هل يسير "الحوثيين" نحو مقصلة الانتحار العسكري والسياسي؟
تاريخ النشر: 24th, January 2025 GMT
تستمر ميليشيا "الحوثيين" في تنفيذ ضربات نحو إسرائيل بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة من وقت لآخر، في مغامرة غير محمودة العواقب، ودون أن تتعظ من مصير أقرانها في "المحور الإيراني" الذي تضعضعت أركانه بعد انهيار شبه كامل لكلٍّ من تنظيم "حزب الله" اللبناني وحركة حماس، علاوةً على سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في سوريا.
هذه المعركة غير المتكافئة قد تضع ميليشيا "الحوثيين" المدعومة من النظام الإيراني وحيدةً على طريق مقصلة "الانتحار العسكري" قبل السياسي، وسط ترجيحات لوسائل إعلام إسرائيلية بوجود مخطط إسرائيلي لشنِّ هجوم "أكثر عنفاً مع توسيع رقعة الأهداف" ضدها، فيما يرى محللون أن "مواجهة داخلية" يمكن أن تكون كفيلة بلجم هذه الميليشيا وتحجيمها.
ومما يدعم تلك الترجيحات، توجيه السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون، نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ما وصفه بـ "التحذير الأخير" لميليشيا "الحوثيين"، مطالباً إياها بوقف هجماتهما على إسرائيل، مؤكداً أن "الحوثيين يغامرون بمواجهة المصير التعيس نفسه الذي تعرضت له حماس وجماعة حزب الله والأسد".
وقبل هذا تحذير بنحو أسبوع، توعَّد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو ميليشيا "الحوثيين" بالتحرّك ضدها "بقوة وتصميم"، مضيفاً في مقطع فيديو نشره مكتبه: "كما تصرفنا بقوة ضد الأذرع المسلحة لمحور الشر الإيراني، سنتحرك ضد الحوثيين بقوة وتصميم وحنكة".
وعن الهجمات التي تشنها ميليشيا "الحوثيين" ضد إسرائيل، يرى الباحث في الشأن السياسي علي ناصر، أن "هناك توجيهات للجماعة بالاستمرار في الضغط على الداخل الإسرائيلي واستهداف المواقع الحساسة فيه بالصواريخ والطائرات المسيرة، وبالتالي فإن الطرف الذي يدعم الحوثيين هو الذي يزودهم بالصواريخ والطائرات المسيرة، وهو ما وضع اليمنيين في مرمى ضربات أمريكية وإسرائيلية طالت مرافق اقتصادية أثرت سلباً على الداخل اليمني".
وقال علي ناصر لـ24: "أعتقد أن الحوثيين ربما يشهدون مواجهة داخلية وليس خارجية، خصوصاً بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وقد تكون هناك معارك أو اتفاقات داخلية في اليمن لوقف الضربات الحوثية تجاه إسرائيل، وعلى الرغم من أن الضربات الخارجية لا تزال محتملة، إلا أن زعزعة الوضع الداخلي سيكون العامل الأكبر في إيقاف ضربات الحوثيين تجاه إسرائيل".
ومنذ أواخر العام 2023، تشن ميليشيا "الحوثيين" التي تتلقى الدعم من إيران، هجمات محدودة التأثير على المصالح الإسرائيلية والأمريكية في البحر الأحمر وخليج عدن، إلى جانب تنفيذ ضربات نحو الداخل الإسرائيلي أيضاً، ما يضع مصيرها على المحك، خصوصاً بعد نسف أقرانها من أذرع إيران في المنطقة، ما دفع الولايات المتحدة وإسرائيل إلى توجيه عدة ضربات ضد مواقع حوثية في اليمن.
وعقب سريان اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، أعلنت ميليشيا "الحوثيين" أنها هجماتها "ستقتصر على استهداف السفن التابعة لإسرائيل فقط في ممر البحر الأحمر".
ووقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأربعاء الماضي، أمراً تنفيذياً بإعادة تصنيف ميليشيا "الحوثيين" منظمة إرهابية أجنبية، وفق بيان للبيت الأبيض نقلته "رويترز".
وجاء في بيان البيت الأبيض أنه "نتيجة سياسة إدارة بايدن الضعيفة، أطلق الحوثيون النار على السفن الحربية التابعة للبحرية الأمريكية عشرات المرات، وشنوا العديد من الهجمات على البنية التحتية المدنية في الدول الشريكة، وهاجموا السفن التجارية العابرة لباب المندب أكثر من 100 مرة".
