كيف نقرأ «اليوم التالي للحرب»؟
تاريخ النشر: 25th, January 2025 GMT
قبل أن نصل إلى لب موضوعنا المتعلق بـ«اليوم التالي للحرب»، سنرجع الزمنَ إلى الوراء لنحاول أن نجيب عن أسئلة تتعلق بـ«اليوم السابق للحرب»، وأحد هذه الأسئلة: هل أخطأت المقاومة الفلسطينية في غزة في السابع من أكتوبر؛ فكانت سببا في شيطنة الكيان الصهيوني والتسبب في كارثة إنسانية في غزة؟ للإجابة عن هذا السؤال الأكثر جدلا؛ سنستحضر عددا من السرديات التي نجدها متناقلة عبر مصادر متعددة، وأشهر السرديات القائلة: إن المقاومة كانت على علم بوجود مخطط صهيوني يستهدف عموم فلسطين وغزة يهدف إلى ضم بقية الأراضي الفلسطينية بما في ذلك القدس ومسجدها الأقصى، وتتحدث السردية الثانية عن وقوع المقاومة ضحية مؤامرة سواء عبر تضليل استخباراتي إسرائيلي أو من طرف آخر بغية جرها إلى إحداثِ شرارةٍ توقظ حميّةَ الكيان الصهيوني وحلفائه؛ فتكون مدعاة إلى إنهاء المقاومة وبسط السيطرة الكاملة، وتتباين الإجابات مع تباين السرديات التي نكتفي بعرض أشهرها، وفي إطار تأملاتنا التي لا أضمن أيَّ صوابٍ لها، نجد أن المقاومة الفلسطينية في كل أحوالها في حالة حرب مستمرة -تتفاوت في الخفض والرفع- مع الكيان الصهيوني؛ فسبقت السابع من أكتوبر عنجهيةُ الكيان المحتل في قهر الفلسطينيين في الضفة والقدس خصوصا واضطهادهم أيما اضطهاد عبر تنكيل وتعذيب وتهجير وقتل وسجن، وسبق أن وجّهت المقاومة الفلسطينية تحذيراتها للكيان والعالم المتفرّج من التمادي في هذه الانتهاكات للشعب الفلسطيني ومقدساته، ولعلّ توقيت تسديد المقاومة الفلسطينية هجومها الشهير في أكتوبر كان بمثابة الانفجار الذي تولّد من تراكماتِ جبالٍ من الصبر؛ فاطمأنت المقاومة إلى حسابات احتملت أن الهجوم سيكون رسالة ردع تلجم المحتلَ وتلقِّنه درسا، دون بلوغِ تطورٍ إلى معادلةِ حربٍ ستستمر إلى ما يقرب من 15 شهرا، وهنا لا يحق توجيه لوم للمقاومة؛ فالمقاومة جزء من الشعب الفلسطيني المقهور، وقراراته بشأن المقاومة حق وطني يستند إلى تأييد شعبي يوافقه الدين والكرامة وحب الوطن، وحينها فإن حتمية هذه الحرب بشدتها التي لم تُعهد من قبل قائمةٌ لا محالة، ولا سبيل إلى تحرير مطلق إلا عبور هذا الجسر الشاق والمتعب، ومن هنا يمكن أن تتشكّل قراءة في صورة «اليوم التالي للحرب» التي ترددت كثيرا إبان الحرب الظالمة.
مع انقضاء ما يقرب من 15 شهرا من الحرب، انصدم الشارعُ الإسرائيلي كما انصدمت قبله أركانُ كيانه المحتل بأن أهدافَ هذه الحرب الكبرى لم تتحقق على الإطلاق، وأن الصورة التي رُسمت لغزة لليوم التالي للحرب لم تكن سوى وهمٍ نقضته مشاهد اليوم التالي للحرب؛ فلم تخرج المقاومة الفلسطينية في غزة من الخدمة وتنتهي كما تعهّدَ المحتلُ؛ فأصابت استعراضاتُ المقاومة بجانحيها العسكري والأمني في غزة الكيانَ الصهيوني ومجتمعَه بالذهول، ولم يتركْ أهلُ غزةَ أرضَهم ويقبلوا بقرار التهجير وضغوطاته المتواصلة، ولم تتمكن إسرائيل من تثبيت وجودٍ عسكري ومدنيّ على أرض غزة كما كانت تروّج عبر سرديتها الفاشية وإعلانات مشروعاتها الاستيطانية؛ فتلاشت كل هذه الأوهام وذهبت أدراج الرياح لتكتفي بصفقةِ تبادلٍ للأسرى لم تتمنَ حدوثها؛ إذ حدّثت نفسها غرورًا أنها قادرةٌ على تحريرهم بقوتها العسكرية ونظامها الاستخباراتي، ولكن تبيّن أن آلاتها العسكرية التي تبجّحت بها لم يبقَ في غزة إلا ذكراها في أشكال أرتال عسكريةٍ مدمّرةٍ مبعثرةٍ بفعل ضربات المقاومة وقذائف الياسين، ورغم ذلك لا يعني أن غزةَ بلا أوجاع وبلا آلام يعانيها أهلُها المفجوعون بالفقد والخسارة، وهذا ما جلب سخطَ العالم وشعوبَه الحرة على هذا الكيان الذي عرّى نفسه في هذه الحرب البشعة؛ ليكشف المزيد من بشاعته ووحشيته المفرطة.
