الحكومة الموازية.. نعم.. ولا!! الجزء الثالث
تاريخ النشر: 18th, January 2025 GMT
عبده الحاج – نورث كارولينا: 1 يناير 2025
أسباب فشل الحكومات الموازية
الحكومات الموازية عبارة عن هياكل سياسية وإدارية تُشكَّل من قبل مجموعات معارضة خارج مظلة الحكومة القائمة، وعادةً ما يكون ذلك وسيلة للضغط السياسي أو كبديل يُعلن عن نفسه في أوقات النزاعات أو الأزمات الوطنية، وذلك بغرض تحقيق إصلاحات، مقابل ما تراه من إخفاقات للحكومة القائمة، وقد دلت التجارب العملية إلى أن الحكومات الموازية دوما تواجه تحديات كبرى، ربما تؤدي إلى فشلها، وبما ان نجاح أي عمل، يعتمد بقدر كبير بمعرفة أسباب الفشل، والتعامل معها بواقعية، وبموضوعية، لمحاولة تداركها، ومعالجتها، ما امكن ذلك، والتحسب لها في كل الأحوال، حتى لا تكون عوامل فشل التجربة في اهابها، ونحن عنها متغافلون.
مقومات الفشل، يمكن ان نقول عنها بإجمال، انها عبارة عن غياب مقومات النجاح، ولذلك نجد ان غياب الشرعية الجماهيرية من اهم عوامل الفشل، فكما ذكرنا في الحلقة السابقة، فغياب الشرعية الجماهيرية، يعني مولد حكومة غير شرعية جديدة، وهو قمة الفشل.. فهو يعني إضفاء مزيد من الشرعية، ومن السند الشعبي للحكومة القائمة، مما يناقض اهداف الحكومة الموازية، وغياب الشرعية والسند الشعبي له مؤشرات ودلائل يجب التحقق منها قبل الاقدام على الخطوة.. ومن اهم مؤشراته ودلائله هو انعدام الشفافية، والتي هي بدورها نتيجة لقصور في اعلام الكتلة المعارضة.. وهو قصور، يتيح بدوره فرصة أوسع لإعلام الطرف الاخر لملأ الفراغ بحملات مضادة، ومضللة، تقلل بدورها من فرص الدعم الجماهيري، ففي عهد ثورة تكنلوجيا الاتصالات، ما عاد الفضاء السياسي يحتمل فراغا إعلاميا.
يعتبر انعزال الكتلة المعارضة عن الجماهير من اهم عوامل فشل مشاريعها، أيا كانت.. وهو أحد عوامل انعدام السند، والشرعية الجماهيرية، وهذا التواصل الجماهيري، يكون ثمرة عمل متصل، من المثابرة، والتصحيح.. فهو ليس بالشيء الهين الذي تجده عند الطلب، وانما هو ثمرة علاقة حقيقية من التواصل الجاد، والاحترام المتبادل، فكلما كانت السياسات والبرامج نابعة من القاعدة الجماهيرية، كلما توسعت فرص النجاح.. وهذا يعني بالضرورة، ان هذه القاعدة الجماهيرية كانت حاضرة في كل المراحل، وليست موضوعة على الرف، لحين الحاجة اليها، فهي صاحبة المصلحة، وليست أداة لتحقيق شعارات، او برامج صفوة او نخبة، وهذا يتطلب ان تكون هذه القاعدة الجماهيرية على درجة كبيرة من الوعي، بحيث لا تُضلل بالشعارات، وتُساق لغير مصلحتها، الامر الذي يعزز من أهمية العمل الإعلامي لقوى المعارضة.
أيضا من معوقات الشرعية الجماهيرية، الحملة الإعلامية الشرسة، من النظام القائم، وسدنته، ومن كتل المقاومة المنافسة، التي تحاول التكسب سياسيا من تشويه صورة غيرها من الفصائل، والتشكيك في كل ما يقومون به، او يتصيدون اخطائهم!! وهي كلها عوامل يجب التعامل معها بواقعية وبموضوعية، بدون الانجرار لمعارك جانبية، ولكن ذلك يعني بالضرورة تعقيدات وصعوبة في تنفيذ البرامج، او إيجاد القبول والدعم الجماهيري اللازم لها، وهو يعيد للأذهان مرة أخرى اهمية الاعلام والتواصل مع الكتل الجماهيرية.
