إسرائيل 2023، جنوب إفريقيا 1948. سبق أن عشت مثل هذا: الفاشية والعنصرية وتدمير الديمقراطية. إسرائيل ماضية إلى حيثما كانت جنوب إفريقيا قبل خمسة وسبعين عاما. فكأنني أشاهد إعادة عرض لفيلم رعب.

في عام 1948، تابعت وأنا مراهق في كيب تاون نتائج انتخابات 26 مايو على لوحة عملاقة معلقة على مبنى صحيفة. كان النظام الانتخابي هو نظام يستأثر الفائز فيه بكل شيء، فأثمر نتائج مشوهة: فاز الحزب الأفريكاني القومي، وشريكه الأصغر، بتسعة وسبعين مقعدا من مقاعد البرلمان في مقابل أربعة وسبعين مقعدا للحزب المتحد وشريكه الأصغر.

ولكن الناتس -مثلما كانوا يطلقون عليه- فاز في واقع الأمر بـ37.7% من الأصوات في مقابل 49.2% للمعارضة. وبرغم حصول المعارضة على مزيد من الأصوات، قال الناتس إنهم أصحاب الأغلبية وإن بوسعهم أن يفعلوا ما يشاءون.

في إسرائيل عام 1923، أعيش من جديد بعض هذه التجارب بالضبط. فنظامنا الانتخابي النسبي قادر على تشويه النتائج بالمثل: في نوفمبر الماضي، فاز الليكود وشركاؤه من الأحزاب الصغيرة بأربعة وستين مقعدا في البرلمان في مقابل فوز المعارضة بستة وخمسين. في الواقع، فازت الكتلة اليمينية بفارق 0.6% فقط من الأصوات. لكن حكومة الـ0.6% تقول إنها تمثل إرادة الأغلبية وبوسعها أن تفعل ما تشاء. وكانت جنوب إفريقيا تنعم بالديمقراطية ـ أعني بين البيض الذين كانوا يشكلون 20% من الشعب. ولم يكن للسود حق التصويت، وإنما لبعض ممن كانوا يعرفون بالملونين Coloureds وأفارقة جنوب آسيا. كان غير البيض يعانون من تفرقة عنصرية كبيرة في كل جانب من جوانب حياتهم.

في إسرائيل، يستطيع العرب التصويت، وهم يمثلون قرابة 21% من الشعب. لكنهم يعانون التفرقة: فلا يجري تجنيد المسلمين والمسيحيين، ومن لا يشاركون في الجيش يخسرون فوائد. ويمتلك الصندوق الوطني اليهودي قرابة 13% من أرض إسرائيل ويمنع غير اليهود -أي العرب- من تملكها أو استئجارها. ويعد الائتلاف بتعميق التفرقة. ولقد هدد بالفعل بسحب ملايين الشيكلات المخصصة لتحسين الظروف المعيشية السيئة التي يعيش فيها العرب.

في جنوب إفريقيا، كان انتصار الحزب الوطني يعني الأبارتيد التي شددت ومأسست التفرقة القائمة ضد الملونين من أبناء الشعب.

في 2001، انضممت إلى وفد إسرائيل الحكومي إلى المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية في ديربان. وقد دعتني حكومة آرييل شارون بسبب خبرتي بعد ربع قرن من العمل صحفيا في جنوب إفريقيا متخصصا في الكتابة عن الأبارتيد ورصدها عن قرب.

في المؤتمر، أزعجني وأثار غضبي العديد من الأكاذيب والمبالغات في حق إسرائيل. وفي خلال السنوات المنصرمة منذ ذلك الحين، ظللت أحتج بكل ما أوتيت من قوة على اتهام إسرائيل بأنها دولة أبارتيد، في محاضرات ومقالات صحفية وأحاديث تليفزيونية، وفي كتاب.

