سارة حواس: 20 شاعراً أميركياً «ولاؤهم للروح»
تاريخ النشر: 26th, January 2025 GMT
صدر مؤخراً عن بيت الحكمة للثقافة، كتابٌ جديد للدكتورة سارة حامد حوَّاس، مدرس اللغويات التطبيقية بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة القاهرة، تحت عنوان «ولاؤهم للروح.. عشرون شاعراً أميركياً حازوا جائزة بوليتزر»، يقع الكتاب في أربعمائة صفحة من القطع المتوسط، متضمناً مختارات شعرية، مع استعراض لسيرة كل شاعر، حرَّر الكتاب وقدَّمه الشَّاعر أحمد الشَّهاوي.
وقالت د. سارة حواس: «لا أُقْبِلُ على ترجمة قصائد من دُون قراءة كل ما يخصُّ الشَّاعر من خلفياتٍ اجتماعيةٍ وثقافيةٍ، لأفقهَ ما بين السُّطور وأقرأ ما يهمُّه، وما كان يشغله وما هدفه من كتابة الشعر، وما دوافعه الحقيقية لها. كل هذه الأشياء تُسهِّلُ عليَّ بوصفي مُترجمةً فهم قصائده بشكل أفضل وأوضح، حتَّى أنها تجعلني أتوحَّد مع أفكاره ومشاعره، وأندمجُ أكثر مع ما يشغله، وذلك يجعلني أيضاً أُجيدُ فكَّ شفرات كل شاعرٍ عندما يكتُبُ كلماتٍ أو سُطوراً أو حتى قصيدة كاملة بشكلٍ غير مباشرٍ، ف أنا أُؤمنُ أنَّ القصيدة كالخزانةِ التي نملؤُها بالأشياءِ الثمينةِ لنقتنيها، والإنسان يُشبهُ دومًا ما يحبُّ، وأيضاً من يحب، وكيف لنا أن نعرفَ ما بداخل تلك الخزانة، من دُون أن نتعرَّفَ بالشَّاعر ونفهمه ونتقرَّب منه، حتى يفتحَ لنا خزانته، ونرى ما بداخلها من جواهرَ وكنوزٍ خاصة به، ظل يجمعها طوال حياته؟ يتفقُ معي البعض أويختلفُ معي البعض الآخر، ولكن ذلك ما أُؤمنُ به وأتبنَّاه في ترجمة الشِّعر».
رُوح جديدة للنص
وأكدت حواس أنها لا تبحثُ عن الاختلافِ في ترجمةِ الشِّعر بقدر ما تبحثُ عن صنع رُوحٍ جديدةٍ للنص الشِّعري، رُوحٌ تجعل للنصِّ معنى وشكلاً جديداً قريباً من المعنى بقدر الإمكان ومن دُون خيانةٍ للنصِّ الأصلي، وبعيداً كل البعد عن التقليديةِ واستخدام المفردات القديمة التي تجعلُ شاعراً أميركياً في العصر الحديث، يبدو كأنه المتنبي أو البحتري، أبعد عن النقل الحرفي والإضافات الزائدة بإفراطٍ، فكلاهما خيانةٌ كبرى في حقِّ النصِّ الأصلي، أحبُ أن أنقلَ رسالة الشَّاعر كما هي من دُون زيادةٍ أو نقصانٍ، لا أُؤلف تشبيهاً لم يذكره شاعرٌ ولا أُنْقِصُ تشبيهاً ذكره».
وأضافت: «اخترتُ عشرين شاعراً أميركياً مُتحقِّقاً، وهم: بول مولدون وچون أشبري وبيتر بالاكيان وچريكو براون وچون بيريمان وجاري سنايدر وتشارلز رايت ويوسف كومنياكا وأرشيبالد ماكليش وويليام كارلوس ويليامز وتيد كوزر وچورچ أيكن ومارك ستراند وويليام ستانلي مروين وويليام موريس ميريديث چونيور وريتشارد ويلبر وريتشارد إيبرهارت وروبرت هاس، وأخيراً ولأول مرَّة في تاريخ الشِّعْر في العالم، يفوز أب وابنه چيمس رايت الأب وفرانز رايت الابن بجائزةٍ كبيرةٍ هي بوليتزر، ومن ثم جعلت الشَّاعرين يختمان كتابي، لأنني اتبعتُ ترتيباً زمنياً من الأقدم إلى الأحدث.
وهؤلاء الشُّعراء جميعاً نالوا من الشُّهرة الكثير، وجميعهم حازوا أكبر الجوائز الأدبية الأميركية مثل: جائزة بولينجن وجائزة الكتاب الوطني وجائزة ماك آرثر جينيس، التي نالها الشَّاعر جريكو براون في 2024، صاحبُ الشكل الشعري الجديد دوبلكس Duplex، والذي ترجمتُ له ثلاث قصائد وكتبت عن سيرته الشعرية وعن كشْفِهِ لشكلٍ شعريٍّ جديدٍ، كما أنه أصغرُ فائزٍ بجائزة بوليتزر، حيثُ نالها في عام 2020 وهو في الرابعة والأربعين من عمره. وهناك أيضاً زمالة الأكاديمية الأميركية للفنون والعلوم وزمالة أكاديمية الشعراء الأمريكيين وزمالة جوجنهايم، وغيرها الكثير من الجوائز الأدبية الكبرى في الولايات المتحدة الأميركية.
أكثر من عينين
من جانبه ذكر الشاعر أحمد الشهاوي في مقدمته للكتاب إلى أنه «عندما تترجمُ سارة حوَّاس ترى العالم بأكثر من عينين، على الرغم من وعيها اللافت بأنَّ صُعُوبة الترجمة ومشقَّتها تتبدَّى ظاهرةً في ترجمة الشِّعْر، ولذا فهي تنصتُ إلى المُكوِّنات والقيم الشِّعرية داخل النصِّ الشِّعْري، فلا استسهالَ في عملها، بل يرى المتلقِّي لترجماتها جدِّيةً وصرامةً وبحثًا دؤوبًا فيما وراء النصُوص والمحسُوسات من معانٍ تعبيريةً وقيمٍ جماليةٍ، مُستلهمة ما تفيضُ به النفوس، وما ما يعتملُ في القلوب من مشاعر ووجدانيات. ولعل جهد الدكتورة سارة حامد حوَّاس الأساسي فيما أنجزت من ترجماتٍ شعريةٍ من الإنجليزية إلى العربية، ومن العربية إلى الإنجليزية قد تركَّز في تطويعِ اللغة لتقبُّل المعاني الأجنبية قبولاً لا يظهرُ فيه شذوذٌ أو التواء، وجهدها الآخر في اندماجها مع من تترجمُ له، فتحسُّ بروحه، وترى بعينيه، وتنطقُ بلسان تعبيره، وتكُونُ في حال تطابقٍ حدّ الاتحاد، وأظنُّها الدرجة العليا في الترجمةِ، أو ما يمكنُ تسميته النقل الإبداعي».
وأضاف الشهاوي: «القصيدةَ المُترْجَمةَ عند سارة حامد حوَّاس تصيرُ نصاً موازياً للقصيدة الأصلية، فالمترجم العارف من وجهة نظري يرتفع فوق النصِّ الذي يترجمه، بعدما يصبحُ متمكناً من كل مفاصله.
وإلى جانب إدراكها المعنى وظلاله والنصوص الغائبة الكامنة في النصِّ، فإنها تُحاولُ طَوال الوقت نقلَ الجو العام للنصِّ الشِّعري، مُستقرئةً المعاني الكامنة، مستنكهةً الخيارات الدلالية، ولا تغفلُ الفروقَ الإيقاعيةَ في اللغتين المُترجَم منها والمُترجَم إليها».
وذكر الشهاوي أن «سارة حوَّاس قد ذهبت بوصفها مُتخصِّصةً في اللغوياتِ الإنجليزيةِ نحو أعقد المُنتجات اللغوية وهو ترجمةُ الشِّعْرِ، وذلك ما مثَّلَ تحديًّا أمامها، لكنَّها تسلَّحتْ بشِعريَّتها، وشُعورها، وحِسِّها، وحدْسها، ولُغتها العربيةِ الصافيةِ والدَّالة، ودراستها الأكاديمية كونها أستاذاً أكاديمياً، فلم تقف حائرةً لتبحثَ عن دلالةِ صُورةٍ شعريةٍ أو إيقاعٍ بين اللغتين الإنجليزيةِ والعربيةِ أو بين العربيةِ والإنجليزيةِ، بل وفَّقتْ بين المبنى والمعنى، ولم تقطع أيَّ رباطٍ بينَ الصَّوت والمعنى».
