استضافت قاعة "الصالون الثقافي" ضمن فعاليات الدورة الـ56 من معرض القاهرة الدولي للكتاب، ندوة بعنوان "ترجمة العلوم الإنسانية في زمن الذكاء الاصطناعي: المحور الثالث أخلاقيات الترجمة"، تحت إشراف الدكتور إسلام فوزي.

في بداية الجلسة، رحب الدكتور فوزي بالحضور، مشيرًا إلى أهمية دور المترجم في العصر الحالي الذي يشهد تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الترجمة.

تحديات ترجمة النصوص 

من جانبه، تحدث الدكتور أحمد بدران، أستاذ الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، عن التحديات التي تواجه النصوص الأصلية أثناء ترجمتها إلى لغات أخرى، لا سيما مع إدخال لغات نادرة ومختلفة في الترجمة للأعمال الأدبية. 

وأوضح أن من أهم هذه التحديات عدم إلمام المترجم باللغة الأصلية للنص، وبيّن أن الترجمة هي عملية تراكمية قديمة، وتستمر في التطور مع مرور الزمن، حيث يُضاف لها مصطلحات لغوية جديدة ورغم أن الذكاء الاصطناعي أداة لا تمتلك مشاعر ولا تستطيع أن تُعبّر عن البُعد الدلالي والعاطفي الذي يضيفه المترجم، إلا أن هذه التكنولوجيا توفر مميزات في توفير الوقت والمال.

لا يمكن الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي

أكد المترجم أحمد عويضة أنه لا يمكن الاعتماد بالكامل على الذكاء الاصطناعي في الترجمة، فهو لا ينقل العاطفة والمشاعر وروح النص، وهي الوظيفة الأساسية للمترجم. 

أضاف أنه يمكن الاستعانة بهذه التكنولوجيا في بعض الحالات لتوفير الوقت والمجهود، لكن لا يمكن الاعتماد عليها لترجمة نصوص كاملة، حيث قد تظهر النصوص مترجمة بشكل مشوه. وفي المستقبل، من الممكن أن يشهد الذكاء الاصطناعي تطورًا ليصبح أكثر دقة.

من جانبه، تحدث المترجم محمد مطاوع عن مشروعه "Plan Sheet"، وهو برنامج يساعد ذوي الإعاقة البصرية والحركية على تعلم الترجمة باستخدام الذكاء الاصطناعي، حيث يقوم البرنامج ببرمجة التعامل مع الكلمات والنصوص وأخلاقيات الترجمة. وأشار إلى أن البرنامج يضم حاليًا 17 متطوعًا من ذوي الإعاقة البصرية، مع أمل في زيادة هذا العدد قريبًا.

أما دكتور محمد نصر الجبالي، أستاذ الأدب الروسي في جامعة عين شمس وعضو المجلس الأعلى للثقافة، فقد أكد أن أخلاقيات الترجمة لا تتعلق بالمترجم فقط، بل أيضًا بعوامل أخرى مثل دار النشر التي قد تفرض بعض العناوين أو المواضيع غير المناسبة، بالإضافة إلى العقود المجحفة التي قد يتعرض لها المترجم.

واقترح تدريس مادة خاصة بأخلاقيات الترجمة في كليات الترجمة، بهدف إعداد جيل من المترجمين يكونون ملمّين بالقيم الثقافية والأخلاقية ويُقدّرون تقبل الآخر دون تحيز، مع ضرورة الاهتمام بالتوازن النفسي للمترجم.

فيما أكد الدكتور ياسر آمان، أستاذ بكلية الألسن جامعة المنيا، أن الذكاء الاصطناعي يمثل استعمارًا للعقول والقلوب، حيث يترجم النصوص بناءً على البيانات والمعلومات المسجلة به، حتى وإن كانت هذه البيانات مغلوطة أو متحيزة. 

وأضاف أن استخدام الذكاء الاصطناعي ينطوي على بعض المخاوف، خصوصًا فيما يتعلق بعدم دقة الترجمة، حيث يمكن أن يتم تعديل النصوص وفقًا لأجندات أو خوارزميات مسجلة مسبقًا.