غير أن هذا الاتهام يتحول إلى حقيقة. أولا، يرفع قانون الدولة الوطنية اليهود على بقية المواطنين العرب ـ من مسلمين ودروز وبدو ومسيحيين. ونرى في كل يوم وزراء في الحكومة وحلفاء لهم يصبون جام غضبهم على العنصرية مع تنفيذهم أعمالا قائمة على التفرقة. وما من رحمة حتى بالدروز الذين يجري تجنيدهم في الجيش شأن اليهود منذ عام 1956.

ثانيا، لم يعد بوسع إسرائيل أن تستمر في التذرع بالأمن بوصفه سببا لسلوكنا في الضفة الغربية وحصارنا لغزة. فبعد ستة وخمسين سنة، لم يعد يمكن تفسير احتلالنا باعتباره مؤقتا، وإرجاء حل الصراع مع الفلسطينيين. نحن في طريقنا إلى ضم الأرض، مع دعاوى إلى مضاعفة عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية الذي يبلغ حاليا قرابة خمسمئة ألف.

الجيش متواطئ تماما في الاستيلاء غير المشروع على الأرض وإقامة البؤر الاستيطانية. والحكومة تسيء استعمال ملايين كثيرة من الشيكلات بتوجيهها إلى المستوطنين. وهو ينتهك قوانينه الخاصة. والمستوطنون يقتلون الفلسطينيين ويحطمون بيوتا وسيارات. والقضاء نادرا ما يتدخل. والجنود يقفون متابعين.

إننا ننكر على الفلسطينيين أي أمل في الحرية أو الحياة الطبيعية. ونعتقد أن دعايتنا التي تقول إن ملايين قليلة من الناس سوف يقبلون في خنوع دوام الدونية والقهر. وتمضي الحكومة بإسرائيل إلى مزيد من التوغل في السلوك غير الإنساني القاسي الذي لا يمكن الدفاع عنه. ولا يجب أن أكون شديد التدين لأعرف أن هذه خيانة مخزية للأخلاق والتاريخ اليهوديين.

في جنوب إفريقيا، كانت كلمات لطيفة تستعمل للقوانين المخربة. فعند فرض الأبارتيد على الجامعات للحد من وصول السود إليها سنة 1959 من خلال (قانون توسيع التعليم الجامعي). وتضييق «تصاريح المرور» ـ أي الوثائق التي كانت بمثابة وسيلة التحكم الأساسية في السود ـ تم بقانون «إلغاء التصاريح (وتنسيق الوثائق).

في إسرائيل يستعمل «الإصلاح القضائي» لوصف تدمير الديمقراطية، ابتداء بالقضاء على المراجعة القضائية للجناح التنفيذي والكينست. يقول رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو لتليفزيون أجنبي إن التغييرات بسيطة وإن المعارضة سخف. ولا يفسر لماذا إذن يصر هو وحلفاؤه إصرارا لا يرحم على فرض تلك التغييرات برغم المعارضة الهائلة.

في جنوب إفريقيا، كان حرمان الملونين والمواطنين الآسيويين من التصويت قد تسبب في مظاهرات حاشدة قادها قدامى المحاربين ممن شاركوا في الحرب العالمية الثانية. ألغت دائرة الاستئناف بالمحكمة العليا قانون التصويت باعتباره غير دستوري. فاستخدم القوميون أغلبيتهم في البرلمان لإنشاء محكمة عليا في البرلمان ألغت دائرة الاستئناف. وفقد المواطنون الملونون والآسيويون حق التصويت.

تنامت المعارضة للأبارتيد. وسنَّ الناتس، مستعينين بأغلبيتهم في البرلمان، قانون قمع الشيوعية الذي منح وزير العدل سلطة إصدار قرارات تعسفية تقيد الحريات الشخصية تقييدا شديدا. فقد تضمنت العقوبات الإقامة الجبرية، وحظر التواجد مع أكثر من شخص واحد، وحظر الحديث أو الكتابة في العلن. كان يمكن أن يعاقب منتهكو هذا القانون بالسجن لمدة خمس سنوات. كان الشيوعيون هم الهدف الأول، ثم أعقبهم الليبراليون -حتى أشدهم مناهضة للشيوعية- وكل معارض للأبارتيد، سواء أبشكل سلمي أم عنيف. ثم جاء الحبس الاحتياطي لمدة 30 يوما بدون محاكمة، زادت إلى ثلاثة أشهر، ثم إلى ستة أشهر ـ وأخيرا الاحتجاز بلا نهاية.

