ميدل إيست آي: وقف إطلاق النار في غزة.. الروح الفلسطينية لن تنكسر أبدا
تاريخ النشر: 21st, January 2025 GMT
قالت الكاتبة التونسية٬ سمية الغنوشي في موقع ميدل إيست آي البريطاني٬ وسط هتافات مدوية من آلاف الأشخاص في ساحة غزة الرئيسية، تم تسليم ثلاث أسيرات إسرائيليات للصليب الأحمر الأحد الماضي، في لحظة تجاوزت التوقعات وأعادت كتابة قصة الحرب.
وتابعت "وقف مقاتلون من الجناح العسكري لحركة حماس، كتائب عز الدين القسام، بالزي العسكري الكامل، إلى جانب الأسيرات، وكان وجودهم إعلانًا جريئًا للتحدي".
أضافت "بعد 15 شهرًا من القصف المتواصل، والتهجير القسري الجماعي، والتدمير شبه الكامل، خرجت المقاومة الفلسطينية بمظهر المنتصر، مستنهضة معاني البقاء والصمود، بينما سادت في إسرائيل حالة من عدم التصديق والشعور بالإهانة".
وتابعت "أكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لشعبه مراراً وتكرارًا أن شمال غزة قد "تم تطهيره"، وأن حركة حماس - التي تُصنف كجماعة إرهابية في المملكة المتحدة ودول أخرى - قد تم تدميرها، وأن المنطقة تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية بالكامل٬ لكن الأسرى، الذين فشل جيشه في إنقاذهم، تم الإفراج عنهم على يد المقاتلين الواثقين الذين ادعى نتنياهو أنه قد تم القضاء عليهم. كشفت تلك اللحظات مدى زيف ادعاءات نتنياهو".
وأضافت "بينما تعم الاحتفالات في قطاع غزة، تواجه إسرائيل عملية كشف حساب. ففي مقابلة تلفزيونية، وصف الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي غيورا آيلاند، مهندس "خطة الجنرالات" لتطهير شمال غزة عرقيًا، الحرب بأنها "فشل ذريع" لإسرائيل. وبسؤاله عما إذا كانت حماس قد انتصرت، لم تكن إجابته قابلة للتأويل: "بالتأكيد نعم. بالتأكيد. إنه فشل ذريع".
رفض الانحناء للمحتل
وصف ديفيد ك. ريس، الكاتب الإسرائيلي الأمريكي، هذا الزلزال بعبارات صارمة: "اضطرت إسرائيل لخوض حرب تلو الأخرى من أجل الدفاع عن نفسها. انتصرت في حروب 1948 و1967 و1973. قاتلت حزب الله وانتهت الحرب متعادلة في 2006. لكن ذلك قد تغير الآن، فمع الأسف الشديد، بدلًا من أن يُذكر في التاريخ باعتباره الرجل الذي استطاع الدفاع عن إسرائيل، سيُذكر نتنياهو كأول رئيس وزراء إسرائيلي يخسر حرباً".
لا يُقيم النصر في الحروب غير المتكافئة بقوة النيران، وإنما بالقدرة على سحق روح المقاومة لدى الطرف الأضعف. حسب هذا المعيار، فشلت حملة نتنياهو فشلًا كارثيًا.
خلّف نتنياهو دمارًا غير مسبوق، من خلال استخدام 70 ألف طن من المتفجرات على 360 كيلومتر مربع من أرض غزة في الأشهر الستة الأولى من الحرب، أي أكثر مما تم إلقاؤه على درسدن وهامبورغ ولندن مجتمعين خلال الحرب العالمية الثانية.
وقد كشفت صور الأقمار الاصطناعية أن ثلثي مباني غزة قد تضررت أو دُمرت، مع نسف أحياء كاملة. وقد شمل الحصار الإسرائيلي قطع إمدادات المياه والطعام والوقود، ما حوّل غزة إلى معسكر اعتقال ضخم.
