الاستيلاء على الدولة العميقة ...!
تاريخ النشر: 24th, January 2025 GMT
كاد الجنرال هرتسي هاليفي يصبح أهم رئيس أركان بعد أيهود باراك لولا العملية الكبيرة التي قامت بها حركة حماس باقتحام الحدود مع قطاع غزة، ما جعله يتحمل المسؤولية الأكبر عما حدث، وخاصة أن بعض التحقيقات تشير لتلقيه إشارات ليلة السابع من أكتوبر عن تحركات مريبة للحركة، لكنه فضل النوم والانتظار حتى الصباح لتحليلها، لكن حدث ما حدث.
هاليفي خريج وحدة هيئة الأركان الخاصة "سييرت متكال" تصرف، كما يشير بعض الصحافيين، وفقاً لتجربته في الوحدة التي تعتمد المباغتة بعد أن تكتمل المعلومات بدقة وبصورة شمولية لأن التحرك قبل يعني كشف العملية. وربما تلك حقيقة جعلته يقود حرب الإبادة على غزة برأس مطأطَأ كان يظهر في كل الصور التي تنقلها وسائل الإعلام.
كانت استقالة هاليفي متوقعة بعد حملة التنكيل المنظمة التي أدارها اليمين على امتداد الحرب، والتي بدأت منذ نهاية أكتوبر الشهر الذي بدأت فيه الحرب، عندما أفاق الإسرائيليون على تغريدة لبنيامين نتنياهو يحمّل فيها مسؤولية الإخفاق لقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، ويخلي مسؤوليته عما حدث قبل أن يواجه بعاصفة انتقادات هائلة ليقوم بحذفها والاعتذار، ولكنها كانت مؤشراً لهجوم اليمين على تلك الأجهزة التي وصلت لأن يسمح بنيامين نتنياهو لإيتمار بن غفير رئيس حزب العظَمة اليهودية بالصراخ على هاليفي في الاجتماعات، ولكنها وصلت في أسابيعها الأخيرة حد المطالبة علناً بإقالته، بل وبدأت أوساط في الليكود بأكل لحمه حياً وهي ترشح بدائل فيما هو مازال على رأس عمله.
استقالة هاليفي هي التاسعة هذا العام في الطبقة العسكرية الإسرائيلية والتي تبعتها في اليوم نفسه الاستقالة العاشرة لقائد المنطقة الجنوبية يارون فينكلمان. لكن مسلسل الانهيار في تلك الطبقة بدأ بعد أربعة أشهر من الحرب وافتتحه مسؤول قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية عميت ساعر في شباط الماضي، تبعته بشهرين الاستقالة الأكبر للواء أهارون حليفا رئيس الاستخبارات العسكرية "أمان" وهي الجهة التي أوكلت لها بعد توصيات حرب الـ 73 من لجنة أغرانات مسؤولية توقُّع الحرب بعد فشل الموساد آنذاك، ثم بعده بشهرين في حزيران الماضي استقال قائد فرقة غزة آفي روزنفيلد، ثم قائد الشاباك للمنطقة الجنوبية، ثم ضابط شعبة الاستخبارات في فرقة غزة، وبعده قائد وحدة 8400 في الاستخبارات، ثم قائد القوات البرية تامير باداي، لتصل لنائب رئيس الأركان أمير برعام قبل النهاية المتوقعة لهاليفي.
لن تتوقف تداعيات الزلزال في الطبقة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، إذ يجري الحديث عن اقتراب استقالة رئيس الأمن الداخلي الشاباك رونين بار، ما يعني أن ارتدادات الهزة الكبيرة لم تتوقف بعد. ماذا يعني ذلك وسط معركة قديمة جديدة في اسرائيل، وصراع امتد لأشهر على الثورة القضائية وقف فيها الجيش ممثلاً للدولة العميقة بكل قوته ضد الطبقة السياسية، وتمكّن من فرملتها حين أرغم الجيش الوزير السابق يوآف غالانت على التصويت ضد التغيرات القضائية في جولة التصويت الثانية، بعد أن كان صوّت مع الائتلاف في الجولة الأولى.
ومنذ تلك الفترة لم تخف أوساط في الليكود والحكومة الإسرائيلية غضبها من هيمنة الجيش على السياسة ورغبتها في إخضاع مؤسسة الأمن القومي التي كانت تشكل بنظرهم دولة داخل الدولة، بل ودولة تملي قرارها على السياسة، ما يعني النية لإحداث تحول في موازين القوى بما يخالف ما قام بهندسته المؤسس دافيد بن غوريون الذي "وضع قرار الدولة في يد مؤسسات الأمن وليس بيد هواة السياسة المتشاكسين" كما وصفهم حينها.
جاء السابع من أكتوبر ليتلقفه نتنياهو كفرصة للانقضاض على "بنغوريونية" قديمة لصالح نظرته الجديدة بإعادة هندسة الدولة والقضاء على بؤر المعارضة، وخصوصاً قاعدتها الصلبة الممثلة بقيادة الجيش وهيئة أركانه، ورئيسها المعرف قانونياً بالقائد العام للقوات المسلحة وصاحب قرار الحرب والسلم.
"هاليفي هو من قرر الدخول البري لغزة حين كان نتنياهو خائفاً من ذلك"، وهذا ما رد عليه مكتب نتنياهو هذا الأسبوع بأن رئيس الوزراء كان لديه من الشجاعة لاجتياح رفح وسط معارضة الجيش.