تم «حظر» الآلاف واعتقالهم دون محاكمة والحكم عليهم بالسجن لمدد طويلة. وتكرر اقتحام الجيش والشرطة لبلدات السود المنفصلة وقتل أهلها ومعاملتهم بوحشية.

في إسرائيل، تردد أن حوالي 1200 فلسطيني من الضفة الغربية مسجونون بدون محاكمة. ويوقع وزير الدفاع أوامر الاعتقال لأسباب أمنية، في سياق التعامل مع الإرهاب. ويداهم الجيش باستمرار بلدات الضفة الغربية محدثا الدمار معتقلا المزيد من المشتبه بهم. وتستمر المآسي.

وتحت ستار محاربة الجريمة في المجتمع العربي، يريد وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، قانونا يمنح الشرطة سلطة سجن الإسرائيليين دونما تهمة أو محاكمة ـ وهي سياسة معمول بها بالفعل في الضفة الغربية. فهو يريد «حرسا وطنيا» باهظ الثمن تحت سيطرته.

في جنوب إفريقيا، كانت منظمة أفريكانية سرية، تدعى برودربوند (أي: فرقة الإخوة)، بتحريك الخيوط من وراء ستار. فكان بيدها الموافقة على كل وظيفة ذات شأن مثل: مديري المدارس والشرطة وكبار ضباط السجون والجيش وأعضاء الخدمة المدنية. وكانت شريكتها هي «الكنيسة الهولندية الإصلاحية» التي توصف بـ«حزب الصلاة القومي». كان قساوستها الكالفينيون والمحافظون يعلنون أن الإنجيل صحيح بمعناه الحرفي، وأنه يبرر الأبارتيد وأن الأفريكانيين هم الشعب المختار، وأن مهمتهم هي إنقاذ «الحضارة البيضاء».

طبَّق الناتس «التربية الوطنية المسيحية» في المدارس. وخضعت الإذاعة والتلفزيون لسيطرة مشددة. تم فرض الرقابة على الأفلام والمسرح، وحظر آلاف الكتب باعتبارها «غير مرغوب فيها أو مرفوضة أو فاحشة». وتم حظر الزواج بين الأعراق. وتم تقسيم البلد بأكمله بحيث يعيش الناس من مختلف الأعراق في مناطق خاصة منفصلة؛ أخذ البيض أكثرها وأفضلها. وتم طرد ملايين الملونين من منازلهم.

في إسرائيل، انضم الأرثوذكس المتشددون إلى حزب الليكود والقوميين الدينيين في تأمين أموال غير محدودة لمدارسهم المنفصلة، لإبقاء أطفالهم خارج الجيش وفرض إملاءاتهم الدينية على البلد بأكمله. وهم يسيطرون على اليهود في زواجهم وطلاقهم، ولا يسمحون بغير الزواج الأرثوذكسي. ويتسع نفوذهم.

في جنوب إفريقيا، تم رفض المعارضة الدولية للأبارتيد. وأصبح البلد منبوذا في العالم.

ورُفضت إدانات الأمم المتحدة والمقاطعات وسحب الاستثمارات. وتهاوى الاقتصاد. ولما خرب أخيرا لم يعد بإمكانه دعم الأبارتيد وكان هذا سببا رئيسيا في إجبار البيض على التخلي عن سلطتهم وامتيازاتهم في عام 1994.

في إسرائيل، ثمة تغطية جيدة لنتائج هجوم الائتلاف الحاكم على القضاء، ووعوده بالمزيد منها في المستقبل.

