في دراسة حديثة نشرتها مجلة "نيتشر ميكروبيولوجي" توصل باحثون من جامعة تكساس في أوستن إلى اكتشاف مذهل حول تطور بكتيريا بحيرة مندوتا بولاية ويسكونسن الأميركية، حيث أظهرت الدراسة أن معظم أنواع البكتيريا في البحيرة تخضع لتحولات جينية موسمية متكررة في نمط واضح.

الجينات هي الشيفرة الوراثية التي تحكم الكائن الحي، وتوجد في كل خلاياه، وتشبه الكتاب الذي يحمل تعليمات تصنيع كل شيء في الجسم، بداية من لون العينين أو الشعر مثلا، ووصولا لكيفية عمل أدق التركيبات الخلوية.

وقد لاحظ الباحثون أن هذا التغيير الموسمي في جينات البكتيريا يحدث عاما بعد عام، كما لو كان تطورها من حالة لأخرى فيلما يعاد تشغيله من البداية في كل مرة، ويبدو أنه لا يصل إلى أي شكل نهائي مستقر.

مشهد لبحيرة مندوتا (روبن روير) حلقة متكررة من التطور الموسمي

تمتلك بحيرة مندوتا أرشيفا فريدا من نوعه لعينات المياه التي تم جمعها على مدى عقدين من الزمن. وقد ساعدت هذه البيانات غير المسبوقة الباحثين على تتبع التغيرات الجينية بشكل دقيق.

وقام فريق البحث بتحليل مادة وراثية مأخوذة من ميكروبات تقطن 471 عينة مياه، ووجدوا أن التحولات الجينية تحدث بشكل دوري على مدار العام، حيث تتذبذب تلك التحولات وتعود إلى حالتها الأصلية مع تعاقب الفصول. وأثار هذا النمط الدوري اهتمام روبن روير، الباحثة في قسم علم الأحياء التكاملي، في جامعة تكساس في أوستن، بالولايات المتحدة الأميركية، والتي قادت الدراسة.

وتقول روير في تصريحات خاصة للجزيرة نت "هذه الأنماط الدورية تعني أن التحولات الجينية تتبدّل على مدار العام، وتتكرر مع مرور الزمن. بطريقة أخرى، يمكننا القول إن البكتيريا تصبح أكثر تشابها في المواسم ذاتها، حتى لو كان الفاصل الزمني هو 20 عاما".

إعلان

واستخدم الباحثون موارد الحوسبة الفائقة في مركز تكساس للحوسبة المتقدمة لإعادة بناء الجينومات البكتيرية من تسلسلات قصيرة للحمض النووي في عينات المياه. وتشرح روير "لأننا نراقب البكتيريا في بيئة طبيعية وليس في المختبر، لم نتمكن من إجراء نوع الاختبارات التي من شأنها تأكيد التأثير الدقيق للتحولات الجينية في عملية التمثيل الغذائي للنيتروجين. ومع ذلك، على الرغم من أننا لا نستطيع تحديد تأثير التحولات على وجه التحديد، فقد استنتجنا أنها أثرت على الأرجح على استخدام مركبات النيتروجين العضوية، بسبب العدد الكبير من هذه الجينات التي تغيرت".

هذه الدراسة تُعد نقطة تحول في فهم كيفية تطور المجتمعات الميكروبية بمرور الزمن (غيتي) كشف سر البحيرة

في عام 2012، شهدت البحيرة ظروفا غير عادية، مثل ذوبان جليدي مبكر، وصيف أكثر حرارة وجفافا أكثر من المعتاد، وانخفاض في تدفق المياه التي تصب في البحيرة، ونقص الطحالب، التي تعد مصدرا مهما للنيتروجين العضوي للبكتيريا.

وقد اكتشف الباحثون أن العديد من البكتيريا في البحيرة في ذلك العام شهدت تحولا كبيرا في الجينات المرتبطة بأيض النيتروجين، ربما بسبب ندرة الطحالب.

وتقول روير "ما تتبعناه هو التغير في الجينات الموجودة بالفعل، وليس ظهور جينات أو إنزيمات جديدة. وقد يعني هذا أن الإصدارات المختلفة من إنزيمات التمثيل الغذائي للنيتروجين قد تعمل بشكل أفضل مع هياكل مختلفة من المغذيات النيتروجينية العضوية على سبيل المثال، أو أن بعض سلالات الجينومات قد تعتمد على بعض المغذيات النيتروجينية العضوية، بينما لا تعتمد عليها جينومات أخرى".