وتفرض هذه الخطوة عقوبات أشد من تلك التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن على الميليشيا المتحالفة مع إيران، وذلك رداً على هجماتها على حركة الشحن التجاري في البحر الأحمر وعلى سفن حربية أمريكية معنية بالدفاع عن هذا الممر المائي الهام.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: اتفاق غزة سقوط الأسد عودة ترامب إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الحوثيين إسرائيل إيران دونالد ترامب الولايات المتحدة إسرائيل الحوثيون ترامب إيران اليمن البحر الأحمر فی الیمن
إقرأ أيضاً:
البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع
تخيل بلدا يقف على جرف هارٍ تدفعه حرب ضارية إلى الهاوية، وجيشا يقاتل على جبهات متشعبة، واقتصادا ينهار طبقة بعد أخرى، بينما تتنازع قوى عالمية على أرضه وموانئه وذهبه وموقعه الاستثنائي.
وفي قلب هذا المشهد يقف رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، محاولا أن يمسك بالعصا من وسطها: يلوح للغرب بإمكانية الشراكة، ويشد في الوقت نفسه خيوط الارتباط بالشرق الصاعد.
ليس ذلك تقلبا سياسيا ولا انتقالا عشوائيا بين المحاور، بل مناورة وجودية فرضتها الجغرافيا القاسية، وحرب أنهكت الدولة والمجتمع، وتوازنات دولية تجعل من السودان ساحة اختبار كبرى في صراع النفوذ على البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
وفي هذا السياق تحديدا، برزت آخر رسائل البرهان إلى الغرب عبر مقاله الذي اختار له بعناية صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية بتاريخ 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2025؛ رسالة لم تكن مقال رأيٍ عابرا، بل مذكرة سياسية مشفرة، صيغت بقدر محسوب من الإيحاء لتصل مباشرة إلى دوائر صناعة القرار.
الانحياز إلى الشرق يعني سلاحا متاحا، لكن يفضي إلى عزلة مالية خانقة والانحياز إلى الغرب يعني دعما اقتصاديا محتملا، لكن يفضي إلى فقدان الإسناد العسكري، وخطر الانفجار الداخلي، ولهذا يصبح الاصطفاف الكامل قاتلا
الرسالة السياسية والصفقة غير المعلنةفي مقاله المثير، حمل البرهان قوات مليشيا السريع مسؤولية الحرب، رافضا توصيف الصراع بأنه "صراع جنرالين"، ومؤكدا أنها حرب تمرد على الدولة.
لكنه لم يكتفِ بهذا التوصيف؛ بل بنى المقال كله على فكرة واحدة: إذا ساعدتموني على تفكيك مليشيا الدعم السريع وإنهاء التمرد، فسأكون جاهزا للمضي في مسار التطبيع، وتقديم صيغة حكم مدني ترضيكم.
لوح البرهان بالانتقال الديمقراطي، وذكر الغرب بأن الصراع يهدد مصالحه في البحر الأحمر، وفتح باب الشراكة الاقتصادية، مشيرا إلى دور للشركات الأميركية في إعادة الإعمار. بدا المقال أقرب إلى عرض تفاوضي مكتمل الأركان: دعم عسكري وسياسي مقابل شرعية واستقرار وتعاون أمني.
هذه الرسالة ليست معزولة؛ فهي تأتي في وقت تتنامى فيه تحركات البرهان على الساحة الدولية: خطابات في الأمم المتحدة، إشارات إيجابية في الملفات الإنسانية، وانفتاح محسوب على المؤسسات الغربية.
إعلانلكن هذه الإشارات لا تعني انقلابا إستراتيجيا نحو الغرب، بل هي جزء من لعبة أكبر توازن فيها القيادة السودانية بين مكاسب اللحظة، ومخاطر الاصطفاف الحاد.
بين القيمة الجيوسياسية وكلفة الاصطفافيحتل السودان موقعا استثنائيا. فهو بوابة البحر الأحمر، وممر التجارة العالمية، وخزان ضخم للمعادن والأراضي الزراعية. ولهذا تتصارع عليه القوى الكبرى اليوم، كما لم تفعل من قبل.