وأكد الشهاوي «أنَّ الجهدَ الذي تبذلهُ سارة حوَّاس في سياقِ مشرُوعها لترجمة الشِّعر، من شأنه أن يُسهمَ في تطويرِ القصيدةِ العربيةِ، ويعرِّفُ أهلَ الشِّعْر بنماذج مُختارةٍ لأبرزِ الشُّعراء، حيثُ اختارت شُعراء مُهمِّين لهم تجاربُهم ومشروعاتُهم الشِّعْريةُ، فعملها ينعكسُ بالضرورة إيجابًا على الحركةِ الشعريةِ، خُصُوصًا أنَّها تترجمُ ما لا يراهُ أحدٌ في متْنِ النصِّ، وذلك هو جوهرُ الشِّعر». أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: أميركا الشعر الأعمال الشعرية جائزة بوليتزر جوائز بوليتزر بوليتزر بيت الحكمة فی ترجمة من د ون
إقرأ أيضاً:
كاتب إسرائيلي زار اليمن يروي عجائبها.. وهآرتس تتساءل: من يحمي كنوز البلد في ظل نظام الحوثيين وهجمات إسرائيل؟ (ترجمة خاصة)
في أوائل مايو، قصفت إسرائيل شمال اليمن بعد سقوط صاروخ باليستي أطلقه الحوثيون قرب مطار بن غوريون الدولي، خارج تل أبيب.
بعد الهجوم بوقت قصير، نُشر فيديو على موقع X يُظهر ثلاثة شبان يمنيين في لحظة غضب: كانوا يمضغون القات، ويحملون البنادق، ويرتدون الجلابيب التقليدية مع الجنبية، وهي خنجر قصير معقوف، تُزيّن أحزمتهم.
انتشر الفيديو على نطاق واسع في إسرائيل، مستقطبًا مئات التعليقات، وكثير منها ساخر. كتب مستخدم يُدعى أفيخاي بيليخ: "يبدو الأمر كما لو أن الطائرات حلقت بسرعة هائلة لدرجة أنها عادت بالزمن إلى الوراء وقصفت في القرن السابع".
وأضاف معلق آخر، يُدعى مائير كادمون: "إنهم ينافسون طالبان من حيث الملابس"، بينما أشار لافي آيزنمان: "كان عليّ أن أقنع نفسي بأن هذا ليس فيلمًا مُلوّنًا من عشرينيات القرن الماضي".
خلف هذا المظهر "المبالغ في أصالة المشهد" (في نظر الإسرائيليين)، يكمن دليل حي على ثقافة عريقة، تقليد عريق نجا من ويلات الزمن والحرب. يُلقي الفيديو، دون قصد، الضوء على العمق الثقافي لليمن، بلد مزقته الحروب، لكنه متجذر في تراثه.
يقول الكاتب والصحفي تسور شيزاف: "اليمن على بُعد أقل من ثلاث ساعات طيران من هنا، ولا نعرف عنه إلا القليل. إنه من أكثر البلدان سحرًا، بلد عالق في الزمن، متأخر بعقود عن بقية العالم". في عام 2007، سافر شيزاف إلى اليمن للقاء آخر يهود البلاد.
"هبطتُ في الثالثة فجرًا في مدينة أجنبية. أضاءت أضواء صفراء الطريق. ظهر باب اليمن، البوابة الحجرية الشهيرة لمدينة صنعاء القديمة، على يميني. ثم انزلقت سيارة الأجرة في طريق غائر، أشبه بقناة مائية بجدران على جانبيها. كان قاع الخندق مبللًا، فأشار السائق إلى علامة ارتفاع المياه على الجدران على ارتفاع متر ونصف (5 أقدام).
إنه نوع من طريق أيالون اليمني السريع في وسط المدينة"، كما كتب في مقال نُشر في مجلة "ماسا آخر" (اللغة العبرية) للسفر بعد الرحلة. جلس شيزاف قرب حي السائلة، الذي بناه يهود صنعاء داخل أسوار المدينة القديمة، يرتشف كوبًا من الشاي الساخن.
أمام عينيه، كان الأطفال يسخرون من بعضهم البعض، ويتسابقون في مياه الفيضان، ويقفزون على السيارات البطيئة، ويرمون قصاصات الورق التي جرفتها المياه. كتب: "ما أروع الماء وهو يتدفق عبر المباني المكونة من خمسة وستة طوابق، مبانٍ من الطوب الأحمر بثمانية أو ربما عشرة أنواع من الأقواس، محاطة بالأبيض... نوافذ من الزجاج الملون، وأبواب خشبية منخفضة ذات قوائم ثقيلة وأقفال متينة".
لماذا لا تستطيع إسرائيل والولايات المتحدة هزيمة الحوثيين في اليمن؟ هجوم الحوثيين على مطار إسرائيل الرئيسي يُثير صدىً في العالم العربي.
أدرجت اليونسكو مدينة صنعاء القديمة كموقع للتراث العالمي عام 1986. نفتالي هيلجر، المصور والمحاضر والباحث الثقافي، زار اليمن سبع مرات؛ ويصف مناظرها الطبيعية الخلابة. يقول: "كانت زيارتي الأولى لليمن عام 1987، وكانت الأخيرة قبيل وصول الحوثيين إلى السلطة عام 2014".
ويضيف: "مدينة صنعاء القديمة من أجمل المدن التي رأيتها. مبانيها عمرها حوالي 500 عام، ولا مثيل لها. هندستها المعمارية آسرة: أقواس فوق النوافذ، وزجاج ملون، وزخارف على الجدران، وأسلوب بناء فريد". عندما دخلتُ المدينة القديمة، شعرتُ وكأنني أدخل في نفق زمني. ترى مدينةً تبدو تمامًا كما كانت قبل ألفي عام، لكنها اليوم تنبض بالحياة. الأزقة ضيقة، ولا مكان للسيارات.
إنها ليست موقعًا أثريًا، بل مدينةٌ حية. إنها فرصةٌ نادرةٌ جدًا لرؤية مدينةٍ كهذه. يهتم اليمنيون كثيرًا بمظهر المباني، ولم أرَ مثل هذا الجمال المعماري في أي مكانٍ آخر.
لم يمنع تصنيف اليونسكو للمنطقة السعودية من قصفها عام 2015، خلال حربها مع الحوثيين. يقول هيلجر: "أعلم أن المدينة القديمة لحقت بها أضرار نتيجة الهجمات. كانت هناك أماكن يُفترض أن الحوثيين أخفوا فيها ذخائر وأسلحة، وقام السعوديون بقصفها. هناك مبانٍ دُمرت بسبب الهجمات. لا أرى أي قصف للمدينة القديمة حاليًا، لأنها ليست هدفًا استراتيجيًا".
يقول هيلجر إن من أبرز سمات الثقافة اليمنية الحفاظ على العمارة التقليدية. "في صنعاء، رأيت ورشًا لصنع الأقواس باستخدام أساليب البناء الحديثة. رأيت الناس يرسمون واجهات منازلهم، ويحافظون على هذه المباني ويدركون جمال هذا البناء".
لكن الحفاظ على التقاليد مسألة أوسع نطاقًا. نحن نتحدث عن بلد منغلق ومحافظ، لذا فإن ثقافته أيضًا خالية من التأثيرات الخارجية. على سبيل المثال، تُقام حفلات الزفاف مساء كل خميس. وقد حُفظت الموسيقى والإيقاع والرقص اليمني لمئات السنين دون تغيير. أي شخص يحضر حفل حناء يمنيًا في إسرائيل يرى نفس الرقصات ويسمع نفس الأصوات كما في اليمن اليوم.
رقصات بالخناجر
يقول هيلجر: "في عصر كل جمعة، يجتمعون في وسط المدينة لرقص الجنبية، وهو خنجر يمني يُستخدم أيضًا كقطعة من الحلي للرجال ورمز للمكانة الاجتماعية - وهذا هو أساسًا ترفيههم.
أما زيارات المتاحف والمسارح ودور السينما، فهي نادرة". ويضيف أنه بمجرد مغادرة صنعاء، تشعر فورًا أن اليمن من أفقر دول العالم. "لا توجد بنية تحتية، ولا مواصلات عامة، كل شيء هزيل".
كما يلعب نبات القات، وهو منشط يُشعر بنوع من النشوة عند مضغه، دورًا محوريًا في الثقافة المحلية. يقول هيلجر: "إنه مناسبة اجتماعية بارزة توحد حتى القبائل المتنافسة. يمضغون أوراق القات، ويأخذون كمية كبيرة منها ويمتصون عصارتها المرّة لساعات".
ونتيجةً لذلك، يغرق اليمن في غيبوبة القات بعد الظهر. "يتوقف كل شيء. يمضغ جميع الرجال تقريبًا القات، والنساء أيضًا. تبلغ قيمة سوق القات في اليمن حوالي 1.5 مليار دولار سنويًا، أي ثمانية أضعاف قيمة سوق القمح".