وبدأت الآثار الكارثية على الاقتصاد في الظهور بالفعل. والولايات المتحدة تمنح إسرائيل 3.8 مليار دولار بالإضافة إلى المساعدات العسكرية كل عام وتدافع عنا ضد الهجمات، سواء أكانت مبررة أم غير مبررة، في المحافل الدولية. ونحن نعتمد على الولايات المتحدة في بقائنا، لكننا نفقد الدعم في الكونجرس. وقادة الائتلاف بلغوا أقل قدر ممكن من عدم الاكتراث.

لقد استقال مدير عام وزارة التربية والتعليم احتجاجا على الإصلاح القضائي. ويتعرض القضاة للتشويه. ويريد الائتلاف إقالة النائب العام. وتم تشويه اتحاد المحامين. والرقابة الصارمة مفروضة على وسائل الإعلام. واحترام يوم السبت مفروض بالإكراه. وتخضع الثقافة وحقوق المرأة للسيطرة والقيود. وتعرض البدو لطرد الجماعي. ويوصف المتظاهرون بالخونة.

إننا الآن نحن تحت رحمة فاشيين وعنصريين (وقد تم اختيار الكلمتين بعناية) لا يملكون التوقف ولن يتوقفوا.

إنني أكتب عن جنوب إفريقيا وإسرائيل لأنني أعرف كلا منهما، بقرابة ثلاثة وخمسين عاما في واحدة وقرابة ستة وعشرين عاما في الأخرى. وليست أي منهما فريدة من نوعها. فقد حدث النمط نفسه من القمع اليميني في عصرنا في المجر وبولندا، وفي آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وفي وقت سابق في أوروبا في عشرينيات القرن الماضي وثلاثينياته.

لم أكن أرغب في كتابة هذا المقال. ولكنه اقتطع مني اقتطاعا، وتوجّه إلى الإسرائيليين؛ لأن الحكومة اليمينية تمضي بالبلد إلى مأسسة التمييز والعنصرية. وما هذه إلا أبارتيد. ولقد كانت جنوب إفريقيا في ظل نظام الأبارتيد واضحة ومباشرة: أبيض مقابل أسود. أما إسرائيل فمعقدة. فالأقلية العربية البالغة 21٪ تمتلك حق التصويت. والجميع يدفعون نفس التأمين الوطني ويتمتعون بالمزايا نفسها في الرعاية الطبية والرفاه. وفي المستشفى، أشترك أنا اليهودي في غرفة واحدة مع عرب ويعتني بنا جميعا نفس الأطباء والممرضات اليهود والعرب. وكل شيء مفتوح: الشواطئ ومقاعد المتنزهات والأفلام والمسارح والمطاعم. لافتة الأبارتيد صحيحة، ولكن يجب توخي الحذر والتفكير عند عقد المقارنات.

في إسرائيل، أشهد الآن نظام الأبارتيد الذي نشأت عليه. إذ تقدم إسرائيل هدية لأعدائها في حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) وحلفائها، وبخاصة في جنوب إفريقيا، حيث يشتد رفض وجود إسرائيل بين العديد من السود، في النقابات العمالية والدوائر الشيوعية والإسلامية. سيستمر نشطاء حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات في تقديم مزاعمهم، بدافع الجهل و/أو الحقد، ونشر الأكاذيب عن إسرائيل. فلطالما شوهوا ما هو سيء بالفعل محولين إياه إلى بشاعة، لكنهم الآن سيطالبون بالتصديق لمزاعهم. وإسرائيل تعطيهم الحقيقة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: جنوب إفریقیا فی البرلمان فی إسرائیل

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تُعيد إنتاج تجربتها في جنوب لبنان: حرب غزة بلا نهاية ولا أفق

في وقت يتواصل فيه التصعيد العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة وسط دمار شبه كامل، تتباين التقديرات في إسرائيل بين الحديث عن إنجازات ميدانية وبين شعور داخلي بالتآكل والتكرار. المشهد الميداني يُعيد إلى الواجهة مشهد التورط الإسرائيلي بوحل جنوب لبنان، مع تشكيك متزايد بجدوى القتال وبفرص الحسم، مقابل تعنت سياسي إزاء إنهاء الحرب أو المضي نحو صفقة لتبادل الأسرى.