الصين ترى في السودان امتدادا لطريقها التجاري نحو أفريقيا. استثماراتها الضخمة في الموانئ والبنية التحتية والزراعة، تجعلها تبحث عن طريقة لتفادي انهيار كامل قد يبتلع مصالحها. وبكين، رغم هدوئها المألوف، تدرك أن الفوضى في السودان تعني خسارة سنوات من العمل الاقتصادي والإستراتيجي، ولذلك تتحرك بدقة: دعم محدود للجيش، وضغط خلفي لتثبيت الاستقرار دون الاصطدام بالغرب مباشرة.
أما روسيا فقد استعادت أدواتها غير النظامية عبر "أفريكا كوربس"، البديل الجديد لفاغنر، بهدف ترسيخ وجود إستراتيجي دائم على البحر الأحمر. بالنسبة لموسكو، السودان ليس مجرد شريك إستراتيجي، بل هو مفتاح لدخول القرن الأفريقي بعمق، وتحقيق توازن مع الضغوط الغربية في أوكرانيا، وأوروبا.
الغرب من جهته يراقب بقلق تمدد الشرق. لكنّ لديه شرطا واحدا لم يتغير: لا دعم اقتصاديا حقيقيا دون التقدم في ملف التطبيع، وهندسة المسرح السياسي الداخلي، واستبعاد تيار بعينه.
هكذا يجد السودان نفسه أمام معادلة مستحيلة:
الانحياز إلى الشرق يعني سلاحا متاحا، لكن يفضي إلى عزلة مالية خانقة. الانحياز إلى الغرب يعني دعما اقتصاديا محتملا، لكن يفضي إلى فقدان الإسناد العسكري، وخطر الانفجار الداخلي.
ولهذا يصبح الاصطفاف الكامل قاتلا، والمناورة بين الشرق والغرب أشبه بخيط نجاة رفيع، لكن لا بد من السير عليه.
عدم الانحياز الذكي ورهان الداخلضمن هذه الحسابات الدولية المعقدة، يبرز مسار ثالث يفرض نفسه بقوة:
عدم الانحياز الفعال، وهو ليس حيادا سلبيا كما في الستينيات، بل إستراتيجية قائمة على مزيج من الانفتاح الانتقائي، والمداورة الدبلوماسية.
هذا المسار يعني:
تعاونا اقتصاديا عميقا مع الصين، دون الارتهان لها. شراكة أمنية مع روسيا، دون التحول إلى بوابة لها على البحر الأحمر. انفتاحا على الغرب، دون الوقوع في فخ الشروط الثقيلة التي قد تشعل الداخل. بناء دور إقليمي يعتمد على الجغرافيا لا على الأيديولوجيا.بهذه المقاربة، يتحول السودان من ساحة صراع إلى لاعب يجيد توظيف الصراع لصالحه.
بيد أن كل هذا لن ينجح إذا لم يتم حسم المعركة الأهم: معركة الداخل. فالرهان الحقيقي ليس على واشنطن ولا بكين ولا موسكو، بل على قدرة القيادة السودانية على:
توحيد الجبهة الداخلية، إعادة بناء المؤسسات، وقف النزيف الاقتصادي، وفرض إرادتها على القوى الإقليمية المتدخلة.
فمن دون جبهة داخلية متماسكة، تصبح المناورة الخارجية مجرد لعبة خطرة قد تسقط عند أول هزة. ومن دون قرار وطني صارم، لن تستطيع الخرطوم تحويل ثقلها الجيوسياسي إلى قوة حقيقية.
الخلاصة: المناورة ليست خيارا.. بل قدرا سياسياما يقوم به البرهان اليوم ليس استسلاما للغرب ولا انحيازا للشرق، بل مناورة إجبارية تهدف إلى جمع السلاح من منطقة، والشرعية من أخرى، والمساعدات من ثالثة، دون دفع الأثمان كاملة لأي طرف.
إعلانهي محاولة لاستثمار موقع السودان الفريد في معركة الهيمنة على البحر الأحمر، وتحويل الأزمة إلى ورقة تفاوض كبرى. غير أن هذه اللعبة الخطرة لن تجدي نفعا إذا لم يُستعَد الداخل أولا.
ففي النهاية، لا تحدد الدول الكبرى مصائر الأمم بقدر ما تحددها إرادة أبنائها.
وقدرة السودان على الخروج من النفق لا تتوقف على لعبة التوازن الدولية فحسب، بل على قوة البيت الداخلي، وتمكن القيادة من فرض رؤيتها على من يحاولون تشكيل مستقبل السودان من الخارج.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline