النمو الاقتصادي التقليدي لم يعد كافيًا لمواجهة التحديات الراهنة
تاريخ النشر: 25th, January 2025 GMT
ترجمة - نهى مصطفى -
كما كشفت الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 أن المشاعر العامة تجاه الآفاق الاقتصادية تلعب دورًا حاسمًا في توجيه التصويت. وفي الوقت الراهن، تبدو التوقعات الاقتصادية على مستوى العالم قاتمة. فقد أشار صندوق النقد الدولي إلى أن متوسط النمو الاقتصادي العالمي السنوي قد يصل إلى حوالي 3% خلال السنوات الخمس المقبلة، وهو أضعف مستوى للتوقعات متوسطة الأجل منذ عقود.
لا يزال النمو الاقتصادي الطريق الأكثر وثوقًا لتحسين مستويات المعيشة، وهو عنصر أساسي لتحقيق التقدم في أي أجندة سياسية تقريبًا. في ظل بيئة منخفضة النمو، تواجه دخول الأسر ضغوطًا متزايدة مع تراجع أسعار السلع الأساسية، بينما تكافح الشركات لتلبية الطلب على منتجاتها وخدماتها. يجد صناع السياسات أنفسهم أمام تحديات أكبر، حيث يضطرون إلى تحقيق توازن دقيق بين أولويات متنافسة. أما في الاقتصادات الناشئة والنامية، فإن تباطؤ النمو يهدد بإعاقة التنمية لعقد أو أكثر. وفي الاقتصادات المتقدمة، التي استفادت من سنوات من النمو المستقر لرفع مستويات المعيشة بشكل تدريجي، يمثل هذا التباطؤ خطرًا على تحقيق مزيد من التقدم في الحراك الاجتماعي والاقتصادي.
لكن التركيز على النمو الاقتصادي التقليدي لم يعد كافيًا لمواجهة التحديات الراهنة، فالعالم قد تغيّر بطرق عميقة أعادت تشكيل الأولويات والاحتياجات المفروضة على السياسات الاقتصادية، وتتصدر أزمة المناخ المشهد، حيث يعتمد أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بشكل مباشر أو غير مباشر، على الموارد الطبيعية، وفي الوقت ذاته، توفر التقنيات المتسارعة التطور، مثل الذكاء الاصطناعي، فرصًا غير مسبوقة لكنها تحمل أيضًا مخاطر جديدة.
على الجانب الاجتماعي، يؤدي التفاوت المتزايد إلى تآكل التماسك المجتمعي في العديد من البلدان، وكما أبرزت الصدمات الاقتصادية الناتجة عن جائحة «كوفيد-19» والانقطاعات في سلاسل التوريد بسبب الفوضى الجيوسياسية، أصبحت المرونة المحلية أكثر أهمية من أي وقت مضى في عالم مترابط على نحو متزايد. إن عقلية «النمو بأي ثمن»، التي هيّمنت على أروقة السياسات الحكومية وغرف اجتماعات الشركات، ساهمت جزئيًا في تدهور البيئة، وزيادة التفاوت الاجتماعي والاقتصادي، وتقليل الاحتياطات اللازمة لمواجهة الصدمات الاقتصادية، وكل ذلك في سبيل تحقيق الكفاءة القصوى.السؤال ليس ما إذا كان العالم بحاجة إلى النمو الاقتصادي، بل كيف يمكن تحقيق هذا النمو بطريقة تعزز التقدم نحو تحقيق أهداف سياسية أساسية أخرى؟ إن التركيز على نمو يدعم تطوير رأس المال البشري، والابتكار في التكنولوجيا الخضراء، وتطوير البنية الأساسية، وتعزيز القدرة على الصمود في وجه الصدمات العالمية، من شأنه أن يفضي إلى تحسين مستويات المعيشة وتحقيق ازدهار مشترك ومستدام للجميع.
تبني هذا النهج الجديد للنمو، الذي يمزج بين الحكمة التقليدية والسياسات المبتكرة، يمكن أن يسهم في استعادة الثقة بالسياسات الاقتصادية، وإحياء الفرص الاقتصادية للفئات المهددة بالتخلف عن الركب، والتعامل بفعالية مع حالة عدم اليقين التي تهيمن على هذا العصر الاقتصادي الجديد.
