الرئيس التنفيذي للعمليات في «بريسايت» لـ«الاتحاد»: أبوظبي واحة الذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 27th, January 2025 GMT
يوسف العربي (أبوظبي)
تسهم استثمارات أبوظبي الاستراتيجية في البنية التحتية للتكنولوجيا ومراكز البيانات بصورة حاسمة في ضمان ريادة الإمارة بقطاع الذكاء الاصطناعي، حسب الدكتور عادل الشرجي، الرئيس التنفيذي للعمليات في «بريسايت» ، الشركة الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة.
وقال في حوار مع «الاتحاد»: تشكل مراكز البيانات المتصلة جيداً العمود الفقري للاقتصاد الرقمي لأبوظبي، حيث تعمل على تمكين كل شيء، بدءاً من الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وصولاً إلى تشغيل التطبيقات المؤسسية.
وأكد الشرجي أن أبوظبي أرض خصبة للشركات والباحثين في مجال تطوير ونشر حلول الذكاء الاصطناعي عبر العالم بفضل السياسات والأطر التنظيمية التي تشجع الاستثمارات والشراكات الأجنبية.
وأضاف: يعتبر «جيس» Jais من أهم ابتكارات مجموعة «جي 42»، وهو نموذج لغوي كبير متقدّم يركز على اللغة العربية ومصمم لتسهيل الوصول إلى الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات وهو نموذج محلي الصنع في أبوظبي، يوفر لأكثر من 400 مليون متحدث باللغة العربية الفرصة للاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وقال: تسهم هذه المبادرات في جذب المواهب وتعزيز الابتكار، لإنشاء بيئة مزدهرة لتطوير الذكاء الاصطناعي. وتتيح «بريسايت» التابعة لمنظومة «جي 42»، إمكانية الوصول إلى مجموعة ضخمة من المواهب والتكنولوجيا وفرص التواصل، فضلاً عن فرصة لتنفيذ أكثر الحلول ابتكاراً عبر القطاعات الصناعية.
عوائد استثمارية
وحول العوائد على الاستثمار في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي قال الرئيس التنفيذي للعمليات في «بريسايت»: يتحقق العائد على الاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال الفوائد على المدى القصير والمدى الطويل فعلى المدى القريب، يتيح الذكاء الاصطناعي للشركات أتمتة المهام الروتينية، وتعزيز الكفاءة وتحسين اتخاذ القرارات، إلى جانب تعزيز استخدام الموارد. ويؤدي ذلك إلى تقليل التكاليف - حيث أظهرت دراسة أجرتها شركة «ستاتيستا» أن 4% من الشركات حققت وفورات في التكاليف بنسبة لا تقل عن 20%، بينما خفضت 28% تكاليفها بنسبة تصل إلى 10% أو أقل بعد تطبيق الذكاء الاصطناعي. وقال إنه على المدى البعيد، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحدث تغييرات جوهرية تشمل توفير رؤى أعمق وتحسين التنبؤات، مما يمنح الشركات ميزة تنافسية ويساعدها على تحقيق نموّ مستدام.
القطاعات المستفيدة
وقال إنه من المتوقع أن تؤثر التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي على كل قطاع تقريباً، ولكن بعض القطاعات ستستفيد بصورة أكبر نتيجة لاعتمادها على معالجة البيانات واتخاذ القرار والأتمتة. وتشمل بعض هذه القطاعات: السلامة العامة، والمالية والمصرفية، والطاقة والمرافق، والرعاية الصحية، والنقل والخدمات اللوجستية، والتعليم.
وأوضح أنه في مجال السلامة العامة، يسهم الذكاء الاصطناعي بدور رئيسي في منع حالات الطوارئ والاستجابة لها. وتعدّ منصّة الاستجابة للطوارئ LifeSaver التي طورتها «بريسايت» تأكيداً على ذلك. وفي مجال المالية والمصرفية، هناك فرصة هائلة لتحسين تجارب العملاء بالإضافة إلى تعزيز ممارسات الامتثال والتدقيق. وأظهر الإطلاق الأخير لـ ENERGYai بوساطة AIQ، المشروع المشترك بين «بريسايت» و«أدنوك»، القيمة الهائلة التي يمكن أن تحققها منصّة مدعومة بالذكاء الاصطناعي في مجال تحوّل الطاقة.