وفي ظل تصعيد العدوان الإسرائيلي على بلدة بيت حانون شمالي قطاع غزة، طرحت صحيفة "هآرتس"، اليوم الأحد 13 يوليو 2025، تساؤلًا مركزيًا عن مصير العملية العسكرية الإسرائيلية الجارية: هل هي في طريقها إلى تحقيق "الحسم" الذي يعد به رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو ، أم أنها تتجه إلى إعادة إنتاج تجربة الشريط الأمني في جنوب لبنان خلال تسعينيات القرن الماضي؟

ونقلت الصحيفة عن ضباط في لواء المظليين الاحتياط، خدم معظمهم أكثر من 300 يوم في الحرب ويشاركون الآن في العدوان المتصاعد على بيت حانون، أن "الجيش يحقق إنجازات، والأهداف قابلة للتحقيق"، ويعتقدون أن البلدات الإسرائيلية المجاورة لقطاع غزة "ستصبح أكثر أمانًا" بعد نهاية الحرب، مشيرين إلى أن البلدة "ستُدمر بالكامل"، وأن ما تبقى من الأنفاق سيُفجّر، ولن يتمكن عناصر حماس من تهديد المستوطنات القريبة بعد ذلك.

لكن على بُعد كيلومترات قليلة، في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، تزداد الأسئلة حول جدوى القتال وطول أمده، لا سيما بعد عودة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، من زيارته إلى واشنطن دون التوصل إلى اتفاق بشأن صفقة تبادل أسرى. وكتبت الصحيفة أن المفاوضات غير المباشرة مع حماس "ما زالت عالقة"، وأن التقديرات تشير إلى أنه "ما لم يعلن المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، بشكل صريح عن نيته فرض اتفاق، فلن تحدث انفراجة قريبة".

وأضافت أن العمليات الجارية في قطاع غزة تتركز حاليًا على تدمير الأنفاق، فيما يقوم الجنود بتأمين الأعمال الهندسية، في إشارة إلى عمليات التدمير الممنهجة التي ينفذها جيش الاحتلال في القطاع المدمر، وقالت الصحيفة إن قوات الاحتلال تتقدم ببطء نحو المناطق العمرانية الجديدة تحت نيران متقطعة، بهدف فتح المجال أمام وحدات الهندسة لمواصلة وتعزيز عمليات التدمير.

وشبه مراسل الصحيفة المشهد في بيت حانون بالسير "على سطح القمر"، وسط ظلام دامس باستثناء الضوء المنبعث من معدات الحفر التي تحاول الوصول إلى مسارات الأنفاق. ووصفت الصحيفة المشهد بالقول: "التقدم يتم بين ركام المنازل وأكوام الخرسانة والحديد، حيث لا يظهر سكان ولا مقاتلو حماس في العلن، وتُقدّر القيادة العسكرية بقاء ما بين 70 إلى 80 مقاتلًا من حماس في المنطقة، يتحصنون في الأنفاق".

وذكّرت الصحيفة بكمين حماس الأسبوع الماضي، حين خرج مقاتلو الحركة من تحت الأرض وزرعوا عبوات ناسفة أدّت إلى مقتل خمسة جنود معظمهم من كتيبة "نتساح يهودا"، وإصابة 14 آخرين. وقالت: "عندما تعرّضت القوة للهجوم، لم يكن لديها هدف محدد ترد عليه بإطلاق النار".

ورغم غياب الحديث العلني عن وجود أسرى إسرائيليين في هذه المنطقة، فإن العمليات تتركز على الهدم. ويشدد ضباط الاحتياط على أن "مهمتهم تنحصر في بيت حانون"، وليست ضمن الأنفاق الدفاعية داخل مدينة غزة.