وعلى الرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي يظل أداة مفيدة لقياس الأداء الاقتصادي، إلا أنه يفتقر إلى الدقة في توضيح كيفية توزيع الموارد والفرص، أو حالة البيئة، أو مرونة المناطق المختلفة في مواجهة الأزمات، لذلك، توسيع النظرة التي يعتمدها القادة لتقييم النمو ليس مجرد تمرين فكري، بل هو ضرورة عملية، وبالمثل، على قادة الأعمال الذين يواجهون بيئة اقتصادية تتسم بعدم اليقين، أن يعيدوا النظر في مسارات النمو، بما يتيح لهم الاستفادة من التحولات الكبرى التي تعيد تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي.
وفقًا لاستطلاع للرأي أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي بين كبار خبراء الاقتصاد في الشركات والمنظمات الرائدة عبر مختلف الصناعات، طُرِح سؤال حول ما إذا كان ينبغي لصناع السياسات السعي إلى تحقيق أقصى قدر من النمو بأي ثمن أم مراعاة المستفيدين من هذا النمو. أظهر الاستطلاع أن 65% من المشاركين وافقوا بشدة على ضرورة أن يعطي صناع السياسات الأولوية لنهج يوازن بين تحقيق النمو الاقتصادي والتقدم نحو أهداف رئيسية أخرى، مثل التماسك الاجتماعي، والاستدامة البيئية، والمساواة الاقتصادية، والأمن القومي، حتى لو كان ذلك يعني تقليل معدل النمو. إضافة إلى ذلك، أشار ما يقرب من ثلثي المشاركين إلى أنهم لا يرون وجود توازنات كبيرة أو تعارضًا بين تحقيق النمو وهذه الأهداف، مما يعكس توجهًا متزايدًا نحو تبني سياسات شاملة ومستدامة.لكن ما هي الأدوات الجديدة التي سوف نحتاج إليها في هذا العصر الجديد لصنع السياسات الاقتصادية؟
يقدم إطار عمل «مستقبل النمو» الذي وضعه المنتدى الاقتصادي العالمي نهجًا متعدد الأبعاد يوازن بين معدلات النمو والأولويات العالمية والوطنية الأوسع، ويعتمد على أحدث البيانات المتاحة من 84 مؤشرًا للأداء الاقتصادي لقياس مدى الابتكار والشمول والاستدامة والمرونة في النمو عبر 107 دول.
النتائج كانت صادمة؛ إذ يعيش ما يقرب من أربعة مليارات شخص في دول تشهد نموًا منخفض الجودة، مما يعني أنه رغم أن القياسات التقليدية قد تشير إلى مسار اقتصادي تصاعدي في بعض الدول، إلا أن هذا التقدم لم يتحول إلى نمو مبتكر أو شامل أو مستدام أو مرن، بمعنى آخر، لا يمكن للنمو المرتفع أن يكون مقياسًا كافيًا لجودة النمو، فليس كل اقتصاد حقق نموًا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3% أو أكثر خلال السنوات الخمس الماضية يمكنه أن يصل إلى مستوى عالٍ من جودة النمو، الذي يشمل الدول التي تستثمر في رأس المال البشري والتكنولوجيا، وتعمل على جعل استخدام مواردها مستداما، وتحمي اقتصاداتها من الصدمات.
العلاقة بين أهداف السياسة الاقتصادية معقدة بطبيعتها، على سبيل المثال، دعونا نأخذ في الاعتبار التنازلات المحتملة بين المخزون المادي لرأس المال في دولة ما والأثر البيئي لها، فبينما يعد تطوير البنية الأساسية محركًا رئيسيًا للنمو في العديد من الدول، أشار برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن المباني تستهلك حوالي 34% من الطلب العالمي على الطاقة و37% من انبعاثات الكربون المرتبطة بالطاقة. من ناحية أخرى، يمكن للبحث العلمي والتكنولوجيا أن يسهما في تقليل الأثر البيئي للنمو، من خلال الاستفادة من التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي وأجهزة استشعار درجة الحرارة والتدفق والبيانات الضخمة لتحسين كفاءة استخدام الطاقة في المباني والمناطق الحضرية، علاوة على ذلك، يظل الانفتاح على التجارة والاستثمار الأجنبي محركًا حاسمًا للنمو عالي الجودة. ومن الجدير بالذكر أن الدول الأكثر تكاملًا في الاقتصاد العالمي تحقق استفادة أكبر من نقل المعرفة والتكنولوجيا، وهي من المدخلات الرئيسية لتحقيق نمو عالي الجودة.على الرغم من أن النهج الذي تتبعه كل دولة في تحديد وتحقيق النمو عالي الجودة سيختلف بشكل طبيعي، إلا أن هناك مبادئ مشتركة وخطوات يمكن أن تساهم في تحفيز دورات من هذا النمو في مختلف أنحاء العالم، تُعد المهارات البشرية والإبداع من المدخلات الأساسية للنمو الاقتصادي، ويجب أن يكون تعزيز رفاه الإنسان هو الهدف النهائي لكل سياسة اقتصادية، فمن دون وجود نظام بيئي قوي لرأس المال البشري، يشمل معرفة العمال ومهاراتهم وصحتهم، يتباطأ الإنتاج الاقتصادي وتفشل الدول في الاستفادة من الفرص المتاحة أمامها.
في الواقع، فإن العواقب السلبية الناتجة عن عدم الاستثمار في رأس المال البشري تكون خطيرة؛ فقد قدّر البنك الدولي أن ما يصل إلى 30% من الفوارق بين الدول في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي تعزى إلى اختلاف مستويات رأس المال البشري.
في البلدان التي تعاني من مستويات منخفضة من رأس المال البشري، غالبًا ما تتركز المكاسب الناتجة عن النمو في فئات محدودة من السكان، مما يعيق آفاق النمو على المدى البعيد. من ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي الاستثمار الواسع في رأس المال البشري إلى دورات إيجابية من النمو إذا تمت إعادة استثمار العوائد الاقتصادية لزيادة الإنتاجية وتعزيز النمو في مختلف شرائح السكان. على الرغم من أن الأسواق الخاصة بالتقنيات الناشئة تعد ضرورية لدفع النمو، فإن الاستثمار في أسس الاقتصادات والمجتمعات، مثل توفير السلع والخدمات الأساسية، وتعزيز الاتصال الرقمي، وتوفير الكهرباء، يمكن أن يكون له تأثير محوري في تحويل حياة شرائح واسعة من السكان، مما يتيح لهم الاستفادة من النمو. يعيش أكثر من مليار شخص في بلدان تعاني من صعوبة توفير الوصول إلى المياه النظيفة، والغذاء الصحي، والإنترنت، وحتى العديد من الاقتصادات ذات الدخل المرتفع والمتوسط لا تستطيع ضمان الوصول الموثوق إلى وسائل النقل والسكن.التقدم الملموس في هذه المجالات سوف يتطلب استثمارات ضخمة، وقد قدرت منظمة التجارة والتنمية التابعة للأمم المتحدة أن هناك حاجة إلى 4 تريليونات دولار من التمويل السنوي من القطاعين العام والخاص إذا كانت البلدان ذات الاقتصادات النامية تريد تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، ارتفاعًا من 2.5 تريليون دولار في عام 2015، وأكبر فجوات التمويل موجودة في مجالات رئيسية للتنمية الاقتصادية، بما في ذلك الطاقة والمياه والصرف الصحي والبنية الأساسية والأغذية والزراعة.