بجانب ما صنعته هذه الحرب من ألم يصعب تحمّله؛ فإنها أيقظت شعوبَ العالم أجمعه، ونبهتهم إلى خطر الصهيونية وأيديولوجياتها اللاإنسانية التي لا تكترث بالقتل والتعذيب والتبختر بمظاهر المجازر والإبادة الجماعية، وعرّت مخططاتهم الإقليمية الساعية إلى التمدد الجغرافي ونهب ثروات الشعوب؛ فما يقع في فلسطين ووقع في لبنان وسوريا من قبلِ هذا العدو الصهيوني، فإن تمدده محتمل في دول عربية أخرى في المنطقة استنادا إلى التهديدات التي يُخرجها الكيان الصهيوني بين أحيان وأخرى عبر ألسنة بعض أعضاء حكومته وعبر خرائط يستعرضها بلا مبالاة وحياء، ولهذا لا نستبعد أن طوفان الأقصى كان بمثابة عمليةِ الإجهاض لمثل هذه الأحلام الصهيونية، والتي أكدتها مظاهر «اليوم التالي لحرب غزة» رغم ما دفعه أهل غزة ومعهم أهل جنوب لبنان ومقاومتها من تضحيات عرقلت مشروعات العدو في عموم المنطقة وأفقدته توازنه داخليا وخارجيا.
يأتي «اليوم التالي للحرب» بعد توقيع الاتفاقية وسريان المرحلة الأولى مُظهرا واقعا مغايرا لكل ما روّج له الكيان الصهيوني؛ فيتضح جليّا أن غزة صمدت، وأن أهلَها متمسكون بخيار السيادة المطلقة عبر منح مقاومتها شأن الإدارة المدنية والعسكرية رغم كل محاولات التشويه التي روجتها مؤسساتُ الإعلامِ العالمية لإقناع العالم بسردية مضمونها تحميل المقاومة الفلسطينية مسؤولية هذه الحرب والتدمير دون أيّ اعتبارات لمشروعية المقاومة في ظل وجود احتلال غير شرعي، وكأن المقاومة محظورة على أهل فلسطين، ويكاد تصوري القادم لما بعد هذه الحرب أن يصدق في صورة تتلاشى فيها الطموحات الصهيونية وتتراجع بهزيمة تكسر إرادتها وتخيّب آمالها الظالمة؛ فنسأل الله أن يحفظ أهل فلسطين والدول العربية وعموم الإنسانية من كل كيد وظلم، ونسأله أن يعمّ السلام عالمنا الإنساني.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المقاومة الفلسطینیة الیوم التالی للحرب الکیان الصهیونی هذه الحرب فی غزة
إقرأ أيضاً:
الفصائل الفلسطينية تطالب باعترافٍ دولي غير مشروط بالدولة المستقلة
الثورة نت/..
أكدت الفصائل الفلسطينية، اليوم الخميس، أنّ “المقاومة لن تتوقف إلا بزوال الاحتلال، وتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في التحرير، وعودة اللاجئين، وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، حيث يرتبط سلاح المقاومة جوهرياً بهذا المشروع الوطني العادل”.
وقالت الفصائل في بيان إنها تابعت باهتمام مجريات المؤتمر الدولي رفيع المستوى للأمم المتحدة، الذي اختُتم مؤخراً في نيويورك.
وأضافت إن المؤتمر جاء في مرحلةٍ خطيرةٍ وحساسة من تاريخ شعبنا، حيث يواصل الاحتلال الصهيوني ارتكاب حرب إبادة بحق شعبنا وأهلنا في قطاع غزة، ويمارس واحدة من أبشع عمليات التجويع في تاريخ البشرية، في وقت تطالب فيه المحكمة الجنائية الدولية بمثول قادته لمساءلتهم ومحاكمتهم، وسط صمت دولي مطبق.
ونوه بما حمله من مضامين مهمة تتعلق بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة كاملة السيادة.
وحيّت الفصائل “صمود الشعب الفلسطيني الأسطوري في قطاع غزة، الذي يواجه بصبرٍ وثباتٍ واحدةً من أبشع الحروب التي عرفها العصر الحديث”.
وقالت إن “هذا الصمود العظيم، في وجه آلة القتل والدمار، يشكّل الركيزة الأساسية التي أفشلت أهداف العدوان”، ورسّخت حق شعبنا في الحياة والمقاومة. مشيدة “بالدور البطولي الذي تؤديه المقاومة في الدفاع عن شعبنا، وتثبيت إرادته الوطنية في ظل حربٍ غير متكافئة وظروف إنسانية كارثية”.
