تابعنا وكل عُمان خطاب جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- بمناسبة الحادي عشر من يناير؛ ذكرى تولي جلالته مقاليد الحكم، خطابا مليئا بالمضامين السامية والقيم العليا بدءا بالإنجازات الوطنية خلال الأعوام الخمسة الماضية، مرورا بالتأكيد على ضرورة شكر النعم وأهمية وحدة الشعب، متضمنا التذكير بالسيادة التاريخية لسلطنة عمان عموما ولفترة حكم الدولة البوسعيدية على وجه التحديد معززا بإعلان يوم وطني جديد هو تاريخ بداية تأسيس الدولة البوسعيدية في العشرين من نوفمبر.

وعلى أهمية كل مضامين الخطاب السلطاني بكل محتواه فإن هذه المقالة تروم الوقوف على التاريخ قيمة عليا في خطاب جلالته، حيث جاء تأكيد جلالته على النعم الكثيرة وضرورة شكرها مؤكدا على الأمن والأمان نعما واجبة للشكر لارتباطها الوثيق باستقرار وازدهار الدول، ومن هنا تحديدا يعبر إلى التاريخ «ولقد أثبتَ أبناءُ هذا الوطنِ العزيــزِ عبرَ العصورِ أنهم صفٌّ واحدٌ كالبنيانِ المرصوص يَسيرونَ على بصيرةٍ مصدرُها العقيدةُ السّمحةُ، نابذينَ كلَّ تعصّبٍ رافضينَ كلَّ استقطابٍ يُجزِّئُ الأمّةَ ويَفُتُّ في عَضُدِها مَتمسّكينَ بكلِّ ما يجمعُهُم على الحقِّ مُبادرينَ للخيرِ وثَّـابِـينَ لبناءِ وطنِهم وأمَّتِهم» هنا المبتدأ مع استدعاء التاريخ بتذكير أبناء هذا الوطن بماضيهم في الوحدة وأثرها على لمّ الشمل وتجاوز الفتن، ويكمل جلالته معززا ما سبق مؤكدا تقدير كل مرحلة من مراحل تاريخ عُمان على اختلافها لإسهام هذه المراحل دورها التكاملي البنائي في حضارة عُمان المعاصرة «أبناء عُمان الأوفياء، لقد حافظتْ بلادُنَا العزيزةُ على كَيْنُونَتِها كدولةٍ مستقلةٍ ذاتَ سِيادةٍ عبرَ العصور وقد تعاقبتْ عليها أنماطُ حُكمٍ عديدةٍ أدَّى كلٌّ منها دورَهُ الحضاريّ وأمانتَــهُ التاريخيّةَ وإننا نستذكرُ في هذا اليومِ الأغرِّ قادةَ عُمانَ الأفذاذِ على مرِّ التاريخِ قادةً حملوا رايةَ هذا الوطنِ ووحَّدوا أُمَّتَه وصانُوا أرضَه الطاهرةَ ودافعوا عن سيادتِه، ونحمِلُها من بعدهِم على الطريقِ ذاتِـه، معاهدينَ الله عزّ وجل ألا يُثنينا عن عزمِنــــا عــــزمٌ ولا تُشغِلُنا عن مصلحةِ وطنِنا مصلحةٌ تعضُدُنا في ذلك أمّةٌ مباركةٌ بفضلِ اللهِ مشرَّفَةٌ بدعاءِ نـبـيِّهِ الـكـريـم» ومن تتابع هذه المراحل إلى مرحلة دولة آل سعيد «إنّهُ لمن دواعي سُرورِنا وتكريمًا لأسلافِنا من السلاطين واستحضارًا ليومٍ مجيدٍ من تاريخِ عمانَ الحافلِ بالأيامِ المشرقةِ أن نُعْلِنَ في هذا المقام بأن يكونَ يومُ العشرينَ من نوفمبر من كلِّ عامٍ يومًا وطنيًّا لسلطنةِ عُمان وهو اليومُ الذي تشرَّفتْ فيه الأسرةُ البوسعيديّة بخدمةِ هذا الوطنِ العزيز منذُ العامِ (1744) ألفٍ وسبعمائةٍ وأربعةٍ وأربعينَ للميلاد على يدِ الإمامِ المؤسّسِ السّيِّد أحمدَ بنِ سعيدٍ البوسعيدي الذي وحَّدَ رايةَ الأمَّــةِ العُمانيــةِ وقـادَ نضالَهـا وتضحياتِهـا الجليلةِ في سبيلِ السّيادةِ الكاملةِ على أرضِ عُمان والحريّةِ والكرامةِ لأبنائِها الكرام وجاءَ من بعدِهِ سلاطينٌ عِظام حملوا رايَتَها بكلِ شجاعةٍ واِقتدار وأكملُوا مسيرَتَها الظافرة بكلِ عزمٍ وإصرار، وإن احتفاءَنا بهذا اليومِ إنما هو تخليدٌ لسِيَرِهم النبيلة ومآثرِهم الجليلة والتزامٌ أكيدٌ منّا بالمبادئ والقِيَمِ التي شَكَّلتْ نسيجَ أُمَّتِنا العُمانية نصونُ وحدَتَها وتماسكَها ونسهرُ على رعايةِ مصالحِ أبنائِها رافضينَ أيَّ مساسٍ بثوابتِها ومقدَّساتِها». لا يقف الأمر هنا بل يعود جلالته للتذكير قبل ختام خطابه السامي بربط التاريخ بالتحديات المعاصرة مذكّرا بقدرة عمان تاريخيا على تحدي العقبات وتجاوز الأزمات قيادة حكيمة وشعبا وفيا «أبناء عُمان الأوفياء: لم تكن التحدّياتُ يومًا عائقًا في طريقِ أسلافِنـا لتأسيسِ دولةٍ شهِدَ لها العالمُ بالسّيادةِ والرّيادة، ولن تكــونَ لنــا إلا دافعــًا للبناءِ على ما أسّسوا سائرينَ على هَدْيٍ من ثوابتِنا الحضاريةِ الراسخة، نتقدمُ بثقةٍ في سبيلِ الوصولِ بهذا البلدِ العظيمِ إلى مكانتِه الأسمى التي يستحق» ثم لا تقف عناية جلالته -حفظه الله- بالتاريخ مع إنهاء خطابه السامي كذلك بل تمتد إجرائيا في خطوة تعكس الحرص على إبراز العمق التاريخي والحضاري لسلطنة عُمان وربط الأجيال بماضيها العريق، لتأتي التوجيهات السامية بإطلاق أسماء قادة عُمان من الدولة البوسعيدية على مجموعة من الطرق الوطنية الرئيسية موزعة على مختلف محافظات السلطنة متخذة أسماء السلاطين: ثويني بن سعيد، تركي بن سعيد، فيصل بن تركي، تيمور بن فيصل، سعيد بن تيمور والسلطان قابوس، ولا ينبغي أن تقرأ هذه التوجيهات بأنها مجرد إنشاء طرق بل هي جسور معاصرة تفخر بماض تاريخي عظيم تأسس بالأعظم من التضحيات والأغلى من التضحيات، هذه الأسماء تسرد تاريخها لكل عماني وكل مقيم وكل زائر لبلاد تأسست ووضعت لتاريخها بصمة لا ينبغي أن تخفى.