التحول في مجال الطاقة الخضراء يمكن أن يخفف من تغير المناخ مع دفع الابتكار والمرونة المحلية وتحفيز نماذج النمو الجديدة، لقد أحرز توسع مصادر الطاقة النظيفة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، بالفعل تقدمًا كبيرًا في التكنولوجيا مع إيجاد فرص عمل جديدة. ووفقًا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة، فإن قطاع الطاقة المتجددة يمكن أن يوظف أكثر من 40 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2050، كما يعمل التحول نحو الاستدامة على تعزيز المرونة من خلال الحماية من الصدمات ضد مخاطر المناخ والحد من مخاطر الاضطرابات في سلاسل إمدادات الطاقة العالمية.تتطلب المرونة تنوع الموردين، وشبكات اللوجستيات، ووسائل الإنتاج. وتعد سلاسل القيمة والتجارة الدولية القوية من بين أفضل الطرق لتحقيق هذا التنوع. إن البلدان التي تحقق درجات عالية في مقياس المرونة الإجمالي لإطار مستقبل النمو تميل إلى أن تكون أكثر تنوعًا في مصادر الطاقة ومنتجات التصدير، وعلى العكس، تميل البلدان الأكثر انفتاحًا إلى تحقيق نمو أسرع والقدرة على التعافي بشكل أفضل من الصدمات. رغم أن الاكتفاء الذاتي قد يبدو مغريًا، إلا أنه لا يزال بعيد المنال حتى بالنسبة للدول ذات الاقتصادات الأكثر تقدمًا والقدرات الإنتاجية المحلية الأكثر تطورًا، في الوقت نفسه، قد يؤدي الترابط إلى تقليص القدرة على الصمود إذا لم تعمل البلدان على تقليل العوامل المسببة للمخاطر الأساسية، مثل تركيز إمدادات السلع الأساسية أو الطاقة، وبدلًا من الانغلاق على الذات، قد يكون من الأفضل للبلدان تأمين ومراقبة سلاسل التوريد العالمية الحرجة، وتطوير شبكات الموردين القادرة على تحمل الصدمات، مع تعزيز الإنتاج المحلي وتخزين السلع الاستراتيجية عند الحاجة ووفقًا للقدرة على ذلك.لكن الاستثمار المطلوب لدفع التحول الأخضر وضمان المرونة مفقود في العمل: إذ تستثمر 14 دولة فقط من أصل 107 دول مشمولة في إطار مستقبل النمو أكثر من 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي في الطاقة المتجددة، وعلى نحو مماثل، ورغم أن وكالة الطاقة الدولية قدرت أن ما يقرب من نصف تخفيضات انبعاثات الكربون التي يحتاج العالم إلى تحقيقها بين عامي 2020 و2050 لتحقيق سيناريو الانبعاثات الصفرية الصافية ينبغي أن تأتي من تقنيات لم تطرح بعد في السوق، فإن الابتكار في مجال الطاقة الخضراء كان محدودًا بعدد صغير من البلدان، مما أدى إلى إبطاء تطوير الحلول المحتملة، ويتعين على الحكومات والصناعة أن تتعاونا لإيجاد زخم أقوى للانتشار العالمي للتكنولوجيات البيئية التي يمكن أن تساعد في معالجة تلوث الهواء، وإدارة النفايات، وإمدادات المياه والصرف الصحي، وتخزين الطاقة وتوزيعها، وحماية الأراضي والمياه.
يستطيع التقدم التكنولوجي دفع دورات تحفز النمو، جنبًا إلى جنب مع التقدم في مجموعة متنوعة من مجالات السياسة الأخرى. ومع ذلك، فإن الاستثمارات في التكنولوجيات الرئيسية وحدها لن تمكن البلدان -وخاصة النامية- من جني الفوائد الاقتصادية للتقدم التكنولوجي. إن تعليم وتدريب الناس على العمل مع التكنولوجيات الجديدة أمر بالغ الأهمية، بما في ذلك في القطاع العام، لضمان تمكن الجميع من استخدام التكنولوجيات الجديدة، ومع ذلك، وفقًا لمسح المنتدى لأكثر من 10000 من المديرين التنفيذيين من جميع أنحاء العالم، فإن 20٪ فقط من البلدان لديها المواهب الرقمية التي تحتاجها، قد تكون هناك حاجة أيضًا إلى عمل حكومي وحوافز لتوجيه نشر التكنولوجيا في المجالات التي تدفع النتائج الاجتماعية الإيجابية مثل الصحة والتعليم ورعاية المسنين والأطفال.
سعدية زاهدي عضوة منتدبة في المنتدى الاقتصادي العالمي.