تعتبر الانقسامات الداخلية، من أكبر عوامل فشل التكتلات، وبذرة فنائها الكامنة في اهابها.. خصوصا ان كانت هذه التكتلات تقوم على شعارات، او على فكرة عامة، أو اهداف مشتركة، دون توافق على كل تفاصيلها.. فموضوع الحكومة الموازية لا يقبل التوافق عليه كمجرد فكرة، ليكون بمثابة حد أدنى للتوافق، فكل تفاصيل الفكرة تصلح ان تكون نقاط خلاف يمكن ان تعصف بالتكتل السياسي، وربما تؤدي لما هو أسوأ من ذلك، لذلك يجب ان تخضع الفكرة، بكل تفاصيلها للحوار الجاد، ومن ثم والقبول من قبل الأطراف المتحالفة، قبل الاقدام على العمل، او الرفض، فكما سبق القول، فان ثمن الحوض في تجربة حكومة موازية فاشلة، ربما يكون باهظا، وفوق الاحتمال..
الحكومة، أي حكومة، هي أداة، ووسيلة لتقديم الخدمات للمواطنين (أصحاب المصلحة)، وتوفير امنهم وتسهيل سبل عيشهم كحد ادني، وبدون ذلك تعتبر فاشلة.. ولذلك ان كانت الكتل المتحالفة لا تملك مقومات تقديم الخدمات للمواطنين، فمن الأفضل لها العدول عن فكرة الحكومة الموازية، وان تبحث لها عن وسائل أخرى، اقل كلفة، لتحقيق أهدافها، وبرامجها.. كما ان تقديم الخدمات للمواطنين، قد يلعب دورا أساسيا في شكل الحكومة الموازية المقترحة، فهنالك الكثير من التجارب في اشكال الحكومات الموازية المختلفة، التي نجحت في تقديم الخدمات للمواطن، دون ان تتصادم مع السلطة القائمة، او تجعل من المواطن مسرحا للصراع معها، وبذلك تتفرغ تكتلات المعارضة لمناهضة سلطة الامر الواقع، والسعي لإسقاط شرعيتها، ومحاصرتها لإسقاطها، بدون تحميل المواطن عبأ ذلك العمل، فلكل هدف عدد من الوسائل، ولا يجب ان ننحصر في وسيلة واحدة لتحقيق كل الأهداف، وانما نتخير انجع، واضمن الوسائل لتحقيق الهدف المعين، ويمكن تقاسم الأدوار، بحيث تعمل كل مجموعة في المجال الملائم، وما يمكن ان تنجح فيه، متخيرة انسب، وانجع الوسائل، في تكامل مع بقية المجموعات.
من اهم العوامل التي تسهم في مقدرة الحكومات على توصيل الخدمات لمواطنيها هو المقدرات المالية، فبدونها يكون هنالك استحالة على الحكومة ان تقدم خدمات حقيقية للمواطنين، ولذلك يعتبر ضعف الموارد المالية من اهم أسباب فشل الحكومات بصورة عامة، وهو نفسه سبب في ان ترهن الحكومات مقدرات البلاد لدول اجنبية، مقابل الحصول على الدعم المالي، فإقامة حكومة موازية، بدون إيرادات مالية مستدامة، يعتبر مغامرة وخيمة العواقب، يجب التحذير منها.
الدول الغنية بمواردها الطبيعية.. خصوصا المتخلفة منها، هي دوما مسرحا للأطماع والصراعات الدولية، والإقليمية، وبطبيعة الحال فان الحكومة الموازية تكون عرضة لضغوطات نتيجة لنلك الاطماع وصراعات المصالح بين الدول، وقد يفتح المجال لسلطة الامر الواقع، او يدفع بها لاستقطاب دعم بعض الدول والتي كانت مترددة، او محايدة، لتحمي مصالحها خوفا، او طمعا في خضم المنافسة على النفوذ بين الدول، مما قد يؤدي لتفاقم في المشاكل في المنطقة، ومزيد من الصراعات.. فكون الكتل المعارضة قد حصلت على مباركة بعض الدول لقيام حكومة موازية، لا يعني سندا دوليا قويا، فقد يحصل الطرف الاخر على مزيد من الدعم ومن الشرعية الدولية.. وربما تسحب تلك الدول دعمها للحكومة الموازية نتيجة ضغوطات دولية، او اغراءات من الطرف الاخر، فالدول في حقيقة الامر تسعى لمصالحها الخاصة، بأكثر مما تسعى لمصالح الاخرين، ومواقفها قد تتغير بناء على ذلك، ولذلك يجب التحوط للعراقيل والضغوطات الخارجية، كما لا يجب اعتبار الدعم الخارجي، أيا كان حجمه، بديلا عن الدعم الشعبي الداخلي، فلا حكومة بدون سند شعبي.