وتتوقع الدراسة أن تستمر البكتيريا في التطور استجابة للتغيرات المناخية المستقبلية، سواء كانت هذه التغيرات تدريجية أو مفاجئة. ومع ذلك، يبقى السؤال حول ما إذا كان هذا التطور سيساعد في استقرار النظم البيئية أم سيؤدي إلى تغييرات غير متوقعة، مطروحا على طاولة النقاش البحثي.

إعلان

وتعلق روير "هذا سؤال مهم حقا. أعتقد أننا لا نزال غير قادرين على القول ما إذا كان تطور الميكروبات سيجعل النظم البيئية أكثر استقرارا في مواجهة تغير المناخ، لأنها يمكن أن تتكيف بسرعة للحفاظ على وظائف النظام البيئي الأصلية، أو ما إذا كان سيجعل النظم البيئية أقل استقرارا في مواجهة تغير المناخ، لأنها يمكن أن تتغير بسرعة لأداء وظائف النظام البيئي الجديدة".

وتُعد هذه الدراسة نقطة تحول في فهم كيفية تطور المجتمعات الميكروبية بمرور الزمن. وبدلا من التركيز فقط على التغيرات البيئية، تقترح الدراسة النظر إلى التغيرات البيئية والتطورية على أنها عملية مستمرة ومتكاملة.

تختتم روير "عندما نحاول فهم كيفية تطور البكتيريا في البيئة، ربما لا يهم إن كان الأمر يتعلق بالبيئة أم التطور، ربما يجب أن نفكر في الأمر باعتباره تدرجا مستمرا من التحولات".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات البکتیریا فی

إقرأ أيضاً:

بمناسبة اليوم العالمي لصون النظم البيئية للقرم.. ريادة إماراتية في حماية غابات القرم

هالة الخياط (أبوظبي) 

حققت دولة الإمارات العربية المتحدة إنجازات ملموسة في مجال حماية واستعادة النظم البيئية الساحلية، وفي مقدمتها أشجار القرم، التي تُعد من أهم عناصر البنية الطبيعية لمواجهة تغير المناخ. وبفضل رؤية بيئية طموحة، مدعومة من القيادة الرشيدة، تبنّت الدولة مجموعة واسعة من المبادرات النوعية والبرامج البحثية والميدانية، التي أسهمت في توسيع الرقعة الخضراء على السواحل، وتعزيز التنوع البيولوجي البحري. 
وقد رسّخت هذه الجهود موقع الإمارات كدولة رائدة في الحفاظ على النظم البيئية لأشجار القرم إقليمياً ودولياً، وجعلت منها نموذجاً يُحتذى به في استخدام الحلول الطبيعية لمواجهة التحديات المناخية. وتتزامن هذه الجهود مع اليوم العالمي لصون النظم البيئية لأشجار القرم، الذي يوافق 26 يوليو من كل عام، وهو مناسبة عالمية تؤكد أهمية تعزيز الوعي البيئي، وتُبرز دور أشجار القرم كدرع طبيعي في مواجهة ارتفاع منسوب مياه البحر، وتآكل السواحل، واختلال التوازن البيئي. وتأتي هذه المناسبة لتجدد التزام دولة الإمارات بمسارها الطموح نحو الحياد المناخي، حيث تضع حماية القرم، وتوسيع نطاقها في قلب استراتيجيتها الوطنية للاستدامة.


وضمن توجهها البيئي الاستراتيجي، أطلقت دولة الإمارات مبادرة زراعة 100 مليون شجرة قرم بحلول عام 2030، وهي من أكبر المبادرات المناخية في المنطقة. وتسعى هذه المبادرة إلى تعزيز قدرة السواحل على مقاومة التغير المناخي، وزيادة امتصاص الكربون، في إطار التزام الدولة بتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، إلى جانب دعم التنوع البيولوجي عبر توفير بيئة حاضنة للكائنات البحرية. وقد تم حتى منتصف عام 2025 زراعة أكثر من 30 مليون شجرة قرم ضمن هذه المبادرة، باستخدام أساليب مبتكرة مثل الزراعة عبر الطائرات المسيّرة وتقنيات الاستزراع النسيجي.