نشر المقال في Foreign Affairs
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الناتج المحلی الإجمالی الاقتصادی العالمی رأس المال البشری النمو الاقتصادی الاستفادة من إلى تحقیق من النمو أکثر من یمکن أن إلا أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
تحقيق إسرائيلي: ما هي شركات الطيران التي لا تزال تحلق فوق اليمن وإيران؟ (ترجمة خاصة)
على الرغم من التهديدات، كشف تحقيق إسرائيلي عن مواصلة بعض شركات الطيران جدولة رحلاتها عبر المجال الجوي لإيران والعراق واليمن، وهي مناطق معرضة لخطر كبير من إطلاق الصواريخ والهجمات الإرهابية.
وبحسب التحقيق الذي أجرته صحيفة معاريف وترجمه للعربية "الموقع بوست" أن عددًا كبيرًا من شركات الطيران لا تزال تعمل فوق إيران والعراق واليمن، بينما تتجنب معظم شركات الطيران الغربية وأمريكا الشمالية باستمرار الطيران في هذه المناطق خوفًا من استهداف طائراتها.
وحسب التحقيق لا تزال شركات الطيران من الشرق الأوسط وروسيا، وحتى أجزاء من آسيا وأوروبا، تتبع مسارات منتظمة هناك. بعضها يفعل ذلك باستخدام ما يُعرف بـ "الرحلات الجوية عالية الارتفاع"، أي التحليق فوق ارتفاع 32,000 قدم، على أمل أن يقلل ذلك من خطر التعرض للصواريخ.
يشير التحقيق إلى أن أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع دولًا مثل إسرائيل والولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة إلى حظر الطيران فوق إيران ليس فقط التهديد المباشر بهجوم صاروخي، بل أيضًا الخطر الاستراتيجي الأوسع المتمثل في التصعيد الأمني في المنطقة.
وقال إن البرنامج النووي الإيراني واحتمال تصاعد التوترات التي قد تؤدي إلى عمل عسكري أو رد إيراني انتقامي يجعلان المجال الجوي الإيراني متقلبًا بشكل خاص.
في مثل هذا السيناريو، قد تجد طائرة مدنية تحلق عبر المجال الجوي الإيراني نفسها في منطقة صراع نشطة أو تُستهدف عن طريق الخطأ من قِبل أنظمة الصواريخ. علاوة على ذلك، فإن أي هبوط اضطراري في إيران - سواءً بسبب مشكلة طبية أو عطل فني - قد يُعرّض الطائرة وطاقمها، وخاصةً الركاب الإسرائيليين والأمريكيين والأوروبيين، لمخاطر جسيمة، بما في ذلك الاعتقال والاستجواب، أو حتى الابتزاز السياسي. وفق التحقيق.
في السنوات الأخيرة، أظهرت عدة حوادث كيف يُمكن للهبوط الاضطراري في دول معادية أن يُشعل فتيل الأزمات. من الأمثلة البارزة على ذلك إجبار طائرة رايان إير على الهبوط في بيلاروسيا، والتي استخدمها النظام آنذاك كأداة. في إيران نفسها، استُخدم مواطنون أجانب سابقًا كورقة مساومة. التهديد في مثل هذه الحالات ليس عمليًا فحسب، بل سياسيًا أيضًا. ومن الأمثلة المروعة للإسرائيليين الحلقة الافتتاحية من مسلسل "طهران"، حيث أُجبر إسرائيليان على الهبوط اضطراريًا في طهران، ثم استُجوبا تحت التهديد والتعذيب.
اليمن: خط أحمر واضح
يقول التحقيق "تُصنّف معظم هيئات الطيران الدولية المجال الجوي اليمني على أنه محظور تمامًا. تفرض إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية (FAA)، بموجب اللائحة SFAR 115، حظرًا تامًا على التحليق فوق اليمن. كما تدعو دول أوروبية مثل المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا إلى تجنب التحليق فوق اليمن تمامًا".