واستكمل: على صعيد الرعاية الصحية، يقود الذكاء الاصطناعي تطورات التشخيص والطب المخصص واكتشاف الأدوية والجراحة الروبوتية والتحليلات التنبئية لرعاية المرضى، بما يساهم في تشخيصات أسرع وأكثر دقة وتكاليف أقل ونتائج أفضل للمرضى وفي مجال النقل والخدمات اللوجستية، يمكننا أن نرى تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المركبات ذاتية القيادة، وتحسين المسار، وتوقع الطلب، وأتمتة المستودعات، مما يؤدي إلى أنظمة نقل أكثر أمانًا وكفاءة، وإلى خفض تكاليف الخدمات اللوجستية والتسليم، وفي التعليم، تؤدي منصّات التعلم الشخصية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، والتصنيف الآلي، ومساعدي التدريس الافتراضيين إلى تجارب تعليمية أكثر سهولة في الوصول وتلبية احتياجات المتعلمين المتنوعة.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: جي 42 التقنيات الحديثة الذكاء الاصطناعي التقنيات الرقمية التكنولوجيا أبوظبي الإمارات الذکاء الاصطناعی فی مجال
إقرأ أيضاً:
هل روبوتات الذكاء الاصطناعي مجرّد ضجيج أم أمل حقيقي؟
ترجمة: بدر بن خميـس الظفري
طالما حلم الإنسان بأن تتولّى الآلات عنه الأعمال الشاقّة، وأن تساعده في المهام الذهنية كذلك. وعلى مدى القرون، ازداد اعتماد البشر على الآلات بوتيرة متسارعة، حتى وصلنا اليوم إلى مرحلة باتت فيها الروبوتات تؤدي شتى أنواع المهام اليدوية، وتُظهر مهارات لافتة.
وينطبق الأمر نفسه على الأنشطة الفكرية. فمنذ ظهور برنامج «تشات جي بي تي»، أصبح الجميع يدرك حجم الإمكانات التي يحملها الذكاء الاصطناعي. والمشهد مذهل بالفعل: كيف يمكن لبرامج أن تمتلك هذا القدر من المعرفة، وأن تنتج نصوصا واستنتاجات تبدو منطقية؟ وهل هناك حدّ لما قد تبلغه؟ ولماذا تحتاج هذه الأنظمة إلى موارد هائلة من البيانات والطاقة الحاسوبية؟
لكن لنبدأ من البداية، فمصطلح «الذكاء الاصطناعي» ظهر في خمسينيات القرن الماضي، وصاغه عالم الرياضيات الأمريكي جون مكارثي خلال ورشة عمل كانت مخصّصة للبحث في مستقبل قدرات الحواسيب. وقد قال لاحقا إن المصطلح لم يأت نتيجة تفكير علمي عميق، بل لأنهم أرادوا عنوانا مثيرا يجذب التمويل اللازم للورشة!
ومع ذلك، فإن فكرة الآلة الذكية سبقت ذلك بكثير؛ ففي عام 1939 عرضت شركة «وستنغهاوس» خلال معرض نيويورك العالمي نموذجا بشريّ الشكل يدعى «إلكترو»، قادرا على المشي والكلام والسمع.
وبمعايير اليوم، كان الروبوت بدائيا للغاية، لكنه جسّد مبكرا مفهوم الروبوت الإنساني، وكان يرافقه جهاز آخر على شكل كلب يُسمى «سباركو». وفي عام 1941، قدّم المهندس الألماني كونراد تسوزه أوّل حاسوب حديث، ثم طُوّرت أنظمة التحكم بالحركات الكهربائية عبر الحاسوب في أوائل الخمسينيات ودخلت مرحلة الإنتاج. تلك الخطوات كانت الأساس الذي قامت عليه الأنظمة الحالية، وإن كان أحد في ذلك الوقت لا يتخيّل مدى ما ستصل إليه الحواسيب اليوم.
هذه التطورات تطرح سؤالا أساسيا: هل يمكن للآلات أن تضاهي الذكاء البشري، أو حتى تتجاوزه؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك؟ أرى أن المسألة تقوم على ثلاثة مستويات.
أولا، درج الذكاء الاصطناعي التقليدي على محاكاة قدرات معرفية بشرية معينة، ولكن ضمن نطاق ضيّق، ومع ذلك، يمكنه إنجاز المهام بسرعة وكفاءة أكبر. من ذلك التفكير الرياضي، ولعب الشطرنج، وقراءة الخرائط للملاحة. اليوم، يُعدّ من المسلّم به أن هذه مهارات بشرية يمكن نقلها إلى الآلات، لكن في عام 1956 كانت أقرب للخيال العلمي.
لقد أصبحت هذه الأحلام واقعا، لكنها لم تعد تُصنّف ضمن «الذكاء الاصطناعي» بالمعنى الشائع. وكما قال مكارثي: «عندما يعمل النظام جيدا، لا يعود أحد يسمّيه ذكاء اصطناعيا». أما الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي، وهو الذكاء الاصطناعي التوليدي، فقد دخل الوعي العام بقوة، ويمتاز بقدرته على إنتاج نصوص وصور وأصوات جديدة استجابة لتعليمات تُكتب بلغة طبيعية.