وتطرقت الصحيفة إلى أحاديث الجنود في الليل، والتي عبّرت عن الشعور بالثقل النفسي على العائلات التي تركوها خلفهم، والتضحيات الشخصية التي قدّموها، من زوجات وأطفال وأعمال ودراسة. وأشار بعضهم إلى "تحسّن الأداء التكتيكي" للجيش مقارنة ببداية الحرب، لكنه "أُهدر في ظل غياب خطاب سياسي واضح يثمّن التضحيات".

وفي مقاربة أوسع، رأت الصحيفة أن الجولة في شمال غزة تثير "ذاكرة جنوب لبنان" قبل الانسحاب الإسرائيلي عام 2000، عندما كانت القيادات العسكرية ترى في الاستمرار ضرورة رغم ميل الرأي العام للانسحاب، أو حتى ذكريات من حرب لبنان الأولى بين عامي 1983 و1984، قبل الانسحاب إلى نهر الأولي.

وكتبت الصحيفة: "السؤال لا يزال معلقًا – ما هي معايير الحسم أمام تنظيم مسلح؟ وكيف يمكن تحقيقها؟" لكن في غزة، تقول الصحيفة، النقاش أعقد بكثير بسبب ذكرى السابع من أكتوبر التي تُلقي بظلها على كل النقاشات.

وعن عودة نتنياهو من واشنطن، قالت الصحيفة إنه "لم يأتِ بأي جديد"، وواصل إطلاق وعود متناقضة – "اتفاق قريب" و"سحق حماس". وبحسب استطلاع نشرته القناة 12 الإسرائيلية، فإن 82% من الإسرائيليين يدعمون صفقة تشمل وقف الحرب، مقابل 12% فقط يعارضونها. وأضافت الصحيفة أن نتنياهو ظهر في تسجيل مصوّر خلال لقائه بعائلات الأسرى في الولايات المتحدة، قائلًا: "لن أفرّط بحياة وأمن سكان الغلاف"، وكأن ما جرى في 7 أكتوبر لم يحدث أصلًا، على حد تعبير الصحيفة.

واعتبرت الصحيفة أن "التفاؤل الذي ساد قبل أسبوع قد اصطدم مجددًا بجدار الواقع"، محمّلة إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مسؤولية الجمود، إذ لا يظهر حتى الآن أنه يمارس ضغطًا فعليًا على نتنياهو. وكتبت: "نتنياهو لا يزال ينجح في المناورة مع ترامب بما يخدم مصلحته"، ما يجعله يتهرب من الحسم بين خيارَي الصفقة أو استمرار الحرب.

وأوضحت الصحيفة أن مطالب حماس "لم تتغير": انسحاب إسرائيلي واسع بضمانة أميركية بعدم استئناف الحرب، وهو ما يرفضه نتنياهو، ويصرّ بدلًا من ذلك على "البقاء في أجزاء واسعة من القطاع"، خصوصًا "محور موراغ" ومحيط مدينة رفح، حيث يخطط لإقامة ما سماه "المدينة الإنسانية"، أي تجميع مئات الآلاف من الفلسطينيين في ظروف حياتية قاسية قرب الحدود المصرية.

واتهمت الصحيفة نتنياهو بمحاولة "تفجير المفاوضات مجددًا بذريعة ضرورة التمركز في محور موراغ"، مشيرة إلى تحقيق نشرته "نيويورك تايمز" خلال عطلة نهاية الأسبوع، أكّد "أن هذه إستراتيجية متكررة يتبعها نتنياهو منذ أكثر من عام".

وذكّرت الصحيفة بأن الضغوط الداخلية على نتنياهو تزداد، وأن "استطلاعات الرأي لا تبشّر بالخير"، مشيرة إلى أن الحرب على إيران لم تمنح الليكود دفعة شعبية واسعة النطاق كما كان متوقعًا. وكتبت أن "التوصل إلى اتفاق قد يحدث فقط قرب نهاية الشهر الحالي، مع بدء عطلة الكنيست ، وانحسار خطر انهيار الائتلاف في المدى القريب".