اعتمدت استراتيجية نتنياهو على القضاء على قادة المقاومة، معتقدًا أن قتلهم سيؤدي إلى تفكيك الحركة وتمرد السكان عليها. عندما قُتل قائد حماس يحيى السنوار وهو يقاتل على الجبهة، أعلن نتنياهو أن النصر بات قريبًا. لكن حساباته كانت فاشلة وخاطئة، إذ لم يحدث التمرد الذي انتظره.
حتى عندما وعد بمبلغ 5 مليون دولار وممر آمن لأي فلسطيني مستعد للخيانة وتحرير الأسرى، لم يستجب أحد من السكان الذين يعانون الجوع والتشرد.
وأكدت الكاتبة "انهار معيار قياس النصر الذي لهث وراءه نتنياهو، أي كسر روح المقاومة في غزة. بدلًا من ذلك، فرضت حماس شروطها: سيتم إطلاق سراح الأسرى فقط عندما يتوقف إطلاق النار، مع انسحاب الجيش الإسرائيلي. هذا الواقع كشف عبثية حرب نتنياهو، وترك الإسرائيليين والعالم يعيدون تقييم الحسابات الخاطئة".
كلما تحطمت موجة من المقاومة، ظهرت موجة جديدة بعدها بوقت قصير. ذات مرة، تنبأ أبو إياد، القيادي السابق في منظمة التحرير الفلسطينية، والذي تم اغتياله في مسقط رأسي تونس عام 1991، قائلًا: "شعبنا سينجب ثورة جديدة، حركة أقوى من حركتنا، وقادة أكثر خبرة وأكثر خطرًا على الصهاينة. إن إرادة الفلسطينيين الثابتة في مواصلة المعركة هي حقيقة لا شك فيها ... نحن عازمون على البقاء كشعب، وفي يوم من الأيام سيكون لدينا وطن".
مازال صدى كلامه يتردد حتى اليوم، حيث يرفض الفلسطينيون في غزة -خلافًا لكل التوقعات- الانحناء للمحتل، ويواصلون مسيرتهم نحو الحرية.
رمزية العودة
وقالت الكاتبة "تحوّل ما تصور نتنياهو أنه سيكون نكبة ثانية إلى "مسيرة عودة". فالفلسطينيون المهجرون والجرحى يعودون الآن إلى منازلهم المدمرة، وأصبح صمودهم الأيقونة المميزة لهذه الحرب، وشهادة على قوة شعب يرفض أن يُمحى".
وتابعت "تستدعي هذه المعركة مقارنة تاريخية مؤلمة مع حرب فيتنام، كما صاغها تامير باردو، مدير الموساد السابق. يتذكر باردو كلمات ضابط أمريكي وهو يخاطب نظيره الفيتنامي الشمالي: "لم نخسر معركة واحدة".
وكان رد الضابط الفيتنامي الشمالي عميقًا ومدمرًا: "قد يكون ذلك صحيحًا، لكن في صباح الغد، ستغادرون، وسنبقى نحن".
لم تكن هذه الحرب أبدًا حرب حركة حماس وحدها، بل هي كفاح فلسطيني منذ قرن كامل من أجل الحرية. حماس التي تأسست في 1987، هي الفصل الأخير في قصة المقاومة التي بدأت مع وعد بلفور في 1917 واستيلاء الاستعمار على الأراضي الفلسطينية. وعلى مر الأجيال، ناضل الفلسطينيون بالإضرابات والاحتجاجات والثورات المسلحة.
اتخذ نضالهم أشكالاً عديدة - قومية ويسارية وإسلامية - لكن الجوهر بقي نفسه: رفض قاطع للخضوع للاحتلال، وعزم على استعادة الوطن.
احتفل حلفاء نتنياهو خلال الفترة الماضية بالتهجير القسري للفلسطينيين من غزة، متصورين أنه الفصل الأخير في النكبة. كانت زعيمة المستوطنين الصهاينة دانييلا فايس تحلم بتحويل غزة إلى مستوطنة، وتحدث وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، الذي استقال من الحكومة في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار، عن ترحيل الفلسطينيين إلى أسكتلندا.