في الأيام التي سبقت الحرب الأهلية في اليمن، التي اندلعت عام 2004 وأدت إلى صعود الحوثيين، بدأت السياحة بالظهور تدريجيًا في البلاد. في صنعاء، افتُتحت العديد من الفنادق والمطاعم، وسُمح للسياح بالإقامة داخل المدينة القديمة. ووفقًا لهيلجر، شهدت السياحة أيضًا نموًا في الثمانينيات والتسعينيات، لكنها توقفت فجأة.
ويقول: "بدأت بعض القبائل في الشمال وفي المنطقة الجبلية باختطاف السياح كمصدر دخل. أقاموا حواجز على الطرق، ودعوا السياح إلى منازلهم، ثم منعوهم من المغادرة حتى دفعت الحكومة فدية. في النهاية، بدأت عمليات اختطاف السياح تحدث حتى في صنعاء. وقد قضى هذا بشكل شبه كامل على أمل تطوير السياحة في البلاد".
لولا الحوثيين وعمليات الاختطاف والحروب التي تعصف باليمن، لكانت البلاد وجهة سياحية للزائرين من جميع أنحاء العالم. أرخبيل سقطرى، وهو محافظة يمنية تتألف من مجموعة جزر في المحيط الهندي بالقرب من القرن الأفريقي، تصدّر عناوين الصحف مؤخرًا عندما احتلت بحيرة ديتواه التابعة له المرتبة الخامسة عشرة على قائمة أجمل شواطئ العالم.
أُدرج الأرخبيل كموقع للتراث العالمي الطبيعي لليونسكو عام 2008. كانت الجزر في وقت ما تحت سيطرة الحوثيين، لكنها في عام 2020 خضعت لسيطرة الحكومة في جنوب اليمن، المدعومة من الإمارات العربية المتحدة.
ومن الأمثلة الأخرى على الثراء الثقافي لليمن مدينة شبام، في محافظة حضرموت، التي تمتد من الحدود السعودية شمالًا إلى بحر العرب جنوبًا. وتُعتبر مدينة شبام القديمة المسورة، التي تعود إلى القرن السادس عشر، والمدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، نموذجًا للتخطيط الحضري القائم على مبدأ البناء العمودي.
يقول هيلجر: "يُطلق عليها اليمنيون اسم 'مانهاتن اليمن' نظرًا للأبراج السكنية المصنوعة من الطين - وهو مزيج من الطين والقش - والتي يتراوح ارتفاعها بين 13 و14 طابقًا". ويضيف أن مواد البناء في اليمن تختلف باختلاف المنطقة. فصنعاء، على سبيل المثال، بُنيت بالحجر المحمر الموجود في المنطقة، بينما في حضرموت، الأكثر جفافًا، تُبنى المباني بالطين والقش. وفي القرى القريبة من البراكين، يُستخدم البازلت الداكن. ويشير هيلجر إلى أن شبام نفسها قائمة منذ حوالي 2000 عام، وكانت محطة مهمة على طريق التوابل والبخور.
أما المباني الشاهقة التي نراها هناك اليوم، فقد بُنيت قبل 400 إلى 600 عام. وقبل حلول موسم الأمطار في شهري يوليو وأغسطس، يُغلق السكان أي شقوق في الجدران.
بخلاف المواقع الأخرى، لم تكتفِ اليونسكو بإعلان مدينة شبام القديمة موقعًا للتراث العالمي، بل خصصت أيضًا أموالًا للحفاظ عليها. ووفقًا لهيلجر، فهي من المواقع القليلة في العالم التي تدفع فيها اليونسكو لسكانها أموالًا ليس فقط لصيانة منازلهم، بل أيضًا لصيانة منازل جيرانهم الذين هاجروا إلى دول أخرى في الشرق الأوسط.
ويضيف هيلجر أن هذا إجراء بالغ الأهمية، "لأن المنازل غير المحمية قد تنهار، وعندما ينهار منزل واحد، قد يجرف معه الحي بأكمله، كتأثير الدومينو".
كيف يسمح الحوثيون بذلك؟ يقول هيلجر: "ليس لديهم سيطرة حقيقية على شبام وحضرموت وعدن. كانت هذه المنطقة في السابق معقلًا لتنظيم القاعدة، لذلك لم يكن من السهل عليهم حكمها. لقد نجحت اليونسكو في الحفاظ على العمارة في شبام ببراعة".
