومة مليشيا الحوثي غير المعترف بها دولياً، حسن الصعدي، يطالبون فيها بإعادة صرف رواتب الموظفين الذين تم إسقاط أسمائهم.
في محافظة إب، أوضح مدير مكتب التربية، محمد الغزالي، في مذكرة رسمية إسقاط 5780 موظفاً من كشوف الرواتب، مشيراً إلى أن هذا الإجراء سيؤدي إلى اختلال كبير في العملية التعليمية.
وفي عمران، كشف مدير التربية، زيد رطاس، عن استبعاد 4773 موظفاً من الكشوف، وهو ما ألقى بظلاله السلبية على استقرار العملية التربوية.
أما في صنعاء، فقد أوضحت المذكرات إسقاط 7118 موظفًا، بينهم موجّهون ومفتشون ماليون، مشددين على أن غياب هؤلاء سيؤدي إلى عرقلة الإشراف والمتابعة في المدارس على العملية التعليمية.
من جانبهما، طالبا مديرا مكتبي التربية بمحافظتي الحديدة وحجة، عمر محمد بحر وعلي عبدالله القطيب، بإعادة النظر في صرف رواتب الإداريين المستبعدين، محذرين من تداعيات ذلك على معيشتهم.
وفي البيضاء، أكدت مذكرات الإدارات التربوية في مديريات رداع استثناء الإداريين من صرف نصف الراتب، واصفة الإجراء بأنه ظلم وإجحاف بحقهم.
دعوات للاحتجاج
دعا نادي المعلمين والمعلمات في اليمن عبر سلسلة تغريدات على حسابه في موقع "إكس"، إلى تصعيد الاحتجاجات وتنظيم وقفات جماعية للضغط من أجل استعادة الحقوق المسلوبة.
وأشار النادي إلى أن الإقصاءات طالت معلمين بشكل واسع، سيما في ظل فرض مديري بعض المديريات جبايات على الحوافز المالية للمرضى والمتغيبين بعذر، ما يعكس نهجاً ممنهجاً لاستنزاف حقوق العاملين.
تجريف ممنهج
قال مصدر مسؤول في وزارة المالية التابعة للحوثيين، إن تقسيم الموظفين إلى ثلاث فئات هو إجراء غير قانوني، يهدف إلى "تطفيش" الموظفين الحاليين واستبدالهم بعناصر موالية للمليشيا، مؤكداً أن منهجية الحوثيين تستهدف استقطاب العاطلين عن العمل لتجنيدهم في صفوفها.
ووفقا للمصدر، كشفت هذه المساعي وزارة المالية الخاضعة للحوثيين، الذي كشفته -دون قصد- في بيان لمصدر مسؤول برر الاسقاطات إلى وجود تضخم وظيفي، مشيرا إلى أنه سيتم إعادة توزيع الكادر الإداري لتغطية فجوة الاحتياج في المعلمين.
وتعليقاً على ذلك، حذر نادي المعلمين من مساعي التجريف الممنهج للمؤسسة التعليمية وآثارها الخطيرة على مستقبل التعليم والتحصيل العلمي.
دعوى قضائية
ورفعت نقابة المهن التعليمية والتربوية دعوى قضائية ضد وزارة المالية الحوثية، مؤكدة أن استبعاد الموظفين التربويين من كشوف الرواتب مخالف للقانون. وطالبت النقابة المحكمة بإنصاف الموظفين الذين كرّسوا حياتهم في خدمة التعليم.
وأشارت تقارير اقتصادية إلى أن مليشيا الحوثي تجمع مئات المليارات سنوياً من إيرادات الجمارك، والضرائب، وفوارق أسعار المشتقات النفطية، إضافة إلى المساعدات الدولية التي تُستغل في تمويل أنشطتهم القتالية.
المصدر: وكالة خبر للأنباء
كلمات دلالية: إلى أن
إقرأ أيضاً:
وثائق تؤكد احتجاز نظام الأسد للصحفي الأمريكي أوستن تايس
عمّق تقرير استقصائي جديد لهيئة الإذاعة البريطانية الـ "بي بي سي" الغموض المحيط بمصير الصحفي الأمريكي أوستن تايس، المختفي منذ أكثر من 12 عامًا في سوريا، بعدما كشف عن وثائق استخباراتية سورية سرية للغاية تؤكد احتجازه داخل أحد سجون النظام السوري، في تناقض مباشر مع نفي الأسد السابق لأي علاقة باختفائه.