واليوم، خلافًا لكل التوقعات، يعود الفلسطينيون إلى منازلهم، عازمين على عدم مغادرتها مرة أخرى. هذه العودة ليست مجرد فعل مادي، بل عمل رمزي أيضا، يؤكد حقهم في الوجود والعودة والمقاومة.
مقارنات مثيرة للقلق
بينما كان الفلسطينيون يحتفلون بنهاية الحرب، رد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بكلمات سامّة: "لا تنبهروا بفرحة عدوّنا المصطنعة. هذا مجتمع حيواني يقدس الموت. قريبًا جدًا، سنمحو ابتسامتهم مرة أخرى".
تجسد كلماته وحشية المشروع الاستعماري الإسرائيلي، الذي كشف عن همجيته للعالم على مدار 15 شهراً. وقد وثق الجنود الإسرائيليون العديد من مشاهد الدمار بأنفسهم، مما قد يشكل دليلاً يمكن استخدامه يومًا ما في المحاكم الدولية.
كتب الكاتب الصحفي جدعون ليفي، تعليقًا على سلوك إسرائيل حتى بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار، قائلا إنه يشعر بـ"الانزعاج والحرج" جراء هذه الأحداث، وأضاف: "الأمر لا يتعلق فقط بالقتل... وإنما التفاخر بالتدمير. لا خجل، لا شيء. إسرائيل فخورة للغاية... وهذا أمر مقلق جدًا".
وعقد مؤرخا الهولوكوست دانيال بلاتمان وعاموس غولدبرغ مقارنات مثيرة للقلق في مقال بعنوان "رغم أن ما يحدث في غزة ليس أوشفيتس، إلا أنه يندرج تحت التصنيف ذاته - جريمة إبادة جماعية".
في واحدة من أكثر لحظات الحرب تأثيرًا، وبعد ساعات فقط من إعلان وقف إطلاق النار، قام المنقذون بسحب الطفل أسعد فاضل خليفة (ثلاث سنوات) من تحت الأنقاض في مدينة غزة. كان مغطى بالغبار ويعاني من صعوبة في التنفس، ويحاول إزالة الحصى من فمه بيديه الصغيرتين، ومن حوله أنقاض منزل عائلته، وأحباؤه الذين دُفنوا تحتها.
تلك اليد الممدودة، التي تعلو من بين الأنقاض، تجسد الروح التي لا تقهر للشعب الفلسطيني: الصامد والمتماسك وغير القابل للكسر. وخلافًا للتوقعات، ينهض الفلسطينيون في كل مرة رافضين الإبادة.
إن نجاة الطفل أسعد، ونجاة المقاومة في غزة، يرمزان للأمل والثبات والسعي الدؤوب نحو الحرية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية غزة إسرائيليات الفلسطينية إسرائيل فلسطين غزة الاحتلال صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وقف إطلاق النار فی غزة
إقرأ أيضاً:
هل تتعنت فصائل المقاومة في التفاوض؟
تقدم ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بمقترح لوقف إطلاق النار وافق عليه سريعا رئيس وزراء الكيان الصهيوني المحتل، وتعني الموافقة السريعة أن المقترح كان يلبِّي طلبات الكيان المحتل، خاصة إمكانية العودة إلى الحرب بعد استعادة الأسرى من أيدي فصائل المقاومة.
قبيل إعلان المواقف الرسمية، استبق ترامب الأمور وأعلن أن هناك أمورا جيدة بخصوص غزة قد يعلن عنها في اليوم نفسه أو اليوم التالي، ما رفع سقف التوقعات بإنهاء عملية إبادة الشعب الفلسطيني في غزة بعد 20 شهرا من مشاهدة العالم لها، وهذا بحد ذاته ضغط على الحركات المقاوِمة في القطاع بين الأوساط الشعبية، إذ إن تعثُّر وقف إطلاق النار قد يؤدي إلى أن يُرجِع المجتمع أسباب استمرار أزمته إلى تلك الحركات، وهذا ما يتغيَّاه المحتل وراعيه الأمريكي.