غير أن تدريب هذا النوع من «الذكاء الاصطناعي غير المجسّد» يعتمد على كميات ضخمة من البيانات المأخوذة من الفضاء الرقمي، ويتطلب قدرة حسابية هائلة. وهذا يعني أنه يرتبط بعالمنا الواقعي بشكل غير مباشر للغاية. ثانيا، يمكن إيجاد بيئة رقمية تحاكي قوانين الفيزياء في العالم الحقيقي بهدف إنتاج بيانات أقرب إلى الواقع لتدريب الأنظمة الذكية. في هذه البيئة، تُحاكي الأشياء الافتراضية خصائص الأشياء المادية بدقة كبيرة. فمثلا، تسقط قطرة الماء وتتحرك كما تتحرك في الطبيعة.
وفي هذا «العالم الافتراضي»، أو ما يُعرف بـ«الميتافرس» (العالم الماورائي الرقمي)، يمكن تدريب أنظمة التعلم الآلي على الاستكشاف والتجربة، وتنمية حسّ الفضول والقدرة على التعامل مع تنوّع المواقف.
غير أن هذا العالم، مهما بلغ تشابهُه مع الواقع، يظل من صنع الإنسان ويُصوّر العالم من منظور الإنسان فقط. وبالتالي، لا يمكن أن نتوقع فيه المفاجآت الحقيقية التي شكّلت مسار حياتنا وأسهمت في تطوّر الذكاء البشري.
في المستوى الثالث، يمكن تجاوز تلك القيود من خلال تمكين الحواسيب من العمل باستقلالية داخل العالم الحقيقي عبر الروبوتات التي تستشعر بيئتها باستخدام المجسّات. وبفضل أدوات الحركة المدمجة فيها ـ مثل الأيدي والأذرع والأرجل ـ تستطيع هذه الروبوتات تغيير بيئتها، ثم ملاحظة النتائج المترتبة على ذلك.
وهكذا تنشأ «حلقة مغلقة» تجمع بين الإدراك، والفهم الذكي، وتنفيذ الأفعال. وبذلك يصبح بإمكان الآلة المزوّدة بنظام ذكاء اصطناعي مدمج أو متصل بها خارجيا أن تخرج إلى العالم «بمفردها»، وأن تتعلم وتطوّر ذكاءها الخاص. ويُطلق على هذا النوع من الذكاء اسم «الذكاء المجسّد»، لأنه مرتبط بجسد، ومصمّم بما يتناسب مع خصائص الروبوت نفسه، من طريقة إدراكه للعالم إلى قدرته على التفاعل معه.
ماذا يمكن أن نتوقع في المستقبل؟ من الواضح أن دمج الذكاء الاصطناعي بالروبوتات ـ وليس بالضرورة الروبوتات الشبيهة بالبشر التي تمتلك سيقانا، بل بمختلف أشكالها ـ هو الطريق الذي سيُسهم في جعل الآلات الذكية قادرة على أداء مهام مفيدة.
فإذا استطاعت هذه الكيانات «المجسّدة» أن تفهم عالمنا الحقيقي مباشرة، وأن تمزج هذا الفهم بما اكتسبته من الفضاء الرقمي، فقد يؤدي ذلك إلى تآزر أو علاقة تكاملية تجعل الإنسان أكثر ذكاء وتفتح أمامه آفاقا أوسع بكثير.
ويتحمل واضعو السياسات والباحثون مسؤولية رئيسية في الاستثمار في هذا النوع من الروبوتات باعتباره جزءا أساسيا من مهمتهم في دعم تطور الإنسان. كما أن الفوائد العملية لاستخدام هذه الآلات في عمليات الإنتاج ستظهر بوضوح في المدى القصير والمتوسط.
إن البلدان التي تمتلك أعلى كثافة من الروبوتات ـ مثل الصين، وكوريا الجنوبية، وسنغافورة، وألمانيا، واليابان ـ تتمتع بأفضلية إنتاجية هائلة. ومن المتوقع أن يتّسع هذا الفارق بدرجة كبيرة مع دخول الوكلاء المجسّدين إلى خط الإنتاج.
أما الدول التي تمتلك قاعدة صناعية واسعة وموارد بيانات كبيرة، وتعرف كيف توفّق بين البرمجيات وأنظمة الحوسبة المدمجة والمجسّات والميكاترونكس والذكاء الاصطناعي، فهي الأكثر قدرة على طرح هذه الآلات في الأسواق.
وليس من قبيل المصادفة أن هذه الدول هي بالفعل في طليعة صناعة الروبوتات.
ومع الإنجازات اللافتة التي تحققها الشركات الناشئة الصينية في مجال الروبوتات الشبيهة بالبشر، ومع الهدف المعلن للصين بأن تصبح رائدة في الذكاء الاصطناعي المجسّد ـ كما ورد في توصيات الخطة الخمسية الصينية الخامسة عشرة (2026-2030) ومبادرة «الذكاء الاصطناعي بلس» ـ فإننا نتوقع إنجازات كبيرة إذا ما نُفّذت هذه الخطط بذكاء.
كما أن المنافسة الدولية تتصاعد، ما يجعل السنوات المقبلة حبلى بابتكارات لافتة في هذا المجال. وأنا شخصيا لا أطيق الانتظار لرؤية ما سيظهر.