وتعد الوثائق التي تم الوصول إليها ضمن تحقيق دام أكثر من عام، أول دليل رسمي ملموس على أن نظام بشار الأسد - الذي سقط في كانون الأول / ديسمبر 2024 - كان يحتجز تايس في عام 2012، بعد أشهر فقط من دخوله الأراضي السورية لتغطية الحرب الأهلية كصحفي مستقل.
وبحسب الوثائق، فإن تايس كان محتجزًا في "سجن الطاحونة" بالعاصمة دمشق، أحد أشهر مراكز الاعتقال التابعة للاستخبارات العسكرية، وتضم الملفات رسائل ومراسلات بين فروع أمنية سورية مختلفة، وتشير إلى أن تايس خضع للاستجواب مرتين على الأقل بين عامي 2012 و2013، وتلقى علاجًا طبيًا لمشاكل صحية في المعدة وعدوى فيروسية، وفقًا لتحاليل دم مرفقة في الملفات.
وفي شهادة مثيرة، أكّد ضابط كبير سابق في الاستخبارات السورية للـ"بي بي سي" أن تايس كان محتجزًا في دمشق من قِبل مجموعة شبه عسكرية تُدعى "قوات الدفاع الوطني"، وهي تشكيل موالٍ للنظام، وغالبًا ما استخدمه الأسد في العمليات الأمنية والاعتقالات. وقال مصدر من داخل هذه القوات إن “قيمة أوستن كانت مفهومة منذ البداية، وكان يُنظر إليه كـ ‘ورقة تفاوض’ محتملة مع واشنطن”.
من جندي سابق إلى رهينة
أوستن تايس، المولود في آب / أغسطس 1981، كان ضابطًا سابقًا في سلاح البحرية الأمريكية، وخدم في العراق وأفغانستان، قبل أن يتجه إلى دراسة القانون في جامعة جورج تاون. وفي عام 2012، دخل سوريا بصفته صحفيًا حرًا لتغطية أحداث الحرب.
في آب / أغسطس 2012، اختفى في منطقة داريا القريبة من دمشق، وبعد سبعة أسابيع، ظهر في مقطع فيديو مثير للجدل، معصوب العينين ومقيّد اليدين، مجبرًا على تلاوة إعلان إسلامه، في مشهد صنّفه محللون بأنه "مُعدّ مسبقًا" لتضليل الرأي العام، وإيهام العالم بأنه اختُطف من قبل جماعة جهادية.
لكن لم تعلن أي جهة مسؤوليتها، وظل مصيره مجهولًا طوال سنوات. وحتى عندما نفت حكومة الأسد رسميًا احتجازه، كانت الحكومة الأمريكية تؤكد اعتقادها بأنه محتجز من قِبل النظام.
سقوط النظام يكشف المستور
عقب سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024، قالت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إنها تعتقد أن تايس ما زال حيًا، بينما صرّحت والدته، ديبرا تايس، أن “مصدرًا موثوقًا” أكد لها أن ابنها لا يزال يتلقى معاملة جيدة.
ورغم ذلك، لم يظهر أي أثر له بعد إخلاء السجون التي كانت تديرها أجهزة النظام، ما يثير تساؤلات جديدة عن مصيره بعد عام 2013.
وتعرف عائلة تايس والسلطات الأمريكية بوجود هذه الملفات الاستخباراتية، وكذلك منظمة سورية توثّق جرائم النظام. وتُعد هذه الوثائق بمثابة إدانة إضافية لسجل الأسد في قضايا الاعتقال والإخفاء القسري.
مأساة مستمرة
يُذكر أن المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقرّه المملكة المتحدة، يقدّر عدد المختفين قسرًا في سوريا بأكثر من 100 ألف شخص، كثير منهم في سجون النظام، ما يسلّط الضوء على البُعد الإنساني الواسع لقضية تايس.
وبينما لا يزال مصيره مجهولًا، فإن ظهور هذه الوثائق يعزز ضغوطًا دولية متزايدة على الأطراف المعنية للكشف عن الحقيقة، وربما، في مرحلة لاحقة، استخدام هذه الأدلة في محاكمات دولية أو ملاحقات قضائية ضد مسؤولين سابقين في نظام الأسد.