وزاد "اليمن في خضم صراع عسكري، وتواصل منظمة الحوثي الإرهابية إطلاق صواريخ متطورة، بما في ذلك باتجاه إسرائيل. تكاد لا تُحلّق أي شركة طيران تجارية فوق اليمن، باستثناء مسارات نادرة بعيدة عن الساحل فوق البحر الأحمر".
وتابع "في بعض الحالات، تسمح الجهات التنظيمية بالرحلات الجوية فوق العراق أو حتى إيران - ولكن فقط على ارتفاعات عالية جدًا، عادةً ما تتجاوز مستوى الطيران 320 (32,000 قدم). يُعتبر هذا بعيدًا عن متناول الصواريخ المحمولة على الكتف وأنظمة الدفاع الجوي الأساسية. ومع ذلك، فهو لا يحمي من الصواريخ الباليستية أو أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة، كما أظهرت الحوادث السابقة".
كما هو متوقع، حسب التحقيق لا تُحلّق شركات الطيران الإسرائيلية - العال، ويسرائير، وأركيا، وحيفا للطيران - فوق أي دول معادية. حتى في الرحلات المتجهة إلى الشرق الأقصى، تمر عبر قبرص، وتركيا، وجورجيا، أو أذربيجان، متجاوزةً إيران والعراق تمامًا. بما أنه لا يُسمح لهم بالهبوط في دول العدو، فإن أي خطر من حدوث عطل فني يستلزم تجنب تلك المناطق تمامًا.
من يحلق فوق إيران؟
يُعتبر المجال الجوي الإيراني، المعروف بمنطقة معلومات الطيران في طهران، خطيرًا للغاية منذ إسقاط إيران طائرة ركاب أوكرانية بصاروخ في يناير 2020.
ورغم ذلك، تواصل العديد من شركات الطيران من الشرق الأوسط وآسيا، وحتى أوروبا الشرقية، التحليق فوق إيران يوميًا. تُسيّر طيران الإمارات وفلاي دبي رحلات مباشرة إلى طهران من الجنوب. واستأنفت الخطوط الجوية القطرية تسيير رحلاتها عبر العراق وإيران، بما في ذلك رحلات إلى كاتماندو ودلهي وكوالالمبور.
الرحلات التي تعبر إيران هي في المقام الأول تلك التي تسافر بين أوروبا الغربية وجنوب آسيا أو الشرق الأقصى. ومن أبرز هذه المسارات:
جنوب شرق، مرورًا بطهران، يزد، وكرمان.
المسار L124 - يعبر وسط إيران في منطقة زاهدان، ويستمر إلى باكستان، عُمان، أو الهند.
هذه المسارات أقصر بكثير من الطرق الالتفافية عبر الخليج، القوقاز، أو المملكة العربية السعودية.
ما هي شركات الطيران التي تستخدم المجال الجوي الإيراني؟
طيران الإمارات
فلاي دبي
الخطوط الجوية القطرية
الخطوط الجوية التركية
خطوط بيغاسوس الجوية
إيروفلوت
الخطوط الجوية الأوزبكية
الخطوط الجوية الصربية
طيران الجزيرة
العربية للطيران
كام للطيران (أفغانستان)
ماهان للطيران (إيران)
الخطوط الجوية السورية
ما هي شركات الطيران التي تتجنب إيران تمامًا؟
لوفتهانزا، الخطوط الجوية السويسرية، الخطوط الجوية النمساوية
الخطوط الجوية البريطانية
كيه إل إم
الخطوط الجوية الفرنسية
إيبيريا
فين إير
الخطوط الجوية الإسكندنافية (ساس)
فيرجن أتلانتيك
الخطوط الجوية الأمريكية
يونايتد إيرلاينز
خطوط دلتا الجوية
وطبقا للتحقيق فإن الخطوط الجوية الإسرائيلية (إل عال، يسرائير، أركيا، حيفا للطيران) - أيضًا لا تحلق فوق إيران أو العراق أو اليمن.
وخلص التحقيق إلى ان معظم شركات الطيران العالمية الكبرى تتجنب التحليق فوق إيران واليمن والعراق. مع ذلك، إذا كنت قلقًا، يُنصح بزيارة موقع شركة الطيران الإلكتروني لمراجعة المسار المُخطط له قبل حجز رحلتك.