سلَّم ويتكوف المقترح، وطالبت الحركات المقاوِمة بإدخال تعديلات تضمن حياة كريمة لشعبها في غزة بإدخال مساعدات دون قيود، وضمانات لإنهاء الحرب، ليتعالى بعدها الهجوم على المقاومة في الأوساط الصهيونية والأوساط المتصهينة، وتحميلها سبب استمرار المعاناة والحرب! فهل تتعنَّت الفصائل وتريد استمرار الحرب؟
لا بد من التفريق بين كون الحرب الحالية غاية لدى المقاومة ولدى العدو، فقيادة العدو ممثَّلَة في نتنياهو تعتبر الحرب غاية بحد ذاتها لاستمرار حكومته وبقائه السياسي، أما المقاومة فلا تريد استمرار المواجهة والإضرار بالشعب الفلسطيني كما يحدث الآن
قبل كل شيء لا بد من التفريق بين كون الحرب الحالية غاية لدى المقاومة ولدى العدو، فقيادة العدو ممثَّلَة في نتنياهو تعتبر الحرب غاية بحد ذاتها لاستمرار حكومته وبقائه السياسي، أما المقاومة فلا تريد استمرار المواجهة والإضرار بالشعب الفلسطيني كما يحدث الآن، وهذا منطلَق مهم في المواقف، خاصة أن المقاومة أعلنت في الأيام الأولى بعد عملية طوفان الأقصى، أنها تريد تسليم الأجانب دون مقابل، ونذكر إطلاق سراح امرأة -تحمل جنسية دولة الاحتلال- وطفليها يوم 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بعد العملية بأيام قليلة، وفي 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أطلقت المقاومة سراح محتجَزتَيْن أمريكيتَيْن (أُم وابنتها)، وفي 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أعلنت كتائب القسام أنها على استعدادٍ لأن تطلق سراح المحتجزتَين "نوريت" و"يوخفد" لأسباب إنسانية، إلا أن حكومة الاحتلال رفضت استلامهما، ثم أفرجت الكتائب عنهما يوم 23 دون مقابل أيضا.
وقد سبق للسيد خالد مشعل أن قال بعد مرور 50 يوما من بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة: "من اليوم الأول أبدينا استعدادنا للإفراج عن المدنيين بيد المقاومة والفصائل والأهالي، نظرا لأنهم أُسروا بسبب انهيار القوات الإسرائيلية، وأفرجنا عن بعضهم في البداية لمواجهة الرواية الإسرائيلية". إذا الحرب ليست غاية فلسطينية ولا اعتقال مغتصبي أرضهم غاية لهم كذلك، بل أرادت المقاومة إسماع أصوات الفلسطينيين للعالم بأسره، فأطلقوا طوفانهم.
أما عن المفاوضات وموقف المقاومة منها، فهناك ورقة ضغط وحيدة بيد الحركات المقاوِمة؛ ورقة الأسرى، والمطلوب منهم أن يسلموا هذه الورقة دون ضمانات!
إن تجربتيْ الهدنة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، واتفاق وقف إطلاق النار في كانون الثاني/ يناير 2024، أظهَرَا مدى خيانة الاحتلال لأي التزام، فالمساعدات لم تدخل إلى القطاع وفقا للاتفاقات، والمساعدات التي دخلت وُصفت بأنها غير ضرورية، كما عاد الاحتلال للقتال في المرتين، وتوقف عن الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في اليوم الأخير من اتفاق وقف إطلاق النار، ولم ينسحب من الأراضي المتفق عليها في اتفاقية وقف إطلاق النار، ثم أعاد اعتقال أسرى فلسطينيين خرجوا وفقا لاتفاق وقف إطلاق النار الأخير.