شريان حياة بيئي
في كلمتها بهذه المناسبة، قالت معالي الدكتورة آمنة بنت عبدالله الضحاك، وزيرة التغير المناخي والبيئة: «إنها لحظة ملهمة لتأمل جمال وعظمة أشجار القرم التي تزين سواحلنا، وتشكل درعاً طبيعياً يحمي من ارتفاع منسوب مياه البحر وتداعيات تغير المناخ». وأكدت معاليها أن أبرز ما يميز هذه الأشجار هو قدرتها العالية على احتجاز ثاني أكسيد الكربون، بواقع أربعة أضعاف قدرة الغابات الاستوائية، إلى جانب دورها في توفير الغذاء والمأوى للكائنات البحرية، ما يجعلها نظاماً بيئياً متكاملاً. وشددت على أهمية الشراكات المجتمعية والمؤسسية في تحقيق رؤية الدولة في هذا المجال، مؤكدة أن «وجودنا يعتمد بشكل مباشر على وجودها».

أخبار ذات صلة «الشرطة السياحية» يُناقش أفضل الممارسات والتجارب والمبادرات «التبادل المعرفي» يطلق «ورشة مختبر عالمي للأفكار»


مبادرات وطنية 

تُعد الإمارات من الدول السباقة في إطلاق برامج متقدمة لحماية وتوسيع غابات القرم، ومن أبرز هذه المبادرات، برنامج «إكثار القرم» الذي يركز على تطوير أساليب استزراع شتلات القرم باستخدام التكنولوجيا الحيوية، بما يضمن إنتاج شتلات عالية الجودة قادرة على التكيف مع البيئات الساحلية المختلفة.
ومشروع زراعة القرم باستخدام الطائرات المسيّرة الذي يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي والطائرات من دون طيار لنثر بذور القرم بكفاءة ودقة في المواقع المستهدفة، مما يُسهم في تسريع وتوسيع نطاق عمليات الزراعة.

تحالفات عالمية 
وإلى جانب جهودها المحلية، تلعب الإمارات دوراً محورياً في حماية أشجار القرم عالمياً من خلال، تحالف القرم من أجل المناخ الذي يضم 45 عضواً من حكومات ومنظمات غير حكومية، ويهدف إلى دعم التمويل والاستراتيجيات الدولية لحماية القرم، إضافة إلى مركز محمد بن زايد - جوكو ويدودو لأبحاث القرم في جزيرة بالي الإندونيسية، والذي يمثل منصة علمية عالمية لابتكار حلول فعالة في مجال استعادة النظم البيئية الساحلية.
وتواصل دولة الإمارات جهودها العالمية من خلال استضافة المؤتمر العالمي لحماية الطبيعة (IUCN) في أكتوبر المقبل بأبوظبي، حيث سيتم تخصيص محور رئيسي لأهمية القرم، ودورها في تعزيز صمود البيئة عالمياً.
وتؤكد دولة الإمارات أن صون النظم البيئية لأشجار القرم هو ركيزة محورية ضمن مسيرة التنمية المستدامة في دولة الإمارات. وبينما تمضي الدولة بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافها البيئية، تبقى حماية القرم مسؤولية جماعية تتطلب تضافر جهود الأفراد، المؤسسات، والحكومات، فوجود هذه الأشجار لا يحافظ فقط على توازن البيئة، بل يشكل استثماراً مباشراً في مستقبل الأجيال القادمة.

مقالات مشابهة

  • أبوظبي تحقق 95% من الخطة المرحلية الأولى للمئوية البيئية 2071
  • منال عوض: شركاء التنمية عنصر رئيسي في دعم الجهود البيئية والمناخية
  • «مشدّ دبي» يدعم ازدهار الحياة البحرية والمنظومة البيئية في مياه الإمارة
  • آيفون 17 برو 2025.. كل ما تريد معرفته عن التصميم والمواصفات والأسعار
  • توجيه مهم من رئيس الجبهة الوطنية لقيادات الحزب بالمحافظات - (تفاصيل)
  • منال عوض: إدارة المخلفات ركيزة للتنمية المستدامة وجذب الاستثمارات البيئية
  • غزة - الكشف عن عدد شاحنات المساعدات التي دخلت القطاع اليوم
  • بعد اجتماع طارئ.. توجيه عاجل من السوداني بشأن اشتباكات الدورة
  • ما حقيقة توجيه انذار معادٍ لاهالي مدينة ميس الجبل؟
  • بمناسبة اليوم العالمي لصون النظم البيئية للقرم.. ريادة إماراتية في حماية غابات القرم