وأكدت أن “أيّ جهدٍ يُبذل على المستوى الدولي لإسناد شعبنا الفلسطيني وحقوقه المشروعة هو محلّ تقدير وترحيب، ويُعدّ ثمرةً طبيعية لتضحيات وصمود شعبنا على مدار 77 عاماً منذ النكبة، ونتيجةً مباشرةً لما أحدثته الحرب الصهيونية المدمّرة من اتساعٍ في دائرة التضامن الدولي مع شعبنا، وما شكّله ذلك من ضغطٍ متزايد على المجتمع الدولي”.
وقالت “إنّ شعبنا يطالب باعترافٍ دولي غير مشروط بدولته المستقلة وحقوقه الوطنية الثابتة، باعتبارها استحقاقًا سياسيًا وعدالة تاريخية لا يجوز التفاوض عليها أو تأجيلها”.
وأضافت: “إنّ الطريق إلى الحل تبدأ أولاً بوقف هذا العدوان الفاشي على شعبنا، ووقف جريمة الإبادة الجماعية وسياسة التجويع الممنهجة التي تمارسها قوات الاحتلال”.
وأكدت “أنّ المقاومة الفلسطينية تؤكد استعدادها لحل قضية الأسرى لديها ضمن سياق اتفاق لوقف إطلاق النار، وانسحابٍ كاملٍ لقوات الاحتلال من قطاع غزة، وفتح المعابر، والشروع الفوري في إعادة الإعمار”.
وأضافت: كما تؤكد الفصائل على ضرورة الذهاب إلى مسارٍ سياسي جادّ، برعايةٍ دوليةٍ وعربية، يؤدي إلى إنهاء الاحتلال وتحقيق تطلعات شعبنا في إقامة دولته المستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس”.
وأكملت مؤكدة “أن وقف حرب الإبادة والتجويع بحق شعبنا في غزة هو واجب إنساني وأخلاقي لا يقبل التأجيل أو المقايضة، ويجب أن يتم فوراً دون ربطه بأي ملفاتٍ سياسية كحق شعبنا في دولته أو حل قضية الأسرى، إذ لا يجوز أن يُساوَم شعبنا على حقه في الحياة”.
واعتبرت أن “الاحتلال الصهيوني هو المصدر الرئيس للإرهاب وعدم الاستقرار في المنطقة، وما يرتكبه من إبادةٍ جماعية وتجويع ممنهج في قطاع غزة يرسّخ طبيعته الإجرامية”.
وقالت: “وبناءً على ذلك، فإن المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها هي ردّ فعل طبيعي ومشروع على هذا الاحتلال، وهي حقٌ أصيل كفلته القوانين الدولية والشرائع السماوية، وأكدته المؤسسات والهيئات الدولية التي اطّلعت على الجرائم المرتكبة بحق شعبنا”.
وأضافت: أنّ هذه المقاومة لن تتوقف إلا بزوال الاحتلال، وتحقيق أهداف شعبنا في التحرير، وعودة اللاجئين، وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، حيث يرتبط سلاح المقاومة جوهرياً بهذا المشروع الوطني العادل.
وتابعت: “أنّ المشهد الفلسطيني هو شأن الداخلي لأبناء شعبنا في الوطن والشتات. وعلى هذا الأساس، ندعو إلى تنفيذ الاتفاقات الوطنية السابقة المُوقّعة في القاهرة والجزائر وموسكو وبكين، والتي أكدت جميعها على ضرورة إعادة ترتيب البيت الفلسطيني.
وأشارت إلى أن ذلك يشمل إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية بما يعزز موقعها القانوني والتمثيلي للكلّ الفلسطيني، إلى جانب إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني في الداخل والخارج، على أسسٍ وطنية وديمقراطية، ومن دون أي اشتراطات مسبقة”.
وأكدت “أنّ اليوم التالي لانتهاء العدوان الصهيوني هو يومٌ فلسطيني بامتياز، يجب أن تتضافر فيه جهود ومكونات شعبنا كافة – الوطنية والسياسية والشعبية – جنباً إلى جنب مع جهود البناء والإعمار، لاستعادة وحدتنا الوطنية، وترسيخ شراكة حقيقية تليق بتضحيات شعبنا وصموده الأسطوري”.
وقالت: إنّ الحديث عن دمج الكيان الصهيوني في المنطقة هو مكافأة للعدو على جرائمه، ومحاولةٍ بائسة لإطالة بقائه على أرضنا المسلوبة؛ فلقد أثبتت التطورات الراهنة، خصوصاً خلال الشهور الأخيرة، أن هذا الكيان هو مصدرٌ رئيسي لعدم الاستقرار والشرور والإرهاب، ليس فقط في منطقتنا، بل على مستوى العالم بأسره”.
وأكدت أن “شعبنا الفلسطيني، كغيره من شعوب العالم التي وقعت تحت نير الاحتلال والاستعمار، سينال حريته واستقلاله، مهما طال الزمن وكبرت التحديات، مستنداً إلى عدالة قضيته، وصمود ومقاومة أبنائه، ووقوف كل أحرار العالم إلى جانبه في نضاله المشروع من أجل التحرّر والعودة والاستقلال”.
صدر البيان عن: حركة المقاومة الإسلامية حماس، حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، طلائع حرب التحرير الشعبية- قوات الصاعقة.