ورغم أن العالم بأسره يروج أن ترامب الوحيد القادر على الضغط على كيان الاحتلال، فقد استجابت المقاومة لطلب الوسطاء، فأفرجت عن الجندي الصهيوني الذي يحمل الجنسية الأمريكية عيدان ألكسندر مقابل إدخال مساعدات إلى القطاع، لكن الأمريكي لم يلتزم باتفاقه، فكيف تُطالَب المقاومة بعد ذلك كله بتسليم ورقة الضغط الوحيدة المتبقية لديها دون ثمن أو دون ضمانات مقبولة!
في الوقت ذاته، يعلن نتنياهو بكل وضوح أنه سيعود إلى القتال بعد استلام أسراه من أيدي المقاومة، فأي عاقل يقبل بإعطائه ورقة الضغط الوحيدة مقابل إعادة القتال! أو يطرح أن تسلِّم حركة حماس أسلحتها وباقي فصائل المقاومة لتكون غزة منطقة منزوعة السلاح، وفي المقابل تقول المقاومة إن سلاحها خارج أي اتفاق. وهذا مفهوم لأن العدو سيستبيح القطاع -كما يفعل في الضفة- إذا لم يكن هناك ردع يمنع العدو من التجول وقتما يحب في القطاع المحرَّر.
يعلن نتنياهو بكل وضوح أنه سيعود إلى القتال بعد استلام أسراه من أيدي المقاومة، فأي عاقل يقبل بإعطائه ورقة الضغط الوحيدة مقابل إعادة القتال
لا أدلَّ على إجرام هذا العدو مما يفعله من قصف لخيام النازحين والأطفال والنساء والمسنين الذين تجاوزوا 60 في المئة من الشهداء الفلسطينيين، وفقا للمكتب الإعلامي الحكومي في 28 أيار/ مايو الماضي، واستشهاد 102 وإصابة 490 فلسطينيا مُجَوَّعا في 8 أيام فقط عند ما تسمى "مراكز المساعدات"، بحسب بيانه في 3 حزيران/ يونيو الجاري. فالاحتلال يمعن في قتل الفلسطينيين ويهجِّرهم حتى في الضفة التي لم ينطلق منها مقاومون في يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، بل وقبل ذلك في تهجيره للفلسطينيين وبناء المستوطنات، وحصار قطاع غزة طوال 17 عاما، وقبل ذلك بثمانية عقود عندما هجَّر الفلسطينيين من دُورهم وأراضيهم ولم يكونوا قد هاجموا "إسرائيليين"، فلم تكن هناك وقتها دولة بذلك الاسم، فما مبرر القتل والتهجير والإبادة وقتها؟!
هذا مشروع استعماري مجرم دموي منذ يومه الأول ولا يحتاج إلى مبرر يدفع به إجرامه، فهذه عادته منذ اليوم الأول وعادة قادته، يسبحون في دماء المدنيين، ويتترسون أمام المقاومين بكل وسائل التكنولوجيا خوفا وذعرا.
على مدى ثمانية عقود لم يجد الفلسطينيون سندا عربيّا أو إسلاميّا أو دوليّا لهم، ففقدوا حقوقهم الواحدة تلو الأخرى، بمباركة دولية، وتواطؤ عربي أو تخاذل، فقررت جماعات تحمل الهم الفلسطيني وتعيش بين أهلها وتحيا آلامه اليومية أن تُسمع العالم صوتها، وهي جماعات ليست بعيدة عن الواقع الفلسطيني اليوم.
السؤال ليس "هل تتعنت المقاومة الفلسطينية وتتجاهل أعباء الفلسطينيين؟"، بل لماذا يتجاهل العرب معاناة الفلسطينيين؟ ولماذا يغمض الغربيون أعينهم عن القتل البربري الوحشي للفلسطينيين؟ وهل نحن أمام عدو أخلاقي أو طبيعي؟ بل هل نحن أمام عدو لديه أي حق في صراعه على هذه الأرض؟ والسؤال المهم كذلك: متى انتكست الفطرة وخابت العقول لتكون هناك مقارنة أصلا، أو لنحتاج إلى طرح أسئلة بديهية، والإجابة عن أسئلة لم يكن هناك داعٍ لمناقشتها؟