المسرح وفنون الأداء
بالنسبة للشباب اليمني، الثقافة ليست مجرد تعبير عن الهوية، بل هي أيضًا وسيلة للعصيان المدني. تقول إنبال نسيم-لوفتون، الخبيرة في شؤون اليمن في مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا بجامعة تل أبيب وفي الجامعة المفتوحة في إسرائيل، إنه في ظل واقعٍ تُقمع فيه حرية التعبير، يُصبح الفن أداةً سياسيةً واجتماعيةً - وخاصةً للنساء والشباب.
وتضيف: "يعيش الناس في ظل الحرب منذ أكثر من عقد. وفي خضم هذه الحياة اليومية، تُقام مبادرات ثقافية: مشاريع غرافيتي، وفنون أداء، ومسرح، تشارك فيها النساء بنشاط. إنهن عوامل تغيير في الفضاء الذي يعشن فيه، ويتمكنّ من التعبير عن أنفسهن رغم القيود".
وعلى سبيل المثال، تذكر أنشطة منظمة "نسيج"، التي تعمل مع الأطفال، وقد قدّمت عروضًا مسرحيةً للتوعية بقضية زواج الأطفال. وتقول نسيم-لوفتون إن هذه الأنشطة أصبحت ذات أهمية خاصة منذ وصول الحوثيين إلى السلطة، وهو تطورٌ أدى إلى مزيد من القيود على النساء، وخاصةً فيما يتعلق بحرية التنقل.
في بعض الأماكن، يُدير الحوثيون وحدات تُسمى "الزينبيات": نساء يرتدين ملابس سوداء، ويرتدين النقاب (غطاء كامل للجسم لا يُظهر سوى عيني المرأة) ويحملن أسلحة، ومهمتهن فرض قواعد سلوكية صارمة تجاه النساء.
تُوثّق المصورة بشرى المتوكل، المولودة في صنعاء، والتي انتقلت إلى الولايات المتحدة ثم إلى فرنسا، وضع المرأة اليمنية. يتتبع مشروعها "نساءٌ في زوال" التغيرات في ملابس المرأة اليمنية عبر التاريخ، من الملابس الملونة ذات الوجوه المكشوفة والابتسامات إلى النساء والفتيات المُغطات بالسواد، ووجوههن مُغطاة بالنقاب. تُعبّر صورها عن عملية محو المرأة.
ترسم الفنانة هيفاء سبيع، التي تعيش في عدن، خارج سيطرة الحوثيين، رسومات غرافيتي في شوارع المدينة. تُعبّر في عملها عن عواقب الحرب الدائرة في اليمن التي يخوضها الحوثيون منذ وصولهم إلى السلطة. جداريتها، المعنونة "سننجو معًا"، تُصوّر حملها كفضاء للأمل، وقوة المرأة، ورغبة في السلام.
في مقابلة مع مجلة "ذا أوربان أكتيفيست" المستقلة، قالت سبيع: "للألم والأمل معنيان مختلفان، لكنهما مرتبطان بكل تجربة أمومة تمر بها المرأة. في مواجهة الصراع الدائر وتأثيره على النساء والأطفال، تُحدث النساء انخراطًا غير مرئي من أجل السلام". في عام 2019، عرضت أعمالها في بينالي سنغافورة ضمن معرض "الحرب والبشر" بالتعاون مع متحف سنغافورة للفنون.
واجهت محاولات سبيع للرسم في صنعاء معارضة. استولى الحوثيون على لوحاتها، وأُجبرت على العودة إلى عدن. قالت آنذاك: "واجهتهم، وحاولت أن أشرح لهم أنني أيضًا ضحية للحرب". لكن هذه هي النقطة تحديدًا: كانوا يخشون أن يبدأ الناس بطرح أسئلة حول ما كُتب على الجدران. الناس هناك لا يتقاضون رواتبهم، ولا كهرباء ولا ماء. كانت الحياة في اليمن صعبة من قبل، ولكن على الأقل كانت هناك خدمات أساسية.
لكن سبيع لم تستسلم للفن. قالت: "أحاول توجيه رسالة للنساء الأخريات: أنهين الحرب وابني بديلًا بلا عنف. يجب ألا نستسلم".
*يمكن الرجوع للمادة الأصل: هنا
*ترجمة خاصة بالموقع بوست