ختاما: ما زال التاريخ مسرحا للتعلم ومنجما للخبرات، ليس استغراقا في كواليسه وقناعة بالماضي منه دون العمل، ولا في اجترار أمجاد عظيمة سلفت وعصور ذهبية مضت دون النهوض بدور حضاري معاصر استكمالا لأمجاد تاريخية سلفت، إنما تأمل تفاصيل التاريخ وسردياته ونقدها، ثم التدبر في تراتبية وحتمية نتائجه، انشغال الواعي بالتاريخ وعبره هو استقصاء المتدبر المستفكر الساعي لبناء منجز يعادل منجزات الأسلاف إن لم يتجاوزها سقفا وعزيمة، أما المُستغرق المغيّب الذي أسلمه ماضيه العظيم لدعة التفكير وتكاسل العمل فما هو إلا مثلبة التاريخ وكبوة المجد توثيقا وسردا، وهو ما أكده خطاب جلالة السلطان -حفظه الله ورعاه- مع عنايته بالتاريخ في خطابه السامي تعزيزا لوحدة المجتمع تحفيزا للعمل الوطني المخلص.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا الوطن

إقرأ أيضاً:

31 الجاري آخر موعد للتسجيل ببرنامج «استشعار المستقبل»

دبي: «الخليج»

أعلنت أكاديمية دبي للمستقبل، إحدى مبادرات مؤسسة دبي للمستقبل، فتح باب التسجيل للدورة الثانية من برنامج استشعار المستقبل، البرنامج الدولي الأول من نوعه في المنطقة، الذي يهدف إلى تمكين المديرين التنفيذيين ورواد الأعمال ومصممي الاستراتيجيات والسياسات وقادة الرأي والمستثمرين وخبراء القطاعات الحيوية والمبتكرين من حول العالم بمهارات وأدوات استشراف التحولات المستقبلية والمساهمة في صناعة فرصها.