أعربت الدكتورة صفاء نور، مدرس اللغة والدراسات اليابانية بجامعة القاهرة، عن رأيها بأن الذكاء الاصطناعي يعد أداة فعّالة لتوفير الوقت والمجهود، ولكنها لا يمكن أن تحل محل المترجم بشكل كامل دون الاهتمام بأخلاقيات العمل. 

وأكدت أن المترجم هو المسؤول الأول عن الحفاظ على أخلاقيات الترجمة، حيث يتحكم هو في الآلة وليست الآلة هي من تتحكم فيه، مشيرة إلى أنه رغم قوة الذكاء الاصطناعي، فإنه لا يمكنه نقل المشاعر وروح النص التي يتقنها البشر.

يُذكر أن معرض القاهرة الدولي للكتاب يُقام في الفترة من 23 يناير وحتى 5 فبراير تحت شعار "اقرأ.. في البدء كانت الكلمة"، بمشاركة 1345 ناشرًا من 80 دولة، ويضم أكثر من 600 فعالية ثقافية.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: أخلاقيات العمل العلوم الإنسانية المجلس الأعلى للثقافة بشكل كامل ترجمة النصوص توفير الوقت جامعة القاهرة جامعة المنيا الذکاء الاصطناعی لا یمکن

إقرأ أيضاً:

الكادحون الجدد في مزارع الذكاء الاصطناعي

هل يساعدك الذكاء الاصطناعي على إنجاز مهامك في العمل؟ إذا كانت إجابتك نعم، فهذا يعني أن مديرك سيتوقعُ منك ما هو أكثر من اليوم فصاعدًا، أكثر مما كنت تقوم به في الأيام الخوالي يا عزيزي الكادح. مع الأسف، إنجازك السريع للتكليفات بمساعدة تشات جي بي تي لن يمنحك الرخصة للعودة إلى البيت قبل نهاية الدوام الرسمي، بل سيغري الشركة بزيادة كم التكليفات الملقاة على عاتقك، لم لا وقد أصبحت تنجزها في وقت أقل، بل وتتباهى بذلك؟! وربما سترسلك إدارة الشركة إلى دورات وورش تدريبية كي تتعلم أشغالًا جديدة لم تكن في يوم من الأيام ضمن المهام التقليدية لتعريفك الوظيفي. سيتسعُ نطاق تعريفك الوظيفي ليشمل وظائف أخرى مع تغير المعنى التقليدي للوظائف في كل القطاعات. كل ذلك لأنك أصبحت إنسانًا مُطوَرًا بنظر أرباب العمل، إنسانًا «أذكى» مما كنت عليه، ولذلك صار عليك أن تنتج أكثر مما كنت تنتجه خلال ساعات العمل المنصوص عليها في العقد.

تذكَّر، هناك من يربح أكثر لأنك تستخدم الذكاء الاصطناعي، عزيزي الكادح. أنت منذ الآن إنسان مُلحق بأدوات مساعدة، إنسان معدَّل بالآلة لصالح هذه الخدمة. سيرتفع من معدل إنتاجيتك الفردية خلال ساعات العمل بما يؤدي لرفع معدل إنتاجية الشركة في المحصلة، لكنك لن تعود إلى البيت قبل الخامسة مساءً في الغالب، يؤسفني تعكير المسرات.

باعتمادك واعتمادهم على مساعدة الذكاء الاصطناعي، والذي بات مسألة منتهيةً لا مفرَّ منها، يُقدم الكادحون الجدد حول العالم أدلة يومية من واقع العمل على أنهم أرقام زائدة يمكن الاستغناء عنها ما دام الذكاء الاصطناعي يعمل بهذا القدر من السرعة والكفاءة. ما الذي يمنع ذلك ما دام المنطقُ الرأسمالي الذي تعمل به الشركات يرى الذكاء الاصطناعي أكثر طاعة ومطواعية بخلاف البشر، فإنهم مماطلون وعنيدون، ومجبولون على حب السجال دائمًا حول كل صغيرة وكبيرة، كما أنهم يبدون استعدادًا فطريًا للمقاومة، وهذا أكثر ما يرهق العقلية السلطوية التي تُدار بها المؤسسات.