نجاح، أو فشل الحكومات الموازية ليس حتميًا، ولكنه مرتبط ببعض العوامل الداخلية والخارجية، فان توفرت تلك العوامل، فان فرصة النجاح تكون كبيرة، وتلك العوامل يجب ان تكون قائمة قبل مجرد التفكير في إقامة حكومة موازية، كما ان هذه العوامل لها ادواتها ووسائلها للحصول عليها، وليس من تلك الوسائل فشل الغير، فمن كان يعتمد في نجاحه على فشل غيره، فهو فاشل.
نتابع
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحکومة الموازیة حکومة موازیة من اهم
إقرأ أيضاً:
الرتمي: مصر لن تكون جزءًا من مخططات التهجير أو تصفية القضية الفلسطينية
قال عصام الرتمي، أمين حزب الجبهة الوطنية بمحافظة الفيوم، إن كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن تطورات الأوضاع في قطاع غزة، جاءت بمثابة وثيقة سياسية وإنسانية، تؤكد ثوابت مصر الوطنية والأخلاقية تجاه القضية الفلسطينية، وتضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته القانونية والتاريخية.
وأوضح "الرتمي" في تصريح صحفي أن الرئيس السيسي تحدث من موقع الدولة التي تملك رصيدا ضخما من الدعم الحقيقي للشعب الفلسطيني، لا من منطلق شعارات أو مزايدات، مؤكدا أن رفض مصر القاطع لسياسات التهجير وتغيير التركيبة السكانية في الأراضي المحتلة، يعكس فهما عميقا لطبيعة الصراع، وتمسكا راسخا بحل الدولتين كمدخل عادل وشامل لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
وأشار إلى أن كلمة الرئيس جاءت في توقيت بالغ الأهمية، لتقطع الطريق على كل محاولات التشويش والتشكيك التي تروج لها بعض الجهات، بهدف النيل من الدور المصري، لافتا إلى أن تأكيد الرئيس على أن مصر لن تسمح بتمرير أي سيناريو يضر بالقضية الفلسطينية، هو تعبير عن موقف مبدئي ينسجم مع ما قدمته الدولة المصرية تاريخيا من تضحيات ودعم مستمر للشعب الفلسطيني.
وأضاف أمين حزب الجبهة الوطنية بالفيوم، أن الرئيس السيسي بعث برسائل واضحة إلى الداخل والخارج، مفادها أن مصر دولة مسؤولة، تتحرك وفق منطق العدالة والشرعية الدولية، وتقف إلى جانب الحقوق المشروعة للشعوب، مشيدا بحديث الرئيس عن استمرار الجهود لفتح معبر رفح رغم التحديات، ما يعكس التزاما إنسانيا وأخلاقيا لا ينفصل عن الدور السياسي والدبلوماسي المصري.
كما أثنى "الرتمي" على مطالبة الرئيس السيسي القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بتحمل مسؤولياتها في وقف العدوان واحتواء الأزمة، مؤكدا أن هذا الطرح يعيد تصويب البوصلة نحو معالجة جذور المشكلة بدلا من التعامل مع نتائجها الكارثية.
وشدد "الرتمي" على أن الكلمة حملت ملامح الزعامة الحقيقية، وأكدت أن مصر لن تنساق خلف أي محاولات لاستدراجها نحو ترتيبات تخالف قناعاتها أو تمس أمنها القومي، مؤكدا أن الشارع المصري يدعم القيادة السياسية في مواقفها العروبية والثابتة، و يعتز بالدور الريادي الذي تقوم به مصر نصرة لفلسطين وشعبها.