4 أسابيع

ينعقد البرنامج على مدار 4 أسابيع ابتداء من تاريخ 20 أكتوبر المقبل ويتضمن محاضرات نظرية وورش عمل بأسلوب مميز ورحلات ميدانية وزيارات لكبرى المؤسسات والشركات العاملة في المجالات المستقبلية، إضافة إلى العديد من فعاليات التواصل بين المشاركين والخبراء وصناع القرار، والاطلاع على ابتكارات مستقبلية ستغير العالم على مختلف الأصعدة، ويمكن التسجيل بالبرنامج حتى 31 يوليو الجاري عبر الرابط الإلكتروني (www.dubaifuture.ae/ar/feel).

ويتميز البرنامج بتقديم تجربة تعليمية وتدريبية متكاملة وتطوير قدرات جيل جديد ﻣﻦ الكفاءات القيادية ذات الرؤى ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ، وتأهيلهم لاﺳﺘﺸﺮﺍﻑ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ وآفاقه وابتكاراته، وإشراكهم ﻓﻲ ﺗﺠﺎﺭﺏ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻏﺎﻣﺮﺓ، وتمكينهم من مواكبة الاتجاهات العالمية في قطاعات الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة ﻭﺍﺳﺘﺸﻌﺎﺭ المستقبل حول العالم.

ورش تفاعلية

كانت الدورة الأولى للبرنامج عام 2024 قد شهدت 42 منتسباً من 15 دولة من حول العالم في 33 ورشة عمل تفاعلية وتجربة عملية وجلسة حوارية، وتم اختيارهم من أصل نحو 1500 طلب مشاركة من نحو 100 دولة.

عبد العزيز الجزيري

وأكد عبد العزيز الجزيري، نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي للمستقبل، أن البرنامج يسهم في تعزيز قدرة المنتسبين على مواكبة التحولات المتسارعة التي تشهدها كافة القطاعات حول العالم بفعل التطور الهائل في التكنولوجيا والابتكار.

وقال: «تركز الدورة الثانية للبرنامج على رصد فرص المستقبل وإبراز آفاق الاستثمار فيها وتحويلها إلى واقع ملموس، بما يعزز الازدهار ويحقق استدامة التنمية ويرفد رأس المال البشري بخبرات واعية مرنة ذات قدرات استشرافية واستباقية متقدمة».

خبراء عالميون

يشارك في تقديم البرنامج نخبة من الخبراء العالميين والمتخصصين في مجالات متعددة تشمل الروبوتات، والسيارات ذاتية القيادة، واستشراف المستقبل، والتفكير النقدي، وإطالة العمر وتحسين الصحة، والأطعمة المستقبلية والمستزرعة في المختبر، وابتكار شرائح متقدمة للذكاء الاصطناعي.

وسيحظى المشاركون أيضاً بزيارات نوعية لمعهد الابتكار التكنولوجي، وشركة ميكروبوليس المصنعة للمركبات الذاتية القيادة، ومركز الاستدامة والابتكار في مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية، ومختبرات دبي للمستقبل، وغيرها، حيث سيطلع المشاركون على التطور المتسارع الذي تشهده دولة الإمارات، لتشكيل رؤية أوضح حول مستقبل الابتكارات الكبيرة.

ملف

مقالات مشابهة

  • سعيد: استقبال قانا ذخائر القديسة تيريزا يؤكدّ أن معنى لبنان
  • جلالةُ السُّلطان يلتقي بالملك تشارلز الثالث في قلعة وندسور
  • جلالة السلطان يهنئ رؤساء الجزائر وفنزويلا والرأس الأخضر
  • 31 الجاري آخر موعد للتسجيل ببرنامج «استشعار المستقبل»
  • فلسطين في الوجدان اليمني .. قضية مركزية حاضرة في خطاب المسيرة القرآنية
  • «صاحب التاريخ المضئ».. أول تعليق من محمد منير على اعتزال شيكابالا
  • المدفع العثماني الذي غير التاريخ.. هدم سور القسطنطينية وهزم الأسطول الإنجليزي
  • في ظهور نادر.. الأميرة لالة سكينة تستحضر روح جدها الحسن الثاني وتشيد بالثورة التنموية في عهد الملك محمد السادس
  • جلالة السلطان يبعث برقية للرئيس دونالد ترامب
  • رجال غزة.. حُماة الثغور عبر التاريخ