الأدلة تتزايد كل يوم على الطريقة التي يعمق بها الذكاء الاصطناعي غياب العدالة والمساواة في بيئات العمل. ننسى أحيانًا ونحن نمدح دوره في مساعدتنا على إنجاز مهام لا نتقنها، أن هناك شخصًا سهر وكابد لسنوات من أجل تعلم تلك المهارات اللازمة التي لا نملكها. بهذا المعنى فإن الذكاء الاصطناعي يضع المؤهل وغير المؤهل متساويين على خط السباق، ويعزز من إمكانية نجاح المواهب المزيفة على حساب المواهب الحقيقية المصقولة بتعب الزمن. نرى ذلك عيانًا ونعايشه في معسكرات الإنتاج الرأسمالي، المريضة من قبل بحمى التنافسية غير العادلة، وقد أصبحت اليوم بيئات أكثر عدوانية لا فرصَ فيها إلا للانتهازيين الشطَّار الذين يُفضلون الطرق المختصرة على مشقة التعليم المضني والممل.

في سياق هذا التحول المخيف تدخل الرأسمالية عصرها الجديد مع ثورة الذكاء الاصطناعي، حيث تغدو الشركات الكبرى نموذجًا للدكتاتوريات العصرية في صورة تتجاوز وتقهر حتى دكتاتورية الدولة التقليدية. لا تتوانى هذه الدكتاتوريات الرأسمالية عن تطبيق المقولة الاستعمارية المجرَّبة «فرّق تسد»، وذلك عبر إحلال الذكاء الاصطناعي محل العامل البشري، أو من خلال تسليطه رقيبًا عتيدًا على سلوك الموظفين، فيتتبع بياناتهم الخاصة ويراقب ويحلل طبيعة التواصل فيما بينهم كي يمنع أي حالة من التكتل أو الفعل الجماعي المقاوم. ففي بيئات الإنتاج المراقبة بالحسَّاسات والكاميرات الذكية يُطور الذكاء الاصطناعي آليات الرقابة على السلوك والأجساد، والتي بلغت تطبيقاتها في كبريات الشركات العالمية إلى حد تثبيت أنظمة لمراقبة الوقت خارج المهمة (Time off task) فأي شرود أو سهو عن المهمة قد يُعرض الموظف لعقوبة الخصم.

بات واضحًا أن التاريخ ينساق لصدامٍ حتمي بين الإنسان ووحش الآلة. فهل يُنذر هذا التحول بثورة عمَّالية على استبداد الذكاء الاصطناعي يمكن أن نشهدها في المستقبل؟ إعجاب الأفراد اللاواعي بمساهمة الذكاء الاصطناعي في تسهيل وتسريع أنشطتهم الوظيفية يشي بإذعانٍ متمادٍ، ويجعل من التنبؤ بثورة عمَّالية على هذا الاستبداد فرضية مكبرة. ولكن هل يمكن التفكير بأساليب مقاومة بطيئة إلى ذلك الحين؟ في بيئة سلطوية مطلقة تقوم على تفكيك العلاقات وبتر الصلات الحميمة، وعلى تفتيت الجماعة البشرية إلى أفراد معزولين ومراقبين كل على حدة، لا أرى سوى «المماطلة» خيارًا أخيرًا للمقاومة الفردية بالنسبة للكادحين الجدد.

سالم الرحبي شاعر وكاتب عُماني

مقالات مشابهة

  • كيف تكشف التزييف في عصر الذكاء الاصطناعي؟
  • في فبراير القادم.. جامعة بنها تطلق مؤتمرها الدولي الثاني تكامل العلوم الإنسانية والتكنولوجية
  • ما الذي تغفله هوليوود عن الذكاء الاصطناعي؟
  • مفاجآت عن تأثير الذكاء الاصطناعي على مستقبل التصميم في مصر
  • الكادحون الجدد في مزارع الذكاء الاصطناعي
  • جوجل تختبر الإعلانات في وضع الذكاء الاصطناعي
  • هل يزيدنا الذكاء الاصطناعي ذكاءً؟
  • صالون أوبرا الإسكندرية الثقافي يناقش "حرب اللغات في عصر الذكاء الاصطناعي"
  • الذكاء الاصطناعي يكشف سرا خفيا في لغة الأسود
  • «العين للكتاب 2025» يناقش دور الذكاء الاصطناعي في الحفاظ على الثقافة