تخلص نتنياهو من الطبقة الأمنية والعسكرية أو على وشك، وبدأت بورصة أسماء لخلافة هاليفي، وأعلن وزير الدفاع اسرائيل كاتس عن سرعة إجراء مقابلات مع المرشحين، ما أثار غضب نتنياهو الذي يعتبرها فرصة للاستيلاء على الجيش من خلال تعيين شخصية موالية، وخشية من أن يقوم وزير الدفاع بالتشاور مع المهنيين وتعيين شخصية مهنية بغير رغبة نتياهو وخطته، وخصوصاً أن الأمر يتعلق بمستقبل نتنياهو السياسي وحكومته، إذ يهدد قانون تجنيد المتدينين للجيش بأن يعصف بحكومته. وقد كان لهاليفي موقف يدعو لتجنيدهم، ما يشكل خطراً على نتنياهو، لذا سيكون حذراً في التعيين الجديد.
يبرز اسم الجنرال إيال زامير كمرشح قوي للمهمة، وهو يحظى بثقة نتنياهو والقيادات العسكرية وهيئة الأركان، ما يجعله الوريث الطبيعي والأكثر تأهيلاً، وإن كان بنظر الليكود والصهيونية الدينية جزءاً من الإرث السابق وابن مؤسسة الجيش والدولة العميقة، ولا يحقق أمنية نتنياهو بالسيطرة تماماً على المؤسسة. لذا هناك من يتوقع أن يفاجئ نتنياهو الجميع باختيار سكرتيره الأمني قليل التجربة وصغير السن رومان جوفمان، وإلا لما غضب من وزير الدفاع لأنه بكل الظروف كان يمكن أن ترسو المسألة على زامير، فما سر غضب نتنياهو؟
بكل الظروف يبدو أن مرحلة الجيش العلماني على وشك الأفول لصالح الجيش الأكثر أيديولوجية والأقل مهنية، ولن يعود عموداً فقرياً للدولة كما أراد المؤسس بل مؤسسة تابعة، وهذا سيترك تداعياته السياسية على الفلسطينيين، حيث كان للجيش دوماً رأي أقل يمينية.
الأيام الفلسطينية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه هاليفي غزة غزة الاحتلال هاليفي طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
خبير سياسي: مصر الوحيدة التي تواجه المشروع الدولي لتقسيم سوريا وتفكيك الدولة
كشف الدكتور محمد العزبي، خبير العلاقات الدولية، تفاصيل جديدة حول ما وصفه بـ"الصفقة الجارية لإعادة الرئيس السوري السابق بشار الأسد إلى المشهد"، مؤكدًا أن جزءًا من بنودها يتضمن تسليم الأسد لدولة أخرى لإجراء محاكمة شكلية تمهيدًا لتبرئته من تهم جرائم الحرب.
وأشار العزبي خلال مشاركته في برنامج "خط أحمر" الذي يقدمه الإعلامي محمد موسى على قناة الحدث اليوم، إلى أن هذا الطرح "غير مسبوق وخطير للغاية"، متسائلًا: "وفق أي قانون سيتم محاكمته؟ السوري أم الدولي؟ وكيف يتم إعداد سيناريو يعيد شخصًا متهمًا بقتل شعبه إلى واجهة المشهد؟".
وأوضح أن هذه البنود كانت محل رفض وسخرية في البداية، حيث اتُهم هو وآخرون بـ"الجنون وترويج الأوهام"، قبل أن تظهر تقارير دولية – بينها تقرير لوكالة رويترز وأخرى لهيئة الإذاعة البريطانية BBC – تؤكد صحة ما نشره، وتكشف عن تحركات فعلية تمهّد لهذه الصفقة.
وأكد العزبي أن ما تم نشره في الإعلام الدولي يتوافق مع ما تم كشفه مسبقًا عبر البرنامج، مشيرًا إلى أن هذه التسريبات أحدثت حالة هلع داخل صفوف هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني، ما أدى إلى حملة اعتقالات واسعة في مناطق نفوذ التنظيم.
وأضاف أن المرحلة المقبلة ستشهد تطورًا غير متوقع، يتمثل في فتح عدد من السجون في حمص وحلب وإطلاق سراح مجموعات معينة، ضمن سيناريو يعزّز مخطط تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ متعددة.
وكشف العزبي أن الجولاني وافق ضمن الصفقة على التخلي عن المناطق الغنية بالنفط والغاز لصالح إسرائيل، مستشهدًا بتقرير بثته القناة الإسرائيلية 12، ظهر خلاله مسؤولون إسرائيليون يتحدثون صراحة عن "ضرورة بقاء مناطق معينة تحت السيطرة الإسرائيلية".
وأشار إلى أن الجولاني لم يصدر أي تصريح يعترض فيه على هذه التصريحات، رغم ظهوره مؤخرًا في مقاطع وصفت بأنها "استعراضية وغير واقعية".
وأكد العزبي أن مصر هي الدولة الوحيدة التي تقف ضد سيناريو التقسيم، وقد نجحت بالفعل في تمرير قرار أممي يمنع تفكيك الدولة السورية ويطالب بانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي التي يسيطر عليها.
وفي ختام حديثه، انتقد العزبي الأبواق الإعلامية التابعة للإخوان وتنظيم داعش، معتبرًا هجومهم الحاد على مصر وعلى كل من يكشف الحقائق "محاولة بائسة للتغطية على حجم الترتيبات التي تجري في الخفاء".