وأضافت أن نتنياهو يواصل المراوغة، مستفيدًا من غياب ضغط مباشر من ترامب، بينما يرى شركاؤه في اليمين المتطرف في رفح "محطة حاسمة" في تحقيق طموحاتهم الكبرى: "ترحيل جماعي للفلسطينيين من القطاع، وإعادة بناء المستوطنات".

ورأت الصحيفة أن "الغائب الأكبر"، بعد ترامب، هو رئيس الأركان إيال زامير. وعلى عكس "الرأي السائد" في المؤسسة العسكرية، تتزايد علامات الاستفهام بين كثيرين في القيادة العليا للجيش الذين باتوا يروا أن "الضغط العسكري مهما بلغ لن يؤدي وحده إلى كسر حماس". وأضافت الصحيفة أن زامير، بخلاف الخطاب الرسمي، "يُفضّل التوصل إلى اتفاق على استمرار هذا النمط من العمليات"، والذي يحجم الجيش عن وصفه صراحة بـ"التورط في الوحل".

وخلصت الصحيفة إلى أن "قبضة اليمين المتطرف على الحكومة تُلقي بظلالها الثقيلة على كل مسار"، مشيرة إلى حادثة جديدة يوم الجمعة، حين قتل مستوطنون شابين فلسطينيين في بلدة سنجل قرب رام الله ، أحدهما برصاص مباشر والآخر نتيجة الضرب بآلة حديدية. وتساءلت الصحيفة بسخرية: "من يجرؤ أصلًا على توقّع نتائج التحقيق – إذا أُجري أصلاً؟".

كما تطرّقت الصحيفة إلى تشييع جندي احتياط من مستوطنة "يتسهار" قُتل في خانيونس خلال مواجهة مباشرة مع خلية تابعة لحماس. وختمت بالقول إن أحد زملائه في التأبين صرخ: "يجب طرد الجميع من هذا القطاع القذر... إذا بقي عرب هنا بعد الحرب، فأنتم فشلتم"، بينما تساءل ضابط يميني متطرف آخر في قوات الاحتياط: "إلى متى سنبقى عبيدًا للأسرى؟"، في تعبير قالت الصحيفة ساخرة إنه قد يكون يؤهله للتشرح إلى منصب نائب رئيس الشاباك المقبل.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار الإسرائيلية غولان: نتنياهو وسموتريتش وبن غفير أقلية متطرفة تعيق وقف إطلاق النار بين المفاوضات والتصعيد العسكري - لحظات حاسمة تنتظر غزة إسرائيل تعتزم تقديم خرائط جديدة حول نطاق انسحاب الجيش من غزة الأكثر قراءة مقتل شابة في مدينة يطا جنوب الخليل والشرطة والنيابة تُحقّقان مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال مدير المستشفيات الميدانية بغزة: الوضع كارثي بسبب نقص الغذاء والمياه مسؤول فلسطيني: تهجير الفلسطينيين بالضفة مرتبط بإبادة جماعية في غزة عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تُعيد إنتاج تجربتها في جنوب لبنان: حرب غزة بلا نهاية ولا أفق
  • الجيش السوداني يصد هجوما لقوات الدعم السريع في الفاشر
  • إسرائيل تعتزم تقديم خرائط جديدة حول نطاق انسحاب الجيش من غزة
  • إصابة جنود إسرائيليين.. ونتنياهو يعقد مشاورات أمنية في إسرائيل
  • صورة: مفاوضات غزة - إسرائيل تقدم خارطة لانتشار الجيش خلال وقف إطلاق النار
  • "إعلان فيينا".. عندما ينطق اليهود بكلمة الحق
  • الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل نقيب في لواء غولاني جنوب غزة
  • إسرائيل تغتال قائد مدفعية حزب الله جنوب لبنان (فيديو)
  • الجيش الإسرائيلي يقصف جنوب لبنان.. و«اليونيفيل» تتعرض لهجوم بالحجارة في وادي جيلو
  • شحنة أسلحة أمريكية ضخمة تصل إلى إسرائيل.. الجيش يعترف: خسائرنا موجعة في حرب غزة